الخميس، 13 مايو 2010

سور بغداد "العظيم"..يعاد من جديد

أمير جبار الساعدي
همنا الدائم وشاغل الشعب العراقي وأهالي بغداد على وجه الخصوص هو الملف الأمني وحالة الاستقرار في الشارع العراقي المتذبذبة بين الحين والأخر، نتيجة الخروقات الأمنية المتلاحقة، والمتباعدة في بعض الأوقات، وإن كانت الأجهزة الأمنية وقوات الجيش العراقي قد حققت إنجازات ملفتة، ويسترعي الوقوف عندها، وذلك بتوجيه ضربات مباشرة ومميتة لفلول الإرهاب في كل محافظات العراق وخاصة التمكن من القضاء على قياداتهم في الساحة العراقية. وهذا دليل التحسن في أداء منظومة العمل بين الأجهزة الأستخبارية والأمنية والجيش واعتمادهم على أساليب متطورة في الرصد وجمع المعلومات وتوجيه الضربات الدقيقة لكل هدف معادي.

وعلى هذا المنوال نسمع بأن قيادة عمليات بغداد ومجلس محافظة بغداد وبمساعدة أمانة بغداد تنوي أحياء سور بغداد القديم وأبوابه الحصينة لتعيد مجدها التليد، وتعود بهذا البناء لتذكرنا بحاضرة التاريخ التي كانت به بغداد محاطة بأسوار وفيها بوابات محددة بالاسم والمكان لا يمكن الدخول إلا من خلالها، ويعيد لأذهاننا صور ومشاهد الإجراءات الظالمة من قبل العدو "الإسرائيلي" ببنائه جدار حول غزة وكأننا نعيد استخدام إستراتيجية العقل الأمني" الإسرائيلي" كما فعل الأمريكان في مناطق بغداد وقواطعها الإدارية حيث أشاعت قوات الاحتلال الأمريكي على بناء أسوار مناطقية تحجز الأحياء البغدادية وتحرمها من الاتصال مع باقي المناطق والأحياء فيما بينها، وإن كانت في فترة العنف الأعمى الذي ضرب العراقيين في صميم أخوتهم، قد أعطت بعض النتائج الإيجابية والفوائد الأمنية من قطع دابر بعض الخلايا من التنقل واستهداف الأحياء بين طرفي بغداد والمناطق الداخلية لها، كما أمنت حركة بعض الأسواق التجارية الكبيرة والمحلية الصغيرة في داخل محلات بغداد. وقللت من الخسائر البشرية والمادية عند استهدافها عبر السيارات المفخخة والعبوات الناسفة.إلا أن إعادة بناء سور بغداد "العظيم" مستخدمين نظرية الحواجز بين أروقة هيكل الغواصة البحرية، عندما يتضرر جزء منها فلا يتسرب الماء الى الأجزاء الأخرى، رغم فقدان الأسوار ما كان لها من وظائف عسكرية، دفاعا عما وراءها في وجه أي متربص، لا تحقق زخم أمني كبير، أمام استخدام تقنيات المقذوفات من خلال الهاونات وصواريخ الكاتوشيا، إلا أن التخطيط العسكري العراقي أو المشاور له الذي أبدى أستعداده لتقديم الدعم اللازم لبناء هذا السور، قد أعاد تفعيل الخطط الدفاعية للقرون الوسطى، والتي تستوجب صرف أموال طائلة لبناء السور بدلا من تخصيص هذه الأموال لتطوير تقنيات الأمن وجمع المعلومات الأستخبارية عن طريق استقدام الطائرات المسيرة وطائرات جمع المعلومات وكذلك المناطيد أو المراصد الالكترونية الحديثة، والاستفادة من تكنولوجيا العالم الغربي التي يستخدمها في الحفاظ على حدوده، وليس بناء بوابات رئيسية لمداخل بغداد وحسب وهو مهم لتنظيم وتدقيق ما يدخل الى داخل العاصمة، ويمكن الاستعاضة عن هذا السور بسياج الكتروني أو حفر الخنادق في مناطق الوهن والضعف في محيط بغداد. بعيدا عن جهد بناء سور مكلف ويستغرق أكثر من عام ونصف لبنائه، فهل تحسن الوضع الأمني في العاصمة هو الهدف الرئيسي لتسور بغداد من جديد؟؟ في الوقت الذي تنفي محافظة بغداد علمها بالمشروع.
وما هي نقاط الضعف والخروقات على مداخل العاصمة التي تستوجب إحاطة بغداد بسور؟؟...
وهل كانت كل الأسوار المحاطة بها وزاراتنا قد منعت الإرهابيين من اختراق الحواجز الأمنية والوصول الى المربع الأسود الذي أستهدف أكثر من مرة وبفترات ليس متباعدة، مع كل التحصينات الأمنية والسيطرات والكاميرات، منطقة الصالحية وكرادة مريم. علينا أن لا ننسى من وجود أيدي خفية داخلية قد تلعب هذا الدور المشين بضرب أهالي بغداد ومؤسساتها من الداخل، وكثيرا ما نسمع من تصريحات أمنية بأنهم قد تمكنوا من مداهمة مصنع للعبوات الناسفة واللاصقة في محيط وداخل بغداد ومثلها مخابئ للأسلحة، وكثيرا ما يشيرون الى أن تصنيع المواد المتفجرة يمكن أن يكون من خلال مواد محلية الصنع وبسيطة وكثيرة الانتشار في الأسواق. وخوفنا أن تمتد العدوى الى باقي المحافظات، وإن كانت بعضها قد فعلت بعض أجزاء هذا السيناريو الدفاعي للسيطرة على الداخلين لها، والذي سيزرع روح العزلة مع أطراف الجسد الواحد والانكفاء نحو مناطقهم الداخلية، غير أبه بغيره مادام الخطر بعيدا عنه، والذي سيمهد لفرط عقد تماسك أرضه وناسه.
وبالتالي فأن هذا السور لن يحقق مبتغاه الإيجابي كثيرا، وستكون الجدوى الاقتصادية لوجوده أقل من الفائدة المرجوة من بناءه. وعليه يمكن للأجهزة الأمنية أن تبحث عن أدوات تقنية أكثر تطورا من بناء الأسوار فأن عصر القلاع والحصون قد ولى، واليوم نحتاج الى زيادة ثقة المواطنين بقدرة رجال الجيش والأمن أكثر من الأسوار، لنكسب تعاونهم وتطوير بناء الموارد البشرية الأستخبارية، وتجاوز ما يوجد على أرض بغداد وحدها من ملايين الأطنان من الحواجز الكونكريتية التي تقيد حركة المواطن داخليا. والتي هي وضعت لحمايته وليس لحبسه وحجزه خلف أسوار طويلة وأبراج عالية.

ليست هناك تعليقات: