الأحد، 8 فبراير 2009

التوجهات السكانية وتحدياتها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا* (1-4)

ترجمة الباحث: أمير جبار الساعدي

لعب سكان الشرق الأوسط منذ زمن ليس بالقصير دوراً كبيراً إن لم يكن حيوياً في تاريخ الحضارة الإنسانية.وتعد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مهداً للحضارة والثقافة المدنية،حيث ظهرت في المنطقة أكبر ثلاث ديانات في العالم وهي اليهودية والمسيحية والإسلام.
وتأسست الجامعات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قبل وقت طويل من تأسيسها في أوربا، إما في العصر الحديث فان الشرق الأوسط وشمالا أفريقيا وديانته واقتصاده مرتبطة ارتباطاً معقداً وبطرق عدة بحيث تؤثر في العالم بأسره ويعد المخزون النفطي الضخم في المنطقة-حوالي ثلثي الاحتياطي النفطي في العالم سبباً رئيسياً في اهتمام العالم بهذه المنطقة بحيث إن تأثير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يتعدى مسألة حقولهم الغنية بالنفط فهي تحتل موقعاً جغرافياً إستراتيجيا مهما بين أسيا وأفريقيا وأوربا.وقد دخلت المنطقة وما زالت في صراع عنيف من اجل الأرض والنفوذ بشكل يؤثر في العالم بأسره. واليوم فان النمو السكاني السريع لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يزيد من التحديات التي تواجهها هذه المنطقة وهي تدخل الألفية الثالثة. تغير عدد السكان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمئات السنين من حوالي 30 مليون،حيث وصل في مطلع القرن العشرين الى 60مليون ولم يحصل الزخم السكاني في المنطقة إلا في النصف الثاني من القرن العشرين، فقد ازداد إجمالي السكان من حوالي 100مليون نسمة الى ما يقارب 380مليون نسمة في عام 2000أي زيادة بلغت 280مليون نسمة في غضون 50عاماً.وخلال هذه المدة ازداد سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمعدل 3.7مرة أي أكثر من أية من أية منطقة بارزة في العالم.

التحول السكاني
شهدت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المعدل الأعلى في النمو السكاني أكثر من أية منطقة أخرى في العالم ووصل النمو السكاني السنوي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ذروته عام 1980حين وصل 3%بينما وصلت نسبة النمو السكاني في العالم اجمع الى 2% سنوياً قبل أكثر من عقد من ذلك التاريخ.
لقد أدى التطور في الحياة البشرية خاصة خلال النصف الثاني من القرن العشرين الى نمو سكاني سريع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومناطق أخرى اقل تطوراً كما ساهم تقدم الخدمات الطبية الحديثة والتدخل في الصحة العامة عن طريق استخدام المضادات الحيوية والتطعيم والتنظيف الصحي في تقليص نسبة الوفيات تقليصاً سريعاً في الدول النامية بعد عام 1950بينما ازدادت نسب الولادات مما أدى الى معدلات عالية في الزيادة الطبيعية (زيادة عدد الولادات على الوفيات).ويعد الرضع والأطفال الصغار أكثر المستفيدين من انخفاض عدد الوفيات في السنوات الخمسين الماضية في الدول النامية.
فقد انخفضت نسب الوفيات الرضع (أي الرضع الذين يتوفون قبل بلوغهم السنة الأولى) من حوالي 200 حالة وفاة من بين 1000ولادة ناجحة في أوائل الخمسينات الى اقل من 50حالة وفاة لكل 1000ولادة ناجحة في مطلع القرن الواحد العشرين.
ورغم هذا الانخفاض الحاد وحقيقة إن بعض الدول الغنية بالنفط في الخليج العربي تتميز بنسب وفيات واطئة جداً (تتشابه نسبة وفيات الرضع في الكويت مع مثيلاتها في أوربا)،ومع ذلك تبقى وفيات الرضع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أعلى من مثيلاتها في أمريكا اللاتينية وشرق أسيا.بينما يستمر"التحول السكاني" أي انخفاض الوفيات وازدياد الولادات في المنطقة،إلا إن هناك دولاً منفردة تمر بمراحل مختلفة.وكمعدل عام انخفضت نسبة الولادات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من 7 أطفال لكل امرأة عام 1960 الى 3.6 طفل في عام 2001.
ويبلغ المعدل الكلي للولادات (متوسط عدد الولادات لكل امرأة) اقل من( 3)في البحرين وإيران ولبنان وتونس وتركيا وأكثر من(5)في العراق وعمان وفلسطين (الأراضي المحتلة) والسعودية واليمن.
بالرغم من توقع استمرار انخفاض معدلات الولادة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلا إن عدد السكان سيستمر بالنمو لبضعة عقود قادمة. ويصل كل جيل من الشباب الى سن القدرة على الإنجاب بأعداد اكبر في عدد من الدول من الجيل الذي سبقه وهكذا فجميع هؤلاء يساهمون في إنجاب عدد اكبر من الولادات.
ويطلق على هذه الظاهرة بـ(الزخم السكاني)،ويزداد عدد سكان المنطقة بنسبة 2% في السنة أي ثاني اكبر نسبة في العالم بعد منطقة شبه الصحراء الأفريقية. وهذا يعني زيادة حوالي (7)ملايين نسمة ومن المتوقع أن يتضاعف عدد سكان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في السنوات الخمسين القادمة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*
تقرير مكتب مراجع السكان المنشور في تشرين الثاني الأول 2001-واشنطن.
نشرت في مركز الدراسات الدولية جامعة بغداد.

ليست هناك تعليقات: