السبت، 7 فبراير 2009

كيف نبني عراقاً ديمقراطياً (1-3)*

أديد داويشا وكارين داويشا*
ترجمة الباحث: أمير جبار الساعدي

الموجز: ما سيلي الحرب سيكون بأهمية الحرب نفسها على اقل تقدير.لن يكون إرساء الديمقراطية بعد صدام في العراق سهلاً".ولكنها قد لا تكون مستحيلة.لدى العراق العديد من مصادر القوة لفعل هذا ومنها الطبقة المتوسطة المثقفة وتاريخ من التعددية السياسية في ظل النظام الملكي الأسبق.

ماهي الأطر القادمة
ركز معظم النقاش غير المنتهي حول الحرب في العراق فيما مضى على عدد من القضايا:حجم العملية ودوافع واشنطن والصدع الذي أصاب الحلف الأطلسي. ويمكننا أن نفترض الآن انه إذا وقعت الحرب فستنتصر الولايات المتحدة وحليفاتها،وسيسقط صدام ورفاقه ويتبعه نوع من الاحتلال العسكري الواسع.
وسيركز المحتلون في أعقاب الحرب على المهام العاجلة مثل حفظ النظام وتقديم المساعدات الإنسانية للشعب العراقي الذي عانى طويلاً وكذلك تأكيد السيطرة على كافة أرجاء البلاد.مع ذلك وسريعاً جداً حتى قبل تحقيق هذه المهام سيتوجب على المنتصرين طرح سؤال ملح أخر:كيف سيتعاملون بالضبط مع مسألة إعادة أعمار البلد؟ والجزء السهل سيكون القول ببساطة إن عراق ما بعد الحرب سيكون ديمقراطياً.وهذا ما يتفق عليه الجميع وبالتأكيد فهذه الغاية ستبرر العملية برمتها.إما السؤال الأكثر صعوبة فهو كيف سنحقق ذلك.
ومن حسن الحظ فان عملية بناء الديمقراطية في العراق رغم صعوبتها ليست بتلك الصعوبة التي حذر منها العديد من منتقدي الحرب.لدى العراق اليوم عدة مميزات ستسهل جهود إعادة الأعمار.فرغم الاضطهاد الطويل الذي مارسه صدام،فان المؤسسات الديمقراطية ليست غريبة تماماً عن البلد.
فقد تبنى العراق،في ظل النظام الملكي الهاشمي والذي حكم من عام1921وحتى عام1958،تبنى نظاماً برلمانياً على نهج سيده المستعمر المملكة المتحدة.
إذ توجد الأحزاب السياسية حتى في صفوف المعارضة وكذلك فتح باب الاعتراض والرفض.وغالباً ما تكون المناقشات في البرلمان قوية كما يسمح للمشرعين بحق النقاش والتصويت ضد الحكومة دون خوف أو وجل من أن يطلهم العقاب.
ورغم إن القصر ومجلس الوزراء هما من يصنع جدول الأعمال غير إن البرلمان غالباً ما نجح في فرض سياسته المؤثرة. واتسعت هذه التعددية لتشمل الصحافة في العراق:فقد كانت تصدر23جريدة مستقلة في كل مكان من بغداد والموصل والبصرة فقط حتى قيام ثورة1958التي أطاحت بالملكية.
هذا لا يعني إن المملكة العراقية كانت دوماً في عصمة عن التزوير الانتخابي أو مضايقة المعارضين أو إساءة استخدام سلطتها في حالات الطوارئ.فقد حظرت الحكومة أيضا الصحف التي تجرأت وأطلقت لنفسها العنان في النقد الجارح للنظام(رغم إن حالات الحظر لم تستمر سوى لفترات قصيرة).ولنكون موضوعيين فان تاريخ العراق في ظل النظام الملكي لا سيما بعد ثورة1958.كان مليئاً بالكثير من الديكتاتورية والعشائرية والعنف العرقي والطائفي.وقد شهدنا السرعة الكبيرة لعملية إعادة الأعمار في ألمانيا واليابان فضلاً عن التحولات الأخيرة من الشيوعية في شرق أوربا ووسطها وكلها تثبت السبيل الذي عن طريقه يُمكن المؤسسات السياسية الديمقراطية في بلد ما.وبعد أن ذكرنا هذا فان نجاح العملية الديمقراطية في العراق أو فشلها يعتمد على اخذ المؤسسات السياسية الجديدة في الاعتبار النسيج الاجتماعي والطائفي الخاص.لذلك فمن المهم البدء بالحديث عن الخصائص.

ماذا ينبغي أن تكون مسودة مستقبل العراق الديمقراطي؟
لنجعله فيدرالياً
يبدو أن التنوع العرقي والطائفي في العراق- الانشقاقات بين الأكراد والعرب والتركمان وبين الشيعة والسنة- يمثل عائقاً أمام بناء ديمقراطية مستقرة.
وفي الواقع يمكن توظيف هذا التنافر لأغراض بناءة: إذ إن وجود أحزاب تكشف قوى بعضها البعض قد يعزز بالفعل بناء الديمقراطية على حساب الطائفية الإقليمية المتصلبة.وتكمن الفكرة في كتابة دستور يأخذ بالاعتبار الفيسفساء الاجتماعية والثقافية للعراق،وكذلك يمكن تحويل هذا التنوع إلى عامل باتجاه التغير الايجابي.

لهذا السبب،ينبغي أن يتبنى العراق الديمقراطي النظام الفيدرالي للحكومة.لذلك أصر الأكراد الذين تمتعوا بالحرية بعيداً عن سيطرة بغداد منذ إنشاء منطقة الحظر الجوي في الشمال،على المطالبة بهذا النظام.لكن العراقيون اجمعهم سينتفعون من مبدأ الفيدرالية والمثال على ذلك بعض الدول الفيدرالية مثل الولايات المتحدة وألمانيا وروسيا والآن المملكة المتحدة.ينبغي في العراق الفيدرالي أن تكون بغداد والمحافظات أوصياء متساوون للدستور.
ويجب أن توكل مسؤولية مراقبة الحقوق والحكم في النزاعات بين أسس السلطة الأخرى،فان التعديلات الدستورية لتغيير هذا الترتيب لا تحصل إلا باتفاق قطبي السلطة التشريعية وراس الدولة وجميع الوحدات الفيدرالية.كما إن السماح للمركز بتجاهل المناطق في مسالة تعديل الدستور يخفف سريعاً الحقوق المحلية ويزيد من كراهية المناطق للسلطة المركزية وهذا ما حدث في روسيا قبل استفتاء كانون الأول ديسمبر1993الذي فرض دستوراً فيدرالياً جديداً.

ويقسم النظام الفيدرالي النجاح،كذلك السلطة من اجل رفع وتوزيع العوائد بين العاصمة والمحافظات.ويمكن استخدام العوائد المركزية لإعادة توزيع الموارد من المناطق الغنية إلى المناطق الفقيرة،بينما تدعم العوائد المحلية الخطوات الاقتصادية والثقافية المحلية.إن تنظيم تقاسم العوائد بهذا الشكل مهم جداً لان السلطة تتبع الموارد:فحين ترفض الحكومة المركزية إعطاء المناطق الحق بالنهوض وإنفاق الأموال،فإنها ترفض بذلك إعطائهم السلطة.ومن جهة أخرى فان تقاسم العوائد يقلص حالة إغراء مجموعة عريقة لأخرى تمسك بزمام الدولة أو تسعى للانفصال.وهذا يعني،كما في دول فيدرالية أخرى،إن بعض الثروات الاستراتيجية كالثروة النفطية العراقية يجب أن تبقى في قبضة الحكومة المركزية.ويجب على الحكومات المحلية عموماً أن تتمتع بالسيطرة الشاملة على أراضيها.

ويشمل هذا المسؤولية على جميع المواطنين في منطقة ما وليس فقط على مجموعة عرقية محددة.فالجهود(الإسرائيلية)التي انهارت الآن والتي كانت تهدف لمنع السلطة الفلسطينية من السيطرة على بعض النشاط العربي في الضفة الغربية وقطاع غزة بينما تمسك القدس بزمام السيادة على اليهود في هذه الأرض، هذه الخطة محكوم عليها بالفشل فالدول الحديثة مع ما تتمتع به من بنى تحتية هائلة ينبغي أن تنظم أمورها تبعا للمناطق وبهذه الطريقة فقط يمكنها أن تؤدي مهامها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*أستاذ العلوم السياسية في جامعة ميامي،ولاية اوهايو.وآخر مؤلفاته كتاب بعنوان القومية العربية في القرن العشرين: من انتصار لليأس. كارين Dawisha هو والتر E. Havighurst أستاذ الدراسات الروسية في جامعة ميامي،ولاية اوهايو. كتب حجم التسلط وإشاعة الديمقراطية في مجتمعات ما بعد الشيوعية.
From Foreign Affairs,May/June 2003

ليست هناك تعليقات: