الخميس، 14 أكتوبر 2010

هل تحقق دعوة "المؤيد" مبتغاها؟


أمير جبار الساعدي

أصبح العالم
اليوم يصارع موجة من التسابق الإعلامي في الحصول على أكبر قدر من المستمعين والمشاهدين والمتصفحين لكي يتمكن بشكل أو أخر من تمرير كل ما يريده أو أن يساعده على أعداد العدة لتمريره، وما الحرب الإعلامية التي شنتها أمريكا في حربها على العراق إلا أكبر دليل على ذلك، فلقد دعا المرجع الاسلامي الامام الشيخ حسين المؤيد منظمة المؤتمر الإسلامي إلى عقد مؤتمر استثنائي، تُدعى إليه نخبة من علماء المذاهب الإسلامية والمفكرين الإسلاميين لمناقشة الفتنة الطائفية، ووضع معالجات جادة وبناءة تمنع إثارتها.

والمحصلة بأن هذه المؤتمرات قد يكون بها بعض النفع من حيث خرق الصمت الإعلامي والتنبيه على مواضع الضعف والقوة لدى شعوب هذه الأمة لكي تخلق حالة صحية يمكن أن تنتشر من خلالها هذه الأفكار والرؤى التي سيخرج بها العلماء والمشايخ ورجال الدين والمثقفين، وأركز على ما يلي، أن لا يكون المؤتمرين من رجال الدين وحسب بل يجب أن تشمل النخب المثقفة صاحبة الأفكار العميقة والأصيلة التي تحاور الأخر ولا تتقاطع معه، فمن الواضح وكما يعرف الجميع إن كل دساتيرنا الدائمة والمؤقتة قد شددت على الحرية الفكرية والدينية وأغلظت القول على من ينهج الطائفية وعقَدُها، ولكن ما نراه بأن الكثير من النخب السياسية هي التي توتر الأجواء وتحرك الشارع دينيا وعقائديا ملتحفا هذه الطائفة أو تلك ولهذا يجب أن يكون السياسيين ورجالات الدولة من الحاضرين والمؤيدين لهذا المؤتمر، لأن قرارت تخرج للعلن من غير أن تساندها قوة القانون والدستور ومؤسسات الدولة تصاب بالخيبة والفشل، فمن المؤسف له مازال قانون القوة هو المتسلط على سكون الحياة الاجتماعية في بلداننا وليست قوة الوعي والقانون ولنا في درس لبنان مثالا واضحا على ما مرت به من محنة طائفية أكلت الأخضر واليابس، وعليه يجب أن يكون القانون متفاعلا مع ما يطرح من مشاكل وينتج عنه من مخرجات يمكن أن يستفيد منها المجتمع مهما كانت توجهاته، فالسلطة الدينية والدنيوية لديها نزعات قد تتقاطع مصالحها مع البيئة المحيطة بها وهذا ما يجعلها أن تؤجج هذه الصراعات الآنية والمستقبلية كلما أحتاجت لذلك، ومثال ذلك ما شهدناه جليا في العراق وتحت تأثيرات دولية وإقليمية أضرمت النار في الهشيم بعد أن وجدت أرضية خصبة يمكن أن تنبت بها، وهكذا خلق الصراع الطائفي فتن وأحقاد لم تكن ظاهرة، بل عمل على تفاقمها بصورة سيئة محاولا أن يزيد وقودها حطبا كل ما أرادت مصالحه الذاتية ذلك.
كما لعبت قوى الإرهاب بهذه الورقة مستغلة حالة التفرقة والفتنة لتضرب بوجها الكالح السواد كل ما هو طيب ووثيق الصلة بهذه الأرض وأهلها الطيبين، والذي يحتاج الى الكثير من الجهد والعناية لوقف زحف سرب الجراد الذي أصاب أرض العرب والإسلام بأفة ووباء يصعب القضاء عليه من غير وعي المجتمع وتبصره بخطورة هذه الأفكار الهدامة التي أول ما تصيب أهلها.

لهذا يجب أن يكون ضمن الحضور أصوات مؤثرة لقادة الطوائف والمذاهب في عالمنا العربي حتى لا تكون مقررات المؤتمر تجميلية لصورة هذه الطائفة أو التي تليها بالبعد الاجتماعي المذهبي، وأن تكون ملزمة لأتباعهم صغروا أم كانوا من قادة الفكر والعقيدة لكي لا يخرج علينا متفيقه ويغرد خارج السرب لمطمع أو لتصور مريض هو يتصوره حسب أجتهاده ومعرفته، ويمكن أن نرى ماذا فعل المتطرف القبطي وهو محام مصري مهاجر الى الولايات المتحدة وما هدد به في حال عدم رجوع المرأة التي أسلمت بالأزهر عن إسلامها وإلا قام بأحراق القرآن الكريم، وأنظروا كيف أسسنا لأمثولة الحرق إعلاميا وكيف أصبح التعامل بها يسيل لعاب المتوحدين نفسيا والبعيدين عن مفهوم السلم والتعايش الأجتماعي، وهذا ما أشرنا اليه في البداية حول قوة أستخدام الإعلام. ومن المهم أن يصل صوت العلماء وقادة الفكر الى القاعدة الشعبية لأنها هي الأداة التي تُستغل أبشع أستغلال وتحت شتى الذرائع الطائفية والمذهبية والمصلحية والمظلومية والتنافسية وكل ما يريدونه أن يكون طعما يخدعون به الأسماك في نهر الشعب.
لقد شهد عالمنا العربي والإسلامي الكثير من المبادرات والمؤتمرات وإذا أمعنا النظر فأن منظمة المؤتمر الإسلامي، جمعها ونظمها أسم "المؤتمر" الذي لم نشهد منه الكثير مما كان ينتظره الشارع العربي والإسلامي ولم يكن بقدر التحديات التي تواجهها الشعوب من تفرقة وتناكل وتقسيم طائفي ومذهبي وعرقي وغيره الكثير من التناقضات التي نعيشها اليوم وغدا. فهناك الكثير من المنتديات ومراكز الحوار والمؤسسات الفكرية واللجان للحوار بين الأديان والطوائف والمذاهب، والتي وسمت بصفة المحلية والوطنية والإقليمية تارة وأخرى بالعالمية والدولية والقارية، علها تصل بنا الى مستوى الرقي الحضاري والإنساني الذي تتمثل به كل شرائع الأرض وأديانها.
دعونا نحتكم الى الفكر قبل أن نُحكم العقيدة، ونحتكم الى المنطق والعقل قبل أن نُحكم المذهب والطائفة، ونحتكم الى المودة والرحمة قبل أن نُحكم التعصب والقبلية، ونحتكم الى إنسانيتنا قبل أن نحكم رغباتنا ومصالحنا الشخصية والفئوية، ولا يعني هذا بأن نكون منسلخين من عقائدنا أو طوائفنا ومذاهبنا فلكلٍ منا خصوصيته الاجتماعية والإنسانية التي وضعته وسط هذا المجتمع وبَرزت قيمهُ وأهتمامتهُ الحياتية والثقافية المختلفة عن الأخر وهي التي أستوجبت الرحمة في حديث رسول الله محمد (ص) (أختلاف أمتي رحمة للناس).
وأخيرا وليس أخرا إن كل المقومات التي تساعد على نجاح أي من هذه المؤتمرات مازالت ناقصة الحضور، لأنها في يد رجال السياسة والأطراف الخارجية التي تستوجب مصالحها وجود هذه العلة في نفوس مجتمعاتنا.
((ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين (*) إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين)) هود(118-119).

ليست هناك تعليقات: