الخميس، 20 أغسطس 2009

محاربـــــــة الارهــــــاب

ترجمة: الباحث: أمير جبار الساعدي

ان الولايات المتحدة مستعدة تقريبا كي تشن هجوما عسكريا ضد اسامة بن لادن. وحتى ان حربا اشد ضراوة الاستعدادات مسبقا لشنها ، وهذه هي للرأي العام. في الايام الاولى من تشرين الاول بدأت أمريكا للتحرك بعد بناء التحالف الى الضربات العسكرية. وقد اطلع المسؤولون في الحكومات الحليفة حول العمليات المقبلة واظهروا لهم - لكن ليس شعوبهم الدليل الذي يدين بن لادن. الهدف ، بانه كان مسؤول بافعل عن الأعمال الشنيعة التي حدثت في الحادي عشر من ايلول 2001.
وكان لعمليات اطلاع الحلفاء نتائجها ، ففي بروكسل أعلن الأمين العام لحلف الناتو ، لورد روبيرتو قائلا "كانت الحقائق واضحة ومقنعة بشكل قاطع" عن تورط منظمة القاعدة التي يديرها بن لادن ، وأستشهد بالفقرة الخامسة من ميثاق الحلف ، التي تقضي بأنه إذا حصل اعتداء على عضو في حلف الناتو فهو اعتداء على كل الحلف. وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتن قد رأى كل الدلائل التي أراد. وقال الزعيم الباكستاني برويز مشرف بأن أيام طالبان باتت محدودة. وفي الثاني من تشرين الاول ، بدى توني بلير وكأنه يحضر بريطانيا لشن عمل عسكري ضد قوات طالبان وقال "الهدف سيكون تدمير قدراتهم العسكرية ، وقطع امدادتهم (و) أستهدف ان تسلم طالبان الارهابين او تستسلم للقوة". وكان جورج بوش نفسه أقل شجاعة ، غير أنه كان واضح المراد على الرغم من ذلك ، إذ قال "يجب على طالبان تسليم منظمة القاعدة وتدمير معسكرات الارهاب ماذا والا سيؤول الامر الى عاقبة ، وليس هناك مفاوضا ت ولا جدول زمني وسنتحرك وقتما نشاء"
[1] وأنقضت الأيام العشرة الأولى في نشر الأسحلة وتحديد الأهداف وتحشيد المعارضة الأفغانية وتوحيد صفوف التحالف وبالأخص بين الدول العربية ، فأن هاتين الدائرتين أظهرتا تأخرا واضحا في التحرك. ولتقوية المعارضة الأفغانية فقد وافق الرئيس بوش على تقديم معونات لمساعدة تحالف الشمال. وكما تعلم الادارة الأمريكية ، فعلى أية حال ، فأن الاستيلاء على أفغانستان من جانب تحالف الشمال الذي تسوده أقلية أوزبكية وطاجيكية ربما يتسبب خطر تدهوره وتحوله الى حكم الجنرلات ، لذلك فان الأموال لن تذهب الى التحالف فقط. وتحدث وزير الدفاع دونالد رامز فيلد عن تقديم المساعدة "للقبائل في الجنوب"(أي ذات الاغلبية البشتونية). ودفعت أمريكا هذا الأسبوع بالتحالف لعقد اتفاق مع الملك الأفغاني المنفي محمد ظاهر وهو بشتوني أيضا- تتعهد بتقديم الدعم المالي له اذا اعتلى كرسي الحكم. وعلى نحو مماثل من الأهمية ، خطت أمريكا في هذا الأسبوع خطوة لتقوية التحالف العربي إذ قال بوش بأنه يرغب بدعم دولة فلسطينية وهذه الرغبة مرهونة بتحفظات ومما تم إيضاحه. إن هذا كان مقررا قبل الحادي عشر من ايلول. كما وأنه ليس بالأمر غير المبتوت فيه: فلقد قال بيل كلنتون الشيء نفسه على الرغم من أن بوش لم يقل ذلك. ولايزال غير واضحا فيما إذا كانت الكلمة الجديدة ستزيد من قوة الدعم العربي. وبأختصار فالأسحلة والجنود في مكانهم والعمل الدبلوماسي يتقدم ، والمعارضة المحلية وحدت صفوفها تقريبا فما بقي إلا إيجاد الهدف الصحيح وقصفه.

نوع آخر من الحرب
حتى إذا لم يتم اهدار الوقت ، فأن التأخير مابين وقت الهجمات والرد العسكري المنتظر لأمر يبعث على الدهشة. فالأمور سارت ببطئ ليس بسب العمل التحضيري العسكري والدبلوماسي ، بل لأن الادارة الأمريكية تعرف بأن عليها أن تشن حرب أفكار. فعليا أن تقع أمريكا وحلفائها والمسلمين حول العالم بأنها حرب ضد الاسلام ،فأن أخفقت في مسعاها فسينها دعم المسلمين للحملة ، وربما يحدث ردة فعل عنيفة ضد أمريكا وحلفائها ويتسبب بمشاكل عظيمة اخرى (مثل طلبنة باكستان)، وعلى المشوار الطويل ، سيتعرض الأمل بتحقيق دول عربية مسالمة ومتحضرة ، الى نكبة كبيرة. وفي بادئ الأمر يجب القول بأن الحرب الإعلامية لم تسر على ما يرام. وبعيد الهجمات ، وجه سؤال الى الرئيس الأمريكي ليشخص الصراع القادم وبعد حيرة لأيجاد كلمة ، اختار "حملة صليبة". ففي الاستخدام الغربي فقط لهذه الكلمة مدلولها الديني وهو مدلول سئ. لا يشير إلا الى الهجمات المسيحية في العصور الوسطى على القدس والى روح النصر الغربية في التعامل مع البلدان المسلمة. وأن بن لادن يدعو منظمته ، الجبهة الاسلامية للجهاد ضد الصلبيين واليهود. فأنتفضت الصحافة الناطقة بالعربية على المصطلح الذي أستخدمه الرئيس وهدمت الثقة التي حصل عليها من زيارة الجوامع وشجب العرب الهجمات على الامريكان. وكان الأسوأ في الطريق. ففي السادس والعشرين من ايلول القي رئيس الوزراء الايطالي سليفيوبير لسكوني خطبة مكتوبة عن "سمو المسيحية" والحاجة الى *تغريب الشرق الأوسط. (وأشار لاحقا بان ملاحظاته لم تؤخذ ضمن السياق الذي قيلت فيه) وعرضت الصحف العربية ملاحظاته على صحفاتها الأولى وكرست نقدا مستفيضا لها. وطالبت كل من حكومتا مصر ولبنان بغضب بتقديم ايضاح لذلك.

مســــــألة تحضير
حتى الان فأن المصاعب في شن حرب إعلامية تتخطى الرغبة التي تساور بعض القادة الغربيين للجم أفاوه المعارضيين فحتى في أمريكا هناك أصوات تنتقد العمل العسكري ، إذ ترى أن هذه الحرب ليست بحرب ضد الارهاب بل إنها تفجر لانتقام أعمى تشنه عقود من السياسية الرديئة. قد لايبدوا بأنهم يكثرون: فأكثر من( 80%) من الأمريكان يؤيدون الأخذ بالثأر، غير ان النقاد الذين هم من شاكلة هؤلاء كثر في أوربا ، ومن المحتمل ان يزداد تأثيرهم في أمريكا.
وحتى الان تتكشف معالم كارثة في أفغانستان قبل ان تطلق رصاصة واحدة ـ ويظهر جلها أمام عدسات تصوير التلفاز فعندما يبدأ القصف وتزداد الهجرات الجماعية فان اللائمة ستنحى على الغرب في التسبب في هذه الكارثة. (سينسى الناس بان أكثر من اربعة ملايين لاجئ نزحوا من افغانستان قبل أحداث الحادي عشر من ايلول بفترة طويلة ، إذ اضطرتهم الحرب الاهلية والجفاف وسوء حكم طالبان للنزوح).
على أمريكا فعل ما بوسعها لدحض هذا الطرح ، فإنها مسبقا أكبر مانح للغذاء لأفغانستان ففي الأول من تشرين الاول قال بوش بأنه سيرسل مساعدات بقيمة (100) مليون دولار أميركي ، أي مايقارب خمس ما تقول المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة، انها ستحتاج اليه. الان أمريكا ربما يكون لها مشكلة أكبر في مسعاها للفوز في الحرب الاعلامية: فاؤلئك الأمريكان محقين تماما بان البلاد ستشن في نهاية المطاف حربا على الاسلام - أو على الاقل ، على جماعات مختلفة في العالم الاسلامي. فهذه الاصوات تقول بانه لايمكنك هزم الارهاب من دومن ان تواجه اولئك الذين "يساندوه في العراق" ، وايران والى درجة ما المملكة العربية السعودية وسوريا ويطالب هؤلاء بسياسة تستند الى احترام الديمقراطية وحقوق الانسان التي يقولون عنها ، بأنها تعني مواجهة كل من الاسم المتطرف والانظمة الاضطهادية العلمانية التي هي جزء من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. لقد أدى أحد أنواع هذا الهجوم مسبقا الى انقسام في الادارة الأمريكية. إذ تعارضت أراء وكيل وزير الدفاع باول ولفو فيتز مع وزير الخارجية كولن باول حول ما إذا يتوجب إضافة بصدام حسين بالاضافة الى طالبان. فلم يسوى هذا الخلاف. بل إنه تم تأجيله ليس الا. فالرئيس العراقي ، بطبيعة الحال ليس اسلاميا ويريد السيد ولفو فيتز تنحيه عن السلطة لأسباب أمنية وليست عقائدية. لكن مع ذلك ، فالرئيس العراقي ذا شعبية في العديد من البلدان العربية ، فمقاتلته ستبدو هجوما على نظام اسلامي اخر. وبدأت فورا تظهر الأزمات بين متطلبات الحرب الإعلامية والحاجة الى أبقاء التحالف موحدا ، فهناك مشكلة معينة ، الا وهي روسيا حيث يعتبر الناس الاسلام عدوهم الأول. فبعد تردد قليل ، دعا الرئيس بوتن استخدام الولايات المتحدة للقواعد العسكرية في اوزبكستان وطاجكستان ، وبالمقابل طلب من امريكا تعليق انتقادها للاضطهاد الذي تمارسه روسيا في الشيشان التي ربما أسهم بن لادن في دعم انتفاضتهم. (وتقول روسيا ان احد القادة الشيشانيين هو اردني مرتبط بتنظيم القاعدة. وأعرب المتحدث الرسمي للرئيس بوش عن دعمه للانذا ر النهائي الذي قدمه الرئيس الروسي الى الشيشانيين ليقطعوا كل صلاتهم مع بن لادن ، أو أنهم سيندمون. وسبب هذا الامر المألوف لدى مراقبي حقوق الانسان الأمريكان. فلوحدث وان قامت روسيا بمثل هذا الاجراء - ديمقراطية ، متعددة الاوجه ـ فتصور مقدار الصيحة لو ان السعودية او الاردن او مصر اتخذت اجراءات صارمة على منتقدي الحكومة الاسلاميين لفرض النظام.

كـما يراها العــــــرب
على الرغم من ان القتال بالنسبة لقلوب وعقول الامريكين ربما يكون أمرا عسيرا فانه سيكون يسيرا مقارنة مع المعركة بالنسبة الى الرأي المسلم في الشرق الأوسط. وفي هذه اللحظة على الاقل ، فأن اغلب العرب لايصدقون كلمة مما تقوله واشنطن. فالحكومات العربية تنأى بأنفسها بعيدا عن امريكا علنا كي تبقى على قيد الحياة، فلو يحاولون حشد جماهيرهم لمحاربة الارهاب ، اكثر فاعلية فأن الحكومات العربية يتوجب عليها التغلب على معظم الشعور المناوئ لأمريكا الذي دعموه هم أنفسهم والذي من اسبابه هو رغبتهم بحجب الأنتباه عن عدم تمتعهم بشعبية. وأن ذلك العداء قد أصبح أكثر حدة في كل من الصحافة التي تسيطر عليها الحكومات وفي القنوات التلفازية الفضائية التي لا تطولها قبضة الحكومات. ان إمتناعها يسفر ، بتركها للمسيرة ، فأمريكا مشتركة في الحرب ضد الفلسطينين بقيادة آرييل شارون الذي يعتبره أغلب العرب أكثر إجراما من بن لادن. إذ انه من غير الواضح فيما اذا كان الدعم الجديد من طرف الولايات المتحدة لانشاء دولة فلسطينية سيولد اختلافا ام لا.
وبالرغم من كل هذا ، فالفوز بالحرب الإعلامية ربما لايكون بالأمر العسير المنال ، فحكومات الدول الاسلامية وأبرز زعماء الدين الاسلامي قد أجمعوا على أدانة بن لادن. ففي يوم الجمعة الماضي أوضحت الخطبة التي القاها شيخ الأزهر في مصر حق الضحية في رد الظلم على الظالم. وأن أبرز الادانات تلك التي صورت عن الشيخ محمد فضل الله الزعيم الروحي لحزب الله وهو الحزب الذي أدرجت وزارة الخارجية اسمه ضمن قائمة المنظمات التي ترعى الارهاب : على الرغم من اننا نعادي سياسية الولايات المتحدة ، فاننا اصبنا بالذعر بسب تلك العمليات التي لا يدعمها أي دين في العالم. ستكون حرب الأفكار حربا ضروسا وطويلة ، لكن، حتى اذا قال الشيخ محمد ذلك فالنصر ليس ببعيد المنال.
نشرت في مركز الدراسات الدولية- جامعة بغداد في 2002
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] مجلة الاقتصادي ( Economist) من العدد الصادر في تشرين الاول عام 2001.
*التغريب"Occidentalize": احلال الثقافة الغربية محل التقافة والسمات الشرقية.

ليست هناك تعليقات: