الأحد، 25 أكتوبر 2009

ما بعد الانتخابات: ماهو القادم للعراق وسياسة الولايات المتحدة؟

السفير روبرت بلاك
ترجمة الباحث: أمير جبار الساعدي

الحرية فكراً ستراتيجيا
منذ هجمات 11ايلول، غيرت إدارة بوش بشكل جدي سياسية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. ومن اجل تعريف اوسع، ان نظرة الادارة هو أن الديمقراطية والحرية في المنطقة هي الفكرة الاستراتيجية المركزية والتي تقدم بديلاً جاداً على المدى الطويل للارهاب الجهادي. ان هذا التغير في السياسية يسجل نقلة اساسية من الافكار القديمة عن كيف ان للولايات المتحدة التدخل في المنطقة. لقد ركزت الادارات القديمة ببساطة على معالجة الصراع "الاسرائيلي"- الفلسطيني ودعم الانظمة المحافظة والتي، في النهاية، لم تقدم لا الاسثقرار ولا السلام الى المنطقة بشكل خاص او الى العالم كصورة اوسع، كما هو بدى بديهياً ودراماتيكياً في أحداث 11ايلول. وهكذا، اختارت الادارة التركيز على حل جديد ذو أمد بعيد، مستنداً على اساس الحرية، والتي هي متأصلة في الشعب الأمريكي. والاكثر من ذلك، يعتقد الرئيس شخصياً ان هناك دليل قاطع قوي بأنه من اوكرانيا وحتى افغانستان هناك شعب بحاجة ماسة الى الديمقراطية والحرية يتوق بلوغهما.
إن الابحاث النقدية عديدة على تلك المعالجات الجديدة ولكنها لا تقدم بديلاً منطقياً. وما يجعل الامر أسوء، هو ان يحتوي نقدهم احياناً على ميول عرقية وكأن الشعوب التي هي ليست من ضمن الثقافة الغربية، أو حتى في الظاهر، لا تريد، أو أنها غير مستعدة لكسب نفس الحريات التي يتمتع بها الغرب. قامت الثقافة البريطانية في أوج الامبراطورية البريطانية بتقديم نظرات مشابهة فيما يخص الهند خلال فترة الاحتلال الاستعماري وقد مضت الأمة الهندية لتثبت بأن تلك الأفكار ليس لها أساس على أرض الواقع.

العراق والعامل التأثيري
أن نجاح أو فشل مهمة الولايات المتحدة في العراق سوف يؤثر بشكل حقيقي على السياسة الخارجية للولايات المتحدة للسنين القادمة. ازاء التعليقات السلبية الكثيرة التي انطلقت على خلفية العراق، فان العام الماضي قد شهد العدد من النجاحات. ان قانون الإدارة الانتقالي قد تم سنه في الوقت المحدد وبأسلوب متوازن، وقد تم نقل السياسة بشكل ناجح وأن الحكومة المؤقتة تعمل وتمارس سلطتها على أرضية أكبر، وبعد ذلك، تم عقد انتخابات ناجحة في 30 كانون الثاني. وبدل التركيز على تلك التطورات الايجابية، اختارت الصحافة التركيز على "عامل التأثير" إذ إن العنف تفشى في العراق عموماً حيث يكون هو الخبروليس التطور. في الحقيقة، يعيش شيعة الجنوب واكراد الشمال هدوء نسبي، بعيدين عن السيارات المفخخة التي تنفجر بين حين وحين, تلك السيارات التابعة لأبو مصعب الزرقاوي وان خط الميول العام هو ايجابي في عموم القطر، ماعدا المحافظات السنية الثلاث واجزاء من بغداد.

المشكلة "السنية"
رغم التطورات الايجابية العديدة في العراق، الا انه من الواضح ان اكبر عائق في تحقيق ديمقراطية حرة ومستقرة يتمثل في "التمرد" الذي تخوضه الأقلية السنية ضد الحومة العراقية والقوات المتعددة الجنسيات. ان ظروف "التمرد" في العراق تختلف جدا عن التمردات السابقة التي واجهتها الولايات المتحدة وبشكل خاص في فيتنام وفي الفلبين. ان "التمرد" السني يكّون نسبة صغيرة جدا من سكان القطر عامة. تحدد التقديرات بأقل من 1% من الشعب العراقي: نظرا الى طبيعتها المذهبية والاثنية العرقية، وبكل بساطة ان ليس بأمكانها التوسع. بالإضافة الى ذلك، فان بقية المجتمع العراقي لا يقف إزاءها غير مكترث كما حصل إزاء الإعمال البشعة التي ارتكبت من قبل نظام صدام حسين والتي أخضعت العراقيين الشيعة والكرد. بالإضافة إلى ذلك، فان "التمرد" لا يطرح أي برنامج سياسي من اجل ان يتفاعل مع الجهود المبذولة من قبل الحكومة المركزية والحلفاء، وهو لذلك لا يمثل بديلا حقيقاً في نظر اغلب العراقيين.

بعد نقل السلطة، بدأت حكومة اياد علاوي بصياغة ستراتيجية من أجل التعامل مع المجتمع السني المتململ. كان الهدف الاساسي هو فصل غالبية المواطنين السنة عن عناصر التمرد المتعصبة. وشملت الخطة مقابلة علاوي وبشكل مستمر لقادة سنيين مختلفين محاولاً اقناعهم بانهم هم ايضا سيستفادون من العراق الجديد، بالاضافة الى ذلك، تم تقديم مقترح عفو لجميع البعثيين السابقيين (ماعدا الذين ارتكبوا مجازر والمسئولين رفيعي المستوى في النظام السابق) وحتى أجزاء من قوى التمرد من أجل إقناعهم بتسليم اسلحتهم. لكن الفشل في ذلك سيحول الجزء الثاني من إستراتيجية الحكومة العراقية وهو القضاء على أي شخص لم يختار الطريق السلمي المقترح في اعلاه. لقد فشلت تلك الإستراتيجية في الفلوجة نظرا الى حقيقة ان وجهاء المدينة الذين كانوا يفاوضون لم يكن لديهم السيطرة على "المتمردين" داخل الفلوجة. لكن ذلك كان ناجحا جداً في سامراء ويعزى ذلك الى قيادة اياد علاوي.

مستقبل العراق
إن مستقبل العراق وبشكل واسع سياسية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، تعطي أسبابا للتفاؤل. لقد وفرت انتخابات 30 كانون الثاني فرصة حقيقة لخلق حكومة شرعية معتدلة من اجل الاخذ بزمام الأمور في بغداد. لقد اصبح واضحاً اكثر ان العراقيين عامة، شاملا بذلك القائد الشيعي اية الله العظمى علي السيستاني هم غير مهتمين بحكومة دينية ذات الأسلوب الإيراني. والأكثر من ذلك، من المحتمل أن يمثل السنة بشكل أكبر في الجزء التنفيذي وفي التداول الدستوري والذي من المفترض عقده في أواخر هذا العام. سوف تشهد الأسابيع القادمة موجة من المفاوضات السياسية ومن الممكن بعض من العقبات، ولكن في الأخير، سوف يكتب دستور جديد والذي من المحتمل جدا ان يشبه القانون الإداري الانتقالي في ميزانيته وفي اعتداله. بالإضافة الى ذلك، فان تدريب وتأهيل الجيش العراقي والقوات الأمنية يمضي في تقدم وثبات، وإن العديد من المقاتلين يتوقعون استكمال الاستعداد للعمل في أواخر العام الحالي. حتى فرنسا والمانيا اللتين كانتا متعنتتين في الدفاع عن انتقاداتهما ازاء سياسية الولايات المتحدة في العراق، قد تفهتما بان نصرا "للمتمردين" في البلاد هو بشكل واضح ليس في مصلحتهما.
واخيراً، فان التطورات في العراق في عام 2005 سوف تؤثر كثيراً على دور امريكا المستقبلي في المنطقة والفكر الإستراتيجي الجديد للإدارة في الترويج للحرية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صدرت في23 شباط 2005
نشرت September 27, 2005 6:05:00 AM

ليست هناك تعليقات: