أمير جبار الساعدي
نحن لسنا بصدد الخروقات السيادية نتيجة القصف المدفعي التركي والإيراني المستمر للأراضي العراقية...ولا نتحدث عن ميناء مبارك، ولا تواجد قوات الولايات المتحدة الأمريكية أو التمديد لبقائها، بل نتحدث عن مصدر الحياة على وجه البسيطة أجمعها وهو الماء، والمصادر الرئيسية للمياه التي تدخل الى العراق كما يعلم الجميع هي عن طريق تركيا وإيران وسوريا، والتي باتت تلوح بين الحين والآخر بقطع المياه وتقسيطها على العراق، وهذا مافعلته في حقيقة الأمر... فاليوم تعيش المحافظات الوسطى والجنوبية عامة والبصرة خاصة تدهوراً بيئياً نتيجة جملة من العوامل أبرزها غلق إيران لـ (28) قناة نهرية من أصل
30 رافد التي تنبع من إيران سواء الموسمية منها أو الدائمية والتي كانت تصب في نهر دجلة، فضلا عما خلفه تخفيض حصة العراق من مياه نهري دجلة والفرات من قبل تركيا، سوريا وإيران، وبرغم التطمينات التي أبدتها الجهات الرسمية الإيرانية إلا أن أي تغيير على أرض الواقع لم يحصل.. ويمكن إجمال الممارسات الإيرانية في تحويل مجاري الأنهار منذ الستينيات من القرن الماضي والى حد الآن بتغير مسارات عدد منها خاصة في المنطقتين الوسطى والجنوبية من العراق، فهناك 18 نهراً أساسياً تصريفها المائي يبلغ 7 مليارات م3 تنبع من غرب إيران لتصب في الأراضي العراقية، حيث باشرت إيران بتحويل بعض الروافد الأخرى في المنطقة الشمالية من البلد أيضا، وسنشير الى أهم تلك الروافد التي تم قطع مياهها عن الاراضي العراقية: (نهر الوند، ونهر وادي كنكير، ونهر قره تو، ونهر دويريج، ونهر الكرخة، ونهر الطيب، ونهر هركينه، ونهر زرين جوي الكبير، ونهر كارون) وتجدر الإشارة الى أن بعض روافد نهر الكارون تصب في الأراضي العراقية، وقامت إيران من خلال مشاريعها المائية على نهر الكارون بتحويلها نحو الأراضي الإيرانية بزعم الاستفادة منها لتطوير المساحات المروية في غرب إيران، ولكن تلك المزاعم أثبتت بطلانها في تسعينيات القرن الماضي حين عرضت إيران بيع مياه نهر الكارون على كل من قطر والكويت وذلك من خلال مد أنابيب تحت مياه الخليج لتزويد الدولتين بالمياه وأطلق على المشروع (مياه الإيمان)، وكل هذا أثر سلبا على مناسيب المياه التي تصب في شط العرب مما أدى الى أرتفاع نسبة الاملاح في شط العرب بشكل مضاعف وكبير جدا، وإن وجود هذا المقدار من الاملاح الذائبة تجعل من مياه شط العرب غير صالحة للاستهلاك البشري والحيواني والزراعي، كما إنها غير صالحة حتى لاستخدامها في أعمال البناء. ناهيك عن الممارسات غير القانونية أو الدبلوماسية أو حتى الإنسانية التي قامت بها الجهات الإيرانية بتصريف مياه البزل في شط العرب، وإن أرتفاع نسبة الملوحة تعد من أبرز العوامل التي أدت الى انهيار القطاع الزراعي في المناطق الزراعية في المحافظات الوسطى والجنوبية ولاسيما منها قضاء الفاو بعد أن كان واحدا من أهم المناطق إقليميا بأنتاج حناءه الشهيرة.
وحسب تصريحات المسؤولين العراقيين فأن العجز في المياه المتوقع خلال العام المقبل أو بعده سيبلغ (41.42) مليار م3″، ويناشد أهالي المحافظات العراقية المتضررة كثيرا الحكومة المركزية بأن تقوم بمساعدة سكان المناطق المنكوبة والتي هي بأمس الحاجة الى حلول سريعة في الوقت الحاضر، فإن كل الملفات ستبقى معلقة مع إيران وبإنتظار حكومة قوية واسناد دولي وعربي لها لحلحلة هذه المشاكل على وفق القوانين والاعراف الدولية. ولن يحصل هذا حتى تقر إيران بالحقوق الثابتة التي تنظمها الاعراف والمواثيق الدولية والتزام سياسة حسن الجوار، ومراعاة حقوق الروابط التاريخية والإسلامية التي تربط البلدين.
إن هذه المأساة الكبيرة التي يعيشها أبناء كثير من محافظات العراق ورائها دوافع سياسية من دول جوار العراق وضعف الدولة العراقية نتيجة عدة أسباب داخلية وخارجية، والتي تحتاج الى وقفة وطنية جمعية، وتفعيل رأي عام ضاغط، مستخدمين به كل أدوات ووسائل الإعلام للتوعية بحجم وضخامة المشكلة ونتائجها السلبية التي ستترتب على جميع مستويات الحياة البيئية، والاقتصادية، والاجتماعية وحتى السياسية الذي ستخلقه هذه المشكلة إذا ما عرفنا بأن تقارير ذوي الاختصاص من الأمم المتحدة يتوقعون بأن نهري الفرات ودجلة ستجف في نهاية عام 2030... وفي ظل الاوضاع الأمنية غير المستقرة التي يعيشها العراقيون نتيجة الإرهاب الأعمى والجماعات المسلحة المصدرة لنا من قبل الأصدقاء والأشقاء غير كافية للتضحية بالعراقيين على مذبح الديمقراطية، بل إنهم مضوا الى قطع المياه من أجل القضاء على كل ما ينبض بالحياة في العراق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق