الاثنين، 7 ديسمبر 2009

أهمية بناء القابلياتِ المحليّة: الدروس مِن مكافحةِ التمرّد في العراق

أنتوني. كوردسمان
ترجمة الباحث: أمير جبار الساعدي


أظهرت التجارب الأمريكية في العراق وأفغانستان بأنّ متطلباتَ المهمّةِ الرئيسةِ لـ"قوات التحالفِ" سَتَكُونُ بناء قابليات القوات الحليفة المحليّةِ في الحروبِ والتدخل الأمريكي مُستقبلاً. فوَضع الإعتمادِ الأعظمِ على القواتِ المحليّةِ يُقدم آلية لتَخفيض المطالب التي وَضعت على عاتق القوات الأمريكيةِ؛ إنها تُساعدُ الولايات المتّحدةَ على تُعوّيضُ الإختلافاتِ الثقافيةِ والأيديولوجيةِ والدينيةِ التي تواجهها القوات الأمريكية في خوضها الحربِ على الإرهابِ، وهو يُمكنُ أَن يُساعدَ على تَعويض النقص في المدنيينِ الأمريكيينِ من نظرائهم في الجيشِ الأمريكيِ الذي يُمكِنُ أَن يُوافقَ على تحمل العديد مِن الأعباءِ المحتملة في عملياتِ الإستقرارِ وبناء الأمة.

يُقدم التأريخُ تحذيراتَ ثابتةَ حول الحاجةِ للولايات المتّحدةِ إلى بناء القواتِ المحليّةِ وتحسين قابلياته. هذه نقطة رئيسية أيضاً في مسودة دليلِ ميدان الجيشِ الأمريكي الجديدة (أف أم 3-24) على مكافحة التمرّد والتي أصدرت في يونيو/حزيرانِ 2006، وهي تتعلق جزئياً في تعليمات وزارة الدفاعِ الجديدِة على عملياتِ الإستقرار، وأسست تعلميات وزارة الدفاع الـ(3000.05.1) الأمنِ في مناطقِ بعد النزاعات تَطلّبَ دائماً جُهد واسع في المستويات الإقليميةِ والمحليّةِ لإيجاد مزيج من القوات العسكريةِ التي تَتعَامُل مع التهديداتِ الرئيسيةِ. ولَكنَّه يتَطلّبَ تطوير الشرطةَ أيضاً أَو القواتَ شبه العسكريةَ، وتأسّيسُ نوع من الحضور الحكومي المحليّ وتقديم الخدمات لإعطائهم المصداقية، وإيجاد المحاكمَ والمؤسساتَ القانونيةَ لتَأسيس لحكم القانون الذي أبقىَ الفساد، العنف الرسمي الاعتباطي، واستغلال الأقلّياتِ وحقوقِ الإنسان ضمن الحدود العملية.
إحدى أخطر حالاتِ الفشل الإستراتيجي الأمريكي في العراق كَانت قلةَ التخطيط الفعّالِ لضمان إستمراريةِ الحكومةِ، الشرطة،والعمليات القانونية.أدركت الولايات المتّحدةُ متأخراً في لعبةِ بناء الأمةَ بأن الإستراتيجيةَ الوحيدةَ التي يُمكنُ أَن تَسمحَ لها بتحريك أكثر أَو كُلّ قواتِها مِن العراق خلال بِضع سَنَوات، إحداث نوعٍ من النصر، سيَحلُّ مشكلةَ أمريكا الفورية "الانتشار الكبير" على أساس الوقت، كَانَ لإيجاد مزيج من القواتِ العراقيةِ والحكمِ العراقيِ الذي يُمكنُ أَن يُخفّفا العبءَ على الولايات المتّحدةِ، ويَدعمانِ هذا الجُهدِ بالمعونة الاقتصادية الإضافيةِ.
بينما من المُبَكر جداً التَوصُّل إلى مجموعة مُفصّلة وكاملة مِن الإستنتاجاتِ حول التدخّلِ الأمريكيِ في العراق، يُمكنُ أَن تُتعلّمَ عِدّة دروس مِن المراحلِ الأوليةِ للعمليةِ. البعض مِنها تتضمن:
تُقيّمُ الأخطارُ بالكامل في دُخُول الحرب بِموضوعية بقدر الإمكان؛ النَظر بعناية في الإحتواء، الدبلوماسية، وإستخدامات بديلة من المصادر، لا تلتزم القوات الأمريكيةَ بدون المستويات المطابقة للمصادر، تَأكيد دورِ الحكوماتِ والقواتِ المحليّةِ؛ تَوَقُّع خطوطِ الفشل العرقيةِ والطائفية، ولا تَفرضُ القِيَمَ الأمريكيةَ بشكل ضيق على بلاد أجنبية. لا تَستطيعُ الولايات المتّحدة تَحَمُّل الإِستِعداد لعصر الحربِ اللامُتَناظِرة، و"الحرب لمدة طويلة" ضدّ التطرّف الإسلاميِ والإرهاب، من دون التَصَرُّف وفق هذه الدروسِ بِأسرع ما يمكن. ويُظهر العراق وأفغانستان أيضاً بأن عملياتِ الإستقرار ونشاطاتَ بناء الأمةِ لَيست فقط يَجِبُ أَن تَبدأَ قبل الأعمال العدائية أَو أيّ شكل آخر مِن التدخل العسكري،بل يَجِبُ عليهم أَن يَكُونوا عنصر مكمّل حتى في الحربِ التقليديةِ الأكثر حدّة. فإمتِلاك الفرقِ المدنيةِ العسكريةِ للعَمَل فوراً مَع الشرطةِ المحليّةِ والحكوماتِ المحليّة، والوحدات العسكرية للعَمَل مع الوحداتِ العسكريةِ العراقيةِ لإبقائهم في المكان الذي يحمي الملاكات المحتملةِ للقواتِ العراقيةِ المستقبليةِ والذيَ يمكنُ أَن تَكُونَ حرجةَ. وأن فرق المساعدةِ المحليّةِ لَرُبَّمَا عَملت الكثير لنزع فتيل العداوةِ، وخصوصاً إذا عَملوا من خلال السلطات المحليَّةِ، المساجد، والمؤسسات. تكامل الحربِ الأيديولوجيةِ والسياسيةِ، وإن دمجُ شن الحربَ التقليديةَ بعملياتِ الإستقرارِ الفعّالةِ حاسمة لتحقيق النجاحِ.
سَيُسبّبُ العمل العسكري في أكثر البلدانِ المنقسمةِ والولاياتِ الفاشلةِ، هو رؤية جزء هامّ من السكان القوات الأمريكيةَ كتهديد أَو عدو منذ البداية، وأجزاء كبيرة من عامة الناس سَتَلُومُ أمريكا على كُلّ فشل أَو مشكلة تجيء بعد تدخل القوات الأمريكيةَ. كالعراق وأفغانستان كلاهما تَتظاهرُ، وقَد تَكُون هناك نافذة صغيرة لايجاد فرصة سانحةَ في أن تَُوجد حكومةَ محليّةَ وقابلياتَ أمنِية من خارج عناصرِ القواتِ المحليّةِ الموجودة،قد يُقلل صورةَ القوات الأمريكيةِ كـ"غزاة" أَو "مُحتلون، "ويَتفادى التَوَتّراتَ المحليّةَ والمنافساتَ العرقيةَ والطائفيةَ مِن الإنفِجار إلى الإرهابِ أَو التمرّدِ.
أبرزت التجربة الأمريكية في العراق بَعض الدروسِ الأيديولوجيةِ أيضاً. فيَجِبُ على الولايات المتّحدة أن لا تَدخلَ الحرب على إفتراض أنّ أعمالها وقِيَمها شعبية أَو تَتجاوز القِيَمَ المحليّةَ. ويَجِبُ أَن تعرفَ بأنّ الخطاباتِ حول الدعمِ العالميِ للديمقراطيةِ، ووجهات النظر العلمانية مِن القانونِ وحقوقِ الإنسان، و/ أَو الرأسمالية ببساطة لَيست واقعيةَ، والتي هي غشاءَ خفيف يكسو المنفيين والمواطنين المتعلّمينِ في الغرب والذين قَد يَدّعونَ أَن يَشتركوا في مثل هذه الآراء وهم لا يعطون صورة حاجة الناسِ في بلادِهم أَو ما يُمكنُ أَن يقْبلوا به. ويَجِبُ على الولايات المتّحدة في الجانبِ السياسيِ للعملياتِ أَن تَعتمدَ قَدرَ المستطاع على الحكومةِ المحليّةِ وتُوسّعُ دورَها وقابليتَها بأسرع ما يمكن، للعَمَل ضمن الحدودِ التي فَرضَتها الأوضاع المحليّةِ، ولوَضع إستراتيجيةً واضحة تشجع نوعِ التسوياتِ والإجماعِ اللذين يَسمحانِ للعمليةِ السياسيةِ بالإشتِغال والحكمِ لإدارة العملية.
وبخصوص المساعدة الخارجية، العراق بالكاد مثال فريد مِن المشاكلِ في إستعمال المساعدة الخارجيةِ لمُسَاعَدَة دولة نامية.أظهرت جُهود المساعدةِ منذ الحرب العالمية الثانيةَ بأنّهم يُمكنُ أَن يَكُونوا ذا قيمة عظيمة في مُسَاعَدَة البلاد على أن يَنظّمونَ أمورهم ويُصبحونَ قادرين على مُسَاعَدَة أنفسهم. لكن هذا الفصلِ مِن جُهودِ المساعدةِ أيضاً يُظهر بأن الجُهودِ الخارجية لإستِعمال المساعدةِ لإعادة تَشكيل إقتصادياتِ الدول الفاشلةِ نادراً ما يَعطي نَتائِجَ ذات مغزى، وأن الولايات المتّحدة لَها قدرةُ صَغيرةُ في التخطيط لمثل هذه الجُهودِ حتى في ظروف وقتِ السلام.
فالعديد مِن دروسِ أفغانستان والعراق تَنطبقُ بشكل واسع أكثر على "الحرب العالمية على الإرهابِ". مرةً أخرى، تَحتاجُ الولايات المتّحدةَ حلفاءَ وقواتَ محليّةَ ذات قدرة وإرادة في أَن يَتصرّفا إلى مقاتلة التهديدَ الإرهابيَ الذي مُثلَ بالتطرف الإسلامي،وبشكل مُحدّد من المتطرفين الإسلاميين السنة السلفيين الجدد. المعارك العسكرية والمعارك ضدّ الإرهاب مَن الضَّرُوري أَن تُربَحَ بقوات محليّة وإسلامية، ولَيسَ مِن قِبل "مُحتلون"،"صليبيون، "و"إمبرياليون جدد".
يَحتاجُ الغربُ لقُبُول الحقيقة نظرة أكثر تطوّراً لتَغيير الوسائلِ التي تَعملُ مَع العديد مِن الزعماءِ المحليّينِ الذين لَيسوا ديمقراطيينَ، ويُخفقونَ في الوصول إلى النماذجِ الغربية، أَو ذوي شخصية تقليدية. فالنداءات لـ"تغيير النظامِ" والجُهود الأخرى التي تُقدّمُ عدمَ الإستقرار السياسي، وأنتاج مقاومةًَ أكثرَ للإصلاح، وهذا سيَحدث أذى أكثر بكثيرَ مِن الجيدِ. يَجِبُ على الغرب أَن يَعرفَ بأنّ الناسِ في العالمِ الإسلاميِ لا يَضعون سياسةَ أَو وجهات نظر الغرب إلى حقوقِ الإنسان من أولويتِهم الرئيسةِ. إنهم يَبحثونَ عن الأمنِ الشخصيِ، والوظائفِ، والتعليمِ لأطفالِهم، والخدمات الصحيةِ، والخدمات العامةِ الأخرى. إن المفتاح إلى هَزيمة التطرف الإسلامي، والقاعدة الشعبية الواسعة التي تَتعاطفُ مع هذه التطرّفيةِ، يَأتي بالمرتبة الأولى مِن تقديم الأمن الشعبي بدون ظلمِ وبعد ذلك مِن تَقديم الفرص الإقتصاديةِ لكل من العُمّال ذوي الأجر اليومِي وأطفالِهم.
في نفس الوقت،إن هذا النقدِ للولايات المتّحدةِ والنظرةِ الغربيةِ لرِبح الحربِ الطويلةِ من المستحيل أن تُبرّئُ الزعماءَ الثقافيينَ والدينيينَ والسياسيينَ في الأممِ الإسلاميةِ مِن أن يعملوا تغيّر مُميّز بدرجة أكبر في سلوكِ وجُهودِ القواتِ المحليّةِ التي هي المفاتيحَ الجوهرية إلى النجاح. يُمكنُ أَن تُربَحَ "الحرب الحقيقية على الإرهابِ" وحسب، إذا واجه الزعماءِ الثقافيينِ والسياسيينِ والدينيينِ في البلدانِ والجالياتِ الإسلاميةِِ بشكل نشيط وحاربواِ التطرّف الإسلامي السلفي السني الجديد في المستويات الدينيةِ والأيديولوجيةِ. إن "الحرب الطويلة" سَتَكُونُ ضائعة إذا تنحّى مثل هؤلاء الزعماءِ جانباً، واتّخذُوا نِصف الإجراءات، أَو تساومُوا مع الأعداء الذين يُريدُون تَحطيمهم وتدمير الذي يُؤمنونَ به. إنها سَتكُونُ خسارة إذا أُنكروا بأنّ القضيةَ الحقيقيةَ هي مستقبلُ الإسلام، إذا أجازوا العنف والإرهابَ الإسلامي عند ضرب أهدافاً مكروهةَ مثل إسرائيل، أَو إذا واصلوا مُحَاوَلَة تَصدير اللائمةِ على حالاتِ فشلهم الخاصةِ إلى الأممِ، والأديان، والثقافات الأخرى.
إن تَطبيق إستراتيجية "فائِزة" في هذا الكفاحِ يَتطلّبُ تعاونَ متبادلَ، لكن الحل يَكمنُ في قدرةِ أولئك الذين هم جزءَ من العالمِ الإسلاميِ لإِستِغلال تحديداتِ العالم الحقيقي وقابلياتَ العدو وهزمُهم عن طريق قلبِ حججِهم الأيديولوجيةِ في المساجدِ، وقاعاتِ الدرس، وعلى شاشاتِ التلفزيون، وعلى كل مستويات المجتمع المدني. وإن هذا لَيسَ واجب الأممِ أَو المثقّفين الغربيينِ، ولكنه عمل الدين، والحكومة، ورجالِ الأعمال، والزعماء الثقافيين المسلمين. وهذا يَتركُ الولايات المتّحدةَ مع بَعض الإختياراتِ الصعبةِ.
إنها يَجِبُ أَن تُدركَ بأنّه ليس مهماً تَحسين قابلياتِها في مكافحة الإرهابَ، وقابلياتها في مكافحةِ التمرّد، وخبرتها عن المنطقةِ، إنها سَتخُوضُ معركة صعبةَ إذا ما حاربُت لوحدها أَو من دون دعمٍ كبير. فالدعم المحليّ والإقليمي الفائِز، على أية حال، يعني هذا تَقبلُ الحلفاءَ الذين غالبا ما يكونُ عِندَهُم قِيَماً مختلفةً.
لا تَستطيعُ الولايات المتّحدة أن تفَرض بشكل آني رؤيتِها الخاصةِ لـ"الديمقراطيةِ" أَو الإصلاحِ، ولا تَستطيعُ الإعتِماد على السرعة في التقدّمِ السريعِ. ولا تَستطيعُ الإفتِراض بأنّ قِيَمُها الغربيةُ سَتَكُونُ صحيحةَ أَو منتصرةَ دائماً، وإنها يَجِبُ أَن تكُونَ واقعية أكثر بكثيرَ حول الخطى المحتملةِ للإصلاحِ في مُعظم دول العالمِ، فالحاجة للعَمَل مع البلدانِ بصورة فردية ومجموعاتِ في خطاهم الخاصةِ، ويَذعنون إلى الزعماءِ والمصلحين المحليّين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* Center for Strategic and International Studies-August 1, 2006
أصدرت في August 24, 2006 12:03:00 PM

ليست هناك تعليقات: