أمير جبار الساعدي
شرارة، فشعلة نار، فحريق، فهيجان، فانتفاضة وثورة لا تعرف لها حد ولا مكان...هكذا بدأت حركات كسر الطوق المكبل للصوت العربي الحر، للوقوف بوجه نار القمع وتسلط الحزب الواحد والحكم العسكري وصاحبي الثورات الانقلابية على طول رقعة الأرض العربية شبابيا وشعبيا متحدية قوانين الطوارئ بأجساد عارية تتصدى لنيران الحاكم وأجهزته الأمنية والعسكرية والمليشيات المدربة لتكميم الأفواه بالسوط والاحتجاز أو القتل العمد من غير قانون سوى الحفاظ على السلطة وكرسي الزعامة والمال.
ومع بداية سقوط حجر الزاوية في العراق.. تأرجحت باقي قطع الدومينو لتتساقط واحدة تلو الأخرى فمن تونس الخضراء وثورة الياسمين التي كانت شرارتها رجل فقير ومحروم صغير في حسابات السلطان المبجل وحاشيته التي لا تعرف سوى لبس الحرير.. أن تحطم جدار الصمت وتتسلق جدران الكبت وتطلق صوتها لتعلن بدء يوم جديد طاردة صاحب المعالي وكرسيه الحقير..
فيأخذ حجر مصر يترنح بين حقوق شعب فقير ومطالب بالحرية وكسر سلسلة الطوارئ وتعديل الدستور حتى سمعنا صوت المنادي يقول بأن الزعيم قد قرر التنحي وترك السفينة لربانها الأول شعب مصر الذي لحريته تصدر فأستفتى على تعديل الدستور وهو يمارس أول حق له منذ عقود بعيدة عن سلطان الحزب الحاكم والموالين له المنعمين بخيرات مصر الفقيرة أصلا.
ولم يتوقف الحجر من السقوط فمازالت هناك أحجار تتأرجح وتحت الضغط الشعبي والحراك المطالب بالتغيير والتخلص من الدكتاتورية والتسلط على رقاب الشعب والاستحواذ على سلطة القرار وسلب المال العام وتقييد الحريات هو المحفز الأخر في تمايل سلطان ليبيا المعظم القذافي معمر نحو هاوية السقوط تحت طْرق الجموع الزاحفة نحو النصر ليس بالسلاح وحسب، ولكن بأصواتها وأجسادها التي نخر بها الظلم تلو الظلم، والقائد يرتعد ويزمجر طالبا شعبه بالتحضر للوقوف تحت مقصلة جلاده "العادل"بالقتل والموت في مذبح الحفاظ على كرسي السلطان من الانهيار والتعرض لقانون الشعب وهو الاقتصاص العادل من كل من مد يده لظلمه وقهره طول سنين الحكم الغابر.. وإن كان الغرب المتبجح بالحرية والديمقراطية الظالمة يسعى بالخير للشعوب الظالمة لحاكمها في السابق والمظلومة من نفس الحاكم في الحاضر.. فنحن مع كل من يساند ويساعد، ولكن ليس بازدواجية المصالح والمعايير المختلطة التي تلعب بساحتنا العربية وفق مشاريعها الخاصة بها، ولا تهتم بمصالح شعوبنا العربية التي كانت ومازالت هي المظلومة من قبل السلاطين.. فأين دموع التماسيح التي يسكبها الاتحاد الأوربي وأمريكا وكل حلف الناتو من الشعب الفلسطيني الذي يواجه الموت يوميا على يدي أبشع وأكثر "دولة ديمقراطية في الشرق الأوسط"هكذا يصفها الغرب المتباكي على دمائنا في ليبيا، فهل أصبح الشعب الفلسطيني عبيدا لدى "إسرائيل" فحرم من حقه بأن يعيش على أرضه وان يتحصل حقوقه، فحتى العبيد قد تحرروا إلا هذا الشعب الذي لم يصله بعد طوفان التغيير.
وفي اليمن السعيد، الذي شكى تعاسة حاله وصعوبة معاشه وتسلط أبناء حاكمه كديدن باقي السلاطين المتساقطين.. فهو يريد أن يذوق طعم الحياة السعيدة التي وسم به على مر التاريخ وحرم منها في حاضره وماضيه، وبإصرار المحتجين والشباب المرابطين تزداد التنازلات من حاكمها الأمين على السلطة وكرسيها الذي صرخ بأنه يعلن تنازله عن مقاليد حكمه، ولكنه يخشى من الأيدي العابثة والحركات الدينية المتشددة بأن تخرب البلاد وتسبي العباد مثلما نعق قبله الناعقون بتخويف شعوبهم أن أحذروا هؤلاء العابثون..ونسوا بأنهم هم من أفسد كل ما فيه صلاح شعوبهم قبل المتشددين.. وسيسقط حجره عاجلا ولا يمكن أن يكون من الأجلين..
ولسنا عن الأمراء والممالك ببعيدين في الأردن والسعودية والكويت الأمين، يغطون على المظاهرات عندهم لعلها لا تلهب نيران شوارعهم، فهذه مملكة دلمون تصاعدت به صرخات المحتجين بطلب حقوقهم الدستورية وإعطائهم بعض مما سلبهم إياه الحاكمون..فصعق ونيران قاتلة وتنكيل بأجهزة خبيرة ومدربة لم توقف زحف المطالبين الذي جرت الاتهامات عليهم بأن فيهم مندسين من جوار وإقليم..فسارع الأمير باسم سلطته وكرسيه المورث أن يستصرخ المدافعين عن حكمه ومجده، أشقائه وأبناء عمومته والمتحالف معهم على نجدته..بأن أرسلوا قوات قد تدربت على أيدي موردي الديمقراطية لنا والساعين لدعمنا ومساندتنا وبأسلحة وذخيرة من عندهم استوردوها وعليهم دربوها، وبعد ذلك يقولون بأن الوضع في البحرين مختلف.. وأن الدسائس فيه قديمة قدم تاريخ حضارة هذه الجزيرة..
وفي الشام أثرت أمطار ربيع آذار على ثبات حجر السلطان فتعالت أصوات المنادين بضرورة فك قيودهم وفتح الأبواب أمامهم والوقت قد حان لأجراء الإصلاحات والتغيير..ولكن الأمر بين ساعي لنيل حرية يصرخ مطالبا بها وبين حاكم يسابقهم بالتهدئة ويصرح بأنه بالإصلاح سيسمح..فقتل وترويع وتفريق وتجميع في الساحة العمرية بأن أيدٍ خارجية تفرق الجموع بأصابع طائفية وفلول متشددة دينية، بين الحاكم والمحكوم..وكلاهما يتهم الأخر بالتبعية.. فللحكومة أقال، ولكن على المتعظين من قصص السابقين بأن الكراسي لا تدوم..وأن سلطانهم حتما سيزول، وعليهم عدم التمادي بقواتهم الأمنية وقبضتهم الحديدية..
وليس بعيدا عن ساحة المطالب وحقوق غائبة عن التحقيق حتى بعد أن حصل التغيير ووصول الديمقراطية معلبة بكيس كبير دفع العراق أثمانها غاليا وبشكل كثير من ضيم وحيف دكتاتورٍ كانوا قد أزالوه، وبأيدينا نصبنا المنتخبون وأجلسناهم على كراسي القرار..ولكن تأخر الإصلاح وبدء سريان أفات الفساد بأنواعه والحرمان بأشكاله، بطالة وقلة فرص عمل، وخدمات ومياه وكهرباء ووقود وبانزين، يومٌ بالجنوب وأخر في كركوك..وثالثة في إقليم كردستان مازالوا هناك مطالبين بالإصلاح والتغيير وفي ساحة السراي معتصمين..فرئيس مجلس الوزراء يحدد مائة يوم، وفي الإقليم رئيسها يعلن بأنه سيتنحى بخمسين ألف من الموقعين، ومع اختلاف مسارات التغيير في الساحة العراقية وكذلك أدواتها.. تذوق العراق طعم الديمقراطية التي كان يسمع بها وأستشعر الحرية ومارس حقه بأصابع بنفسجية، وأستفتى قبل غيره على نظام الجمهورية بدستورٍ مازال يعاني بعض من التحدي لإنفاذ مواده بيسر ونفعية لشعبه، وما يدل على ذلك تصريح دولة المالكي بان "العملية السياسية لا يمكن لها النجاح في ظل الدستور الحالي"، وحكومة مازالت لليوم ناقصة، فنحن مثله نريد المزيد من الإصلاح والتغيير، فبين تهديد المتوافقين من جلسوا متقاربين على طاولة المتجاذبين في مبادرة البارزاني وتوقيع الوثائق الملزمة التي يتهم كل طرف، الأخر بابتعاده عن التوافق الذي تم بين الفرقاء وبمشورة خارجية، بأنهم للحكومة سيسقطون وأن المائة يوم بها يتحدون أن يكون هناك إصلاح، وقانون يحاسب كل المقصرين والمفسدين، وأن تنهض بمشاريع الخدمات العامة والخدمية بشكل ملحوظ يتلمسه مواطن الشارع البسيط .. ويشعر بأمنه وأمانه..وحصوله على فرصة يمارس حقه الطبيعي بها من عمل وعيش رغيد من غير محسوبية ومنسوبية تجعله يذوق الآمرين..وإطلاق سبيل المعتقلين من الذين لم يتمرغ شرفهم بالإرهاب الأعمى، وهكذا تستمر المطالب والاحتجاج.. وتسعى الحكومة بالاستعداد للإيفاء بوعودها وانتظار ما يقدمه وزرائها الذين سيحاسبون.. وفي عجالة سيغيرون.. لعل الشعب عنها سيرضون...
نحن لا ننزه أحد من البحث عن السلبية في عمله ..ونود من حاملي الأقلام والمثقفين أن يركبوا السفينة لا أن يحملوا السفان على ركوب الأمواج من غير بصيرة..نحن نطالب بالإصلاح وندعم كل صوت يضع يده على حقيقة مطالب الشارع..فمثل كل التساؤلات التي يطرحها الشارع العراقي..نؤشر الخطأ ونطالب بالتغيير..ونقدم التصحيح إذا لزم الأمر.. فعلى الواعي والدارك لحجم مسؤوليته اتجاه أهله وناسه أن لا يخرج عن محور المطالبة التي ضمنها الدستور والديمقراطية .. ولا ينادي خارج السرب.. وكأنه يقول إن لي دربا غير الذي تسيرون به.. فدرب الإصلاح واضح والتغيير واضح..سنشدد على مطالب الحاجات والخدمات وحتى التغيير في الدستور وضمان رحيل الاحتلال وغيرها الكثير مما ستعمل السلطات الثلاث على الوعد به وضمانه بالتغيير..والتي سنطلقها بالثلاث إن لم نلحظ الإصلاح... يقول صاحب كتاب (أحجار على رقعة الشطرنج) (وليم كاي كار) بأن هناك أصابع خفية "يحركونا كيفما شاءوا، متى ما شاءوا وأينما شاءوا... ونحن عبيد !! سمعاً وطاعة !!"....
وهذا الشاعر نزار قباني يقول:
في كل عشرين سنة
يأتي إلينا حاكم بأمره
ليحبس السماء في قارورة
ويأخذ الشمس الى منصة الإعدام!
وعودا على ذي بدء، أقول لهذا الكاتب الأمريكي.. بأننا لن نكون عبيدا.. وكفانا القول سمعا وطاعة..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جميع المقالات المنشورة في المدونة سبق وأن نشرت في الصحف المحلية..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق