الخميس، 19 نوفمبر 2009

خمسة خيارات سيئة للعراق (1-6)

دانيال بيمان*
ترجمة الباحث: أمير جبار الساعدي


كان من المفترض أن يؤدي سقوط نظام صدام حسين الى عصر سلم للعراق وأوقات عصيبة على أسامة بن لادن و اتباعه،وهذا اليوم نرى إن تلك الأهداف النبيلة هي بعيدة كل البعد عن ذلك. فالعراق تمزقه الجريمة وتمرد شديد وتزداد المرارة بين أوساط السكان العرب السنة. لقد استغل بن لادن واتباعه فرصة تدخل الولايات المتحدة من أجل دعم دعواهم بأن الولايات المتحدة تحاول اخضاع العالم المسلم،وهو شعور بدأ ينتشر في الشرق الأوسط.إن التكاليف المالية والبشرية التي تتكبدها الولايات المتحدة وبريطانيا في ارتفاع مستمر،وجميع المخططين العسكريين والمحللين الماليين يتساءلون عن قدرات بلدانهم في دعم وجودهم الواسع في العراق. إذ أنه نجد لزاماً علينا زيادة هذا التواجد من أجل مواجهة التحديات الجسام هناك.
تزداد النداءات لعودة قوات الولايات المتحدة الى وطنها مع كل انفجار سيارة مفخخة ومع كل اختطاف.لكن رغم ذلك،فأن الانسحاب السابق لأوانه سوف يكون كارثي. من الممكن للعراق أن يتحول الى قاعدة للجهاديين،ويرسل تلك العناصر الى الولايات المتحدة،وحلفائها في عموم العالم.والأكثر من ذلك،إن الانسحاب السريع من العراق سوف يزيد من النزاع المدني ويقوي من النفوذ الإيراني في المنطقة.

من ناحية أخرى نجحت الولايات المتحدة و حلفاءها في الكثير من الأمور منذ أيار 2003ولكن ولسوء الحظ، مازالت الحوارات حول العراق تدور حول شرعية القرار الأولي في ذهاب القوات الى الحرب وكذا حول الانتقادات الموجهة حول التخطيط قبل الحرب،ولكن حوارات وجدل عن مستقبل العراق نجدها محدودة جداً ومن دون معالجة السؤال: "الاستمرار" أم "الخروج"، يرافق ذلك عدم الإدراك لهذا الهدف الواسع من الإمكانيات.إن النجاح النسبي الذي حصل في انتخابات 30 كانون الثاني يقدم للولايات المتحدة فرصة من أجل تقييم معالجتها للعراق لكن ذلك على كل حال سوف لن يدرأ عنها وطأة النار.
مبدئيا هناك خمسة خيارات:
أولا: البقاء في العراق مع نفس المعالجة السياسية ونفس مستوى القوة.

ثانيا: توسيع وجود قوات التحالف والولايات المتحدة بشكل دراماتيكي.

ثالثاً: توسع صغير، ولكن بتغيير أكبر تجاه العمليات المناوئة للإرهاب.

رابعا: الانحسار الى قوة أصغر يكون لديها مهمة محدودة أكثر.

خامساً: الإنسحاب الكامل.

إن تقييم كل عملية بشكل دقيق يتطلب دراسة تأثيرها على استقرار العراق،وافاق الديمقراطية فيه،وعلى "الجهاديين" الأجانب والحرب الشاملة على الإرهاب،وعلى الاستقرار الاقليمي، وعلى الدعم العسكري للولايات المتحدة وعلى الخسائر البشرية والمالية.
لا أحد من تلك الخيارات يبدو جيداً.ولكن المعالجة الحالية تمثل أرضية وسطية غير مشجعة، وتتطلب بشكل خاص الكثير من التضحيات بينما تنجز النزر اليسير جدا من الاهداف.إن افضل بديل في العراق من أجل "الفوز" سيكون توسيع القوى يرافقه تغييراً واضحاً تجاه مناورات "التمرد".وهو ما معناه أن تزود قوى الولايات المتحدة الأمن على المستوى المحلى أكثر منه من عمل دوريات متقطعة مع زيادة التركيز في المعالجة. لسوء الحظ، أن مثل هذه التوسع من الممكن أن يستغرق سنوات من اجل أن يلقي بثماره،ويتطلب استهلاك الوقت وتضحيات أكثر مما قدمته الولايات المتحدة حتى الان، من دون ضمانات نجاح حتى الآن.وان ذلك غير منطقي سياسياً.إن كنا غير مستعدين لدفع تكاليف أثقل،وأن نتجشم مخاطر أكبر،فان خيار الانسحاب هو أفضل معالجة،رغم إنه يترك قليلا من الأمل في النصر الحقيقي.

إن الانسحاب سوف يُمّكن واشنطن من مقاتلة الوجود الجهادي الأجنبي والحفاظ على تأثير محدود في العراق مع قوة اقل كثافة.إن التكلفة في الأنفس وفي الدولارات والتوتر بين صفوف القوة الأمريكية العسكرية سوف ينحسر بشكل كبير. لكن ثمن الإنسحاب من الممكن أن يكون كبيراً أيضا: فان افاق الديمقراطية في العراق سوف تقل وسوف يترك ذلك خطراً كبيراً في احتمالية نشوب الفوضى:وفرصة أقل للعراق في أن يصبح صوت داعم للغرب.بالرغم من تلك المشاكل الخطيرة،يبقى الانسحاب أفضل الخيارات (أو بتعبير أدق الأقل سوءً"أهون الشرين") وهو أيضاً يعتبر منطقي من الناحية السياسية.

المشاكل في الإبقاء على نفس النهج
منذ انتهاء العمليات العسكرية في مايس 2003، قامت الولايات المتحدة وحلفائها بشن عمليات مباشرة ضد السنة (وبشكل أقل ضد الشيعة) المتمردين والجهاديين الاجانب، كجزء من برنامج شامل لبسط الأمن في العراق.ظهرت إستراتيجية الولايات المتحدة كالتالي: حالما يتمتع العراق بالأمن الأساسي، فان الولايات المتحدة ستقوم بتحويل الكثير من المسؤولية في إدارة البلاد الى حكومة مدنية شرعية والتي يتم انتخابها حسب الاصول من قبل الشعب العراقي-عملية كانت إدارة بوش تسعى حثيثاً في اتخاذها كخطوات مهمة الى الإمام من خلال انتخابات 30 كانون الثاني 2005.وبينما تم تأسيس الحكومة الشرعية، قامت قوات التحالف بتدريب قوات الأمن العراقية، وتأمل في تسليم زمام الشرطة ومهام محاربة الإرهاب ومهام أمن الحدود الى تلك القوى التي أصبحت أكبر وأكثر قدرة.إن كل شيء سار على ما يرام، فعلى مدى عدة سنين، ستستطيع الولايات المتحدة الانسحاب.وأن المعالجة الحالية ممكن أن تنبثق من العديد من الإنجازات.إن النزاع المدني ذو السعة الكبيرة والذي توقعه العديد قبل الحرب لم يحدث، وبشكل كبير بسبب دور "قوات التحالف" في نشر السلم. تبقى المناطق الكردية بشكل نسبي خالية من الجريمة والعنف والذي انتشر في مناطق أخرى من العراق.لم تدخل تركيا لتسحق النشاط السياسي الكردي.يحتفظ العراقيين ببعض الثقة بشرطتهم وفي الفروع الامنية والتي بدت تعيش في أزمة فعلية في أواخر تشرين الأول من عام 2004 وان تلك الأزمة تبدو مستمرة.

رغم إن العراق يعيش في اختلاج بشكل أكثر مما كان متوقع ومأمولا من قبل الولايات المتحدة إلا ان العملية الديمقراطية العراقية هي عملية جادة وقد تقدمت تقدماً واسعاً.وفي خضم هذه الاستعدادات لانتخابات كانون الثاني، تتنافس قرابة 200 مجموعة سياسية، رقماً ربما يكون كبيراً جداً ولكن رغم ذلك ينم عن حماسة العراقيين للديمقراطية.إن المجتمع المدني يتطور في مناطق عديدة،وكذلك عند القادة الشيعة شاملاً بذلك،المتشددين منهم مثل مقتدى الصدر، الذي صادق أو على الأقل تقبل الانتخابات،وهم بخلاف ذلك يعملون مع الحكومة العراقية المؤقتة، مبدين ثقة في النظام.إنه في الحقيقة،أحد اسوء الكوابيس للجيش الأمريكي هو أن يلجأ الشيعة الى العنف ضد الاحتلال،ولكن هذا الاحتمال يبدو بعيداً لحد الان.
ولكن رغم الانجازات،فان الوضع في العراق ييبدو مضطرباً والتكهنات غير مشجعة.في الحقيقة،في كانون الاول من عام 2004وصف مسؤول رفيع المستوى في الاستخبارات الاميركية الـ (CIA) الوضع في العراق"بأن الموقف في العراق يسوء ولا وجود الى انفراج في الافق".إن هذا الفشل يقع في عدة ابعاد. إن سعة حجم العنف واسعة وربما إنها تتسع. تفتقر حكومة العراق للشرعية،وإن حال الديمقراطية غير مستقر،وإن الجهاديين يقوون مواقعهم.

والعنف يستمر في قوته،تضاعفت الهجمات على قوى التحالف في السنة الماضية،وان عدد المتمردين يقارب الـ 20.000 أو يزيد على ذلك في مناطق عديدة.إن العنف متركز في المناطق السنية،رغم ذلك، فان جميع المدن العراقية قد تأثرت بذلك، خصوصاً بغداد. تحليلات نيويورك تايمز تشير بأن نصف العراقيين يعيشون في احياء تعاني من هجمات المتمردين.على الاقل هجمة كل ثلاثة ايام.
إن العنف يهدد في اشعال فتيلة حرب اثنية، عرقية، مذهبية أوسع.إن التوافق المدني مبنى على اسس هشة،من الناحية الثانية هنالك احتمالية أن يندلع العنف في المدن الكردية إن تم اعتبار الحكومة الجديدة عربية جداً.ومن الممكن أن تشهد مدن مثل الموصل وكركوك ومدن أخرى والتي هي خليط من العرب والكرد عنفاً بسبب الأختلافات على الملكية وارتفاع في التوتر العرقي.
إن الجهاديين الاجانب هم في ازدياد وفي تفاقم.رغم انه يصعب الوصول الى عدد دقيق، ربما 2000 مقاتل "اجنبي" موجود في العراق.المشكلة ليست إن هؤلاء الجهاديين يقتلون الأمريكان وحسب ولكنه خلف الهجمات الغير شرعية.أصبح العراق نفسه حقل جديد للجهاد، حيث يلتقي القادمون الجدد،يكتسبون الخبرة ويبنون اسس دائمية والتي سوف تمكنهم بالعمل سوياً في السنين القادمة حتى وإن تركوا العراق.وكما يجادل اليكس ديبات،مسؤول سابق في الدفاع الفرنسي، بقوله: "ان الجهاديين يسعون لتحويل العراق الى ماكنت عليه افغانستان قبل خريف2001: فهو يمثل مكسب لايديلولوجيتهم،وهي أرض تدريب لمجنديهم الجدد وحتى إنه ملاذ آمن لقيادتهم".
إن الجهاديين هم ليسو وحدهم الضيوف الغير مرغوب بهم،فهنالك إيران بشكل خاص التي قد ملأت العراق بعملائها المخابراتيين، ولبنانيين من حزب الله والذي يعتبر شريكها على المدى الطويل.لعدة سنين، تعمل إيران مع قادة شيعة واكراد قد عارضوا نظام صدام.ومع زوال صدام، تقوم طهران بتقوية الاواصر مع جميع المجاميع العراقية الرئيسية تقريباً،شاملاً بذلك الاعداء السابقين مثل موالين النظام السابق.من الممكن أيضاً أن تقوم ايران بتوجيه بعض من وكلائها للهجوم على الولايات المتحدة لكي يتسع نفوذ ايران في تأثيرها وبشكل خاص في المناطق الشيعية.إن مثل هذا التأثير،على شكله الغير مثالي،هو أبعد من أن يمثل كارثة على الولايات المتحدة. كون إن الاستقرار في العراق هو ايضاً أحد مشاغل طهران.رغم ذلك، فأن ايران أيضاً لديها القدرة في تغيير الموقف الأمني من السيء الى الاسوء. وكنتيجة، لدى ايران نفوذ واسع على واشنطن والذي يمكنها بشكل فعال أكثر بان تقاوم الضغط الأمريكي في قضايا مثل البرنامج النووي.
إن أكثر ما يربك هو أن الولايات المتحدة تمثل هدفاً للتمرد.كما أوضح فريدريك بارتون وباتشيابا كروكر بأن القوات المتعددة الجنيسات في العراق ضرورية من أجل تامين السلام في العراق.إن القوى المتعددة الجنيسات نفسها هي جزء من المشكلة،فيما يخص اثارة التمرد.إن الفصائل العراقية توافق على اشياء قليلة أكثر ما توافق على الرغبة ذات المدى القصير في ازالة الوجود العسكري الأمريكي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملاحظات: في كانون الأول من عام 2004،علق دونالد رامسفيلد بأن قوات الولايات المتحدة ممكن ان تخرج من العراق في غضون أربع اعوام إن تم كل شيء على ما يرام.يراجع اريك شمت."رامسفيلد يرى الانسحاب من العراق في غضون أربع اعوام، نيويورك تايمز، 7كانون الاول 2004، موجود على الانترنت على الرابط التالي:
www.nytimes/2004/12/07 international/ middleeast/07 rumesfield.html.
2. فريديرك بارتون وباث شيسا كروكر، "التطور أو الهلاك" "قياس مركز إعادة إعمار العراق،للدراسة الاستراتيجية والدولية، ايلول 2004، صفحات 19و25.
*دانيال بيمان: استاذ مساعد في برنامج الدراسات الامنية في مدرسة جامعة جورجتاون للخدمة الخارجية والزميل الاقدم،في مركز سابان لسياسة الشرق الاوسط في معهد بروكنز.
*نشرت في 8 آذار 2006

هناك 4 تعليقات:

MAIS M.ISSA يقول...

شكرا على التعليق وشكرا لانك رجعت للصورة الاصلية,في الحقيقة انا لم احاول ان انقل الصورة كما هي بل مثل ماقال البرجوازي العراقي لقد اضفت الى وجه الفتاة ملامح شرقية كذلك اللوت حاولت ان اضف اليه شكل العود حتى تكون اللوحة مناسبة اكثر للذائقة العربية.

IRAQI SPIRIT يقول...

تحية طيبة...
شكرا لك على الرد على التعليق ،وأني قد ذكرت بأنك ما تفردت به هو أضافت روح وأحساس ميس الخالدي على الرسم بعيدا عن التقليد وهذا ما بعث فيها روح الجمال والجاذبية أكثر. والى مزيد من الأبداع والفن العراقي.

Khalid from iraqiblogupdates.blogspot.com/ يقول...

الاخ الفاضل امير جبار الساعدي مع الاحترام

ابارك لكم حلول عيد الاضحى المبارك اعاده الله عليكم بالافراح الدائمة والنجاحات المتواصلة


والله الموفق

خالد ابراهيم

IRAQI SPIRIT يقول...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عيدكم مبارك أخي خالد وكل المدونيين أينما كانوا، بمناسبة عيد الأضحى المبارك أبعث إليكم بأطيب الأمنيات..داعيًا المولى عز وجل أن يعيده عليكم بالخير واليمن والبركات.. متمنيا لكم دوام الموفقية والنجاح والأمان والاطمئنان…مبتهلا الى الله الرحمن الرحيم أن يحفظكم وأبناء شعبنا العراقي العظيم من كل شر ومكروه أنشاء الله...وكل عام وانتم ونحن بألف خير وسلام ورخاء واستقرار.