الاثنين، 28 سبتمبر 2009

أربعة حروب والعد مستمر(6-10)

أربعة حروب والعد مستمر
إعادة النظر في المعنى الأستراتيجي للحرب على العراق

أنتوني . كورد سمان
ترجمة الباحث: أمير جبار الساعدي

وعملياً فقد أدى هذا بالمعارضة لتبني ستراتيجية تضم العناصر التالية:
* عناصر مشتتة تنظمت بتركيب أشبه بالخلية تستخدم غالباً رجالاً للقيام بهجمات فعلية وهذه التراكيب لها معرفة قليلة أو حتى دون معرفة منهم بالتركيب القيادي والمالي الأعلى منهم. وتتحرك عملية ترهيب وقتل العراقيين الذين يقدمون استخبارات بشرية كلما امكن ذلك وكذلك تعزيز الملاذ ال
أمني في المناطق التي تدعم أنصار النظام السابق، تحركاً مستمراً وتلجأ الى اسماء مزيفة والى اسلوب الخداع من اجل تعقيد مهمة جمع المعلومات من الاستخبارات البشرية.
* ركزت الهجمات على شخصيات بارزة ممن قد تجذب صدى إعلامي واسع وكذلك تؤثر في العراقيين وترهبهم وفي نفس الوقت تعطي أنطباعاً بالقدرة على تنفيذ هجمات أكثر نجاحاً مما تم تنفيذه.
* الحفاظ على سيل مستمر من الضحايا الأمريكيين في محأولة للحصول على تأثير سياسي في الولايات المتحدة. والهجوم على العراقيين والموظفين في قوات التحالف والمنظمات الدولية والمتعهدين أو قتلهم. والسعي لاقناع العراقيين بعدم دعم التحالف والمنظمات الدولية واقناع المتعهدين والجماعات المتحالفة بالرحيل.
* تصعيد التهديد العسكري تصعيداً مطرداً. وخلق عناصر قريبة من حجم السرية تشكل وحدات قتالية غير نظامية في محاولة لصد الغارات الأمريكية ومهاجمة القوافل والاهداف المكشوفة.
* تقليص تعرض افراد أنصار النظام السابق من خلال استخدام اسلحة طويلة المدى مثل قذائف المورتر وصواريخ ارض- جو والقذائف الصاروخية والقنابل المضادة للعربات والمتفجرات محلية الصنع.
* مهاجمة جهود الولايات المتحدة والتحالف بشأن المساعدات وبناء الدولة والتأكيد على النقاط التي من المحتمل أن تشكل تأثيراً سياسياً وحرمأن الولايات المتحدة من القدرة على كسب قلوب العراقيين وعقولهم.
* توسيع منطقة الهجوم بأكبر قدر ممكن لاظهار قاعدة أنتشار هجمات أنصار النظام السابق، واجبار الولايات المتحدة على نشر قواتها في أرجاءالعراق، وحرمان العراقيين الذين يدعمون جهود بناء الدولة من أي ملاذ، وتقويض الدعم الحليف والدولي للولايات المتحدة.
* ترهيب قوات الشرطة والامن العراقية ممن يدعمون التحالف وقتلهم. وعزلهم قدر المستطاع ومحاولة تدبير حوادث تسبب أنتكاسة لهم أو للولايات المتحدة.
* دعم الجهد العسكري ببرنامج عمل عسكري- مدني يشمل اتصالات محلية موسعة مع المسؤولين العراقيين والمساعدة المباشرة بصورة برنامج اسناد العمليات المدنية.
* استخدام الهجمات الأمريكية وهجمات التحالف-ومنها هجمات باستخدام الطائرات والمروحيات والمدفعية لصد الهجمات العراقية المعادية التي تستخدم فيها القذائف الصاروخية وقذائف المورتر- لتستحق الأستخدام المفرط للقوة. واستخدام أي ضحايا مدنيين والضرر المصاحب كسلاح دعائي. وتشجيع احتجاجات الافراد للادعاء بالبراءة والضرر المصاحب أمام وسائل الإعلام. حتى أن لم يكن هنالك أي ضرر. وترويج نظريات المؤامرة والادلاء بادعاءات مزيفة حول كل هجوم امريكي.
* محاولة اثارة أو استغلال تدخل سوريا، وفي ذات الوقت محاولة تصعيد التوتر مع كل من أيران وتركيا، وطلب الدعم من متطوعين وجماعات ارهابية خارجية متطرفة تعطي غالباً صفة اسلامية غير موجودة في الواقع لعمليات أنصار النظام السابق.
* حرمان التحالف من "كسب العقول والقلوب" من خلال مهاجمة وتخريب الجهود الرامية لتشكيل حكومة عراقية جديدة، وقتل المؤيدين للتحالف والمسؤولين، واستغلال التوتر والصراع العقائدي والعرقي، والتشكيك بالجهود بالدعاية ونظريات المؤامرة.
* استغلال خوف السنة واستياءهم من حصولهم على حكم أقلية في العراق وفي ذات الوقت التغني بالشخصية القومية والأسلامية في محأولة لكسب تأييد الشيعة. قتل وترهيب الزعماء الشيعة والاكراد والسنة ورموزهم ممن يؤيدون جهود بناء الدولة والاحتلال اخذين بنظر الاعتبار أن الشيعة يمثلون الاغلبية البارزة (أكثر من 60%) والحفاظ في نفس الوقت على الدعم الكردي والسعي لتقليص احتمال نفور السنة أو تبدد مخأوفهم من فقدان النفوذ والتأثير والثروة الى الحد الادنى. وفي نفس الوقت التأكيد على التنمية السياسية العلمانية للعراق.
* اللجوء الى الهجمات المباشرة على المنشآت، وقتل عمال الاغاثة ومتعهديها، والتخريب والنشاط الاجرامي المركز لاظهار عدم جدوى جهود المساعدة واصلاح التحديث الاقتصادي قدر الامكان، ومنع الولايات المتحدة والحكومة العراقية الجديدة من استغلال ثروة العراق النفطية. والسعي لالقاء اللوم على الولايات المتحدة والتحالف للصعوبات الناتجة، وسلب شعبية برنامج المساعدة الخارجية واثبات صعوبة استمراره نظراً لتكاليفه الباهضة. وكذلك محاولة استخدام نظريات المؤامرة حول تخصيص المساعدات، ومشاكل هذه الجهود، وتبرير اتهامات الاستغلال والامبريالية واثارة النزاع العقائدي والعرقي.
* تنفيذ هجمات ضد الامم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والسفارات الاجنبية والمتعهدين الاجانب واهداف اخرى لحرمان الولايات المتحدة من الدعم الدولي واجبار الامم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والجهود الحليفة على الخروج من البلد. والتأكيد على أن معظم عملية المساعدة لا تعمل وأن جهود التحالف بقيادة أمريكا لن تستبدل أو تستكمل بجهود دولية تحرم أنصار النظام السابق من أي فرصة في الحكم.
* استخدام استراتيجية إعلامية تتجنب ربط المقاومة بصدام من قريب أو بعيد، وفي ذات الوقت اتخاذ خطوات في مسألة اقناع العراقيين أن صدام وقادة بارزين اخرين ما زالوا أحياء وناشطين. واخفاء الشخصية القومية العراقية والقومية العربية والأسلامية على عمليات أنصار النظام السابق والاستفادة من حالات التوتر العراقية والعربية مع الولايات المتحدة بشأن الصراع العربي-الاسرائيلي وخطابها وافعالها في الحرب على الإرهاب واستخدام وسائل الإعلام العربية والأسلامية لتصوير الهجمات على الولايات المتحدة بأنها نصرة للعرب والأسلام. ودعم نظريات المؤامرة المناهضة لأمريكا والتحالف.
يحظى أنصار النظام السابق بنجاح محدود في هذه العمليات الأستراتيجية كذلك شأن الولايات المتحدة. ويرجع سبب ذلك في جزئه الاكبر الى أنهم يبقون يمثلون أقلية من الشعب العراقي وكذلك لا يمكنهم نزع صلتهم بصدام والسنة. ويتضح من ذلك أن أنصار النظام السابق يتعلمون ويتكيفون استجابة لاستراتيجية الولايات المتحدة والتحالف. مع ذلك ينبغي أن يحتاط المرء ازاء درجة التعلم المطلوب. وفي الواقع أن جميع جوانب الأستراتيجية التي يستخدمها أنصار النظام السابق في محأولتهم لمقأومة الولايات المتحدة واستغلال ضعفها هي تقنية منظمة تنظيماً جيداً وقد استخدمت في اماكن اخرى من الشرق الأوسط منذ عام 1970. وتكمن مشكلة الولايات المتحدة والتحالف من جهة ومعظم الصحفيين الأمريكيين والغربيين من جهة أخرى في أنهم فشلوا في تقدير الدروس من هذه الهجمات تقديراً صحيحاً أو لم يبدوا لها أي اهتمام على الاطلاق.
وبالنتيجة كانت الولايات المتحدة والتحالف "متفاجئأن بالمحتوم". وكتب الصحفيون والمحللون ممن لا تجربة لهم بالحرب غير المتكافئة تقارير حول الاستراتيجيات والتكتيكات الجديدة والمتطورة وهي طرق ثبت جدواها فعلاً، وتقارير اخرى عن تكتيكات جديدة استغلها أنصار النظام السابق بشكل ما منذ سقوط النظام. وتجدر الأشارة أنه ليس الحرب غير المتكافئة وحدها التي ترتكز على استغلال ضعف أي عدو لكن النجاح يرتكز على التغيير المستمر لمجموعة من التكتيكات التي تشكل الأستراتيجية العامة وبذلك تتقلص نسبة التعرض للهجوم وفي نفس الوقت استغلال المناطق التي يتركها العدو مكشوفة.

التكتيكات والتقنية والتدريب
يسهل القول أنه من المبكر التنبؤ كيف سينتهي هذا النزاع في الأستراتيجية والأستراتيجية الاجمالية فقد تصاعدت الحرب حتى الأن رغم أن هذا التصعيد ليس له شكل أو طريقة ما فقد تغيرت الاهداف والاشتباكات بمرور الوقت نظراً لمحاولة كل طرف استغلال نقاط ضعف الطرف الاخر وتقليص نقاط ضعفه وفي محاولة لوضع مستوى القتال في نصابه الصحيح، فقد نفذت قوات التحالف حوالي 12 ألف دورية وأكثر من 230 غارة هجومية في الاسبوع الذي أعقب 23 من تشرين الثاني وقد ألقوا القبض في هذه المدة الوجيزة على 1200 من قوات العدو وقتلت 40-50 من مقاتلي العدو وأصابت حوالي 25-30 منهم.
ليس هناك يوم نموذجي في الحرب غير المتكافئة، لكن الإحصائيات التالية تعطي صورة جيدة عن مستوى النشاط العسكري في أرجاءالعراق. ففي الأول 2003 نفذت قوات أنصار النظام السابق بمتوسط اشتباكات في اليوم ضد قوات التحالف، وهجوميين على قوات الأمن العراقية، وهجوميين على مدنيين عراقيين ومحايدين ونفذت قوات التحالف في ذلك اليوم 1658 دورية و22 غارة وقبضت على 115 من المشتبه بانتمائهم للمقاومة.
· نفذت قوات الفرقة المتعددة الجنسيات في الجنوب الشرقي من العراق 240 دورية وغارتان وأحتجزت 25 فرداً.
· القي القبض على أربعة أشخاص يحملون مستمسكات أيرانية ثبت أن أحدهم مواطن أيراني عندما أكتشف جنود التحالف عدد كبير من الاسلحة والذخائر في حافلة صغيرة أوقفت في نقطة تفتيش في البصرة. وضمت الاسلحة المصادرة عدداً من أجهزت إطلاق القذائف ذات الدفع الصاروخي والبنادق كما نفذت قوات الفرقة المتعددة الجنسيات 143 دورية واحتجزت 36 فرداً وقد رحل جميع هؤلاء الى أيران. وقد عثر فريق من التحالف متخصص في التخلص من المتفجرات على مستودع كبير للاسلحة ودمرت في مناطق مختلفة قرب مدينة كر بلاء وحولها بناءاً على معلومات أدلى بها مواطنون عراقيون.
· نفذت الفرقة 28 المحمولة جواً في المنطقة الغربية 6عمليات هجومية و173 دورية منها 9 دوريات مشتركة مع شرطة الحدود والشرطة العراقية وأزالت مستودعين وقد القت القبض أثناء هذه العمليات على 10 من أفراد العدو.
· نفذت الفرقة المدرعة الأولى في بغداد 528 دورية وخمس عمليات هجومية ضد عناصر متمردة تعمل داخل بغداد، واحتجزت 14 شخصاً يشتبه بعلاقتهم بفدائيي صدام وقوات مناهضة للتحالف. وقد القت العناصر التي نفذت غارة على اهداف يشتبه بتورطها بشن هجمات على القوات الأمريكية القبض على ثلاثة عراقيين وصادرت مبلغ 1.4 مليون دينار وثلاث كومبيوترات وكتيبات وهابية وأفكار وتوجهات اسامة بن لادن واسلحة وذخائر. ونفذت قوات التحالف من بغداد غارة مشتركة مع قوات الدفاع المدني العراقية ضد المار الياسري مسؤول عميلات مقتدى الصدر في مدينة الصدر ويشتبه بمسؤوليته عن كمين ضد جنود "التحالف" في 9 تشرين الأول. وقد اعتقل دون وقوع حوادث.
· نفذت قوات التحالف في المنطقة الشمالية الشرقية 164 دورية وغارتين والقت القبض على 41 شخصاً. واكمل اللواء 173 المحمول جواً عملية (بريق الحرية) بمعية قوات الدفاع المدني والشرطة العراقية، إذ نفذت غارات ضد عناصر من النظام السابق بناءاً على معلومات استخباراتية. وقد القي القبض على 26 فرداً يشتبه بأنتمائهم جميعاً لفدائيي صدام في السابق. وحاصرت القوات بناءاً على معلومات ادلى بها مواطنون عراقيون شرق مدينة بلد وقامت بتمشيطها كما نفذت غارة في بيجي. والقي القبض على عشرة اشخاص وعثر الجنود على اسلحة وذخائر بكميات ضخمة وصادرتها.

أربعة حروب والعد مستمر (7-10)

أربعة حروب والعد مستمر
إعادة النظر في المعنى الأستراتيجي للحرب على العراق
أنتوني . كورد سمان
ترجمة الباحث: أمير جبار الساعدي

· نفذت "قوات التحالف" في الشمال 197 دورية وعملية محاصرة ومداهمة واحدة واحتجزت 26 شخصاً. وبدء تدريب المجموعة الأولى من أفراد شرطة الموصل لتشكيل فريق الرد الخاص. فقد أختار مدير الشرطة شخصياً 25 عضواً من ذوي الكفاءة العالية وهم من ضباط الشرطة ذوي الكفاءة العالية وضباط سابقين في الجيش لتشكيل هذه الوحدة.
· وشكلت الفرقة 101 كتيبة جديدة من قوات الدفاع المدني. وستتحمل وحدة قوات الدفاع المدني المتكونة من 854 جندي مسؤولية حماية خط الأنابيب في نقاط التقاء نفطية اساسية في الجزء الغربي من محافظة نينوى. وقد دربت الفرقة 101 حتى الأن 4 كتائب من جنود قوات الدفاع المدني وهذه الوحدات مستعدة تماماً لعمليات الاشتباك وامن البنية التحتية.
وتوضح هذه الارقام مستوى النشاط القتالي في يوم محدد، وأن فكرة "الحرب بعد الحرب" هي صراع حقيقي، ولكن من المستحيل معرفة هل سترتفع هذه الاحصائيات ام ستنخفض في المستقبل القريب. مع ذلك فهناك بعض التطورات في مسالة التكتيكات والتقنية والتدريب التي توضح أنموذجاً أكثر اتساقاً وقد يكون لها تأثيراً كبيراً على المحصلة النهائية.

نزاع الاستخبارات والاستهداف
من غير المحتمل أن تهديد "أنصار النظام السابق" الحالي كان سيتطور لو أن الولايات المتحدة قد دربت قواتها ونظمتها وجهزتها للقتال القليل الشدة بعد سقوط بغداد مباشرة، ونشرت اشخاصاً يجيدون لغات عدة ومختصين ميدانيين وضباط الاستخبارات البشرية نشراً سريعاً. لقد حقق الجيش الأمريكي منذاك تقدماً كبيراً، ولكن لا يوجد سوى حوالي ثلث أو نصف المختصين المطلوبين ونقص شديد في الفرق الفنية للاستخبارات البشرية ونقص شديد في المترجمين. وبالنتيجة كانت لها القدرة على تطوير بنى الاستخبارات البشرية وخليط موثوق من المخبرين في بعض المناطق ولكن ما تزال تواجه مشاكل كبيرة.
ويخرج الجيش الأمريكي عدد اجمالي من 350-400 متكلم للغة العربية في السنة في معهد وزارة الدفاع للغات، ويوجد في الوزارة حوالي 5000 متكلم للغة العربية مع بعض الامتيازات لكن المهارات اللغوية والتدريب لا تضع خبيراً ميدأنياً أو خبيراً في الاستخبارات البشرية أو تدرب شخصاً ما للتحدث باللغة الدراجة باللهجة العراقية أو التعامل مع النقاشات العرقية. ليس هنالك ترابط واضح بين التدريب اللغوي والتدريب الميداني والتدريب على القتال قليل الشدة والشرطة العسكرية والشؤون المدنية-العسكرية. ويمكن أن تعد هذه تخصصات اعتيادية ووحدة التخصص القتالي ينتج وظيفة تأخذ مساراً سريعاً.
وستتفاقم هذه المشاكل إذاعلمنا أن معظم الاشخاص الكفوئين المتواجدين في العراق الأن يتناوبون مع كامل وحداتهم خلال الاشهر القليلة القادمة وسيتم استبدالهم بقوات جديدة تفتقد الخبرة في التعامل مع الوضع الداخلي. وحتى إذا كان هناك مجموعة خبراء يتم استبدالهم فسوف يفتقد الكادر الجديد لخبرة التعامل الداخلي وسيكون مجبراً على اعادة توقيع كل العقود الشخصية ذات الاهمية البالغة والمتعلقة بالاستخبارات البشرية والشؤون المدنية- العسكرية والعمليات العسكرية والامنية. ومن شأن هذه الخطوة اضافة الى التناوب الزمني للفرق القتالية ذات الخبرة أن يعرقل الكثير من القدرات الأمريكية.
وقد اثبتت عمليات تناوب مشابهة فشلها في فيتنام، وقد تدفع الولايات المتحدة للاعتماد أكثر على قوات الامن العراقية والمؤيدين لجميع الاستخبارات البشرية تقريباً. ولن تشكل هذه أية مشكلة فيما إذا ظهرت الولايات المتحدة بأنها المنتصرة ولم يتسللها عناصر أنصار النظام السابق بقوة. وكلاهما بنفس درجة الخطورة.
ويتحسن استخدام الولايات المتحدة للاستخبارات البشرية وطائرات المراقبة المسيرة والمعدات المساعدة الاخرى في التهديف بالرغم من أن معظم الوحدات لما تمتلك طائرات مراقبة مسيرة أو معدات مساعدة كافية للتهديف والاستخبارات على مستوى الكتيبة، والفرقة الرابعة هي الفرقة الوحيدة التي تمتلك متعقب القوة الزرقاء (عبر الاقمار الاصطناعية) وتقنية العرض الرقمي. أن التهديف في تحسن، لكن ما تزال العديد من الضربات تضرب اهدافاً خالية ومهمولة وتبقى نوعية التهديف غير مؤكدة.
وقد طرأ تطور مطرد على نظام الاستخبارات لأنصار النظام السابق وقدرتهم على الاستهداف في الاشهر الاخيرة. ويبدو أن العمل المدني للولايات المتحدة والتحالف والمنظمات غير الحكومية ومجلس الحكم عرضة للاختراق بقوة، وذات الشيء ينطبق على بعض عناصر الشرطة وقوات الامن العراقية. فقد رصدت الاستخبارات الأمريكية المضادة وحدها أكثر من 25% من العملاء المعادين في فيتنام، ومن المرجع أن تتكرر هذه التجربة.

نزاع الهجوم والهجوم المضاد
كانت الولايات المتحدة قادرة على تحسين نشاطها الهجومي باطراد وقد أظهرت الاحصائيات في أيلول وتشرين الأول وتشرين الثاني ارتفاعا كبير في نشاط كل شهر. وكذلك كانت الولايات المتحدة قادرة في نفس الوقت على تحسين الاستخبارات البشرية لتمتاز بقدر أكبر من التركيز والنجاح. وقد كرر الجيش الأمريكي تدريبه وتنظيمه لاستثمار أبرز نقاط قوته في التدريب والخبرة والقوة النارية ونقاط القوة في التكتيك الاستخباراتي.
مع ذلك فقد نجحت الولايات المتحدة بضرب مجموعة من الاهداف المتفرقة والمتحركة كثيراً، كما قامت بغارات متعدده للقبض على أحد أخطر الناشطين من أنصار النظام السابق ومن غير الواضح فيما إذا كان الجيش الأمريكي يقتل قوات أنصار النظام السابق أو يمسكهم أسرع من متطوعين جدد وعناصر مأجورة يمكن تجنيدهم. أن النجاح الأمريكي يعتمد أعتماداً كبيراً على الاستخبارات البشرية العراقية في القيام بالغارات وتقوم الجهة المعارضة من أنصار النظام السابق بعمل لابأس به من أستخدام الدعاية والمعلومات المضللة لاتهام الجيش الأمريكي بضرب أهداف لها حرمتها.

نزاع الكمائن
لقد شمل نموذج الضحايا الأمريكان حتى الرابع من كانون 98 قتيلاً بحوادث برية و324 قتيلاً في القتال وقتيلين في حادث معسكر بنسلفأنيا، و11 قتيلاً بنيرأن صديقة و36 قتيلاً بحوادث مروحيات ذات صلة بالاشتباكات و 8 قتلى بسبب المرض و43 قتيلاً قضوا دون قتال. ولاتعكس هذه الارقام المستويات العالية لنجاح أنصار النظام السابق وكان الجيش الأمريكي قادراً على تقليص عدد الكمائن، وأنزلت إصابات جسيمة بمهاجمي أنصار النظام السابق في عمليات دفاع ضد هجمات حدثت أخيراً. لقد ساعد نشر عربات هامفي غير المدرعة والدرع الجسدي المتطور الذي يستخدم بين الواحة (لوحات سيراميكية) وقائية صغيرة للاسلحة في صدريات كيفلر، والحماية المرافقة واستخدام المروحيات والطائرات المسيرة ومجموعة متنوعة من التقنيات، في حماية القوات الأمريكية في مهام القوافل العسكرية ومهام الحماية وتنفيذ الغارات.
وفي نفس الوقت كان أنصار النظام السابق قادرين على تنظيم هجمات كبيرة للمرة الأولى، وكان أنصار النظام يرتدون احيأناً بدلات تشبه تلك التي يرتديها فدائيو صدام، وقد أبدى بعض المقاتلين تفانياً وأصراراً ينمان عن قدر عال في الأندفاع. تمتلك الولايات المتحدة نقاط قوة بارزة في التحرك والحماية والقوة النارية، ولكن لا تتحرك أي قوة دون أن تكشف عن نفسها. كما تتحسن قدرة أنصار النظام السابق.
أن الارقام في اجمالي الضحايا تنم على أن الخسائر جسيمة كذلك. فقد اصيب 2.150 جندي للولايات المتحدة وحدها في العلميات القتالية حتى تاريخ 4 من كانون الأول وأصيب 354 جندياً بنيرأن غير معادية. أما اجمالي عدد القتلى فهو كما يلي:
الطبيعة - الاجمالي - منذ 1 ايار
عدائي 304 - 189
غير عدائي 137 - 114
الاجمالي 441 - 303

وطبقاً لاحصائية أقل رسمية أوضحها بداين هارتمان من قناة أي.بي.سي ABC الاخبارية، تلخص الارقام الاجمالية لعدد الضحايا بـ530 قتيلاً تقريباً كما تفيد الاحصائية التالية حسب البلدأن.

الموقف - الاجمالي - أمريكان - بريطأنيين - بلدأن اخرى
متوفي 522 - 441 - 52 - 29
أسير محرر 8 - 8 - 0 - 0

نزاع المدفعية
لقد تحسن اداء العراقيين ببطء في استخدام قذائف المورتر والمدفعية، ولكن في الغالب بصورة هجمات غير دقيقة نسبياً باستخدام الاسلحة الخفيفة التي تتجاوز بقليل التأثير الرمزي والازعاج المستمر. وقد تكيف الجيش الأمريكي مع ذلك بنشر طائرات مراقبة مسيرة واجهزة رادار ضد قذائف المورتر وتخطيط مناطق الخطر في ميدأن القتال، والهجمات الجوية أو بواسطة المروحيات بناء على النداءات وقد أحدثت هذه الاجراءات بعض الفعالية، لكن قدرة أنصار النظام السابق على"الرمي والاختفاء" أو أستخدام الصواريخ الموجهة عن بعد قد حدت بدورها من فعالية الجيش الأمريكي.
وقد يصبح الوضع أكثر خطورة إذا ما نجح أنصار النظام السابق في تعلم كيفية أستخدام اسلحة المدفعية أستخداماً فاعلاً في مديات تتجاوز(1) كيلو متر، وكيفية توجيه هذه الاسلحة والتحكم بها. وما تزال أعداد كبيرة من اسلحة المدفعية والقاذفات الأنبوبية والصواريخ الثقيلة وقواعدها مجهولة المصير.

أربعة حروب والعد مستمر (8-10)

أربعة حروب والعد مستمر
إعادة النظر في المعنى الأستراتيجي للحرب على العراق

أنتوني . كورد سمان
ترجمة الباحث: أمير جبار الساعدي

نزاع أجهزة التفجير المصنعة محلياً والسيارات المفخخة والمتفجرات
ما تزال أجهزة التفجير المصنعة محلياً تشكل تهديداً كبيراً. وقد أشار تقرير قدمه لويس مارتنيز من قناة ABCغطى المدة المحددة حتى 21 تشرين الثاني أن حوادث سقوط المروحيات الثلاث في تشرين الثاني قد رفع بشكل مفاجئ عدد الضحايا الأمريكيين وكانت نتيجة هذه الحوادث 39قتيلاً من بين 69 قتيلاً في شهر تشرين الثاني وجدير بالذكر أن 22 من ضحايا 30 الباقين حتى 21 من تشرين الثاني كانوا ضحية أجهزة التفجير المصنعة محلياً. وهذا العدد من ضحايا أجهزة التفجير المحلية كان ضعف العدد في نفس الوقت من شهر تشرين الأول الذي عد في وقته الشهر الأسوء من حيث ضحايا أجهزة التفجير المحلية إذ وصل أجمالي الضحايا الى 17 قتيلاً خلال شهر تشرين الأول وقدم مارتنيز إحصائية لضحايا التفجير المحلية منذ شهر أيار.
الشهر ـــ ضحايا أجهزة التفجير المحلية
تشرين الثاني 22
تشرين الأول 17
أيلول 7
أب 6
تموز 5
حزيران 1
أيار 0
ـــــــــــــــــــــــ
المجموع 59

وبالنتيجة فقد يكون تهديد أجهزت التفجير المحلية أكبر خطر متواصل يواجه الجنود الأمريكان في العراق وبالمقارنة فقد أورثت حوادث إطلاق النار المعادية بحياة 4 اشخاص في شهر تشرين الثاني.
وتدعي الولايات المتحدة بأنها ترصد وتمنع حوالي 40% من هجمات أجهزت التفجير المحلية وهذا يبقى 60% وقد كشف حزب الله في لبنأن أنهم تمكنوا من ابتداع أجهزة متطورة وتقنيات هجومية لم تتمكن التقنيات الإسرائيلية من صدها صداً فاعلاً.
لقد طرأ تحسن على جهود الحماية والرصد الأمريكية في التعامل مع الأنتحاريين والسيارات المفخخة، لكن أنصار النظام السابق يمكنهم أن يضربوا مدنيين عراقيين ومتعهدين وأهدافاً تمثل التحالف والمنظمات غير الحكومية. وقد ظهرت منذ البداية قدرتهم على التعرف على أهداف تمثل شخصيات سياسية وإعلامية بارزة، وهم مطلعون على طرق أكثر تطوراً في نشر المتفجرات وتفجيرها مما تستخدمها حتى الأن.

نزاع صواريخ أرض- جو ومضادات الطائرات
يحسن الجيش الأمريكي التكتيكات المضادة لـ(الصواريخ المحمولة) والاجراءات المضادة، لكن المروحيات أصبحت عرضة للهجوم منذ أصبحت مسارات طيرأنها متوقعة وبارتفاعات منخفضة، كما تعرضت الطائرات ذات الاجنحة الثابتة لمشاكل مشابهة. وهذه الاخطار محدودة بسبب قصر مديات الصواريخ المحمولة والرشاشات الخفيفة ولكن ستنجح بعض هجمات أنصار النظام السابق طالما تزايدت بأعداد كبيرة. فضلاً عن ذلك، فحتى هذا الوجود المتواصل بتهديد بسيط سيعرقل النقل الجوي التجاري ويزيد من درجة الخطر حتى بالنسبة لسيارات وسفن النقل المدني العدوانية.

نزاع حماية القوة مقابل العزلة والاختراق
ساعد استخدام قوات الامن العراقية المنتشرة في المدن الرئيسية والمناطق السكنية وإجراءات حماية القوة الأمريكية المتطورة في زيادة الشعور بالامن بالنسبة للقوات الأمريكية لكنهم لم يفعلوا كل هذا من أجل العراقيين وغيرهم.
لقد أصبحت الولايات المتحدة قادرة على تنسيق نشاطاتها المدنية والعسكرية وبرامج المشاركة المحلية في عدة مناطق، ولكن يبقى موقع سلطة الائتلاف المؤقتة في بغداد يمثل كابوساً في حماية القوة، كما أن الموقع في وسط بغداد يهيج العراقيين كثيراً ويعزل سلطة وقوات الائتلاف كذلك في الوقت الذي تحتاج فيه الى جهد كبير في حماية القوة .

نزاع توسيع نطاق الحرب
ليس هنالك من إحصائيات حول نتائج هجمات أنصار النظام السابق، لأن الجيش الأمريكي لا يقدم بيانات حول محاولات الاعتداء، كما أن إحصائياتها للهجمات الفعلية حسب المناطق غير مفيدة بسبب توسع ترتيبها. مع ذلك فمن الواضح أن بامكان قوات أنصار النظام السابق أن تقوم بعمليات في الموصل والشمال وتقوم بقيادة هجمات في الجنوب والوسط. ويمكن القول أن الهجمات قد تركزت في المثلث السني ومنطقة بغداد الكبرى، ولكن جهود أنصار النظام السابق في توسيع النطاق الجغرافي للحرب قد أحرزت بعض النجاح.
يشمل المثلث"السني" وهي المنطقة الممتدة من بعقوبة وبغداد والفلوجة والرمادي الى سامراء في الغرب وجلولاء في الشرق. مع ذلك فقد أصبحت بعض البلدأن وعدد من المنشآت والمطارات في هذه المنطقة "أمنة" لدرجة لم تشهد عمليات كبيرة لأنصار النظام السابق.
ولم تقدم الولايات المتحدة لحد الأن تقرير رسمي حول توسع عمليات أنصار النظام السابق، لكن مصادر مثل (دبكا) تشير الى توسع منطقة عمليات أنصار النظام السابق على طول الضفة الشرقية من نهر دجلة من سامراء الى قضاء الكاظمية وحتى جنوب مصفى بيجي. ويوجد بعض أنصار النظام السابق في المنطقة الممتدة من الكاظمية وحتى المدخل الجنوبي لحد مصفى بيجي وكركوك حيث تمثل حقول النفط الشمالية للعراق وأنابيب النفط ومنشآت أنتاجية أهدافاً مغرية.
كما توسعوا أيضاً الى المنطقة الممتدة شمالاً من جلولاء باتجاه منطقة كفري ومدينة طوزخورماتو التركمانية والمنطقة التي تصل الى مدينة داقوق وحتى المدخل الشرقي لمدينة كركوك وبين المدخل الجنوبي لطوزخورماتو وكركوك. ويبدو أن التوسع شأن أي شيء أخر هو نتيجة غارات وعمليات أمريكية بعد التحسين. وإذا ما صحت المصادر الأمريكية فأن القوة الفعلية لقوات أنصار النظام السابق قد أنخفضت أنخفاضا كبيراً. لقد تقلص المثلث السني بنسبة الثلث….

نزاع التسلل من الحدود واختراقها
لقد عززت الولايات المتحدة من التغطية الأمريكية والعراقية وتغطية التحالف على الحدود السورية والأيرانية، كما حسنت الكويت والسعودية وتركيا بعض جوانب أمنها الحدودي مع ذلك فالحقيقة أن عمل كهذا من شأنه أن يوقف التحركات النشيطة للمعدات ومن المستحيل إيقاف حركة الافراد: فالحدود ببساطة طويلة جداً ومفتوحة.
أن نشر طائرات أستطلاع وطائرات المراقبة المسيرة ومتحسسات أرضية غير ظاهرة ورادارات أرضية يمكن بل يساعد فعلاً في تحقيق الهدف. وكذلك نشر قوات الحدود العراقية. مع ذلك فمن المستحيل أن تميز المتطوع الاجنبي من أي أجنبي أخر يعبر الحدود، كما أن معظم نشطاء أنصار النظام السابق غير معروفيين بما فيه الكفايه ليتم التعرف عليهم. وفي الوقت الذي تدخل فيه بعض الاسلحة والمتفجرات من الخارج، فهناك العديد من مستودعات الاسلحة وذخائرها- لدى أنصار النظام السابق والمزيد من الوقت لاستغلالها فيه - والتي يشعر العديد من القادة الأمريكان أن بذل جهد كبير لتأمينها جميعاً سيكون مضيعة للقوات الأمريكية والعراقية. وفي ذات الوقت لا يبدو أن أنصار النظام السابق قد أثاروا أعداداً كبيرة من متطوعي ما بعد الحرب أو أي من الكوادر الإرهابية المحترفة أو الأسلامية المتطرفة التي كانت صغيرة فيما مضى.

نزاع قوات الامن العراقية ضد أنصار النظام السابق العراقيين والأسلاميين والمتطوعين الاجأنب.
بلغ أجمالي عدد قوات الامن العراقية 147,200 فرداً حتى 27 من تشرين الثاني 2003. ويمكن مقارنة ذلك بـ 123 ألف جندي من القوات الأمريكية و 23,900 جندي من قوات دول التحالف الاخرى. وتضم الشرطة 68,800 شرطي من أصل 71,00 ألف تهدف الى ضمهم، وتضم قوات الدفاع المدني 12,700 من أصل 40,000 ألف، ويضم الجيش العراقي الجديد 900 عنصر فعال أضافه الى 600 متدرب أخر من أصل 35,000، وتضم مديرية شرطة الحدود 12,400 من أصل 25,700 وتضم حماية المؤسسات 52,700 من أصل 50,000 ألف.
وتبدو هذه القوات العراقية أكثر إخلاصا وفعالية من المتخوفين، وهذه القوات كثيرة الأندفاع. مع ذلك فهي تفتقر الى التدريب الجيد والاسلحة والمعدات وغالباً ما تكون عرضة للخطر في المناطق العدائية. فضلاً عن أن الاعتماد المتزايد على هذه القوات جعل إخلاصهم وفعاليتهم مهمة أكثر فأكثر، ولا محالة أن هذا سيخلق قوات شبه عسكرية ستطور برامجها السياسية الخاصة بها.
وسيصبح هذا في ما إذا تحركت الولايات المتحدة قدماً في عملها من أجل تدريب عناصر من مختلف المليشيات تدعم رؤوساء مجلس الحكم وتحويلهم الى كتائب للقيام بعمليات فعالة لصد التمرد. وقد صرحت الولايات المتحدة أن تنفيذ عملية تجنيد أول كتيبة من هذا النوع والكتائب التي بعدها ستتركز على مبدأ أن أي فرد يتم تجنيده عليه أن يخدم كفرد في ظل مؤسسة أمنيه لعراق موحد ولا يخدم بوصفة ممثل حزباً سياسياً أو مليشيات محددة. ولكن من السهل قول ذلك قبل تطبيقه.
مع ذلك فهذه التطورات تساهم في فهم تفسير سبب تحول أنصار النظام السابق نحو أهداف عراقية وليست أمريكية عندما أصبحت القوات الأمريكية فعالة وحذرة ويبدو أن هذا الوضع مرشح للاستمرار. لقد أصبحت قوات الامن العراقية هدفاً رئيسياً لأنصار النظام السابق خلال شهر تشرين الثاني فقد أحصى 21 قتيلاً و62 جريحاً كما قتل 40 مدنياً عراقياً برئياً وجرح 108 أخرين. وقتل 7 مدنيين عراقيين في 14 محأولة أعتداء أخرى. وقد أرتفعت الاحصائيات أرتفاعاً مطرداً منذ تموز وأب ، فيما كان شهر تشرين الأول أسوء شهر سجل الضحايا المدنيين العراقيين.

أربعة حروب والعد مستمر (9-10)

أربعة حروب والعد مستمر
إعادة النظر في المعنى الأستراتيجي للحرب على العراق

أنتوني . كورد سمان
ترجمة الباحث: أمير جبار الساعدي

ومن المستحيل تحديد عدد العناصر الخامدين والناشطين وكذلك العملاء المزدوجين في قوات الامن العراقية من أنصار النظام السابق. ويبدو بناء على ما مضى أن أنصار النظام السابق قادرين على تجنيد أفراد عراقيين ذوي مستوى منخفض وتنشأ خلايا قيادية جديدة بعد رصدها وتدميرها على يد الأمريكيين. ولم تخسر العديد من رموز"قادتها" في الاشهر الاخيرة ولديها مجموعة من الآف الافراد من أبرز البعثيين والعسكريين وقوات الامن لاستخدامهم. ولا تتوفر أعداد حقيقية لأنصار النظام السابق سواء العدد الأجمالي أو عدد الخلايا والافراد. أو من حيث القيادة العليا، ولايدعي الخبراء الأمريكيين أنهم قادرين على تأكيد أي أنخفاض في عدد أنصار النظام السابق.

نزاع المعلومات الحربية
غالباً ما يكون الدعم الإعلامي العراقي والعربي محدوداً، ولكن هناك دعم جدي لابأس به للولايات المتحدة ويبرز الاهتمام بالمشاكل ذات الصلة بإسرائيل والحرب على الإرهاب ويبدو أن الحملة الإعلامية للولايات المتحدة تبقى مضطربة وغير فعالة ويحمل مراقبوا الوضع أنطباعاً سلبياً تقريباً من الناحية النظامية.
أن معظم الاستطلاعات حتى الأن محدودة ويبدو أن الافتقار لاستطلاع دقيق هو في حد ذاته مؤشر مهم للمشاكل التي يعانيها عمل الولايات المتحدة والتحالف. مع ذك فقد نشر مركز استفتاء اكسفورد الدولي للابحاث استطلاعاً في الأول من كانون الأول واعتمد على 3244 مقابلة بدأت في منتصف تشرين الأول وأنهت الاسبوع الأول في تشرين الثاني.
وقد مثلت النتائج بمثابة التحذير. فقد كانت الثقة الشعبية في ادنى مستوياتها حول قوات الاحتلال الأمريكي والبريطأني وبلغت نسبة المتفائلين بالوضع 21% فقط من بين 11 مجموعة أو مؤسسة شملها الاستطلاع. اما السؤال حول "الاحزاب السياسية" فقد حاز على نفس النسبة تقريباً أي حوالي 22% اما سلطة الائتلاف المؤقتة فقد حصلت على نسبة 27%.
اما الثقة بـ"رجال الدين العراقيين" فكانت هي الاعلى، إذ وصلت الى 70% يتبعهم زعماء المجتمع المحلي بنسبة 54% ثم الشرطة 50% ومجلس الحكم 48-49%، وشبكة الإعلام العراقية والوزارات في بغداد، اما بالنسبة للامم المتحدة فقد حصلت على 35% فقط.
كما عكست الاحصائيات الافتقار لاي دعم واضح لنظام سياسي جديد. فعندما سئل العراقيين عن "حاجة العراق في الوقت الراهن"، كانت ابرز الخيارات "ديمقراطية عراقية" (ذكرها 90%) و"قائد عراقي قوي وأحد" (ذكرها 71%). والثاني كان "حكومة مشكلة اساساً من الخبراء أو المدراء أو الاثنين معاً. وقد حصلت حكومة تضم خبراء على 70% وحصل مجلس الحكم على 62% ورجال الدين على 60% ومجموعة من قادة عراقيين أقوياء على 46% وهو ما حصلت عليه أيضاً حكومة أنتقالية من الامم المتحدة. وكان ترتيب سلطة الائتلاف المؤقتة ما قبل الاخير في القائمة إذ حصلت على 36%. اما المركز الاخير فكان "حكومة مشكلة اساساً من قادة عسكريين عراقيين: وحصل على 26%.
وعند سؤال العراقيين عما يتوقعوه على المدى الطويل "خلال مدة 12 شهراً" وخلال خمس سنوات، كانت الاجابات متشابهة في الواقع. إذ تصدرت قائمة الاجابات "ديمقراطية عراقية" ثم "قائد عراقي قوي وأحد"، ثم تبعتها اجابات حكومة مشكلة اساساً من رجال الدين" وكانت سلطة الائتلاف المؤقتة والجيش العراقي في المؤخرة. اما الحقائق الاخرى فكانت أن 42% ذكروا أن سقوط صدام كان "افضل ما حدث لك" في الاشهر 12 الاخيرة. وكان هذا الخيار الأول بهامش كبير. وذكر حوالي 35% أن "الحرب والقصف والهزيمة" كانت الشيء الاسوأ" وكان هذا أيضاً الخيار الأول كهامش كبير. وذكر حوالي 67% أن "استعادة الامن العام في البلد" هو الأولوية الأولى.
ويظهر أن الاخبار السارة للولايات المتحدة هي أن هذه البيانات تظهر دعماً كبيراً لنوع الحكومة التي تؤيدها الولايات المتحدة - رغم أنها لصالح رجل قوي أيضاً- وتشير أيضاً أنه يمكن لحملة اعلامية جيدة التنظيم أن تصبح أكثر فعالية. اما الاخبار السيئة فهي أن الولايات المتحدة والعقول. وبدلاً من تحقيق "الهيمنة الإعلامية" فقد حققت عجزاً اعلامياً.
نزاع بناء الدولة والمساعدات مقابل الهجوم والجريمة والتخريب.
حقق عمل المساعدات بقيادة الولايات المتحدة تقدماً حقيقياً في مجالات عدة. وقد استشهد الوزير رامسفيلد بالنقاط الرئيسة التالية في مؤتمر صحفي في 26 تشرين الثاني:
· لقد ساعد الائتلاف حتى الأن في اعادة فتح جميع المستشفيات العراقية البالغ عددها 240 مستشفياً و 95% من العيادات الطبية في البلد والبالغ عددها 1.200 عيادة.
· وصل أنتاج الطاقة الكهربائية بحلول 6 تشرين الأول الى 4.518 ميغا واط وتخطى بذلك مستويات ما قبل الحرب.
· ينتج العراق 2.1 مليون برميل يومياً لاغراض الأستخدام المحلي ويصدر للاسواق العالمية.
· استئنافت حوالي 400 محكمة عراقية عملها.
· بدأ التعامل بعملة الدينار العراقي الجديد اعتباراً من 16 تشرين الأول.
· بدأت حوالي 170 صحيفة بالصدور في أرجاء البلاد.
· استئناف 5.1 مليون طالب عراقي دراستهم كما طبع 51 مليون كتاب منهجي جديد.
· قدم 97 الف عراقي طلباتهم للقبول في الجامعات للعام الدراسي الجديد الذي بدأ خريف عام 2003.
مع ذلك، فالواقع يقول أن البطالة ما زالت تتراوح بين 50 و 60% من الشباب كما أن التقدم مضطرب وفي غاية البطء لدرجة اصبح معظم محاولة التأثير على القلوب والعقول عاملاً في تزايد الاحباط العراقي. فتوليد الطاقة الكهربائية على سبيل المثال قد تقلص خلال شهر تشرين الأول من 3.948 ميغا واط الى 3.582 ميغا واط في حين كان الهدف أن تصل الى 4.400 ميغا واط في الأول من تشرين الأول. ويبلغ متوسط أنتاج النفط مليونين برميل يومياً ويصدر 1.5 مليون برميل يومياً لكن هذا النظام هش للغاية. ويرى المستهلك العراقي كذلك صورة في غاية الاختلاف. إذ بلغت نسبة تجهيز وقود الديزل 53% من هدف سلطة الائتلاف المؤقتة ووصلت نسبة النفط الابيض (الكيروسين) الى 56% والغاز السائل الى 34% والبنزين 52% فقط من الهدف المنشود مع اقتراب فصل الشتاء.
وتتحسن معدلات التعليم والدعاية الصحية تحسناً مذهلاً، ولكن تبقى النوعية ورضا المستهلك من القضايا المهمة والبارزة. ويتحسن أنتاج الماء ولكن 50% فقط من العراقيين يحصلون على الماء الصالح للشرب. ويصل مستوى الاتصالات الارضية الى 77% من مستوياتها قبل الحرب وما تزال خدمة الهاتف النقال غير عاملة. ويبقى نطاق خدمة الأنترنيت محدود للغاية ولكنه وصل الى 9% اعلى من مستوياته قبل الحرب. وتتحسن خدمة سكك الحديد ولكن 12 من القطارات العاملة من اصل 20 والتي تعمل يومياً هي عسكرية واثنان يحملان الوقود.
وقد مول الجيش الأمريكي الذي اطلق برنامج اسناد العمليات المدنية العديد من البرامج القصيرة الاجل وتذهب الاموال مباشرة للعراقيين من اجل مشاريع عاجلة في هذا المجال. وكان هذا مؤثراً للغاية. ويمثل برنامج اسناد العمليات المدنية فعلاً نموذجاً لكيفية كسب القلوب والعقول في مدة قصيرة ولكن بالتركيز على الواجبات الأكثر اهمية ذات التأثير السياسي والعسكري البالغ وتقديم الاموال للعراقيين وحدهم ثم الاشراف على مدى التقدم والنجاح طبقاً لقاعدة الزمن الحقيقي في هذا المجال.
اما بالنسبة لبرنامج المساعدات الأمريكية بالادارة المدنية فمن المبكر للغاية الحكم على برنامج مساعدات كان ينبغي ابتداعها من لاشي تقريباً دون تخطيط جدي مسبق، ثم تنفيذها على ايدي مسؤولين أمريكيين ومتعهدين بخبرة محدودة أو دون خبر على الاطلاق في العراق وفي التعامل مع العنف أو مشاكل حكم قيادي يمتهن السرقة. كما أنه ينبغي أن يكون التدفق النهائي لملايين الدولارات قيمة المساعدات ذا تأثير تراكمي. وينبغي اخفاء المصداقية على حقيقة أن الولايات المتحدة لا تحأول الهيمنة على مستقبل صناعة النفط العراقية.
ومع أن سلطة الائتلاف المؤقتة خاضعة للمركزية المعزولة بشكل سيء. الا أن ملاك سلطة الائتلاف في بغداد في غاية العزلة. اما الاجراءات الأمريكية لاتمام العقود فهي عبارة عن كابوس نفاذ الوقت. ويقضي المتعاقد واللجنة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) القليل من الوقت في الموقع ويركزون على المواعيد النهائية للمشروع وقليلاً على الملاحظات وعلى حاجات العراق على المدى القصير.
ولا يمكن التأكد من قدرة الولايات المتحدة على القيام ببناء دولة مسلحة في وجه سرقة أنصار النظام السابق العراقيين وهجماتهم وتخريبهم. أن صناعة النفط والغاز المهمة معرضة للخطر بشدة وتتفاقم المشكلة بفعل ما يبدو أنه الضرر البالغ بالصهاريج ومشاكل الأنتاج المفرط الناتجة من سياسة نظام صدام. وهذا التنافس مازال قريباً جداً…لطرحه.

نزاع الحكم الجديد مقابل معارضة التغيير السياسي
يبدو أن أنصار النظام السابق والتيارات الأسلامية التي تدعمهم لا يحظون بدعم واسع. وهذا هو حال مجلس الحكم أو سلطة الائتلاف المؤقتة. ولم تذيب التغييرات الاخيرة في المنهج الأمريكي أنعدام الثقة أو تكسب الدعم الشعبي ويعود ذلك في جزء منه الى النزاع في مجلس الحكم. والافتقار الى دعم الزعماء الشيعة البارزين واستمرار أنعدام الثقة بالاغراض الأمريكية ورغبتها بالرحيل. ولا يملك أي من الجانبين تكتيكات جذب أو موقع جذب واضح في الوقت الحاضر. مع ذلك فللولايات المتحدة الافضلية على الوقت لأن مهمتها هي نقل السيادة والمغادرة وكلما كان هذا الموقف أكثر اقناعاً كلما حصلت الولايات المتحدة على دعم أكثر. ولا يملك أنصار النظام السابق أي مواقف سياسية أو مواقف تجاه الحكم يمكنهم من خلالها كسب دعم وطني خصوصاً من جأنب الشيعة والاكراد، وليس لديهم مكان يلجؤون اليه.

أربعة حروب والعد مستمر (10-10)

أربعة حروب والعد مستمر
إعادة النظر في المعنى الأستراتيجي للحرب على العراق

أنتوني . كورد سمان
ترجمة الباحث: أمير جبار الساعدي

نزاع الائتلاف والتحالف مقابل معارضة المنظمات غير الحكومية والامم المتحدة
برهن أنصار النظام السابق حتى الأن أنهم هم المنتصرون. فقد أخرجوا الى حد كبير الأمم المتحدة ومعظم المنظمات غير الحكومية، وقد وجدوا أن حتى الهجمات الرمزية بامكانها أن تزعزع الدعم الشعبي المتراكم للولايات المتحدة بشكل كبير. وقد ساهم افتقار الولايات المتحدة للدعم الدولي والشعبي الواسع قبل الحرب وبعدها في جعل الولايات المتحدة عرضة لهذا التكتيك بشكل كبير. ومن الصعب، أن لم يكن مستحيلاً تجنب تعريض كل هدف بطريقة ما. أن العالم بكل بساطة غير مجهز بشروط بناء الدولة المسلحة. ومن غير الواضح كيف ستتمكن الولايات المتحدة من عكس هذا الوضع. ولدى حوالي 32 بلداً الرغبة لابداء الدعم الفعال للائتلاف ومنهم بريطانيا واستراليا اللتان أشتركتا بقوة في الحرب بوضعهما حليفين للولايات المتحدة. وتستمر الولايات المتحدة أيضاً في طلب المساعدة أو القوات أو كلاهما من حوالي 14 بلداً اخر. ومن غير الواضح فيما كانت تامل القيام بأكثر من المحافظة على المستوى الحالي وهو 24 الف جندي من قوات التحالف كما ثبت أن العديد من التزامات المساعدة السابقة غير مؤكدة.
مع ذلك فقد يعكس الوضع نفسه بنفسه إذا:
‌أ. تمكنت قوات التحالف وقوات الامن العراقية من ارساء درجة اكبر من الامن.
‌ب. نجح العراق في تطوير قيادة أكثر اقناعاً ونقل السلطة الى حكومة عراقية يمكنها القيام بعمل في جذب الدعم الخارجي.
‌ج. استجمع الاقتصاد العراقي قوته وأصبح الاصلاح متقدماً ومستقراً بما يكفي لجذب الاستثمار الاجنبي.

العراق: الوجه الأخر من القصة
التسويات الخرقاء وتقاسم السلطة قد يعقد من عملية نقل السلطة
(*)
أن حالات الغموض في قأنون الادارة الأنتقالية وخطط اتفاق وضع القوات وعملية الاختيار المضطربة للجمعية العراقية التي قد توزع السلطة توزيعاً متفاوتاً كل ذلك قد يعقد من عملية أنتقال العراق الى نظام ديمقراطي ذي سيادة ويشير التقرير أن أتفاق تشرين الثاني 2003 الذي يضع القواعد الاساسية للأنتخابات القادمة يضم تسويات خرقاء في تقاسم السلطة مما أثار مخاوف خطيرة للغاية عن طبيعة النظام الجديد وعدالته وجدوى أي أنتخابات تجرى طبقاً للخطة الحالية،"صراع السلطة حول الأنتخابات في العراق: الوجه الاخر من القصة.
يلقي التقرير نظرة على قانون الادارة الأنتقالية وهو القانون الذي من المتوقع أن تنتهي سلطة الائتلاف المؤقتة ومجلس الحكم من مناقشته في شباط/ حزيران 2004 وسيحدد القأون دور الجمعية العراقية الأنتقالية الجديدة حتى موعد الموافقة على دستور جديد للبلاد ومن المنتظر أن يحدث هذا نظرياً في عام 2005 ولكن قد يحدث قبل هذا الموعد بكثير. ويشير التقرير أنه بالنتيجة يتوجب على أعضاء الجمعية العراقية الأنتقالية أن يقبلوا دستوراً مفروضاً يعكس التوترات داخل سلطة الائتلاف ومجلس الحكم ولا يعكس أي إرادة شعبية ويتناوب العديد من العراقيين سواء كانوا شعية أم لا شكوك عميقة حول صياغة مثل هذا القانون دون وجود فقرات واضحة تفتح باب التعديل على يد الجمعية العراقية الأنتقالية. وبالأخص هنالك شكوك خطيرة حول دور أعضاء مجلس الحكم في السعي لتقديم مصالحهم الشخصية.
كما يناقش كوردسمان أتفاق"وضع القوات" بين سلطة الائتلاف المؤقتة ومجلس الحكم وهو قانون سيحدد دور القوات العسكرية الأمريكية في العراق. يقول كوردسمان أن من شأن هذا الاتفاق أن يحد من صلاحيات الحكومة الجديدة كثيراً خلال الفترة من 31 حزيران عندما تستلم الجمعية العراقية الأنتقالية زمام السلطة. وحتى تأريخ المصادقة على الدستور الجديد وأجراء الأنتخابات لاختيار حكومة عراقية جديدة. وفي الواقع أن الولايات المتحدة تحدد شروط احتلالها المستمر دون الرجوع الى الجمعية العراقية الأنتقالية.
كما يشير التقرير الى مسألة أختيار المندوبين لاختيار الجمعية العراقية الأنتقالية، التي سيتم اختيار 15 مشرفاً من جميع محافظات العراق الثمانية عشر بطريقة تقدم لسلطة الائتلاف المؤقتة ومجلس الحكم تأثيراً لا ضرورة وجاء في التقرير" أن هذا النظام يلائم ما تمارسه سلطة الائتلاف المؤقتة ومجلس الحكم من تلاعب سياسي وتقسيم أنتخابي متميز. ومن المستحيل معرفة مدى تمثيل هذه الأنتخابات أو عدالتها الى حين أجرائها، كما أنها تسمح لتيارات صغيرة نسبياً بفرض حلول خرقاء على الاغلبية. ومن المقرر أن تجتمع الجمعية العراقية الأنتقالية في 31 أيار لاختيار رئيس تنفيذي وتعين الوزراء. ويشير التقرير أن هذا الوضع سيمنح للجمعية العراقية الأنتقالية مهلة سنة تتمكن خلالها من وضع الشروط لصياغة الدستور والموافقة عليه –إذا لم يؤجلوا الأنتخابات أو يغيروا صياغتها. أما إذا تبين تعرض الجمعية العراقية الأنتقالية للتلاعب وأنها غير تمثيلية، فهذا نذير بدخول الفساد للعملية وتعرضها لهيمنة جهة لم يتم أنتخابها.
ورغم أن كوردسمان يوجه أنتقادات لعملية الأنتخابات القادمة، فأنه يحث النقاد على توخي الحذر من أدانة هذه العملية. فالولايات المتحدة لم تفرضها، وأنما هي حل وسط لعب خلاله مجلس الحكم الدور الاكبر. ويشير كوردسمان في نفس الوقت "أنه أنصافاً لموقف السيستاني والمنتقدين الاخرين لهذه العملية. فمن الجلي أنها حل أخرق بين سلطة الائتلاف ومختلف أعضاء مجلس الحكم وليس نتيجة أي جهد لايجاد حل ذي أرضية واسعة بين العراقيين".

الأنتخابات في العراق وصراع السلطة: الوجه الأخر للقصة
هناك سبب وجيه للسؤال عن دوافع الشيعة في المطالبة باجراء أنتخابات مباشرة لاختيار حكومة أنتقالية جديدة في العراق. إذ لا يتمتع الشيعة باغلبية واضحة فحسب بل بإمكانهم أيضاً بكل تأكيد أن يسجلوا ويصوتوا بفعالية تفوق بكثير فعالية السنة الذين مزقتهم الحرب. فضلاً عن ذلك فهم يتمتعون بوحدة سياسية، كما تتمتع الحوزة الشيعية بنوع من القدرة العملية التي تتمتع بها الاحزاب السياسية في تحشيد الاصوات.
وفي نفس الوقت هنالك وجه اخر للقصة تجاهلته التقارير الإعلامية تجاهلاً كبيراً. يضم اتفاق 15 تشرين الثاني 2003 الذي يضع القواعد الاساسية للأنتخابات القادمة تسويات ومشاكل في تقاسم السلطة مما أثار مخاوف خطيرة للغاية عن طبيعة النظام الجديد وعدالته وجدوى أي أنتخابات طبقاً للخطة الحالية. ويجدر بنا قبل التركيز كثيراً على اية الله العظمى السيستاني التساؤل هل يقبل أي سياسي أمريكي بالشروط المقترحة..

قانون الادارة الأنتقالية
لم يطلع الشيعة شأن العراقيين جميعاً على التفاصيل الدقيقة لقأنون الادارة الأنتقالية الذي اعلنته سلطة الائتلاف المؤقتة ومجلس الحكم في 28 شباط/فبراير 2004. ويحدد هذا القأنون دور الجمعية العراقية الأنتقالية الجديدة حتى الاتفاق على دستور جديد. ونظرياً سيحدث هذا خلال صيف أو خريف عام 2005 ولكن قد يتأخر هذا الموعد كثيراً. وبالنتيجة يتوجب على أعضاء الجمعية العراقية الأنتقالية أن يقبلوا دستوراً مفروضاً يعكس التوترات داخل سلطة الائتلاف ومجلس الحكم ولا يعكس أي ارادة شعبية. وينتاب العديد من العراقيين- سواءً كانوا شيعة ام لا- شكوك عميقة حول صياغة مثل هذا القانون دون وجود فقرات واضحة تفتح باب التعديل على يد الجمعية العراقية الأنتقالية. وبالاخص هنالك شكوك خطيرة حول دور اعضاء مجلس الحكم في السعي لتقديم مصالحهم الشخصية.

اتفاق وضع القوات
كما طلب من العراقيين دعم اتفاق حول وضع القوات بين سلطة الائتلاف ومجلس الحكم يحدد دور القوات العسكرية الأمريكية ومن المتوقع توقيعه في 31أذار- أي قبل شهرين من اختيار الجمعية العراقية الأنتقالية لوزرائها.
ومن شأن هذا الاتفاق أن يحد من صلاحيات الحكومة الجديدة كثيراً خلال الفترة من 31 حزيران/مايو-عندما تستلم الجمعية العراقية الأنتقالية زمام السلطة. وحتى تاريخ المصادقة على الدستور الجديد واجراء الأنتخابات لاختيار حكومة عراقية جديدة. وهذا التاريخ هو 31 كانون الأول 2005 أو متماً تمت المصادقة على الدستور الجديد عن طريق استفتاء شعبي. وفي الواقع فأن الولايات المتحدة تحدد شروط احتلالها المستمر دون الرجوع الى الجمعية العراقية الأنتقالية.

أختيار المندوبين لاختيار الجمعية العراقية الأنتقالية
أن الامر أكثر بكثير من مجرد نقاش حول ما إذا كان يتوجب اختيار الجمعية العراقية الأنتقالية عن طريق ممثلين ام عن طريق الأنتخاب الشعبي. وينبغي على المطلع على السياسة المحلية في الغرب أن يأخذ بالاعتبار الطريقة التي يقترح من خلالها اختيار الممثلين:
¨ يجب اطلاق عملية الاختيار في كل من محافظات العراق الـ18 بغض النظر عن عدد السكان وحالة الاستقرار.
¨ سيتم اختيار لجنة من 15 مراقب في كل محافظة.
¨ يتم اختيار 5 من المراقبين عن طريق مجلس الحكومة المحلية التي ما يزال بعضها في طور الأنشاء. ويخضع أختيارها للتأثير القوي لسلطة الائتلاف ومجلس الحكم.
¨ يتم اختيار 5 مراقبين عن طريق المجلس المحلي لاكبر 5 مدن أو أقضية في كل محافظة، والتي يتم أختيار أعضائها أيضاً بطريقة تخضع للتأثير القوي لسلطة الائتلاف ومجلس الحكم.
¨ ثم يختار الممثلين الـ 15 ممثلين اخرين للجمعية العراقية الأنتقالية يكون عددهم مبنياً عل العامل السكاني (الديموغرافي) للمحافظة.
¨ يجب أن يوافق 11 من بين 15 ممثل على اختيار كل ممثل مع اعطاء المراقبين المرشحين من مجلس الحكم حق النقض (الفيتو).
من محاسن هذا النظام أنه يضمن نوع من الفيدرالية والعدالة بين مختلف الاتجاهات العرقية والدينية والمناطقية. وينبغي أن يتضح في نفس الوقت سبب وجود تحفظات قوية لدى السيستاني والشيعة والعديد من السنة الوطنيين العراقيين. أن يلائم هذا النظام ما تمارسه سلطة الائتلاف ومجلس الحكم من تلاعب سياسي وتقسيم أنتخابي متميز. ومن المستحيل معرفة مدى تمثيل هذه الأنتخابات أو عدالتها الى حين اجرائها. كما أنها تسمح لتيارات صغيرة نسبياً بفرض حلول خرقاء على الأغلبية.

مـا القـادم
مع هذا فالمشاكل مع اختيار الممثلين للجمعية العراقية الأنتقالية. فإذا حصلت الأحداث السابقة طبقاً للبرنامج، فسوف تجتمع الجمعية العراقية الأنتقالية في 31 ايار 2004 وتختار رئيساً تنفيذياً وتعين الوزراء. ويضمن هذا في الواقع فراغاً سياسياً لجميع من يتولى السلطة من خلال هيئة تفتقد للخبرة في العمل الجماعي كما لا يمتلك معظم اعضائها أي خبرة سياسية على الاطلاق والمحصلة ستكون صعبة في افضل الظروف. بعد ذلك تحصل الجمعية العراقية الأنتقالية في 30 حزيران 2004 على "السيادة" والسلطة على حكومة العراق- ولكن حتى الأن دون فرض قيود غير محددة من سلطة الائتلاف واتفاق وضع القوات. فضلاً عن ذلك سوف تحل سلطة الائتلاف، ولكن لا أحد يعرف لحد الأن الى ماذا ستتحول بالضبط.
وممن المقرر بعد حوالي العام أي بتاريخ 15أذار أن تجرى الأنتخابات الوطنية من اجل التوصل الى اتفاق دستوري. ويمنح هذا الوضع مهلة سنة للجمعية العراقية الأنتقالية تتمكن خلالها من وضع الشروط لصياغة الدستور والموافقة عليه- إذا لم يؤجلوا الأنتخابات أو يغيروا صيغتها. اما إذا تبين تعرض الجمعية العراقية الأنتقالية للتلاعب وأنها غير تمثيلية، فهذا نذير بدخول الفساد للعملية وتعرضها لهيمنة جهة لم يتم أنتخابها. ومن المفترض كذلك أن تتم المصادقة على الدستور الجديد في وقت ما قبل 31 كانون الأول 2005، وعند ذلك تنتهي نفاذية قانون الادارة الأنتقالية. وسوف تسفر الأنتخابات الشعبية عن اختيار حكومة جديدة. وبروز حكومة ذات سيادة حقيقية- رغم أنه من غير الواضح تماماً شكل الحكومة أو كيفية أنتخابها وهل ستمثل الشعب العراقي واتجاهاته تمثيلاً فاعلاً. فضلاً عن ذلك، ما زال على الولايات المتحدة أن تحدد الدور الذي تخطط للعبه بعد أنتقال السلطة لاسيما الدور العسكري الذي تسعى للحصول عليه في العراق هل هو وجود عسكري ام مستشار ام محتل ام ماذا ؟

أيسر العسر
يحتاج المرء أن يتخذ جأنب الحذر حيال ادانة هذه العملية. فالولايات المتحدة لم تفرضها: وأنما هي حل وسط لعب خلاله مجلس الحكم الدور الأكبر. فالأنتخابات صعبة وخطرة. وفي حالة أجراء التسجيل على أساس البطاقة التموينية، فقد يكون ذلك مسبباً للشقاق وتشعل حرباً أهلية حتى ظهور نوع من التسوية (الفدرالية) حول تقاسم السلطة بين التيارات. وقد تهيأ الأنتخابات في بلد يفتقر للخبرة أو الاحزاب السياسية الوضع لحكم الغوغاء أو لحكم يسحق معارضيه بيد تيار ديني كالشيعة.
وفي نفس الوقت يثار تساؤل مفاده: هل سيثق أي أمريكي بنظام فرضه محتل عسكري ومجلس حكم يهيمن على أغلبه رجال كانوا في المنفى. وأنصافاً لموقف السيستاني والمنتقدين الاخرين لهذه العملية. فمن الجلي أنه حل أخرق بين سلطة الائتلاف ومختلف أعضاء مجلس الحكم، وليس نتيجة أي جهد لآيجاد حل ذي أرضية واسعة بين العراقيين.
ومن الجدير بالاشارة أن كل هذا يحدث في عراق تصل نسبة البطالة فيه الى 5060% وغالباً ما تحصل شحة في وقود التدفئة والطبخ، كما تستمر حوالي 250 من المصانع المملوكة للدولة بالعمل طبقاً لمناهج يعرف الجميع أنها عبارة عن رفاهية مؤقتة، ولا يملك المزارعون أدنى فكرة فيما إذا كانوا سيعملون على أساس منحة حكومية أو على أساس شبه السوق مع مجيء الموسم المتنامي الجديد. ولا يملك أي من القادة الحاليين أو المحتملين ذوي الشأن في الواقع خبرة سياسية- إذ تكفل صدام بذلك - ولم يمارس أي أحد منهم مطلقاً دور قيادة أو أدارة هيئة سياسية ضخمة. لا أحد يعرف أين سيكونون غداّ. ومن سيبرز كقائد، أو ما هي عقوبات الفشل السياسي. وليس هنالك أساس تأريخي لثقة عامة، وأكدت الشهور الماضية فقط غياب العنف المفتوح بين التيارات - رغم أن العنف المقاوم للتحالف هو الى حد ما صراع بالوكالة بين النخبة السنية القديمة والاغلبية الشيعية البارزة. أن فكرة الالقاء في حرب وحقيقة أن ما من خطوة من الخطوات السياسية المذكورة أنفاً قد وضعت تعريفاً محدوداً لدور الأسلام في الحكومة الجديدة، ولكن يمكن القول أن المظاهرات والاجتماعات كانت الأن سلمية ومحدودة بشكل مثير للدهشة. مع ذلك فمن الواضح أيضاً أن العراقي يواجه تحديات هائلة وأن السيستاني (وكل العراقيين) لديهم سبب وجيه جداّ للسؤال عن عدالة ومدى ملائمة الأنتخابات وكل جوانب الخطة الحالية لنقل السلطة لحكم عراقي كامل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) واشنطن 26 كانون الثاني/ يناير 2004 أوضح تقرير حديث بقلم انتوني كوردسمان من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.
نشرت في مركز الدراسات الدولية جامعة بغداد- 2004

السبت، 26 سبتمبر 2009

الماء لا النفط ديدن أزمة القرن الحادي والعشرين(1-2)

الماء لا النفط ديدن أزمة القرن الحادي والعشرين(1)
بقلم: ناروتام كان
ترجمة الباحث: أمير جبار الساعدي

كان هناك وعياً متزايداً في السنوات الأخيرة حول العلاقة بين تدهور الوضع البيئي وندرة الموارد من جهة، وبين ما يترتب عن ذلك من صراع على المستويين الإقليمي والدولي وسيكون الماء الذي يعد مورداً متجدداً سبباً رئيساً للصراع في القرن الحادي والعشرين.
بانتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي صرف العالم تركيزه عن الصراع السياسي العسكري بين الدولتين العظيمتين إذ برز قلق متنام حول العلاقة بين تدهور الوضع البيئي وندرة الموارد من جهة والسياسات والنزاعات الإقليمية والدولية من جهة أخرى وتطلب هذا تدارس أساس التفكير التقليدي والعسكري بحد ذاته وطرح جدالا قوياً يصب في مصلحة الربط بين المشاكل البيئة مع الخلافات السياسية وحالات التوتر المستقبلية أو حتى حالتي الحرب والسلم، وفي خضم النقاش الدائر يزداد التأكيد شيئا فشيئا على إن ندرة الموارد وتدهور الوضع البيئي هما عاملان غاية في الأهمية في المساهمة في الاضطراب السياسي أو الصراع العنيف على المستويات المحلية والإقليمية وتلك التي بين الدول المتجاورة لقد أصبحت العلاقة بين الصراع العنيف(الإقليمي والدولي) وبين تدهور الوضع البيئي أو ندرة الموارد قضية ذات صلة بالحقل الدولي وظهر في الوقت الحاضر العديد من المصادر حول هذا الموضوع، إما أقدم الوثائق التي حذرت من الصراع فكان تقرير براند لاند بعنوان(مستقبلنا المشارك) إذ ذكر فيه يعد الإجهاد البيئي سبب ومسبب بفعل حالات التوتر السياسي والصراعات العسكرية، فالدول تتقاتل فيما بينها لغرض بسط سيطرتها أو لمقاومتها محاولات دول أخرى في فرض سيطرتها على الموارد الأولية ومصادر الطاقة والأراضي وأحواض الأنهار والممرات البحرية والموارد البيئية الرئيسية الأخرى "ويضيف التقرير" من المحتمل إن تزداد مثل هذه الصراعات كلما أصبحت هذه الموارد أكثر ندرة وكلما ازداد التنافس عليها
(2) ويطرح ليبزيفسكي تعريفا أدق للصراع البيئي بقوله "إن الصراع" البيئي هو صراع ناجم عن الندرة البيئية لمورد معين، وهذا يعني بأنه ناجم عن اضطراب في المعدل الطبيعي لإعادة تولد ذلك المورد يعود ذلك المورد يعود سببه إلى تدخل الإنسان. ويمكن أن تنتج الندرة البيئية بفضل الاستخدام المفرط للمصدر المتجدد أو جراء استنزاف قدرة النظام البيئي على توليد هذه الموارد إلا إن ذلك هو التلوث وكلا الأمرين يحيلان الحياة على الأرض إلى خراب.

الشح البيئي ورداءة الماء
أصبحت ندرة الموارد الصفة الشاخصة أمام الوجود الإنساني وبالحقيقة أصبحت ندرة الموارد المتجددة شديدة جداً بشكل يمثل تهديداً خطيراً على بناء الجنس البشري ويقول هومر ديكسن إن هناك ثلاثة عوامل قد تودي إلى الندرة في الموارد هي
(3):
1. الندرة الناجمة عن العرض.
2. الندرة الناجمة عن الطلب.
3. الندرة التركيبية.
1. الندرة الناجمة عن العرض تحدث وتزداد سوءاً عندما تتقلص قاعدة المورد بفعل تردي النوعية ونفاذ الكمية وان أي زيادة في الندرة الناجمة عن العرض التي يسببها الإنسان هي في الواقع حصيلة ثلاثة عوامل هي:
‌أ. إجمالي عدد البشر القاطنين في المنطقة.
‌ب. الاستخدام الفردي لكل ضرب من ضروب التكنولوجيا المتاحة للسكان.
‌ج. مقدار ما يستهلك وما يستنزف من الموارد نتيجة لاستخدام كل وحدة من وحدات التكنولوجيا فقد تنضب او تستنفذ الموارد المتجددة لا بفعل الاستهلاك المباشر فحسب بل بفعل العمليات التكنولوجية التي تضر بالموارد ضرراً غير مباشر أيضا.
إن أنموذج التنمية الغربية الذي يعتمد على التصنيع واستخراج الموارد غير المتجددة قد يشكل تأثيرات هائلة وغير مباشرة على الموارد المتجددة جراء رداءة الماء والتلوث.


2. وتظهر القدرة الناجمة عن الطلب عندما يشكل السكان الآخذين بالتزايد طلباً على موارد محدودة إذ إن زيادة الطلب من قبل الفرد أو السكان تؤدي الى زيادة إجمالي الطلب على الموارد وعلى سبيل المثال فعند ازدياد العدد الكلي لسكان يعيشون في منطقة جافة مع بقاء جميع الأشياء الأخرى متساوية، سيزداد عندئذ إجمالي الطلب على الماء، أو إن عدداً ثابتاً من السكان يزيدوا من طلبهم الكلي على الماء نتيجة لتبني تقنيات زراعية حديثة ففي كلتا الحالتين وعند توفر مورد مائي ثابت أو محدود ستزداد ندرة الماء، إما إذا تردت نوعية الماء أو تلوث تلوثاً صناعياً ستتضاعف عندئذ مشكلة ندرة الماء، وهكذا فان الزيادة في حجم السكان والزيادة في طلب الفرد على مورد محدود قد يؤدي الى نضوب الموارد ورداءتها.

3. إما الندرة التركيبية فتحصل بسبب التوزيع المتفاوت للموارد: أي تجمع الموارد لدى بعض الجماعات البشرية بينما تعاني الجماعات الأخرى من وقوعها دون متوسط معدل الندرة ويمثل التنافس المتزايد على الماء العذب تهديداً كبيراً للأمن البشري في شتى أرجاء المعمورة ويذكر (ميكياسو ناكايامو) "إن الماء قد يثبت نفسه كمصدر الصراع في القرن الحادي والعشرين"(4).
ومن المؤكد أن تتزايد ندرة الماء الناجمة عن العرض طالما استمرت الزيادة في عدد سكان العالم والازدياد المطرد لمستويات الاستهلاك.
وطبقاً لإجراءات أجراها المعهد العالمي للموارد ( WRI) في عامي (1990-1991) فسوف يستهلك الإنسان قرابة 4250 كم2 من الماء العذب سنوياً من موارد مختلفة ويعيد قرابة 1700 كم2 من هذه الموارد بحالة ملوثة ويزداد هذا المعدل للاستهلاك بمعدل 2-3% سنوياً، وتصل القيمة الإجمالية لموارد الأنهار الى قرابة 2000كم2 في كل مرة ولكن نظراً لدورة الماء المستمرة بين الغلاف الجوي وسطح الأرض فأن الكمية السنوية التي توفرها الأنهار تبلغ 40000كم2 تقريباً، ورغم إن الأرقام الإجمالية تشير إلى وجود مياه غزيرة، إلا إن هنالك اختلافات كبيرة في وفرة المياه بين المناطق إذ توجد عدة مناطق بضمنها اغلب دول أوربا وأجزاء واسعة من الولايات المتحدة والأقاليم الشمالية الغربية من الصين وحوض الكانكا في الهند وسكان هذه المناطق في الواقع يستهلكون جميع مياه الأنهر النابعة في أراضيهم ويهدد النمو السكاني المطرد في عدد من الدول النامية ذات الأراضي الجافة بتخفيض حصة الماء الى اقل من 1000كم2 من الماء للشخص الواحد سنوياً والذي يعد أدنى مما هو ضروري لحياة ملائمة في بلد متقدم نسبياً.

وكمعدل فأن حصة الماء تنخفض تحت مستوى 1000كم2 في الدول النامية مما يعني إن نسبة كبيرة من السكان ستعاني مشاكل خطيرة من المياه كما ستحدد رقعة أرواء المساحة المزروعة مستقبلاً مما يضطر العوائل الريفية أن تقطع مسافة بعيدة عن قراهم سيراً على الأقدام لجلب المياه من البرك والجداول وسيعاني المقيمون غير الشرعيون في المستوطنات الحضرية وفي الأحياء الفقيرة من عدم توفر الماء الكافي للحاجات الصحية الأساسية.
ويبرز الغموض في هذه التوقعات لاحتمال تغير المناخ بفعل الغازات السامة، إذ سيقلب مجمل تجهيز المياه، ويواجه الشرق الأوسط وأجزاء من أفريقيا شح في المياه لان سكان هذه المناطق يزدادون ازدياداً مطرداً بينما المياه فيها شحيحة جداً.
وإذا أخذنا العالم بنحو الإجمال، يقول توم كاردنر في كتابه "الماء المتجدد يقلص الشح: تحديث ثان "إن عدد السكان الذين يعيشون في بلدان تعاني من ضغط مشكلة الماء أو من شح مياه مزمنة قد وصل الى 430 مليون تقريباً عام 1997، أي انه بحلول عام 2025 وإذا أخذنا بالاعتبار متوسط توقعات الأمم المتحدة بشأن السكان فمن المتوقع أن يزداد العدد إلى ثلاثة مليارات، ويظهر الجدول (1) المناطق الأكثر احتمالاً لبروز أزمات المياه في العقد القادم بسبب النمو السكاني.
ثم تخمين الحصة المائية لعام 2025 باللجوء الى متوسط توقعات الأمم المتحدة التي تم الحصول عليها من قسم السكان التابع للأمم المتحدة، توقعات السكان في العالم، مؤشرات الإحصائيات السكانية المنقحة لعام 1996 و1950، 2025 ديكوز-1-4 (نيويورك، الأمم المتحدة، 1996).
إن تأثير حالات الندرة الناجمة عن العرض في الماء العذب على إنتاجية القطاع الزراعي والصحة والتنمية الاقتصادية تأثيراً خطيراً جداً كما إن ملوحة وتلوث الماء فيه يؤثر تأثيراً خطيراً على الإنتاج الغذائي إذ يشكل ذلك ضرراً بالصحة، وتساهم تجهيزات المياه غير الكافية والملوثة بتفاقم حالات عدوى أمراض الجهاز الهضمي والأمراض الطفيلية.

الشح البيئي وأثاره الاجتماعية:
ترتبط الأنواع الثلاثة لحالات الشح البيئي مع بعضها البعض ويظهر نموذجان من التفاعل فيما بينها وهما:
انتزاع وتهميش المورد ، ويحصل انتزاع المورد عن حدوث تدهور في نوعية وكمية المورد المتجدد إلى جانب النمو السكاني وهذا يدفع بالجماعات القوية داخل المجتمع إلى تحويل توزيع الموارد لصالحهم معرضين. بذلك الجماعات الفقيرة والضعيفة إلى ندرة بيئية خطيرة بالإضافة إلى الآثار الاجتماعية الأخرى التي تولد ضرراً صحياً إما التهميش البيئي فيحدث عندما يؤدي إلى الاستخدام غير المتساوي للموارد مقترناً مع النمو السكاني مسبباً الهجرة إلى مناطق مثل المنحدرات العالية والغابات المطرية الاستوائية والمناطق الحضرية ومناطق أخرى ذات بيئة تعد هشة من الناحية البيئية وقد تسبب الندرة البيئية وأنواع تفاعلها المختلفة بما فيها النوعين المذكورين أعلاه تغيرات لا حصر لها في المجتمعات النامية.
وقد حدد هومر دكسون خمسة أثار اجتماعية قد تؤدي بمجموعها أو كل على حدة إلى زيادة نسبة العنف في المجتمعات النامية(5).

* الإنتاج الزراعي المقيد.
* انخفاض الإنتاج الاقتصادي.
* هجرة الأشخاص المهمين للبحث عن فرص حياة أفضل.
* تقطيع اكبر للمجتمع الى جانب الانقسامات العرقية الموجودة أصلا.
* تمزق المؤسسات الحكومية منها خاصة.
ترتبط هذه الآثار غالباً مع بعضها البعض وأحيانا تربطها علاقة استرجاعية وعلى سبيل المثال إن الهجرة التي سببها الانخفاض في الإنتاج الغذائي قد تقلص عدد العمال الموجودين للعمل في الحقول وتسبب انخفاضاً اكبر في الإنتاج الغذائي وقد يدفع التدهور الاقتصادي الأشخاص ذوي الشهادة والثروة للسفر الى داخل أو خارج البلاد وهذا بدوره يضعف الجامعات والمحاكم ومؤسسات الإدارة الاقتصادية التي تمثل ركائز الاقتصاد القوي.
الصراع العنيف هو احد الآثار السلبية للشح البيئي، ويمكن فهم صراع الدول حول المواد الطبيعية وفق النموذج الواقعي التقليدي (أو ميزان القوى) لنظرية العلاقات الدولية، ويقول كل من نازلي كورسي وروبرت نورث إن الدول التي تواجه طلبات عالية على الموارد ومحدودية
وفرة الموارد داخل أراضيها ستسعى إلى الموارد الضرورية من خلال التجارة أو الاستيلاء على ارض خارج حدودها. يبدو إن أربعة من الموارد في الأخص هي الأكثر احتمالاً لإشعال صراعات الندرة البسيطة وبالتحديد هي الأراضي ذات الإنتاج الزراعي والغابات ومياه الأنهار وصيد الأسماك. ينشأ صراع الشح البسيط مباشرة من الاستخدام المفرط للموارد الطبيعية المتجددة أو تلويثها أو تدميرها أو كلاهما معاً.

* مركز الدراسات الدولية/جامعة بغداد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مجلة الشؤون الدولية العدد الثالث الصادر في اب 2002، (Water not Oil Crisis of the Twenty first Century)
(2) تقرير براند لاند 1987
(3) ديكسن، توماس، اف هومر ، البيئة والندرة والعنف، برنستون، نيوجرسي، برنستون ونفيرستي بيرس 1999/ ص48.
(4) ناكايامو، ميكياسو، الماء والقرن الحادي والعشرين، 5 النفط، العمل في تقدم، جامعة الامم المتحدة المجلد الخامس عشر، العدد الثاني، شتاء عام 1998، ص8.
(5) (دكسون، توكاس اف هومر، البيئة والشحة والعنف، بدنستون، نيوجرسي، بدنستون يونفيرستي بريس، 1999، ص48).

الماء لا النفط ديدن أزمة القرن الحادي والعشرين(2-2)

بقلم: ناروتام كان
ترجمة الباحث: أمير جبار الساعدي


إحدى الموارد المتجددة الأكثر احتمالاً لإشعال صراع بين دولتين هي مياه الأنهار. فالماء مورد أساسي لبقاء الفرد والدولة وهو عامل أساس في تصنيع واستخدام القوة العسكرية وتعتمد كل من الدول الغنية والفقيرة على الماء على نحو سواء وفي الواقع ترى الخلافات حول استخدام الماء وتحويل مجراه وتلوثه ونوعيته في جميع أرجاء العالم. ويرجعه السبب في ذلك إلى انخفاض تدفق المياه بفعل السدود والمشاريع التي تنشأها الدول المحاذية للأنهر في أعلى مجرى النهر. إما العوامل الأخرى فتشمل: تحويل مجرى المياه، والتلوث الصناعي الكيماوي الزراعي وزيادة ملوحة التربة بفعل الاستخراج المفرط للمياه الجوفية لأغراض الري، وامتلاء قيعان الأنهار بالطمئ والسيل الناجمة عن إزالة الغابات وتعرية التربة. وطبقاً لتوقعات وثيقة موجزة للمسح الأرضي المجلد (40، 1984)، فان 40% من سكان العالم يعتمدون على مياه الشرب والري والطاقة الكهرومائية في 214 منظومة نهرية رئيسية تتقاسمها دولتان أو أكثر، و 12 من هذه المنظومات تتقاسمها خمسة دول أو أكثر، وهكذا فالصراعات هي الأكثر احتمالاً للاندلاع بين دولتين أو أكثر نظراً للأسباب أعلاه واعتمادا على مدى قلة وحدة وانية وندرة الموارد المائية. لقد أعلن إسماعيل الدين نائب رئيس البنك الدولي للتنمية البيئية المدعومة في اجتماع في ستوكهولم في آب من عام 1995 إن حروب القرن ستكون بسبب الماء وليس النفط. ونفس هذه الكلمات رددها والي ان داو. الأمين العام لمؤتمر الأمم المتحدة حول المستوطنات البشرية الذي عقد عام 1996 في اسطنبول عندما قال اعتقد انه في غضون الخمسين سنة القادمة سنشهد تحولاً من النفط إلى الماء ليكون سبباً للصراعات الكبيرة بين الدول والشعوب.
في الواقع إن الحروب حول مياه الأنهار بين دولتي المنبع والمصب هي أكثر احتمالاً ضمن ظروف محددة فحسب، فعلى سبيل المثال، إذا هددت دولة مصب واقعة على ضفة النهر باللجوء إلى الحرب ضد دولة منبع لان الأخيرة لوثت مياه النهر تلويثاً كبيراً لدرجة لا يمكن استخدامه من قبل سكان دولة المصب الذين يعتمدون اعتماداً أساسيا على هذا الماء فستكون الصفة البيئية للصراع واضحة هنا. نادراً ما يؤدي هذا الوضع الى اندلاع حرب، أي انه يتوقف على مدى اقتناع دولة المصب إنها أقوى عسكرياً من دولة المنبع وترى إن معالجة الوضع لا يتم إلا باللجوء الى القوة العسكرية.

نهر النيل:
يعد نهر النيل شريان الحياة لمصر التي تحصل على مياه الأمطار غير أنها تفتقر إلى مصادر المياه الأخرى وعلى الرغم من ذلك توجد فيها بعض الطبقات الصخرية المائية سريعة النضوب تحت الصحراء ويعتمد سكان مصر البالغ عددهم
(65 مليون نسمة) والمتوقع أن يرتفع العدد الى (75 مليون) في غضون عقد من الزمن اعتماداً أساسيا على مياه النهر. يجري النهر داخل ثمانية دول قبل وصوله الى مصر. وطبقاً لاتفاقية (1959) مع السودان، يحصل المصريون على (55 مليار متر مكعب) من مياه نهر النيل سنوياً، بينما يحصل السودان على (18.5 مليار متر مكعب) وتذكر ساندرا بوستير في مقالتها "المياه مقابل الإنتاج الغذائي سيكون هذا كافياً عام (2025) "التي شاركت بها في المؤتمر التاسع للجمعية الدولية للموارد المائية الذي عقد في مدينة مونتريال عام (1997)، أن الحصة المائية لمصر عام (1990) كانت (63.5) مليار متر مكعب) لكن الطلب في عام (1998) كان قد وصل الى (56.8 مليار متر مكعب) ومن المتوقع أن يزداد بسرعة وتوقعت وكالة المساعدة الأمريكية في منتصف التسعينيات أن تعاني مصر عجزاً في المياه يتراوح بين (16-30%) في نهاية القرن العشرين.
وكانت مصر قد هددت في الماضي أنها استعدت لإعلان الحرب لمنع أي بلد في مجرى النهر العلوي من التلاعب بمجرى النهر. وفي منتصف الثمانينيات كانت على وشك إعطاء الأوامر للقيام بهجمات جوية على الخرطوم لدرء المخاطر المائية المشار إليها، إن ما يحفظ مصر حتى الآن هو إن كل من السودان وإثيوبيا بلدان فقيران وتنهكهم الحرب الأهلية وتقف حائلاً دون تنفيذ أي تحويل مائي واسع النطاق، تعتبر حالات التوتر المائية بين مصر وإثيوبيا والسودان بصيغة ما استمراراً لنزاع أمده (2000) عام حول من يحكم سيطرته على المياه طبقاً لما قاله مارك دي فيليارز في كتابه "حروب المياه" وفي عام (1993) تم التوصل إلى اتفاق عام بين الحكومة الإثيوبية الجديدة آنذاك ومصر ينص على عدم لجوء أي من البلدين الى إجراء أي عمل في نهر النيل من شأنه الإضرار بالبلدين، وكما ذكر جان هولتن في تقرير لكتاب ليف اولاسون "السياسات المائية" ليس المهم ما فعله الاثيوبيين بل ما قد يفعلوه الآن. وقد أشار الأمين العام السابق للأمم المتحدة بطرس غالي عندما كان وزيراً لخارجية مصر عام (1990) الى إن الأمن الوطني لمصر والذي يعتمد على مياه النيل هو في قبضة أقطار افريقية أخرى وبعدها صرح تصريحاً متشائماً قال فيه: الحرب القادمة في منطقتنا ستكون بسبب مياه نهر النيل، ترديداً لتصريح أنور السادات الذي كان قد ألقاه قبل (خمسة عشر سنة) وهكذا فخيار الحرب ما زال قائماً فعلاً. وما من سبب يدعونا للاعتقاد إن الأمور قد تغيرت.

مياه نهر الكانكا: (الهند وبنغلادش).
ومثال أخر واضح هو الصراع المائي بين الهند وبنغلادش حول مياه نهر الكانكا فقد أقامت الهند خزاناً ضخماً في فاركا يؤثر سلباً على الزراعة وصيد الأسماك واقتصاد بنغلادش وعلى أية حال، فالمتوقع بشأن اندلاع حرب مياه بين الهند وبنغلادش هو توقع ضعيف رغم ان نتائج بناء الخزان قد أدت الى هجرة واسعة من بنغلادش الى الهند. ويبدو ان معاهدة تقاسم مياه نهر الكانكا بين الهند وبنغلادش التي وقعها الطرفان (1996) قد حلت الأزمة في الوقت الحاضر. لكن المعاهدة لم تتطرق إلى القلق البيئي الأساسي وهو نفاذ الموارد المائية. وتم الأخذ بالاعتبار القضايا البيئية قبل تلوث الأنهار والحفاظ على النظام البيئي وحتى اتخاذ الإجراءات اللازمة لزيادة الموارد المائية التي تنفذ تدريجياً.


الصراع حول نهر الفرات
رفضت تركيا في بداية التسعينيات طلب سوريا بزيادة حصتها المائية من نهر الفرات، وهو النهر الذي قدم الماء الى محاولات البشرية الأولى في الاستزراع. وصرح سليمان ديمريل رئيس وزراء تركيا آنذاك قائلاً: نحن لا نقول إن علينا أن نتقاسم مواردهم النفطية لذا لا يمكنهم القول ان عليهم تقاسم مواردنا المائية، ويذكر نورين كليوت إن تركيا تخطط في مطلع هذا القرن إلى بناء مجمع يحوي (20) سداً، وأنظمة ري على طول المسطحات العلوية للنهر، وسوف يقلص مشروع الأناضول الضخم الذي تبلغ كلفته (21 مليار دولار)، ومعدل التدفق السنوي لنهر الفرات داخل سوريا من (22 مليار متر مكعب الى 20 مليار متر مكعب) وتعاني سوريا في الأصل من نقص خطير في المياه، إذ لا تتعدى الحصة المائية السنوية (1000 متر مكعب) للشخص الواحد (كليون، نوريت، الموارد المائية والصراع في الشرق الأوسط، لندن روليدج 1994 الفصل الثاني: وأيضا الآن كويل حقوق المياه: المزيد من الطين وقذف الحجارة، صحيفة نيويورك تايمز، 7 شباط عام 1990) ويلبي نهر الفرات 80-85 من الحاجات المائية لمدن سوريا وصناعاتها وأراضيها وكانت سوريا عرضة لجفاف مزمن في السنوات الأخيرة ومن الجدير بالذكر إن الماء الذي يمر عبر تركيا يدخل الى سوريا يكون محملاً بالكيمياويات الزراعية والأسمدة والمبيدات والأملاح وبذلك يمثل خطراً كبيراً على الأراضي والإنتاج الزراعي كما إن عدد سكان سوريا المتزايد بمعدل 3.3% سنوياً عام 1995 يعد من اكبر المعدلات في العالم ويمكن أن يتسبب بمضاعفة الطلب على الماء في البلاد.
وقد تبادلت كل من تركيا وسوريا الكلمات اللاذعة حول هذا الموضوع وان سوريا ضعيفة جداً بالنسبة الى تركيا إذا ما أرادت معالجة الوضع عسكرياً وعوضاً عن ذلك فقد لجأت الى تقديم ملاذ إلى مقاتلي حزب العمال الكردي الذي يقود ومنذ زمن طويل تمرداً ضد الحكومة التركية في شرق الأناضول وتتوقع تركيا أن تستخدم سوريا دعمها المعنوي والمادي للمقاتلين كأداة ضغط في المفاوضات حول مياه نهر الفرات وفي تشرين الأول من عام 1989 اقترح رئيس الوزراء آنذاك توركوت اوزال إن تركيا تحجز مياه النهر إذا لم توقف سوريا نشاط حزب العمال الكردي ولم تحل هذه التوترات بين البلدين حتى يومنا هذا (فرانوا تشيبو، جريدة مانجستر كارديان الأسبوعية، في 17 شباط عام 1996).
واحد المؤشرات على إن هذا المشروع المائي الإنمائي العملاق هو الأكثر احتمالاً لإشعال حالات توتر كبيرة بين الدولتين ألا وهو قيام تركيا بنصب صواريخ أرض جو لحماية المشروع ضد أي هجوم عسكري وهذا لا يعني إن السد سيؤدي تلقائياً إلى نشوب حرب مفتوحة بين تركيا بوصفها دولة وسط والعراق بوصفه دولة سفلى فالمصدر الحقيقي للعداء هو سد أتاتورك في تركيا الذي من المفترض أن يحول موارد جنوب شرق الأناضول إلى اقتصاد مزدهر وحيوي.
إن كل من المتطلبات الحالية وأهداف الاستهلاك في المستقبل في هذه الدولة بعيدة عن تجاوز قدرة حوض النهر.
في الوقت الذي تتمكن فيه تركيا من إعداد الحجج الاقتصادية والبيئية القوية لصالح قضيتها بوصفها دولة واقعة في أعالي مجرى النهر وكونها مسئولة عن استخدام الماء في الحوض بأكمله، تحاول كل من سوريا والعراق من جهتها أن تضمنا قاعدة عرض إقليمية مستقلة قدر الإمكان عن تركيا.
لسوريا والعراق نوايا متباينة، إذ سيمثل الفرات لسوريا وبالأخص مورداً رئيسياً للماء للصناعة والزراعة فإذا ما نفذت تركيا خططها حول المسطحات العليا لنهر الفرات فقد تواجه سوريا ندرة مياه خطيرة ومن ناحية أخرى فموقف العراق أقوى مقابل تركيا نظراً لعدم اعتماده كلياً على نهر الفرات ففي الواقع إن مياه نهر دجلة كلها تقريباً للعراق ويبرز سبب أخر هو إن له القدرة على ربط تدفق المياه من تركيا بتدفق النفط إلى تركيا.
ونظراً لمستوى استهلاك سوريا العالي للمياه وتأريخ العداوات بين سوريا وتركيا، فقد لا ترغب بضم صوتها الى صوت تركيا ضد العراق الدولة الواقعة في أسفل مجرى النهر. ومن غير المتوقع ان ينشأ منهج مشترك بين سوريا والعراق بسبب حرب الخليج الثانية، وتربط حكومات المنطقة الحل مباشرة بالمشكلة الكردية وبصورة غير مباشرة بقضية المياه ويذكر تقريراً إن هناك أحتمال ضعيف جداً في الوقت الحاضر على الأقل أن تؤدي مشاكل المياه في حوض نهري دجلة والفرات الى التصعيد لصراع مسلح حول توزيع الموارد المائية. ومع ذلك فإذا استمرت الدول التي يمر النهر بأراضيها بالإصرار على أهداف الاستهلاك المحددة من جانب واحد، فسوف تتضاعف أخطار شح المياه. إن التحول الجذري لبيئة الحوض التي تتوسط المشكلة الاجتماعية والاقتصادية للمنتجين الريفيين في البلدان الثلاثة كلها هو بالفعل ما قد يزعزع الأمن الدولي (المجلس الاستشاري الألماني حول التغير العالمي، لتقرير السنوي/ 1997).

الخلاف الأردني- الصهيوني "الاسرائيلي":
يعد حوض الأردن (نهر الأردن واليرموك) المصدر الأساسي للبلد للمياه السطحية الجارية وحاول الأردن في الخمسينيات بسط سيطرته على موارده المائية من خلال بناء منظومة خزن على نهر اليرموك إلا أن الكيان الصهيوني دمره في حرب عام (1967) وفي أحداث متتالية أخرى. وبذلك منعوا إتمام الصيانة في السدود والقنوات الأردنية، واعتبر الكيان الصهيوني انحسار المياه تهديداً للمزارعين الصهاينة في منطقة وادي الأردن خطة لبناء سد على نهر اليرموك في منطقة مرقوين قرب الحدود مع سوريا بيد إن الكيان الصهيوني بوصفه إقليم المصب رفض التشاور وطبقاً لمبادئ التمويل لدى البنك الدولي. وبالمقابل طالب الكيان الصهيوني بحصة أكبر من تلك المخصصة لها مسبقاً وطالب بالرجوع إلى فكرة جونستون التي تنص على التوزيع المتساوي للمياه. وقدم الأردن في عام (1990) طلباً إلى البنك الدولي من اجل الحصول على المال الكافي لبناء سد أخر هو سد الوحدة في أعلى نهر اليرموك، ورفع الكيان الصهيوني مجموعة من الاعتراضات حول هذا المشروع. إذ يزعم الكيان الصهيوني إن هذا سيؤثر على قدرته في التعامل مع الطلبات المحلية المتزايدة على المياه وقد دفع هذا الوضع الملك حسين للقول إن المياه السبب الوحيد التي قد تدفع الأردن إلى الحرب مع الكيان الصهيوني.
وقد وقع الأردن والكيان الصهيوني اتفاقاً للسلام عام (1994) كرس جزء كبير منه لحل قضايا المياه. ولعدم وضع جدول زمني لحد الآن. فلا يظهر في الأفق أي حل لمشكلة المياه. وقد استدعت المحكمة العديد من الأشخاص لاتهماهم بالتعامل الودي مع الكيان الصهيوني، وهذا دفع بوزير المياه الأردني حدادين إلى الاستقالة وظهرت عدة إشارات تبين إن هذا الاتفاق هو الخطوة الأولى نحو محادثات أوسع نطاقاً.

نهر اوكافانكو:
تتقاسم كل من انغولا وناميبيا وبتسوانا مياه نهر اوكا فانكو الذي يعد اكبر نهر في أفريقيا الجنوبية، وتنبع معظم روافد النهر من انغولا ويجري نحو الجنوب الشرقي إلى ناميبيا ثم ينعطف جنوباً الى بتسوانا ويصب النهر نحو دلتا اوكافانكو وهي محمية طبيعية عالمية معروفة ومنطقة سياحية كبرى. وقبل عدة سنوات وضعت بتسوانا خطة لمشروع كبير سمي المشروع الإنمائي المائي المتكامل في جنوب نهر اوكافانكو يهدف إلى توزيع المياه للري والاستعمال البشري وسقي الماشية وتزويد منجم كبير بالماء ونبه الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة (IUCN) إلى المضامين البيئية الخطيرة للمشروع. ورغم عزم بتسوانا على تنفيذ المشروع لكنها أجلته نظراً للمخاوف البيئية المذكورة انفاً كما تعكر العلاقات بين ناميبيا وبتسوانا مؤخراً بسبب خطط ناميبيا لبناء خط أنابيب يبلغ (25) كم لتحويل مسار مياه نهر اوكافانكو نحو شرق ناميبيا وعاصمتها وندويك كما تنوي بناء خط أنابيب للطوارئ لربط ناقل المياه الشرقي الوطني بنهر اوكافانكو التي تضم انغولا وبتسوانا وناميبيا في أيلول عام 1994، فلا توجد اتفاقية طويلة الأمد حول إدارة وتخصيص مياه النهر كما لا توجد اتفاقية تلزم باستمرار مشروع هذه اللجنة وما زالت المفاوضات والمناقشات دائرة بين ناميبيا وبتسوانا. وكشفت بعض التقارير إن بتسوانا تسعى إلى زيادة حجم قواتها الدفاعية تحسباً لهذا الخلاف كما يظهر قلق جنوب أفريقيا من الخطر المحتمل لاندلاع الصراع بين البلدين حول هذا الأمر ويقول بيتر موكابا وكيل وزير الشؤون البيئية في جنوب أفريقيا إن أي تغير في ميزان القوى في المنطقة قد يؤدي إلى سباق تسلح (النشرة الدولية للمياه، المجلد 77، الصادر عام 1997).

أنهار متنزه كر وجر الوطني:
روافد نهري ليمبوبو وانكوماتي:

تنبع ستة انهار كبيرة من جهة الشرق في جمهورية جنوب أفريقيا نحو متنزه كر وجر الوطني ثم إلى موزنبيق حيث تصب في نهاية نهري ليمبوبوو انكوماتي وان جميع هذه الأنهار والروافد مهددة تهديداً خطيراً بفعل النمو السكاني المطرد والاستخدام المفرط وتعد كروجر من أهم المراكز السياحية في منطقة جنوب أفريقيا كما تعد مركزاً بالغ الأهمية في التنوع الحياتي. ويقول بيتر فان نيكيرك "تدرك جنوب أفريقيا تماماً إن الموزنبيقيين لا يشعرون بالرضا تجاه نوعية المياه التي تصلهم، وفي الواقع فان الموزنبيقيين كانوا غير راضين تماماً لرفضهم توقيع اقتراح حول مذكرة تفاهم. حتى إن موزنبيق هددت باللجوء الى المحكمة الدولية لمحاسبة جنوب أفريقيا. وكانت تلك خطوة للضغط على جنوب أفريقيا للنظر في مخاوف موزنبيق التي قد تشوه صورة جنوب أفريقيا في شبه القارة وفي منظمة الوحدة الأفريقية أيضا. وتفتح نهاية الحرب في موزنبيق والتحسن الكبير في العلاقات بين جنوب أفريقيا وموزنبيق أفاقا جديدة نحو النظر الواضح والمباشر لقضايا المياه.

الخلاصة
تتعرض موارد المياه العذبة والنظام البيئي في العالم الى إجهاد شديد. فالنمو السكاني والتطور الصناعي المعتمد على استخراج أنواع الوقود الاحفوري قد تسبب في رداءة المياه والموارد المتجددة الأخرى، وتتزايد الطلبات على الماء العذب إلى الحد الأدنى الذي أصبح فيه هذا المورد شحيحاً. وهنا تبرز الحاجة إلى النظر في مختلف الأسباب التي تقف وراء رداءة الموارد المائية وهذا يعتمد على تضافر جهود الدول التي تتقاسم مياه الأنهار. كما يتطلب الأمر إعادة النظر في النموذج الغربي للتطور من اجل منع التلوث ورداءة الموارد المتجددة كالماء. ويدفعنا التأثير السلبي لظاهرة الاحتباس الحراري على وفرة الموارد المائية الى إعادة التفكير فيما نسميه تطوراً. ورغم عدم اندلاع حروب المياه، ولكن الصراعات الداخلية والخلافات بين دولتين أو أكثر مستمرة ومن المحتمل أن تزداد مع زيادة رداءة وشح المياه. وبعد جدال ونقاش وتحليل مطول حول قضايا البيئة/أصبح من المعروف على نطاق واسع إن رداءة وشح الموارد المتجددة وغير المتجددة تضطلع بدور كبير وفعلي في الخلافات الداخلية والإقليمية وحتى الدولية ولن تنتهي جميع الخلافات حول الموارد المائية إلى صراعات عنيفة ولكن في بعض المناطق من العالم سيزداد الماء شحا وأهمية للإنتاج الاقتصادي والزراعي وهكذا يزداد احتمال اندلاع صراعات ذات صلة بالمياه.
بالنسبة إلى الخلافات بين الدول حول المقدرات المائية الدولية، فالمجتمع الدولي في أمس الحاجة الى طرق التعامل مع المقدرات المائية الدولية بصيغة مثلى فيما يخص كل من كمية المياه ونوعيتها. إن تحقيق هذه الأهداف ليس بالأمر السهل: إذ يتطلب درجة من التعاون بين الدول، وهذا التعاون ليس وشيكاً على ما يبدو وفي النتيجة فالعديد من الدول عاجزة عن الاستفادة التامة من حصتها من الموارد المائية ويرجع السبب في ذلك إلى الخلافات غير المحسوبة بين الدول. وإذا أخذنا بنظر الاعتبار تضاعف الاستخدام العالمي للمياه كل عشرين سنة، نرى إن حالات الندرة هذه وما ينتج عنها من أثار وضغوط اجتماعية يزيد من احتمال اندلاع صراعات حول المياه داخل الدول أو بين دولتين أو أكثر. ونظراً لتزايد ندرة المياه في العالم، فقد تكون هذه الصراعات إقليمية بادئ الأمر وبسبب تهديدها للسلم فقد تتصاعد لتصبح صراعات دولية، وهذا يدعو إلى تدخل المجتمع الدولي لإيجاد حل وتسوية هذه الصراعات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* نشرت في آذار 2005 - مركز الدراسات الدولية/جامعة بغداد

الخميس، 24 سبتمبر 2009

وجهات نظر في الدستور (1-2)

الباحث: أمير جبار الساعدي

المقدمة

إن إدراكنا الأهمية البالغة لصياغة الدستور الدائم للعراق، ثم إقراره من الشعب بإرادته الحرة، كونه عقداً اجتماعياً يمثل الحجر الأساس لبناء دولة المؤسسات والقانون وحق المواطنة، التي يطمح إلى إقامتها كل العراقيين، وليس الديمقراطيون وحدهم، بعد عقود من القمع والإرهاب الفاشي والدكتاتورية. كما تكمن أهمية صياغة الدستور في كونه استحقاقاً قانونياً وسياسياً حسب قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية. ويشكل إنجازه في 15 آب ، ثم طرحه بعد شهرين للاستفتاء العام (بحلول 15 تشرين الأول)، حلقة حاسمة في العملية السياسية الجارية، إذ انه يهيئ الأرضية لإجراء الانتخابات الدستورية بحلول نهاية العام، لتنتهي بذلك المرحلة الانتقالية ويستعيد العراق سيادته الوطنية الكاملة وفقاً للشرعية الدولية المتمثلة بقرار مجلس الأمن(1546).

ماهو الدستور
إن الدستور هو القانون الأساسي للبلد والمشرع للقوانين الأخرى فهو بداية سلم عمل الدولة ونهاية الارتقاء بها، والوثيقة التي يستطيع بها المواطنون ممن لديهم الحقوق والسلطات برفد بعض القرارات إلى الحكومة. ويقوم بالإعلان عن هوية أية حكومة ستحظى بها الدولة والطريقة التي ستنتخب بها ودورها. يعرف الدستور ماهية الدولة و ما تستطيع القيام به وحدودها ، وما لا تقدر الحكومة من القيام به ويضمن الدستور حماية حقوق الإنسان ، تحديد سلطات الحكومة ، استجابة الحكومة للمواطن، جعل كل أفراد المجتمع العراقي متساوين أمام القانون، توضيح دور الدين في الحكومة ، التعريف عن الاتحادية (الفيدرالية) وماذا يعني ، فصل السلطات ، حماية ممتلكات المواطنين وحماية منشات الدولة. وبذلك فان الدستور يضع العديد من المبادئ المهمة التي تحكم الدولة من خلالها ،ولكن احد أهمها هو عملية الحكم استناداً إلى السيادة الشعبية أي الحصول على حكومة منتخبة من قبل الشعب إلى جانب الحكم بالقانون. مبادئ عامة لمسودة الدستور أن سقوط النظام السابق وأعتى نظام دكتاتوري والذي أزيح بتدخل أجنبي قد خلف الكثير من ألازمات التي تعصف بالبلاد حالياً لا تنتهي بإقرار الدستور العراقي المقبل والاستفتاء عليه والسبب أن العراق يمر بظروف قاسية ومريرة ، حيث يواجه أشرس هجمة إرهابية والتي تحاول بطريقة أو أخرى أن تعطل مسيرة الديمقراطية، والمضي نحو الاستقلالية والحرية. ومن هذه ألازمات ، أزمة الارتداد للثقافة الطائفية والمذهب ، والعرق ، والقومية ، وذلك يعود بالأصل إلى ضعف بل وحتى تدعيم ثقافة الانتماء العراقي الوطني التي افرزها النظم الفردي الشمولي الذي حكم العراق لثلاث عقود خلت وما لحقه من تغير على الساحة السياسية العراقية التي ساعدت على نشء هذا التوجه لوجود العديد من القوى والكتل الحزبية والسياسية التي اعتمدت في وجودها على أساس طائفي أم عرقي أم قومي إضافة إلى أن هناك من سعى لتوظيف هذه الفكرة أما غطاء له ، أو للسير مع التيار السائد. أما ألازمة الوطنية والقومية. فما هو السبيل لإزالة الاحتلال؟. هل بالانقسام الطائفي والقتل العشوائي والإرهاب البربري الذي يطال كال أطياف الشعب ولا يفرق بين طائفة أم مذهب أم عرق. أم هل يتم تحقيق رحيل هذه القوات ونحن نذبح بعضنا ، ام بالوحدة الوطنية والتعاضد في جبهة عراقية واحدة لنقول للمحتلين لقد خلعتم النظام المقبور فشكراً لكم فعليكم الجلاء عن العراق وسوف نقيم معكم علاقات تعاون متكافئة. فالخيار أمامنا هو اعتماد دستور عراقي عصري و إنساني ديمقراطي وتعددي ، فعراق المستقبل هو لجميع العراقيين يقوم على المبادئ التالية:

1. بلد حر ومستقل بدون احتلال أو هيمنة من قبل احد.

2. عراق يضم مجتمعاً يتكافأ فيه العراقيون (رجالا ونساء) متساوون في الحقوق والواجبات ويكتسي نسيجه المتين من روابط الانتماء إلى العراق أو لا وقبل كل شيء.

3. يضم مجتمعا حراً يبني مؤسساته المدنية وثقافته الوطنية والقومية بدون وصاية من فئة او حكومة ، بلد لديه مجتمع مدني يقوم بتغيير سياسية الاعتماد على الدولة نحو سياسة الاعتماد على الذات من خلال منظماته المدنية والسياسية والاجتماعية.

4. بلد ينتمي إلى أمته العربية ويتطلع إلى وحدتها تحت خيمة الديمقراطية لا الاستحواذية مع ضمان كافة حقوق القوميات الأخرى وتطلعاتها المشروعة: كما هو الحال في الاتحاد الأوربي.

5. تمتعه بدستور يضمن جميع الحقوق الإنسانية والوطنية والقومية لجميع مركبات المجتمع العراقي.

6. يقيم ديمقراطية ذات مضمون اجتماعي وذلك لصون وحدة المجتمع ولتوفير تكافئ الفرص في التعليم والصحة والضمان الاجتماعي ضد العوز والفقر والبطالة.....

7. يقيم ديمقراطية اتحادية مع الإخوة الكرد تحافظ على الوحدة الثقافية والجغرافية الدولية ومن دون تفريط بحقوق الأقليات الأخرى مع اعتماد أساليب إدارة الديمقراطية وفي مقدمتها اللامركزية في ادارة المحافظات.

8. يقيم برلمان دستوري يقوم على فصل السلطات وحكومة يعينها نواب منتخبون بالاقتراع السري المباشر من قبل جميع أبناء العراق البالغين دون استثناء. بلد تسود فيه الحرية الدينية وينتهل من الأديان وفي مقدمتها الإسلام قيم العدل و الأخلاق والفضيلة.

هذه أهم معالم المجتمع العراقي الذي نريد وعليه فلابد من دستور يعكس هذه المعالم ويصونها فمن يصنع مثل هذا الدستور؟ ومن يكتبه؟ ومن يصونه؟ ومن يعدله لمواكبة تطورات الحياة والتغيرات في مجرياتها الوطنية والقومية والعالمية.

المسألة الدستورية
إن هناك فرقا كبيرا بين ما يعرف بالعملية الدستورية من جهة وصياغته من جهة أخرى ، وإذا كانت الأخيرة فنية لا تحتاج وقتا طويلا في حال توصل أطراف العقد الدستوري لاتفاق، فان العملية الدستورية خاصة في بلد خارج من حرب أو ثورة سياسية فإنها تتطلب الوقت الكافي لمشاركة مكونات الشعب في حوار وطني شامل يفسح المجال لبحث القضايا الخلافية سعيا لإيجاد أرضية وقناعات مشتركة تؤسس لعقد سياسي سيكون بمثابة دستور للبلاد تلتزم به كافة أطراف العقد. اعتقد أن المسألة الدستورية هي التي ستلبس طبيعة ثوبها للعراق الجديد. ويمكننا ان نفرز اتجاهين أساسيين وتيارات متعددة يشكلها صراع القوى العراقية حول المسألة الدستورية:

أولا: الاتجاه الديني الذي يجمع كل القوى والأحزاب الدينية الشيعية والسنّية والتي يجمعها برغم كل الفوارق الدينية والطائفية موضوع (الشرع الإسلامي) والذي تريد تكريسه عن إيمان حقيقي به او لاستخدامه ورقة من اجل مصالح معينة، وسواء كانت تلك القوى والفئات متزمتة المواقف ام إصلاحية الرؤى فإنها جميعا تستمد قوتها من القواعد الشعبية التي يغيب عنها الوعي الدستوري والمفاهيم السياسية الحقيقية.

ثانيا: الاتجاه المدني الذي يجمع كل القوى والأحزاب السياسية والنخب العلمانية التي يجمعها برغم كل الفوارق السياسية والايديولوجية موضوع (فصل الدين عن الدولة) والذي تطمح عن إيمان حقيقي به او لاستخدامه ورقة من اجل مصالح معينة، وسواء كانت تلك القوى والنخب راديكالية المحتوى ام ليبرالية الرؤى ام قومية النزعة...فانها جميعا تستمد قوتها من حداثة تفكير النخب السياسية والمثقفة التي تتمتع الى حد كبير بالوعي السياسي والمفاهيم السياسية الحديثة. ان اي عراقي يخرج عن هذين السربين ليغّرد بعيدا عنهما فأما يكون غير مؤمن بالعراق جغرافية ومستقبلا، واما يكون مغاليا ومتعصبا لموقف او عهد او ايديولوجية ودين...واما يكون من أنصار العهد السابق الذي افتقد مصالحه ويطمح ساعيا بشتى الوسائل لإيقاف عجلة العملية السياسية برمتها (وبضمنها العملية الدستورية)...

واما ان يكون قد تضّرر جدا من كل هذه التحولات وافتقد الوعي بأهمية متغّيراتها ولم يعد يهمّه أصلا كل ما يجري من تطورات او تراجعات معا!. لا يكفي ان ندعو الناس او ممثليهم الى المساهمة في وضع الدستور أي للتعبير عن تصوراتهم لما يرغبون فيه من حياة اجتماعية وسياسية واقتصادية. اذ لابد من طرح رؤى وبدائل نظرية وعملية حول المجتمع السياسي الاجتماعي الاقتصادي الساعين لبنائه. فإذا كان الخيار الواضح هو اقامة نظام ديمقراطي تعددي فما هي طبيعته ؟ وما هي مضامينه ؟ وما هي الحدود والأفاق لتحقيقه في مجتمعنا المتعدد الأطياف والأعراق؟ وعليه لابد من ان تنشط الأحزاب والمنظمات والمرجعيات الفكرية والثقافية وكل الاختصاصات العليا لتوضيح او حتى للدعوة الى النظام الديمقراطي وماهيته وحدوده، حتى وان اختلفوا في قناعاتهم حول آليات بل وحتى حول جدوى تطبيق النظام الديمقراطي بالكامل وربما تتطلب الحكمة الفكرية عدم الوثوق بالأفكار المجردة والعامة لابد من الإدراك بان الدستور هو ليس النظام الديمقراطي بذاته بل هو مجرد نصوص رصينة تعرف عناصر ومواصفات النظام الديمقراطي فتنص على الحريات مثلا بعد تشخيصها وتحديدها او اطلاقتها حسب أنواعها وعلى ذلك فان وضع الدستور يستلزم مايلي:
أصدرت: Wednesday, September 21, 2005

وجهات نظر في الدستور (2-2)

الباحث: أمير جبار الساعدي

1. مشاركة واسعة من الرأي العام وممثلي الشعب. ومن قبل جميع المثقفين والكتاب والأكاديميين من أهل القانون وغيرهم لأبانة الرؤى والتصورات حول طبيعة النظام الديمقراطي المنشود.

2. يتم الاستهداء بقانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية والدساتير العراقية منذ عام 1925 ، والدساتير المطبقة في بلدان أخرى تتبنى الأنظمة الديمقراطية حتى يمكن الاستفادة من كل التطبيقات الايجابية وترك كل ما هو سلبي في تلك الدساتير، ويتوجب الاسترشاد بأحكام الشريعة الإسلامية وإحكام الشرائع الدينية الأخرى في العراق.

3. مناقشة جميع الأفكار والتصورات وحصرها وتصنيفها وتقدير مدى توافقها مع مبادىْ الديمقرا طية بلبسها الجديد على العراقيين.

4. تحال جميع الأفكار والتصورات ذات المنحى الديمقراطي والتي تدور حول تنظيم العلاقات الاجتماعية في مجتمع مدني حر وفي دولة مؤسسات تخضع للمسائلة والموازنات الى خبراء القانون يشاركهم فيها اختصاصيون في الاجتماع والسياسة والاقتصاد ومن كل الأطياف قدر الامكان لكتابة بنود الدستور كمسودة تعرض على البرلمان لمراجعتها او تهذيبها وليس للمصادقة عليها او تغير بنودها.

5. وعند إذ بعد التوافق تعرض بنود الدستور للاستفتاء الشعبي. ما هي أهم التحديات التي تواجهها عملية كتابة الدستور؟ من الصعوبة ان تجد كل العراقيين يجمعون على اجندة معينة بحكم اسباب شتى...وهنا تكمن نقطة الخلاف ، وهذه هي المسألة التي ستأخذ القسط الأعقد في المناقشات واحتدام الجدل بين العراقيين لزمن طويل.. واعتقد بأن ثلاث مسائل معقدّة ستأخذ جهدا وزمنا كبيرين من العراقيين وهم يصنعون دستورا ثابتا لهم، فماذا نرى ؟

الأولى: تكمن ليس في الفيدرالية (علما بأن ليس كل العراقيين مع مبدأ الفيدرالية) بل مع تطبيقها وخصوصا ما طبيعة تلك الفيدرالية التي يختلف في تفسيرها العراقيون بين عربهم وكردهم.

الثانية: هي مشكلة المواطنة العراقية اذا ما جعلت الثانية على حساب المحاصصة (التي لم يتفق عليها العراقيون وخصوصا المحاصصة الطائفية التي اصطلح ان يطلق عليها بالتوافقية).

الثالثة: هي مشكلة طبيعة الدستور، فهل سيكون على غرار الدساتير العربية التي تكتفي بأن دين الدولة هو الاسلام، ام انه سيلزم العراقيين بعيدا باسم الثوابت الدينية بعيدا عن القوانين الوضعية (وهنا ينقسم الرأي العام العراقي انقساما حادا أيضا). من يريد ان يجمع نقائضه بين الدين والدنيا...أي بين الشرع والقانون في دستور العراق يصدر في مطلع القرن الواحد والعشرين فسيجنى جملة هائلة من المتناقضات التي ستجني بدورها على العراق وكل العراقيين...من يريد ان يستغل الظروف الصعبة كي يشّرع لنفسه وحده دستورا يحتكر فيه ما له وما لغيره في الزمان والمكان، فليدرك بأن الفشل سيلاحقه منذ ان يدق مسمارا واحدا في نعش العراق – لا سمح الله ...من يريد الاستحواذ باسم الدستور على زمنه وزمن الأجيال القادمة كي يرتهن ارادتها تحت اي مظلة كانت، فانه سيجني على العراق والعراقيين...من لا يؤمن بالعملية السياسية خالصة من اي مرجعية إلا مرجعية العراق ويفصل من خلالها الدين عن الدولة، فلقد زرع اسفينا في قلب العراق ودق خازوقا غليضا في تاريخ العراق لا يمكن رفعه بيسر وسهولة.. من لا يؤمن بالعراق ووحدته ومركزه وأطرافه وأرضه وسمائه وهوائه ومائه من شماله حتى جنوبه.. فليترك العمل بالدستور ولا يشغل باله بالتصويت عليه...من لا يؤمن بالسلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية ومن ثم بالرأي العام ويرسخ مبدأ الفصل بينها في الدستور فهو بعيد جدا عن الحياة الدستورية الحقيقية...من لا يطمح ان يجعل كل العراقيين شركاء في وطنهم وحكم بلادهم دستوريا.. فلا مكان له في دستور يثلمه ببنود جائرة لا دستورية اصلا... كما افرزت الانتخابات الأخيرة، في الجانب السلبي استقطاباً طائفياً قومياً...ولابد من الاشارة هنا الى حقيقة ان هذا الاستقطاب هو نتاج بدرجة أساسية لتركة نظام صدام والآثار المدمرة لسياساته على نسيج المجتمع...كما انها نتاج لسياسة سلطة الاحتلال الأمريكي التي أدت الى تكريس الانقسام على اسس طائفية - قومية...وهنا لابد من التحذير من المخاطر الجسيمة المترتبة على اختزال المجتمع العراقي الى ما يسمى المكونات الثلاثة: شيعة وسنة وأكراد...

بالضد من التنوع والغنى الكبير للمجتمع وتلاوينه وفسيفسائه، وبتجاهل متعمد لتشكيلاته السياسية والاجتماعية (منظمات المجتمع المدني، النقابات ومنظمات النساء والطلبة، والاتحادات الثقافية ومنظمات الدفاع عن حقوق الانسان...). وفاقم الامر ما شهدناه خلال عملية تشكيل الحكومة، التي تعثرت واستغرقت حوالي 3 اشهر، من تعميق لنهج المحاصصة،والذي غلب عليه بالأخص الطابع الطائفي. وأصبحت الطائفية خطراً فعلياً يهدد مستقبل العملية السياسية، بل تهدد بانتقال عدواها الى عملية صياغة الدستور ذاته (إذا لم يجر التصدي لها بوعي وحزم). هذه الاجواء، والفراغ السياسي الذي رافقها، ادى الى تدهور الوضع الأمني. والأخطر من ذلك، انه وفر تربة خصبة لنشاط القوى المعادية للشعب، ومن يقف وراءها، لتأجيج الفتنة الطائفية. وتسعى هذه القوى بشكل محموم لتصعيد أعمال الإرهاب والتخريب، وإشاعة أجواء خوف ورعب... وهي تريد من وراء ذلك تحقيق أجندتها السياسية (لإعادة الاستبداد) ومنع أية مشاركة حقيقية للشعب في تقرير مصيره عبر عملية كتابة الدستور. من الجوانب التي تبعث على القلق بشأن كتابة الدستور الدائم، انه تم إضاعة وقت ثمين منذ الانتخابات في تشكيل الحكومة. كما نرى إن من الضروري توسيع المشاركة لتمثيل قوى غير ممثلة في الجمعية الوطنية او لم يجر انتخابها، لكن مع التنبيه مرة أخرى إلى عدم اعتماد معايير طائفية في هذا التوسيع وحصره مثلاً بـ "العرب السنة"، بل تمثيل التيارات السياسية (الديمقراطي والقومي والإسلامي) من المحافظات التي كانت مشاركتها ضعيفة في الانتخابات. ونظراً لقصر الفترة المتبقية، يجب تكثيف الجهد، والتوصل الى معالجات ملموسة ومحددة للقضايا الرئيسية التي تمثل (أو يتوقع أن تكون) مثار جدل وخلاف، مثلاًً: الفيدرالية، العلاقة بين الدين والدولة، حقوق المرأة ومساواتها بالرجل، طبيعة نظام الحكم، الحقوق والحريات... بهذا الصدد، نرى انه ينبغي اعتماد قانون إدارة الدولة الانتقالي كأساس للاسترشاد به في التوصل الى حلول وسط مقبولة لمعالجة نقاط الخلاف المتوقعة، لان القوى السياسية الأساسية هي التي كتبت هذا القانون آنذاك. ويشار بهذا الصدد إلى محاولات بعض الجهات التراجع عن هذا القانون او تجاهله في عملية صياغة الدستور بحجج وذرائع مختلفة.

ومن شأن ذلك إعاقة العملية واحتمال عدم انجاز المسودة في موعدها، ما يفتح الباب على مصراعيه لتداعيات سلبية يصعب التكهن بها على مجمل العملية السياسية. الاسترشاد بتجارب الدول والأمم الأخرى ودساتيرها للاستفادة منها، والانفتاح على ما هو ايجابي ومفيد، لكن مع التأكيد مجدداً على ان يكتب الدستور بأيدي عراقية. وبهذا الصدد، لابد من الاستفادة من خبراء الأمم المتحدة لتقديم المشورة، وايضاً لتطوير ثقافة دستورية وتنظيم نشاطات عامة لهذا الغرض. وفي مواضيع مثل الفيدرالية، نحن إلى جانب اللامركزية الإدارية (في العلاقة بين المركز والأطراف)، ولكن نميز بينها وبين الفيدرالية لكردستان العراق، إذ نعتبر الأخيرة حلاً سلمياً للقضية القومية الكردية في إطار عراق ديمقراطي فيدرالي موحد. ونشدد هنا على الترابط الوثيق بين هذه الفيدرالية ونظام الحكم الديمقراطي للعراق، فلا يمكن فصلها عن الديمقراطية. اما موضوع العلاقة بين الدين والدولة، فاننا الى جانب الفصل بين الدين والدولة (لا عن المجتمع)، مع احترام الهوية الإسلامية لغالبية الشعب، وضمان حقوق الأديان والطوائف الأخرى. لماذا؟ لاننا ضد قيام استبداد آخر بأي شكل كان، سواء كان دينياً او قومياً او غير ذلك. واذا كنا نريد إقامة دولة عصرية فلا يمكن ان تكون قطعاً دولة دينية فحسب. ومن شأن ذلك ايضاً إن يقي الدين من الآثار السلبية لإقحامه في فضاء السياسة، خصوصاً وإننا نشهد حالياً التجليات المنذرة بالخطر لتفاقم النزعة الطائفية وتهديدها للوحدة الوطنية.
أصدرت: Wednesday, September 21, 2005