الثلاثاء، 1 يونيو 2010

منكر ونكير...وتشكيل الحكومة


أمير جبار الساعدي

من
المهم أن نعرف حجم وتأثير كل قوة موجودة في الساحة العراقية حتى يتسنى لنا أن نرى مقدار ما يمكن أن تتفاعل معه هذه القوى في تثبيت مصالحها أو العكس من ذلك، فمن الملاحظ بأن لعبة الولايات المتحدة في فتح الباب مشرعا أمام إيران يثير أكثر من تساؤل، فأوله، لماذا لبست أمريكا البرقع أمام التدخلات الإيرانية؟، هل لتتيح لأدوات إيران الفاعلة بالمشهد العراقي أن تنفذ بعض مآربها في زيادة الانقسام الطائفي والعرقي والمذهبي بين أطياف الشعب الواحد لكي تسهل عملية فرض قيود السيطرة بصورة أسرع وأسهل وحسب؟ أم هناك أهداف أخرى سعت لها الولايات المتحدة في تعظيم الدور الإيراني في العراق... ومنها على سبيل المثال، اللعب بورقة ضغط جديدة متمثلة بالعراق وقطع الطريق أمام الإمبراطورية الإيرانية الجديدة التي شكلتها إيران من خلال نفس المفهوم الغربي بشكل الاستعمار الجديد عبر المصالح الاقتصادية والنفوذ التجاري والاجتماعي والسياسي المذهبي في بعض الأحيان مضاف لذلك، استخدامها مفهوم العولمة بكل ما فتح هذا المجال من إمكانية لمد خيوط هذه الإمبراطورية في المنطقة الإقليمية المحيطة بها، ووفق خريطة التواجد الإيراني القديم لهذه المصالح فإن إيران حافظت على ذلك التواجد إن لم تكن زادت عليه، فالمتتبع لتواجد متغيرات المصالح الإيرانية في عموم منطقة الشرق الأوسط وآسيا والشرق الأقصى يرى بأن هناك حقيقة واحدة قد أصبحت جلية، بأن إيران قد تعلمت الدرس وتحاول أن تتقن لعبة الغرب في زيادة نفوذها وحماية مصالحها في عموم "الشرق الأوسط الكبير". مع الأخذ بنظر الاعتبار تأثير باقي دول الجوار الإقليمي في العراق.
ويمكن أن يكون في باطن الأمر أكثر من هذا إذا أخذنا "بنظرية المؤامرة" وهو توافق خطط وتخطيط كل من أمريكا وإيران حارس الخليج العربي، والشرطي الوفي لأمريكا سابقا في أهم منطقة لمصادر الطاقة في العالم، كونها القوة الوحيدة حاليا في المنطقة بعد احتلال العراق وغياب توازن القوى في الخليج العربي الذي أصبح أكثر تشوها من ذي قبل بتواجد القواعد الأمريكية أو منشأتها العسكرية في عموم منطقة الخليج وتحت مختلف المسميات والحجج البراغماتية لمصالح الغرب وأمريكا في المنطقة، أو يكون العكس وهي أن تحاول أمريكا أن تستنفذ قدرات إيران في التخطيط والعمل بالعراق لكي تضرب بعضهم ببعض، وتفشل مخطط التيارات الدينية في المنطقة، لكي تفسح المجال أمام التيارات السياسية العلمانية والمعتدلة بأخذ زمام المبادرة في تسلم الحكم وبالتالي التعامل مع هذه التيارات سيكون أسهل ويخدم مصالح الغرب وأمريكا بصورة أكبر. فهي ليست مسألة مذهبية التيار السياسي الذي يحكم بقدر ما كونه تيار ديني لا يساعد تشكيل المنطقة من جديد بما يخدم المصالح في هذه البقعة أكثر مما هي عليه الآن وفق الإستراتجية البعيدة المدى لأمريكا.
وبعد ذلك هل لإيران قدرة في التأثير على تشكيل الحكومة العراقية المقبلة؟ وما مقدار هذا التدخل؟؟
إذا أخذنا بنظر الاعتبار بأن جميع القوى السياسية العاملة في الساحة السياسية العراقية كانت قد "حجت أو اعتمرت" لزيارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية برضى أو من غيره، متدين أو علماني، لترتيب أوراق اللعب لديها ومع أي من هؤلاء اللاعبين استقرت اللعبة، فلو تناولنا على سبيل المثال لا الحصر بأن كتلة الدكتور أياد علاوي استطاعت تشكيل الحكومة، فمع من ستأتلف سيكون لإيران مقدارا من التأثير على ذاك الطرف، هذا إذا انتبهنا الى أن حتى كتلة العراقية يوجد فيها نوع من "التدخل في ساحتها الداخلية" من قبل إيران، لأن لديها الأدوات الفاعلة على التأثير بمجريات الأمور ما يمنحها قدرة كبيرة على تغيير شكل التوازن السياسي في العراق، وهكذا نرى مدى تأثير إيران في باقي الائتلافات التي ستشكل الحكومة العراقية القادمة. وهذا يعطي انطباع بأن إيران لا محالة لها التأثير الأكبر في حركة التغيير في العراق.
فالجميع يعرف بأن أمريكا هي من احتلت العراق وأحدثت التغيير فيه، وهذا سيجعلها اللاعب الأكبر والأقوى في الساحة السياسية العراقية، وبالمحصلة تشكيل حكومته، ولكن من السخرية بأن قادة الإدارة الأمريكية هم من كانوا يصطافون في العراق وليس العكس، بل أصبح التلويح بزيارة المسؤولين الأمريكيين هو الصفة الملازمة للتأثير على مسارات العملية السياسية في العراق، وليس العكس، مثلما حصل مع إيران حيث نرى بأن الجميع زار إيران ولكن، كم منهم قد توجه الى الولايات المتحدة؟؟...
وهذا ما يوحي للوهلة الأولى بأن إيران أصبحت السيدة الأولى في العراق، وليس الولايات المتحدة الأمريكية وهذا ما أعتقد بأنه جزء من اللعبة الأمريكية لرسم خطوط وهن تجاه إيران تستطيع من خلالها حبك نسيج المصيدة التي تسعى لإسقاط إيران في نفس اللعبة.
وعودا على ذي بدء، فأن أمريكا وإيران لهما نفس الحظوظ في التأثير بتشكيل الحكومة العراقية إن لم يكن كلاهما يلعب بالورقة العراقية بالشكل الذي يعطي هذا الطرف أفضلية على الطرف الأخر، وهذا السباق أصبح أكثر وضوحا بأن إيران هي من سبق أمريكا في وضع إطارها العام قبل أن تضع أمريكا صورتها في الإطار المناسب لهذه التشكيلة. ولكن لمن الغلبة ستكون، فأن العراق وشعبه هو الوسط الذي ستتفاعل به جميع هذه المواد الكيمائية، والتي سيكون ضررها أكثر من نفعها وهذا ما نراه جليا في تأخر تشكيل حكومة العراق العتيدة.
أمريكا وإيران، منكرا ونكير العراق كلاهما يستبق الأخر كأنهما ملكان في تقديم المساعدة، ولكن من مثلهما لا يكون ملكاً بل حاملي عذاب كثير لهذا البلد الذي تتوالى عليه النوازل.
وقنا الله شرها وثبتنا وأياكم من منكر ونكير.

ليست هناك تعليقات: