السبت، 3 أكتوبر 2009

أربعة حروب والعد مستمر (1-10)

إعادة النظر في المعنى الأستراتيجي للحرب على العراق(1)
أنتوني . كورد سمان(2)
ترجمة الباحث: أمير جبار الساعدي

أندفعت أمريكا في الاشتراك في أربع نزاعات منفصلة في أن واحد دون أن تدرك ذلك تقريبا وأوضح هذه الصراعات هو العراق. إذ يقاتل أنصار النظام السابق والمتطرفين الأسلاميين في صراع أقل شدة. ويموت الجنود من الأمريكان وقوات التحالف الأخرى هناك كل يوم وتحكم العراق قوة أحتلال بقيادة أمريكية ويحظى بأكبر تغطية إعلامية وأهتمام سياسي، وبغض النظر عن تطور هذا النزاع، هناك أمل ضعيف في عراق يتمتع بالاستقرار على مدى السنوات الخمس أو العشر القادمة أو أن العراق سيكون مثالاً سيغير منطقة الشرق الأوسط.
وفي هذا السياق أصبح الصراع الثاني المتمثل في أفغانستان "حرباً" لم تنسى تماما. إذ يموت الأمريكان وحلفائهم هناك أيضاً ولكن بشكل دوري. وتعاني قضية بناء الدولة من أزمتها الخاصة في أفغانستان ولكن بكلفة أقل ولم تخضع للتوجيه الأمريكي.
مع ذلك فقد تأكد أن النصر كان نسبياً كما هو في العراق فقد تغيرت حركة طالبان وهي تقاتل من جديد وخسرت القاعدة العديد من قادتها ولكنها تغيرت وأعادت تنظيم بعض عملياتها في باكستان وتهدد حالات التوتر الداخلي في أفغانستان الى تحويل حكومتها المركزية الى حكومة "كابلستوان" وأمتداد التطرف الأسلامي الى بلدان اسيا الوسطى وجنوبها. اما "الحرب الثالثة، فتستمر الحرب" على الإرهاب بنطاقها العالمي الواسع بشكل مرتبك أكثر فأكثر. لقد سعت ادارة بوش في بعض الأحيان الى تركيز اهتمامها على العراق بعد معرفتها أن الأمريكيين (وربما العالم) سيتجاوبون، تجاوباً أفضل مع فكرة "الحرب بعد الحرب" في العراق حالة تلقيها اللوم بشأن الإرهاب والقاعدة أكثر من تصور أنها نتيجة فشل ادارة بوش في التهيؤ لأنهاء النزاع وبناء الدولة.
ومازال أبرز المسؤولين مثل الرئيس بوش ونائبه ديك تشيني يرددون هذه المصطلحات رغم أن الجيش الأمريكي في العراق يتحدث عن تهديد يمثله 95% من أنصار النظام السابق كما أوضح الوزير رامسفيلد إن نظام صدام قد تهيأ للقتال الذي نواجهه اليوم قبل بدء الغزو الأمريكي. مع ذلك فليس هذا إلا جزء من المشكلة وبدلاً من تركيز الحرب على حركات ارهابية محددة معادية للولايات المتحدة وحلفائها يلجأ العديد من أعضاء الكونغرس الأميركي ووسائل الإعلام الى استخدام لغة طنانة جعلت من الحرب وكأنها موجهة ضد الأسلام والعالم العربي. ويستمر أخرون في محاولة التركيز على السعودية رغم أن السعوديين يقاتلون في معركتهم ضد القاعدة.
تشمل الحرب على الإرهاب حركات وخلايا اسلامية عدائية متطرفة في كل أرجاء العالم وتركز الحرب على العالم أجمع وليس العراق أو السعودية فحسب. وهي حرب دائرة في الأساس داخل الدول الأسلامية بين القادة والعلمانيين والمتشددين الدينين مثل الشيعة والسلفية والصوفية والوهابية الجديدة مع ذلك فهي"صراع داخل حضارة" تستمر وتمتد الى مناطق أخرى وغالباً ما تستخدم الولايات المتحدة هدفاً بديل للأنظمة الداخلية.
اما الحرب الرابعة فلا تشمل الأستخدام الأمريكي المباشر للقوات بل، الفهم العربي والأسلامي بأن الولايات المتحدة شريك "اسرائيل" في النزاع إذ يشمل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني الولايات المتحدة بشكل ستراتيجي وبعمق وكانها دولة مشتركة فعلياً في الحرب. أن أمريكا حليفة "اسرائيل" والمورد الرئيسي للمساعدات والمعدات العسكرية ويرى معظم العالم العربي والأسلامي أمريكا على أنها المسؤول الأول عن أفعال "اسرائيل" أن النزاع الذي تصوره كل من أمريكا و"اسرائيل" على أنه نزاع ضد الإرهاب والتطرف يراه العرب وأيران على أنه نزاع ضد الفلسطينيين الذين يستعينون بالطريقة الوحيدة التي يمتلكونها في صراعهم من أجل التحرر والاستقلال وغالبا جدا ما يفتقد الإعلام العربي للموضوعية وأسوء من ذلك إذ يعتبر الاحتلال الأمريكي للعراق في العالم العربي أكثر فأكثر صورةً منعكسة للاحتلال الاسرائيلي لقطاع غزة والضفة الغربية. وهناك سيل من نظريات المؤامرة التي تزعم أن الولايات المتحدة تحاكي التكتيكات "الإسرائيلية" أو أن تحركاتها في العراق تصدر أوامرها بشكل ما من اسرائيل.
اما النزاعات الأخرى المحتملة ففي الأنتظار، ورغم أنه من غير الواضح أندلاع حرب فعلية. وهذه الاحتمالات تشمل ايران وسعيها الى التسلح النووي وجهود كوريا الشمالية في التسلح. والتهديدات المستمرة والتوتر الأقل حدة عبر مضيق تايوان. وتشترك الولايات المتحدة أيضاً بمستوى أقل شدة في كولومبيا في حرب على المخدرات وهذا يعني لامحالة من الاشتراك في الحرب الأهلية في كولومبيا وبذلك تواجه وضعاً مجهولا.

الأستراتيجية والتجاوز الأستراتيجي
عند التدقيق في ادارة بوش نرى أن أحد هذه النزاعات وهو العراق يمكن تسميته بالصراع الاختياري. إذ جاء نزاع أفغانستان نتيجة لهجوم كبير على الولايات المتحدة وأستفحلت مشكلة الإرهاب قبل11 ايلول بوقت طويل كما أن اشتراك الولايات المتحدة في النزاع العربي الاسرائيلي لا يمكن تجنبه ما لم يتحقق سلام حقيقي ودائم أو أن تتخلى الولايات المتحدة عن حليف لها. وحتى العراق يبدو نزاعاً اختيارياً أكثر عند مراجعة الأحداث السابقة مما كان عليه الوضع قبل بدء النزاع وربما سيست حكومتا بوش وبلير بعض جوانب تقدير التسلح العراقي ولكن في الواقع شعر جميع الخبراء أن التهديد كان أكثر جدية مما تأكد لاحقا فضلا عن ذلك كان هناك شك أن صدام حسين لن يشعل نزاعاً أقليمياً أخر في نقطة ما كما كان هناك شك أن معظم المشاكل الداخلية الحالية للعراق لن تظهر على السطح في زمان ما في المستقبل حتى في حالة عدم الغزو على يد القوات الأمريكية والبريطانية والاسترالية.
ومع ذلك لم تواجه الولايات المتحدة في النهاية أمكانية القتال في نزاعيين أقليمين كبيرين على سبيل المصادفة. وكان هذا التركيز الأستراتيجي لكل من إدارة بوش الأب وادارة كلنتون فهي تواجه حقيقة القتال الفعلي في ثلاث نزاعات قليلة الشدة واشتراك ستراتيجي كبير في نزاع رابع. فضلاً عن ذلك ما زالت الولايات المتحدة تواجه خطر الاشتراك في نزاعات أقليمية كبيرة وتشمل هذه كل من ايران وكوريا الشمالية وتايوان وكولومبيا.
ينبغي أعادة تقييم التخطيط العسكري الأميركي وستراتيجيته في ضوء هذا الوضع بالاضافة الى عشر تغييرات كبيرة مطلوبة.
أولاً: لا معنى لاستراتيجية تعتمد على القدرات ولا أستراتيجية تعتمد على طوارئ التقدير النظري عندما تتطلب النزاعات الحقيقية والطوارئ المعروفة ستراتيجية وخطة عسكرية يمكنها التعامل مع الواقع وليس النظرية. لا تواجه الولايات المتحدة عالما حيث حلت جميع المشاكل بنهاية الحرب الباردة كما أنها لا تواجه عالما يمكنه التحكم بالمستقبل أو يتنبأ به. فينبغي عليها إذن التكيف باستمرار مع المهام القريبة وتلك التي يمكن تقييمها فوراً دون أن تعتمد في خططها على الأمال والشعارات الأستراتيجية.
وينبغي أن تنتهج الولايات المتحدة ستراتيجيات وتكتيكات تعكس حقيقة أن العديد من النزاعات المشتركة فيها الأن لا يمكن حسمها بهزيمة عدو معروف وتتطلب قوى سياسية واجتماعية واقتصادية تأخذ سنوات إذا لم تكن عقود لتأخذ مجراها. فالعراق في أحسن الاحوال سيبقى غير مستقر ويبقى دولة في طور النشوء لمدة عقد من الزمن بعد مغادرتنا، وفي أسوء الاحوال قد يكون موضوعاً للمشاعر المعادية لأمريكا في الخليج والعالم العربي. والحرب في أفغانستان تتغير بطرق خارجة عن سيطرتنا وبناء الدولة فاشل لحد الأن. اما الحرب على الإرهاب فهي ليست حرباً ضد القاعدة بل ضد التطرف الأسلامي العنيف بقيادة قوى ديمقراطية واقتصادية واجتماعية شاملة في منطقة تحظى بشرعية سياسية محدودة. ويتطلب هذا ربع قرن من الزمن للتأمل معه. ويبدو أن النزاع الفلسطيني بعيد عن السلام بسنوات وقد كشفت عملية السلام السابقة كيف يمكن أن تكون عملية السلام ضغيفة وغامضة وأن بدت ناجحة في الظاهر.

ثانياً: لطالما كان مصطلح القوة العظمى مصطلحاً خطراً. إذ فشلت المبالغة الناتجة من القدرات الأمريكية والتركيز الأستراتيجي على التهديدات الثنائية القطبية و"النظراء"، المشكلة الحقيقية هي كوننا قوة عالمية بموارد محدودة، وهي مشكلة واجهتها بريطانيا العظمى أثناء القرن التاسع عشر. أن العالم في حقيقته ذو قطبية متعددة. وهناك قيود شديدة لما يمكن للولايات المتحدة أن تفعله وعدد الأمكنة التي تفعل فيها ذلك أن التحالفات والائتلافات مهمة وربما اهم من ذي قبل. فلا بديل عن "الدولية" ربما هناك أوقات تختلف فيها مع الامم المتحدة أو مع بعض حلفائها ولكن ينبغي أن تعتمد ستراتيجيتنا على السعي الى الحصول على الاجماع أينما كان ممكناً وعلى التسوية متى ما كان ذلك ضرورياً وعلى تحالفات تعزز في الواقع كل اجراء نتخذه، لا يمكن أن يبقى خطابنا أمريكياً أو تدفعه السياسات الداخلية بل ينبغي أن يأخذ في الاعتبار قيم الغير وخصوصياتهم.
وينبغي أن تعطى ستراتيجتنا العسكرية جهوداً للامكانية المتبادلة والمشورة العسكرية نفس الالوية التي يحظى بها الاشتراك، ولنقود ينبغي علينا أيضاً أن نتعلم كيف نتبع. يجب أن نخضع مصالحنا القومية الحيوية للغير ولكن هذا نادراً ما سيحدث. وعملياً فتحدينا هو اخضاع تعجرفنا الى هدف تحقيق شراكات حقيقية وصياغة دبلوماسيتنا لخلق تحالفات دائمة نابعة من رغبة حقيقية وليس تحالفات تحت الضغط والأكراه.

ثالثاً: بسبب أنتفاد سياسة الأحتواء المزدوج في زمن ادارة كلنتون لا يمكن أن تتحمل الولايات المتحدة القتال في أكثر من نزاع أقليمي كبير دون توسيع مستويات قوتها الحالية الى الحد الأقصى. إن الردع والأحتواء أعقد بكثير الأن عما كانا عليه في زمن الحرب الباردة.
ولكنهما مازالا أداتين حاسمتين كما تعتمدان أيضاً على التحالفات الرسمية وغير الرسمية. أن الحاجة لأنشاء هياكل ردع موثوقة ينبغي أيضاً أن تستجيب لواقع أنتشار الاسلحة إذ لم تعد المشكلة كيفية منع أنتشار الاسلحة بل كيفية التعايش معها. وتحتاج الولايات المتحدة تطويراً أكبر لقواتها المنقولة ومصممة تصميماً أفضل من أجل الرد السريع والتقييم المستقبلي للقوة في المناطق التي تمتلك فيها الولايات المتحدة وجوداً وقواعداً محدودة، وتكون قادرة على التعامل مع النزاع المحدود الذي يلجأ اليه الإرهابيون والحركات المعادية الأمر الذي يتطلب التأكيد على الاسلحة الخفيفة أكثر من الاسلحة الثقيلة والتقنية المتقدمة. لا يمكن أن يكون التدخل العسكري هو الطريقة المهيمنة على استخدام القوة العسكرية الأمريكية. المشكلة هي أيجاد سبلاً أفضل لاستخدام التهديد بالقوة العسكرية الأمريكية لردع النزاعات غير المتكافئة والأنواع الجديدة من التهديدات السياسية والاقتصادية.
إن تجنب الحرب مهم في عصر ما بعد الحرب الباردة كما كان مهم خلالها.

رابعاً: ينبغي أن تكون الحرب امتداداً للدبلوماسية بطريقة ما، ولكن ينبغي أيضاً أن تكون الدبلوماسية امتداد للحرب بطريقة ما، كذلك على الأستراتيجية الأمنية الأمريكية أن تعتمد على فهم أن الدبلوماسية ومفاوضات السلام ومراقبة الاسلحة هي أيضاً امتداد للحرب وبديل عنه بطريقة ما. من السهل على قوة عظمى أن تهدد باللجوء للقوة ولكن من الصعب عليها للغاية أن تستخدمها وتنفذ تهديدها. ينبغي أن يكون القتال السبيل الأخير واللجوء للسبل الأخرى لتقليل عدد النزاعات الى الحد الأدنى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ترجمت من نشرة مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن في العدد الصادر في 1/ 12/ 2003 تحت عنوان (Four war and counting ).
(2) استاذ الدراسات الاستراتيجية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن (D.C).

ليست هناك تعليقات: