السبت، 26 ديسمبر 2009

يوجد هناك أكثر بكثير مهدّد بالضياع لأمريكا من العراق

زبيجنيو برزيزينسكي
ترجمة الباحث: أمير جبار الساعدي

تأتي هذا الأسبوع الذي فيه حقيقة مؤلمة دعوة القوّة أخيرا في المكتب البيضوي للبيت الأبيض. مع ذلك، ما زال الرئيس يكرر من دون وضوح شعاراته الذاتية المطمئنة إلى الجمهور، حيث يوجد على منضدته وثيقتين، كلّ واحدة منها تخبره في الواقع "تلك المهمّة أنجزت" قد تحوّلت إلى مهمّة إخفاق تام. وبشكل سطحي ، الوثيقتان لا يمكن أن تكونا أكثر إختلافا. لقد قدّم دونالد رامسفيلد مذكرة عن إدارة العمليات العسكرية في العراق قبل إنصرافه المفاجئ وحسب، خلاصة قصيرة جدا وشخصية جدا بمختلف التعديلات التكتيكية التي قد تعتبر على ضوء النكسات في قتال "التمرّد" العراقي. والتي تحمل قلقا لكن لن تعرض أي بديل إستراتيجي.
تقرير دراسة مجموعة بيكر هاملتن المنتظر طويلا الذي يقيّم خيارات السياسة الأمريكية الأوسع في العراق عبارة عن بيان مساومة طويل يعكس نموذجية،منتصف إجماع الطريق بين "مجموعة إهتمام" نخبة واشنطن، المتكوّنة من الأفراد المُقدرين وليسوا المعاقين بالألمام التأريخي أو الجغرافية السياسية المليئة بمشاكل المنطقة. فالجدال عن إعادة الإنتشار العسكري المشروط في العراق، يعرض نصيحة مفيدة على رغبة المبادرات الدبلوماسية الأوسع لشغل جيران العراق في بحث جماعي للإستقرار في المنطقة، بضمن ذلك الحاجة المتأخّرة لمعالجة النزاع الإسرائيلي الفلسطيني الطويل الأمد بجدية.
إنّ الأهمية الحقيقية لكلتا الوثيقتين في ما لا يقولوناه بشكل واضح لكن يحملونه ضمنيا: بأن الحرب كانت كارثة؛ وأن الولايات المتّحدة يجب أن تجد طريق للأنسحاب بتسليم الفوضى التي أوجدتها إلى الزعماء العراقيين الذين رفعتهم الولايات المتّحدة بنفسها للسلطة؛ والذي يجب على الولايات المتّحدة في النهاية أن ترحل بينما تلوم أولئك الزعماء أنفسهم على الفشل الأمريكي ليتحمّلوا الوزر. تلك الفكرة ضمنية حتى في البعض من خيارات السّيد رامسفيلد وهي متأصّلة في الموعد النهائي 16 شهور والذي وضع من قبل مجموعة بيكر هاملتن للتحرر العسكري الأمريكي النهائي.
ليست هناك وثيقة تواجه مباشرة حقيقتين أساسية ومزعجة: إنه ما دام في العراق (ماعدا كردستان) قوّة حقيقية ليست في أيدي سياسيي العراق القاطنين في المنطقة الخضراء المحمية الأمريكية في بغداد، فإن أيّ حلّ سياسي يجب أن يجذب حكومة الشيعة الدينية، بجيوشه الشعبية (المليشيات)؛ وإذا ما استمرّ الإحتلال الأمريكي فترة أطول، فالتأثير الأمريكي المنهار في الشرق الأوسط سيفسح المجال للتطرّف وعدم الإستقرار الإقليمي، خصوصا إذا إستمر التردد في الإختيارات الإستراتيجية الأساسية في العراق والتي تستمرّ إلى أن تكون متناظرة بالإحجام الأمريكي لمخاطبة النتائج الإقليمية السلبية لإحتلال إسرائيل المطوّل والقمعي جدا للفلسطينيين.
رفع المزيج بين الإثنان قوّة إيران الجغرافية السياسية في المنطقة. لذلك ليست الحاجة اليوم للتصليح التكتيكي أو تقارير الإجماع الطويلة. هلّ بالإمكان أن احداً يتخيّل بأن شارل ديغول في أواخر الخمسينات ينتظر الأسابيع لدراسة طويلة من قبل الشخصيات الفرنسية العامّة حول كيف يُنهي الحرب الجزائرية التي كانت تضر بوحدة فرنسا الوطنية وسمعتها الدولية؟القيادة إشتقّت من إحساس بالتأريخ الذي يتطلّب أحيانا قطع العقد المستعصية، ولا يربط نفسه في العقد.
الرئيس،وقيادة أمريكا السياسية، يجب أن يعرفوا بأنّ الدور الأمريكي في العالم يقوّض بشكل خطير بالسياسات التي إنطلقت قبل أكثر من ثلاثة سنوات.الحرب التدميرية في العراق، اللامبالاة النفاقية في الأبعاد الإنسانية للمأزق في العلاقات الإسرائيلية- الفلسطينيّة، نقص المبادرة الدبلوماسية في التعامل مع إيران والإستعمال المتكرّر لخطابات التخوف من الإسلام يحددان قوات الحركة اللتين تهدّدان بإخراج أمريكا من الشرق الأوسط، بالنتائج المريعة لها وأصدقائها في مصر وإسرائيل والأردن والعربية السعودية.
تحتاج أمريكا الى تغيير إستراتيجي بالطريق، وهي يجب أن تشتغل على جبهة واسعة. ويجب أن تقبل الحقيقة بأنّ القيادة الحقيقية في العراق يجب أن تكون مستندة على تحالف رجال الدين الشيعة الذين يحكمون ولاء جيوش الشيعة الشعبية(المليشيات) والأكراد المستقلين ذاتياً والذي كلّما تسرّع تأريخ إستعدّاد أمريكا للمغادرة، كلّما سيكون الزعماء العراقيون الحقيقيون قادرين بشكل أسرع على إشراك جيران العراق في جهد إقليمي أوسع للترويج لعراق أكثر استقرارا. ويجب أيضا أن تشرك حلفائها في تعريف مشترك للمؤشرات الأساسية لمستوطنة إسرائيلية -فلسطينيّة، وللطرفين فإن النزاع سوف لن يعمل قريبا ما يريدونه. أخيرا وليس آخرا، يجب على الولايات المتحدة أن تكون جاهزة لمتابعة المحادثات المتعددة الأطراف والثنائية مع إيران، بضمن ذلك القضايا الأمنية الإقليمية.
بإختصار، المعضلة الفورية هي العراق ولكن الحصة الأكبر مستقبل الشرق الأوسط.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* الكاتب، مستشار أمن قومي سابق إلى الرّئيس جيمي كارتر، مؤلف "الإختيار". December 5 2006
نشرت في January 6, 2007 4:52:14 AM

ليست هناك تعليقات: