أمير جبار الساعدي
يبدو أن العنوان يشير الى العسل المستخلص من التمر أي مثلما نطلق عليه في العراق (الدبس) وإن كلامنا سيتناول الثروة الزراعية ونخيل العراق المضيع بعد أن كنا نتصدر دول العالم بعدد النخيل وأنواع التمور المنتجة ... ولكنه عسل أسود من نوع وطعم أخر تناوله فلم مصري تحت نفس الاسم وهو يخاطب العربي المغترب عبر المواطن المصري الذي مثله الفنان (أحمد حلمي) وهو يضع بين أيدينا بأسلوب كوميدي المعاناة الطبيعية التي يولد معها ويعيشها الشارع العربي والحلم الوردي الذي يتمنى أن يراه المغترب وهو يعود الى حضن وطنه وناسه الذين ولد بينهم .. ولكن الواقع المر وصورة سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية هي التي تطبع في حواضن عقولنا عندما نجري المقارنة بين ما عاشه في أرض البلاد المانحة الجنسية وبين البلد الذي وهب الحياة على أرضه...
فغالبا ما يعاني المواطن العربي واليوم العراقي على وجه الخصوص في أن يجد معاملة حسنة في بلدان الدول الشقيقة أو الصديقة ما لم يكن يحمل جنسية أخرى تمنحه شرف الانتماء لدولة أجنبية لها الحظ الوفير بين مسامع الأجهزة الرسمية والحكومية الأمنية، ولا سيما نقاط الحدود والمطارات حيث نلاقي الكثير من المعاملة النشاز والسيئة كوننا نحمل نفس عروق الانتماء بالدم واللغة والدين والتاريخ، هذه بلاد العرب أما في الغرب المتحضر والديمقراطية فنحن موصومون بأبشع التهم الجاهزة من تخلف، تشدد، راديكالية، أصولية، عنف، إرهاب، وفوق كل ذلك نتهم حتى بأنتماءنا الى خير البشرية وخاتم الأنبياء والأديان وإننا من أرض العرب بل في بعض الأحيان حتى لوننا سببَ مشكلة... فلم يبق لنا مهرب سوى أن نلجأ لهم فالساعين الى نجوم الحضارة وسماء الديمقراطية والحرية التي تتلبسها هم كثر فما أن تصيبك مصيبة في أرضك من تهديد أو قتل وتهجير حتى تهرع مهرولا نحوهم وما أن تصل حتى تبدأ معاناة جديدة... صعوبة التأقلم ومسايرة العادات والتقاليد ومحاولة أثبات الذات.. وهذا لا يعني بأن الجميع قد فشل ورجع، بل هناك الكثير من أستطاع أن يرفع أسم بلده عاليا ليسمو به على الآخرين ويسجلوا بصماتهم في سفر تاريخ تلك البلدان وهم أكثر من أن نشير اليهم .. ولكن مصيبتنا هي في التمايز وسوء المعاملة التي يتلقاها من يحمل جنسية بلده الأم وبين من يحمل سمة البلد الذي أحتضنه، ولي مشاهدات كثيرة والتي قد تلمس العراقيين الكثير منها في بلداننا العربية وفي الدول التي ترفع لواء الديمقراطية، فبينما يحدو بنا الحلم بأن نجد فرصة وردية تنتشل من يصبه الداء في العراق، نراه يرجع من دون علاج بخفي حنين الى أرضه وهو يحمل مواجع انقضاء سنين عمره وهو لم يحقق أي شيء.
ولم ينتهي هذا الطوفان في بلاد العم سام وأراضي (أبو ناجي) بنهاية تمكننا أن نتسامح مع أنفسنا لأننا نشعر بأننا بشر كباقي البشر ولنا حقوق وحظوة حسنة مثلما تتعامل تلك البلدان مع مواطنيها في خارج حدودها ستعامل حكوماتنا العربية ولا سيما العراقية موضع الحديث مع العراقيين بما يرسل أشارة بأن سفاراتنا وممثلياتها أو قنصلياتها وجدت من أجل خدمة المواطن المغترب في المهجر، ولكن غالبا ما نسمع عن سوء التعامل مع المشاكل والمعوقات التي تواجه العراقي في أي بقعة كانت فيها سفارة أو ممثلية فمنذ أسابيع يحتجز واحتمال بأن يحاكم فتى عراقي ورياضي مميز في الشقيقة دولة البحرين تحت ذريعة التظاهر.. ولم نسمع حراكا دبلوماسيا ينجد هذا الشاب وهو يواجه سوء المعاملة، ولم نسمع الكثير عن كيف تنجد وزارة الخارجية أبناء العراق في ليبيا أو اليمن سوى مبادرات عن إرسال الطائرات وماذا بعد؟؟، وها هم الطلاب العراقيين في الولايات المتحدة يطلبون مساعدة دولتهم في حل مشاكلهم العالقة، وحين تتوجه بالسؤال الى الدوائر الرسمية فأنك تسمع الكثير من النشاطات وحين تسمع المغتربين تجد الكثير من الآهات.. فبينما نسمع من ممثلي الشعب بأنهم سيلاحقون ملفات الفساد الكثيرة في أروقة سفاراتنا لا نسمع عن أي إنجازات مهمة لتلك السفارات وهي مغيبة إعلاميا ومع الأسف.
وعودة على عسلنا الأسود الذي كنا ننتظر أن نجده في عقول وطاقات وقدرات التكنوقراط والسياسيين العائدين الى دفء أرض النخيل "سابقا" وهم يحملون أحلامهم ويضعون خططهم للوقوف على مواجع العراقيين وإيجاد الحلول لها.. ومثلما أنتظر العراقيون أن يذوقوا حلاوة التغيير بعد عام 2003 ويروا العراق يضاهي بلدان الجوار أو حتى أوربا إن سمح لنا أن نحلم بذلك المشوار في خطى التغيير الذي حمل غالبا وشاحا أسود ولم نرى منه الكثير من أحلامنا الوردية لأنه في حقيقة الأمر كان غزوا واحتلالا أساسه مصالح من قام به وليس مصالحنا... كان مثله بعضا من عراقيي المهجر الذي حمل جنسيته وامتياز حمله جواز العم سام الذين كنا ننتظر منهم أن يؤسسوا لبناء العراق الجديد بنقل بعضا من أوجه وصور الحضارة والتقدم المدني والمؤسساتي الذي عاشوه وساعدوا في تدعيمه في الخارج، ولكن الحقيقة المرة هي أنهم أتوا بمشروع مصالحهم فأكلوا عسل العراق وهربوا منه مرة أخرى الى من منحهم جنسية الامتياز، وتركوه يعيش في سواد.. لأن الدستور مازال غير نافذ التطبيق نتيجة المحاصصات السياسية بين الأطراف الحاكمة لعدم تطبيقهم المادة (18، رابعا) من الدستور العراقي على المسؤولين في السلطة التنفيذية، ونتيجة فسادهم والأمثلة أكبر وأوضح من أن نسردها لكم، فإنها تحتاج الى شهرزاد وألف حيلة وحيلة....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق