الباحث: أمير جبار الساعدي
ان التفاعل الديناميكي البارز بين الدين والسياسة في العراق مربك لبعض العراقيين في الخارج ويثير الذعر للبعض الاخر. اذ يبدو ان العراق يختبر نهضة دينية،وقادة دينيين لاسيما القادة الشيعة الذين يمارسون تاثيرا سياسيا متناميا. ان دور الدين في الحكم اصبح الان واضحاً بالتحديد في الوقت الذي تجري فيه عملية كتابة دستور عراقي جديد[2]. وخلافا للأعتقاد السائد، فان النهضة الدينية في العراق بدأت قبل اكثر من عقد من الزمن. لقد كانت في جزء منها مصممة لغرض ستراتيجية الخلاص السياسي من صدام حسين الذي اعلن " حملة ايمانية " عام 1993 فقد طبعت الحكومة ووزعت خمس ملايين نسخة قرآن ، وشيدت مساجد كبيرة ومكلفة (أغلبها سنية) وفي عام 1994 اخذت الشريعة مكانها في القانون العراقي. وقد شجع سقوط نظام (صدام حسين) هذه النهضة للحصول على قوة دفع جديدة لاسيما بين الشيعة مع وجود تنامِ في التدين في ارجاء العراق كافة. لدى الشيعة اربعة او خمسة مراجع كبار، يجب اخذهم على محمل الجد لاسيما بالنسبة الى (قوات المتعددة الجنسيات) والحكومة الانتقالية. واهم هؤلاء المراجع هو (آية الله السيد علي السيستاني). والسيد السيستاني لا يعتقد بالجمهورية الاسلامية او الحكم الديني على النمط الايراني. لكنه يؤمن ان القيادة الدينية يجب مشاورتها بشأن القضايا السياسية الملحة. وقد برز المأزق اثناء الاعداد للحملة الانتخابية وكتابة الدستور اساسا لان خطة (القوات المتعددة) الاخيرة كانت مفاجأة للسيستاني الذي عارضها بقوة. ويرغب السيد السيستاني وزعماء شيعة اخرون ممن يعارضون اقامة جمهورية اسلامية بشكل حكومة ديمقراطية تاخذ بنظر الاعتبار الاغلبية السكانية للشيعة. وكذلك يريدون ان يلعب الاسلام دوره في اشكال الحكم الجديد. وعلى الاغلب فلا مناص من تفادي الفقرة التي تنص على ( ان الاسلام دين الدولة وهو جزء من دساتير العالم العربي) ، كما نصت عليه كل دساتير العراق السابقة. وهذا سيبقى الباب مفتوحا للسؤال عن معنى هذه الفقرة بالضبط في المجال التطبيقي ، وسيقترح السيد السيستاني في الاغلب ان تكون الشريعة الاسلامية احدى مصادر التشريع العراقي اما الاقتراح الاكثر اشكالية وهو ما ينادي به المتشددون هو ان تكون الشريعة الاسلامية مصدر التشريع الاساس وهذا ما رايناه في مسودة الدستور على إن (الاسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدر اساس للتشريع). اما مقتدى الصدر فاسلامي اكثر اندفاعاً، فهو يحاول تاكيد هيمنة تراث عائلته، التي تركز اساسا على موقف والده المتوف ، على بقية العائلات الدينية الشيعية المرموقة.ويكافح مقتدى الصدر من اجل التفوق الديني لعائلة الصدر.ويرتكز هذا الجهد للفوز بالموالاة شأنه في ذلك شأن الحركات الشيعية الاخرى على انشاء العائلة لشبكات من الجمعيات الخيرية والمبتدئين. اعتمادا على الفكر الذي تطور على يد والده ، فقد استغل مقتدى المشاعر المناهضة لأمريكا لحشد الدعم ، مع ذلك فان خطابه يتسم بالارتباك وعدم التناسق ، وهو تحت تأثير معلمه آية الله (كاظم الحائري) ذو التيار الراديكالي ومقره في ايران. ان امثال السيد مقتدى الصدر ممن يعتقدون بالحكم الديني لن يفوزوا بالمنافسة السياسية ورغم الحاجة الى الاعتراف بالقيم الاسلامية في أي دستور جديد ، فهناك فرصة معقولة ان هذا الدستور سيعترف بفكرة الفصل بين الدين والدولة. اذ يؤيد بعض رجال الدين الشيعة اللبراليين فكرة الفصل بين الدين والدولة. وقد تبنى المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق بقيادته الحالية المتمثلة بالسيد عبد الغزيز الحكيم، برنامجا ذرائعيا في التعاون مع (قوات المتعددة الجنسيات)، والمشاركة في الحكم. وقد اعلن المجلس علاقته بـ(قوات الائتلاف) بوصفه يمثل " المقاومة السلمية". ويعتقد اغلبية الشيعة ان مذهبهم هو مسألة خاصة، لا يتدخل بشؤون الدولة والحكم . لكن قوات الائتلاف لم تعبأ بهذه الشريحة من السكان وتجاهلتها تماما. حين تظهر الاحزاب السياسية فسيقسم الشيعة انفسهم الى حركات سياسية متعددة. فالشيعة ليسوا وحدة متماسكة ، وبالاضافة للآراء المتباينة حول الدين والدولة، وهم منقسمون حسب العوائل والمناطق ، والحضر مقابل الريف، والعلمانية مقابل الدينية. وسوف يستمر الدين بكونه عاملا مهما في السياسة العراقية، بين كل الجماعات لاسيما الشيعة . ونظرا لعودة السنة للمسار السياسي. فسترجع الاصوات السنية الدينية الى الساحة وتختلف هذه الاصوات من الاخوان المسلمين ذوي المنهج الذرائعي الى السلفيين ذوي المنهج الراديكالي المتشدد وبعضهم من الوهابية. ورغم ان العلمانيين العراقيين لاسيما في الطبقة المتوسطة المتحضرة ليسوا بمستوى حزم القوى الدينية الا ان اعدادهم كبيرة، وحالما يصبحون اكثر تعبيرا فسيدعمون علمانية معتدلة. ويتميز الكفاح السياسي الحالي بعدة سمات رئيسة[3]: *ان اللعبة لا تمتلك قواعد واضحة وربما قد توجد معالم واهداف غير محدودة. *ان الفدرالية والمشاركة في السلطة هما " فوق الهوى" وحتى لو كان هناك تخصيص مؤقت للسلطة على تولي منصب الرئيس ورئيس الوزراء ونائبي الرئيس فهو فقط لفترة مؤقتة، ولا يؤثر على الكفاح من اجل المال والسلطة والارض...الخ. فان الانقسامات العرقية بين العرب والكرد والتركمان وبين الاقليات الاخرى لم يقرر به على نحو حقيقي. والشئ نفسه ينطبق على الانقسامات بين السنة والشيعة وبين الانقسامات العلمانية الدينية. حيث لايوجد دعامة اقتصادية للأستقرار السياسي والكثير من الوظائف تعتمد على المساعدات وعلى رواتب الوظائف الامنية المدفوعة. العراق الان يمتلك اقتصادا وهميا توجد حملات حقيقية لاعادة الاعمار. والعراقيون يعرفون ذلك تماما. حيث عبر 70 % منهم عن مخاوفهم في ضمان مستقبلهم الوظيفي وذلك في استطلاع اجرته قناة الـ ABC في شباط الماضي. *وتشير استطلاعات الراي العامة أنه لايوجد قائد عراقي يتمتع الان بدعم واسع، ومن ضمنهم السيد السيستاني، فالجميع لديهم ارء سلبية فعالة. والاراء السلبية هي اكثر من الايجابية، فنرى تضارب الفتاوى للمراجع العظام على مسودة الدستور وذلك عبر اعلام الاحزاب والكينات السياسية والمنظمات الشيعية التي تتصدر الصفحات الاولى لصحفها موافقة وحث المراجع الشيعية بالتصويت بـ(نعم) للدستور وبين التصريحات الرسمية للناطقين باسم المرجية بعدم صحة تلك الفتاوى. حيث توجد منافسة حادة بين أحزاب معينة وان لديهم حافز متنامِ لإظهار استقلالهم من التحالف. ويوجد الان فراغ سياسي حيث توجد بواعث قوية لمناشدة دعم الاحزاب العرقية أو الدينية وزعماء المعارضة لتشويق الطريق حتى تحقيق النصر. لايوجد حزب سياسي واحد في العراق يحظى بدعم شعبي هام، حيث ان 70 % من العراقيين يعارضون الاحزاب السياسية. فقد جاء ذلك من خلال الاستطلاع الذي اجرته الـ ABC في شباط الماضي وبشكل كبير بسبب الميراث السابق المتمثل بالأنتماء الواسع (لحزب البعث). معظم العراقيين يؤيدون قائدا قويا كحل مؤقت بدلا من "الديمقراطية" على الرغم من عدم وضوح الرؤيا حول من سيكون هذا القائد القوي. لايوجد لحد الان قائد عراقي يعد نفسه لسلسلة الانتخابات القادمة إلا أنهم يحاولون وعلى نحو عدائي الى تكوين احزاب سياسية شعبية او يبذلون جهودا للسيطرة على وسائل الاعلام. ان الجهود السياسية السلمية الكبيرة هي ضرورية لخلق قاعدة من اجل الديمقراطية لكي تكون خاضعة للكفاح السياسي ضمن نطاق الحكومة الانتقالية المؤقتة ناهيك عن التحديات القادمة من الخارج. *العديد من القادة المحتملين في العهد الجديد لديهم أسبابهم الخاصة من ان يخسروا في نضالهم القادم حول السلطة. ولا توجد خطط واضحة لأختيار المسلمين السنة والشيعة في النظام ، حيث تم استثناء وعلى نحو كبير المناطق المعادية والأحزاب من العملية السياسية تحت صورة خادعة على انهم جماعة صغيرة لمثل هكذا موضوع حقيقي، ويبدو ان امريكا ما تزال تحاول تنظيم انشاء ديمقراطية فيما يريده العراقيون وليس الشيء الذي تريده اميركا او الذي يريده المصلحون الغربيون. * لاتوجد فرصة ذات معنى " للأمن اولا "فعملية البناء السياسي والوطني يجب ان تمضي قدما وسط العمليات الارهابية والصراع المنخفض الكثافة خلال 2006. وستكون الانتخابات صعبة للغاية والمناطق المعادية ستواصل عملياتها القتالية لأثبات وجودها. * الاندفاع الى اقامة قوات عراقية مسلحة وقوات امنية ملائمة لفترة ما بعد الصراع الدائر في العراق حاليا، حيث يوجد في العراق الان عشرات الالاف من الرجال غير المدربين، والمسلحين بصورة ضعيفة تم تجنيدهم عملا بالقواعد العرقية والدينية والقبلية. ولايبدو ان هناك خطة واضحة لتدريـبهم. وتجهيزهم بالاسلحة والمستلزمات التي يحتاجونها في الوقت المناسب. * قد يفتتن السياسيون بالسياسية، الا ان العراقيين يرغبون بالعيش في ظل حكومة. وان تشكيل 25 – 27 وزارة ، ومحافظات وحكومات مدنية سوف يؤثر على كل مظاهر الحياة اليومية والامنية وان خطة اقامة حكومة مؤثرة سيمتد بعد الانتخابات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] معهد الولايات المتحدة للسلام في واشنطن بتاريخ 23/كانون الاول/2003 وترجمت بتصرف وتبعا لتغير الوضع العراقي.
[3] مجلة الشؤون الخارجية تحت عنوان (How To Build a Democratic Iraq). بتاريخ 8/6/2003
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق