أمير جبار الساعدي
لمذا يدعي السياسي أكثر من غيره بمعرفة بواطن الأمور؟؟ وإنه يعرف مصلحة الأخرين أكثر من غيره من الناس، ولاسيما إذا كان في موقع السلطة ومنصبا مهما...فإن تلمس حاجات الناس ومطالبهم هو أمر ضروري وواجب عليه يحتمه موقع المسؤولية التي تصدر لها.. ولكن أن يبرز علينا السياسيين بين الحين والآخر والجميع يتكلم بلغة الجمع ومن غير الرجوع الى من يدعي تمثيلهم، ولا حتى الوقوف عند مطالبهم المشروعة أو أنه قام بتحصيل بعضا من حقوقهم الضائعة والتي طالما صدحوا مطالبين بها وهو من يمثلهم ويعيش في نفس المحيط والبيئة المظلومة، والتي نادته بالاصلاح ولكن من غير جدوى تذكر، والذي غالبا ما يرمي باللائمة على قلت التخصيصات المالية والحكومة الاتحادية ووزارتها التي رهلها قادة الكتل السياسية أصلاً، والآن أصبحنا ننادي بترشيقها خارج حدود التوافق السياسي الذي أقرها...
ولماذا يصرح ولي الأمر متمثلا بسلطته بأمور وتقولات خارج ما يناقشه ويحاوره مع شركاء العملية السياسية في البلد؟؟.. ومن أعطاه الحق بأن يختزل طموحات ومطالب شريحة كبيرة من الشعب ببضع كلمات يحدوه الخروج عن المألوف والسير على نهج الخاسرين أكثر من تحصيله ود الناخبين المظلومين...
وها نحن نسمع ونرى رئيس واحدة من أكبر سلطاتنا الثلاث التي دفع العراق وشعبه الكثير ليشاهد نظامه السياسي برلمانيا وموشحا بثلاث سلطات مستقلة (تشريعية وتنفيذية وقضائية) يضمنها ويحميها الدستور، يطرح خيارا على الساحة السياسية العراقية يبتعد كثيرا عن الشعارات التي كان ينادي بها هو أو تجمعه وكتلته طيلة مدة الانتخابات النيابية، وهو يقول "بأن السنة قد يفكرون بالانفصال" وهو الذي طالما عارض إقامة مثل هذه الأقاليم الفدرالية التي كفلها قانونا دستورنا إن وافق عليها ثلثي أبناء المحافظة وهذا ما تؤكده المادة (119،116)، شريطة عدم التعارض مع صلاحيات الحكومة المركزية. وكان على رئيس مجلس النواب النظر مليا وبإمعان الى دعاوى إقامة فدرالية الوسط والجنوب أين وصلت وماهي أسباب عدم إقامتها؟؟.. وأين وصلت تجربة أستفتاء محافظة البصرة بإنشاء إقليمها ولماذا فشلت؟؟ والتي غالبا ما نسمع بها كلما سخنت التجاذبات السياسية من قبل القائمين على شؤون أهل البصرة بأن لديهم النية لإقامة إقليمهم الخاص لينهضوا بواقع المحافظة.. وليس بعيدا عن هذه التصريحات المتخبطة التي يغلفها الصراع السياسي في أحيانا كثيرة أنطلقت دعوة إقامة إقليم محافظة الأنبار وتحت نفس بند الأحباط الذي صرح به السيد النجيفي، ومع الأسف أقول بأنه أستعمل كلمة "الأنفصال" وأرجو أن لا يكون خطأً بالترجمة أو النقل لأنه كان يتكلم بالعربية مثلما سمعنا.. وهذا دليل غير صحي على منهجية الفكر السياسي للسيد النجيفي في مسعاه لتصحيح أخطاء العملية السياسية، وأين ينادي بهذا الأصلاح بحضن من أوجد هذا المسار الديمقراطي المتعرج ومن خرب نفوس وقدرات هذا البلد وأهله.. ونسى السيد النجيفي بأن هذه الدعوة عندما أطلقها نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن بإصدار مشروع قانون غير ملزم والذي صوت عليه الكونغرس الأمريكي لتقسيم العراق على أسس عرقية وطائفية، والذي قد سبقه المنظر الأستراتيجي ووزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر بفكرة تقسيم العراق الى ثلاثة كيانات كردية في الشمال وسنية في الوسط وشيعية في الجنوب، في آذار 2006، حيث قال "إن المصير الذي ينتظر العراق سيكون مشابها لمصير يوغوسلافيا السابقة"، بأنها لاقت الكثير من المعارضة داخل العراق، وحتى في البيت الأبيض نفسه الذي أعلن مجبرا على تأكيد الإدارة الأمريكية على وحدة العراق ووحدة أراضيه وشعبه، ولكن اطلاق هكذا مشروع والتصويت عليه لا يمكن أن تأتي من فراغ ما لم يكن صانع القرار الأمريكي قد تلمس بعض المواقف السياسية المؤيدة لهذا التوجه الديمقراطي بشكله والأستعماري بمنهجه من السياسيين العراقيين.
وعودا على ذي بدء، نرى بأن السيد النجيفي قد أختار مكان موبؤا بدعاوي التقسيم والانفصال ليعلن احباطه ودعوى انفصاله، ونخشى بأن هذا الفايروس قد أصابه نتيجة تأثير البيئة المحيطة به، ونتمنى أن تكون شمس تموز الحارقة قادرة على علاجه مما ألم به وأن نداء الشارع الذي صرح بأسمه هو من يرجعه الى وعوده الانتخابية... لأننا نحتاج الى من يوحدنا ويخرج بنا من عنق الزجاجة، لا الى من يزج بنا ببرزخ لا نعرف له نهاية....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق