السبت، 20 سبتمبر 2008

خطة لاروش للانسحاب من العراق (1-2)

ضرورة إشراك دول الجوار في اتفاقية أمنية دولية
بقلم ليندون لاروش*
ترجمة الباحث : أمير جبار الساعدي

إن الموضوع الرئيسي لإعلان سياساتي هذه ، هي مهمة سحب القوات الأمريكية بسرعة و بنجاح واعادتهم الى الأمان، والخروج من الجحيم المتمثلة بانهيار الاحتلال العسكري الامريكي للعراق. لا الرئيس جورج بوش ولا السيناتور جون كيري قادران بكفاءة على أن يحددا خطة عملية لانسحاب القوات و النجاح في ذلك. و لا حتى سياستي هذه سوف تنجح اذا لم تقدم من قبل الحكومة الامريكية كمذهبي أنا، كما سأوضح ذلك هنا، وإذا لم تعلن الحكومة الأمريكية أن هذه الخطوة هي تبنيها لمذهبي.
1. لا يمكن إيجاد أسباب المستنقع العسكري الحالي في العراق، الذي يفور بعمليات حرب العصابات، ولا علاجها ضمن حدود التشكيلة الحالية للقوى المتصارعة داخل العراق نفسه. ليس هناك أي سبب أخلاقي ولا عسكري لاستمرار سياسة إبقاء قواتنا المسلحة داخل أراضي العراق. لذا علينا إخراج قواتنا بشكل آمن من هذا الشرك وبسرعة من العراق نفسه. لكن هذا لن يكون ممكنا بدون خلق إطار ستراتيجي أوسع يمكن من خلاله إيجاد حل قابل للتطبيق.

إن المصيدة التي بدأت تطبق على القوات الأمريكية حاليا داخل العراق هي إما الهروب إلى الأمام مثلما يقترح وزير الدفاع اليائس رامسفيلد، أو انسحاب لاأبالي فوضوي، وكلاهما سيخلقان بلا شك فوضى أشد وأعم هناك وللولايات المتحدة في عموم العالم، أكثر مما هو موجود اليوم. لذلك يجب علينا مناورة الوضع القائم على الأرض هناك بتحرك استراتيجي.

2. حتى نتمكن من تحديد حل ممكن فإن علينا أن نغير الأجندة من العراق لوحده، إلى موضوع جنوب غرب آسيا ككل. ففقط من خلال إعلان مناسب لسياسة مصالح الولايات المتحدة في جنوب غرب آسيا كوحدة متكاملة لصناعة القرار السياسي الأمريكي، يمكننا أن نجلب مجموعة القوى المطلوبة لخلق حل قابل للاستمرار للعراق اليوم.

3. لأغراض تخص السياسة الخارجية الأمريكية، ينبغي تعريف منطقة جنوب غربي آسيا باعتبارها تحدها أربعة دول أساسية التي لا يمكن الاستغناء عن تعاونها المناسب لخلق منطقة استقرار وسط أمم وشعوب المنطقة ككل. هذه الدول هي: تركيا وسوريا وإيران ومصر. أما أمن الزاوية الشمالية الشرقية للمنطقة هذه فيعتمد على حماية أجنحتها عن طريق ضمان عدم التدخل من قبل المصالح الخارجية، وهذا عن طريق منع الأطراف الخارجية من التدخل في المناقشات المتعلقة بالتعاون بين أرمينيا وأذربيجان وإيران.

فقط من خلال البدء بتأسيس إعلان مناسب لالتزام الولايات المتحدة بالاعتراف بهذا الواقع لجنوب غرب آسيا، كما هو معروض هنا، يمكن جمع الدعم اللازم لإخراج القوات الأمريكية من شرك العراق بشكل ناجح. إن قبول هذا الإعلان الأمريكي من قبل هذه الأمم وغيرها من الأمم في المنطقة هو المناورة الاستراتيجية المطلوبة للالتفاف على الوضع. لذلك فإن التحرك المعروض هنا هو تحرك عاجل ويجب القيام به بشكل فوري.

4. إن الجهود المبذولة لتأسيس مثل هذه المنطقة من الأمن المشترك في منطقة جنوب غرب آسيا ستفشل ما لم تقم الولايات المتحدة باتخاذ أشجع وأجرأ الإجراءات لتحقيق التزام أمريكي غير مشروط لمفاوضات مباشرة لاتفاقية سلام تضمن قيام دولتين على الأسس المحددة سلفا والموجودة منذ أمد بعيد بين الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية. لن يصدق أي شخص في جنوب غرب آسيا أو أي مكان آخر في العالم أن الولايات المتحدة طرف نزيه ما لم تستخدم الولايات المتحدة كامل ثقلها وبشدة وبدون تصريحاتها المخادعة الحالية المعتادة لتحقيق نوع من السلام الإسرائيلي الفلسطيني الذي طال انتظاره، وأن يكون هذا السلام متناغما مع مبادئ السابقة التاريخية المتمثلة بمعاهدة ويستفاليا لعام 1648(*).

فإذا قبلت أمم منطقة جنوب غرب آسيا مثل هذه التسوية مع ضمانات دعم أمريكية، فإن النفوذ العالمي المطلوب سيمكن جذبه والاستفادة منه.

5. مع ذلك، لا يمكن أن يكتب النجاح لمثل هذه السياسة، حتى ولو قبلتها الولايات المتحدة واتبعت حرفيا ما جاء هنا، ما لم تقم حكومة الولايات المتحدة بتحديد مثل هذا الإعلان باعتباره تبنيا بالاسم لـ "مذهب لاروش". لا تتمتع أية شخصية سياسية معروفة أخرى بثقة العالم العربي وغيرها من مناطق العالم لأجل هذا الغرض في هذا الوقت.

إن الأهمية الخاصة المضمنة لدور اسم "لاروش" تتمثل بشكل رئيسي بكون حكومة الولايات تحت ضغط أشخاص مثل ديك تشيني ومحافظيه الجدد الشتراوسيين قد تصرفت وفقا لالتزام باتباع مذهب طوباوي معروف بأسماء مختلفة مثل "الحرب الدائمية" و "الحرب الوقائية النووية". هذه السياسات هي امتداد لمذاهب "الجمعية الفابية" (Fabian Society) وإتش جي ويلز وبرتراند راسل المعروفين بحقدهم على الولايات المتحدة. هذه هي مذاهب "الحكومة العالمية من خلال إرهاب الأسلحة النووية"، الإرهاب الذي حكم العالم منذ قصف هيروشيما وناجازاكي إلى الأحداث التي وقعت في أوربا عام 1989 (سقوط جدار برلين). تشيني بالذات وضع سوريا وإيران وكوريا الشمالية وأمم أخرى ضمن قائمة أهدافه ليصبحوا الضحايا القادمين لهذه السياسة. إذا تمت إعادة انتخابه، فإن على العالم أن يتوقع تحركا مبكرا يتضمن هجمات نووية "وقائية" على هذه الأهداف وغيرها مباشرة بعد انتخابات نوفمبر الرئاسية. لن يعتبر العالم أي إعلان سياسات أمريكي ذا مصداقية إن لم يكن ذلك الإعلان، الذي يجب أن يكون من صياغتي أنا، مقصودا منه المحو الشامل لتراث "الحكومة العالمية" الناطقة بالانجليزية وواضعها برتراند راسل وارتباط ذلك التراث بمذاهب نائب الرئيس تشيني اليوم.

6. في اللحظة الراهنة، علينا إبقاء مصالح وول ستريت المالية ومحاميهم خارج دوائر صنع القرار. لا يجب البدء بالتخطيط لأية "خطة مفصلة للانسحاب" أو التفاوض حول "عقد" يتم ابرامه قبل الوصول إلى التزام باتفاق مبادئ بين غالبية الشركاء المنتظرين في اتفاقية جديدة للأمن والتنمية لمنطقة جنوب غرب آسيا. علينا أن نتذكر أن بداية انهيار اتفاقيات أوسلو وقعت حالما تم السماح لبعض المصالح المالية المعينة مثل تلك المرتبطة بالبنك الدولي التي كانت تلعب دور محاميي مصالح مصرفية، تم السماح لها بالتدخل وتخريب وتشويه تطبيق تلك الاتفاقيات بشكل سيئ جدا بحيث لم يتم اتخاذ أية إجراءات لتحقيق تنمية اقتصادية جادة على الإطلاق. ذلك الخطأ خلق الفراغ السياسي الذي من خلاله أوصل الخبث والمكر الذي قام به نتنياهو وشارون وغيرهم، فيما يبدو من الجانبين، أوصل الأمور إلى ما وصلت إليه.

أ) فقط مبادئ النوايا التي لها قاعدة دستورية نابعة من القانون الطبيعي وليس الوضعي، مثل المبدأ الدستوري العظيم "فائدة الآخر" المذكور في معاهدة ويستفاليا لعام 1648، هي فقط القادرة على النجاح في تأسيس اتفاقية أساسية في الظروف المشابهة للظروف السائدة في هذه المنطقة اليوم. على القانون الوضعي أن ينتظر حتى يقول القانون الطبيعي كلمته ويتم تبني المبادئ المسكونية (مبادئ مقبولة من جميع الأديان السماوية) للقانون الطبيعي.

ب) إن أهم مسألتين اقتصاديتين في المنطقة هما المياه والطاقة. ففي المنطقة التي تقع فيها إسرائيل وفلسطين المحتلة، على سبيل المثال، ليس هناك ما يكفي من المياه من المصادر المتوفرة الآن لتمكين عدد السكان المتزايد هناك من العيش بسلام. إن الوسائل الاصطناعية مثل تحلية المياه على نطاق واسع الضرورية لزيادة كمية المياه الصالحة للاستخدام للمنطقة وما يرافقها من توليد للطاقة الكهربائية، بإمكانها ضمان الظروف الملائمة لسلام دائم في المنطقة عموما. على العموم، يمكن تحقيق سلام دائم فقط إذا تم التعامل مع المنطقة في ظل وعلى صدى معاهدة ويستفاليا، كمنطقة للتعاون لتنمية دول ذات سيادة.

7. على الولايات المتحدة الاعتراف بأهمية استقرار منطقة جنوب غرب آسيا كجانب أساسي لاحتمال الانتعاش الاقتصادي عن طريق التنمية في كافة أرجاء القارة الأوراسيوية والمناطق القريبة منها ككل. أن من أهم مصالح الولايات المتحدة هو تنمية هذه المنطقة وتطورها بأشكال ترفع الظروف المعيشية وعلاقات التعاون بين شعوب تلك القارة، مؤدية بذلك إلى خلق نظام للتعاون من أجل التقدم تقوم فيه الولايات المتحدة بالإعراب عن رغبتها في المشاركة فيه كطرف مفيد ونشيط. إذا أضرمنا النار بمنزل جارنا، فهل سنكون نحن حقا في مأمن منها؟

السياسة العسكرية الأمريكية الصحيحة
8. إن الحكم الذي سيصدره العالم على اقتراحاتي لسياسة جديدة لمنطقة جنوب غرب آسيا، سيشجع أمما عديدة ذات العلاقة على النظر عن قرب لسياستي العسكرية بحد ذاتها بشكر أكثر تدقيقا. في هذا السياق سأقدم النقاط التالية لغرض التوضيح:

أ) إنني أقترح أن تقوم الولايات المتحدة بتبني سياستي باعتبارها نية الولايات المتحدة لانسحاب سريع وآني للقوات المسلحة الأمريكية من منطقة الشرق الأوسط. كرئيس للولايات المتحدة، سأقوم بسحب القسم الرئيسي من قواتنا إلى الولايات المتحدة لغرض إعادة بناء المؤسسات ذات العلاقة هناك. لذا، فإنني أعرض هذه النقاط كنماذج لسياسة عسكرية ينبغي قبولها في أوساطنا وأيضا من قبل الأمم الأخرى باعتبارها سياستنا.

ب) من الآن فصاعدا يجب أن تكون سياسة الولايات المتحدة العسكرية هي توطيد التقليد العسكري "الدفاع الاستراتيجي"، بنفس المعنى الذي عرف به هذا المصطلح بطريقة علمية مهمة من قبل لازار كارنو (Lazare Carnot) العظيم الذي أنقذ فرنسا التي كانت على شفا حفرة من الاحتلال الأجنبي والتقسيم من قبل جميع جيوش أوربا تقريبا. هذه السياسة، كما نعرفها، تعززت وتطورت بمساهمة إضافية من جيرهارد شارنهورست البروسي الذي وضع السياسات التي أدت إلى تدمير جيش نابليون بونابارت في المصيدة الاستراتيجية التي تم تحضيرها تحت القيصر الروسي أليكساندر الأول، ودوره بعد ذلك في تدمير ما تبقى من قوة للامبراطور نابليون قبل أن يتمكن من العودة إلى فرنسا لبناء جيش جديد. هذا كان نفس المبدأ العظيم الذي طبقه الجنرال دوجلاس ماكآرثر قائد الجيوش الأمريكية في المحيط الهادي (أثناء الحرب العالمية الثانية)، وأيضا هو نفس المبدأ العسكري الذي اتبعه التقليديون الأمريكيون مثل الجنرال مارشال وآيزنهاور برغم المعوقات التي كانت توضع أمامهم بسبب اضطرارهم إلى التعامل الصعب مع الحليف البريطاني ونستون تشرتشل وغيره في أوربا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ترجم من مجلة EIR العدد الصادر في 23/4/2004 .
*معاهدة ويستفاليا أنهت بنجاح "حرب الثلاثين عام" الدينية في أوربا والتي قضت على حوالي نصف سكان ألمانيا والمناطق المجاورة لها.

ليست هناك تعليقات: