د. أمير الساعدي
يعتبر
الأمن البيئي قضية ذات أهمية متزايدة في العراق، حيث يمكن أن تحدث تأثيرات كبيرة
على الأمن القومي. لما تواجهه البيئة العراقية
من تحديات عديدة، تتراوح من تلوث
الهواء والماء إلى إزالة الغابات وتآكل التربة والتصحر. وهذه القضايا البيئية، إذا
تركت دون رادع، سيكون لها عواقب وخيمة على صحة الشعب العراقي، والصناعة الزراعية،
والاقتصاد ككل.
لطالما حدد برنامج الأمم المتحدة للبيئة، البيئة كعامل أساسي في تحقيق الأمن القومي، والعراق ليس استثناءمن ذلك، مع مناخ سريع التغير، تواجه البلاد مجموعة من التحديات البيئية التي لديها القدرة على التأثير سلباً على أمنها القومي، توفر هذه المقالة لمحة عامة عن مخاطر الأمن البيئي التي تواجه العراق والتأثيرات المحتملة على الأمن القومي العراقي، كما تناقش الخطوات التي يتخذها العراق لمواجهة هذه التحديات وتداعياتها الأمنية المحتملة.
يقع العراق في
منطقة حساسة من العالم بشكل خاص للتغيرات البيئية. لذلك فهو معرض بشكل خاص
لتأثيرات الاحتباس الحراري، مثل التصحر والجفاف والفيضانات. وفي ظل
الانخفاض الحاد في مياه الأهوار، حذرت منظمة الأغذية والزراعة في الأمم المتحدة
(فاو) في تقرير نشر منتصف تموز عام (2003) من أن الأهوار من "إحدى أكثر
المناطق تضرراً من تغير المناخ ونقص المياه" في العراق.
يعتبر العراق من بين الدول
الخمس الأولى الأكثر تضرراً من التغييرات المناخية، وفي المرتبة (39) بين الدول
الاكثر إجهادا للمياه. وقد أدى الانخفاض القياسي في معدل سقوط الأمطار في العام
الماضي - وهو ثاني اكثر المواسم جفافاً منذ (40) عاماً - إلى نقص المياه والتصحر
وتآكل التربة بسبب الممارسات الزراعية غير المستدامة والى تضرر وانكماش الغطاء
النباتي. لقد أدى الصراع إلى تدمير الأراضي ومصادر المياه في العراق، مما تسبب في
المزيد من تآكل التربة وتلوثها، فيما يشكل عدم اليقين السياسي تحديات أمام الإدارة
البيئية كما يؤدي ارتفاع درجات الحرارة والتغيرات في أنماط هطول الأمطار إلى تعطيل
الإنتاج الزراعي وإمدادات المياه في العراق. ولهذه التغيرات آثار اقتصادية
واجتماعية وسياسية خطيرة على البلاد.
تتفاقم مخاطر الأمن البيئي التي يواجهها العراق بسبب إرث سنوات من
الصراع والاحتلال والعقوبات. والنتيجة هي تدهور بيئي واسع النطاق، بما في ذلك تلوث
المياه والهواء، وتآكل التربة، والتصحر، وإزالة الغابات. هذه القضايا البيئية لها
تأثير سلبي متزايد على المجتمع والاقتصاد والأمن القومي العراقي. حيث تعتبر
التكاليف الاقتصادية لانعدام الأمن البيئي في العراق كبيرة. فقد شهدت البلاد
انخفاضاً في الإنتاج الزراعي وتوافر المياه العذبة، وكلاهما كان لهما تأثير كبير
على النمو الاقتصادي. ويمكن ملاحظة آثار انعدام الأمن البيئي في العراق على صحة
المواطنين، مع زيادة الأمراض، ولاسيما الأمراض المتعلقة بتلوث الهواء والماء. فالآثار
الاجتماعية والسياسية لانعدام الأمن البيئي في العراق كبيرة أيضاً. حيث أدى تدني
جودة الهواء والماء إلى زيادة التوترات بين مختلف الجماعات العرقية والدينية.
بالإضافة إلى ذلك، تسببت الظروف البيئية السيئة في النزوح والهجرة، فقد تم تسجيل
ما يقدر بـ (3000) أسرة نازحة، لغاية آذار(2022)، بسبب الجفاف والتدهور البيئي في (8)
محافظات في وسط وجنوب العراق. وأظهرت الدراسات الحديثة أن شحة المياه هي أحد
الدوافع الرئيسية للهجرة من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية، إلى جانب
التحديات التي تواجه الزراعة المستدامة والأمن الغذائي. وإن محافظة ذي قار وحدها
نزح منها ما يقارب (1200) عائلة من مربي الجواميس والمزارعين من مناطق الأهوار
ومناطق أخرى في محافظة ذي قار، بسبب شح المياه والجفاف وذلك بحثاً عن مصادر عمل
وعيش، مما أدى إلى زيادة عدم الاستقرار وانعدام الأمن.
وعاش العراق في العام (2022)
أسوأ سنوات الجفاف منذ نحو (92) عاماً، كما أعلنت وزارة الموارد المائية. وأرجع
ذلك إلى "النقص في كميات الأمطار الساقطة لسنوات متكررة منذ عام (2020) وحتى
الآن، إضافة إلى انخفاض "الواردات التي تأتي من دول الجوار إذ تعد من أسباب
النقص الحاد في التخزين المائي.
تعمل الأمم المتحدة
والمنظمات غير الحكومية في العراق مع الحكومة والجامعات العراقية على أنظمة الرصد
الذكية لتتبع التقدم أو التراجع في الأهداف البيئية والمناخ والموارد المائية
واستخدام الأراضي.
والامر المهم جداً والذي ينبغي على الدولة العراقية
الاستعداد له هو ما تم الاتفاق عليه في مؤتمر (COP28) ، حيث اتفقت الأطراف
على “التحول عن الوقود الأحفوري في أنظمة الطاقة. وهذه الإشارة الصريحة إلى الوقود
الأحفوري، وربطها بأزمة المناخ، هي الأولى من نوعها في مفاوضات المناخ العالمية.
ولاتضع الدول المشاركة في المؤتمر بان العراق هي دزلة منتجة ومصدرة للنفط بشكل
أساس أكثر من كونها مستهلكى، والاكثر إضرار بالمناخ من العراق هي الدول التي
تستورد وتستهلك النقط، وإن الإعداد لهذا الامر يحتاح الى مراحل متعددة ومساعدات خارجية
ومدة زمنية قد تستغرق أعوام، وعلينا التذكير بأن العراق يعتمد بشكل كبير جدا على
بيع النفط لتمويل ميزانية الدولة وهذا قد يضر باقتصاد الاجيال القادمة. وهذا مؤشر
خطير على الأمن القومي العراقي لأنه يؤثر بشكل مباشر على أحد أهم عناصر قوة الدولة
وهو الاقتصاد.
ويستعد العراق للمشاركة في (COP 29) في أذريبجان، كما أن بغداد ستستضيف مؤتمرا
لوزراء البيئة في دول الإقليمية في شهر أيار الجاري لمناقشة التحديات المناخية في
المنطقة والتعاون فيما بين الدول لتبادل الرؤى ةرسم افضل سبل العمل الجماعي للتغلب
على تحديات التغيير المناخي.
غالباً
ما يتم التغاضي عن الأمن البيئي عند مناقشة الأمن القومي العراقي، ومع ذلك فإن
آثاره بعيدة المدى ومدمرة. فقد تسبب تغير المناخ في ارتفاع درجات الحرارة، مما أدى
إلى انخفاض الوصول إلى المياه، وزيادة التصحر وتآكل التربة، وارتفاع مستويات تلوث الهواء.
هذه التهديدات للبيئة لها تأثير مباشر على صحة وسلامة المواطنين العراقيين، مما
يجعلهم أكثر عرضة للأمراض والنزوح والفقر.
أدى تزايد تواتر الظواهر الجوية المتطرفة، مثل الفيضانات
والجفاف والعواصف الترابية، إلى تفاقم مخاوف الأمن البيئي في العراق. وتسببت هذه
الكوارث الطبيعية في دمار واسع النطاق للمحاصيل والمنازل والبنية التحتية، بينما
قللت من الوصول إلى الغذاء والمياه. علاوة على ذلك، فقد فاقمت أزمة المياه، حيث
تلوثت مصادر المياه أو استنفدت.
لا تقتصر آثار انعدام الأمن البيئي على العراق وحده. حيث
شهدت المنطقة تصاعداً في أعمال العنف الإرهابية وعدم الاستقرار، حيث استخدم تنظيم داعش
الإرهابي البيئة المزعزعة للاستقرار لكسب موطئ قدم في المنطقة.
الأمن البيئي وتأثيره
على الأمن القومي العراقي قضيتان متشابكتان بشكل وثيق، إحداهما لها تأثير مباشر
على الأخرى. فالعراق كدولة ليس غريبا عن القوة المدمرة لتغير المناخ وآثاره
المدمرة على البيئة. لقد عانت المنطقة من الجفاف الشديد والتصحر، مما أدى إلى نزوح
الآلاف من الناس وخسارة مدمرة للموارد.
إن تأثير هذا الاضطراب البيئي على الأمن القومي العراقي
واضح. لقد أضعفت اقتصاد البلاد وتركته عرضة للقوى الخارجية. وساهم نقص المياه
وتآكل التربة وتدهور الأراضي في انخفاض الإنتاج الزراعي وانخفاض توافر الموارد
الطبيعية. وقد أدى ذلك إلى زيادة انعدام الأمن الغذائي والفقر والاضطرابات
الاجتماعية، فضلاً عن زيادة التنافس على الموارد بين مختلف التيارات في المنطقة. يتفاقم انعدام الأمن
البيئي في العراق بسبب افتقار البلاد إلى الوصول إلى الموارد والبنية التحتية. فالعراق
لديه بنية تحتية هشة ومركزية للغاية.
كانت البيئة وأمنها مصدر قلق طويل الأمد للعديد من
البلدان حول العالم، ولكن بشكل خاص للعراق. نظراً لأن البلاد تقع في منطقة حارة
وجافة وتضم بعضًا من أكبر احتياطيات النفط في العالم، فليس من المستغرب أن يكون
للأمن البيئي تأثير عميق بشكل خاص على الأمن القومي العراقي.
وتتخذ الحكومة العراقية وفق ما تضمنه البرنامج الحكومي خطوات عدة لمعالجة
مخاطر الأمن البيئي التي تواجه البلاد. فقد أعطت الحكومة الأولوية لحماية البيئة
ودمج الاعتبارات البيئية في استراتيجيتها للأمن القومي. ويشمل ذلك إنشاء وحدة
للأمن البيئي داخل وزارة البيئة العراقية، وكذلك تنفيذ استراتيجية شاملة للتكيف مع
تغير المناخ. كما تتخذ الحكومة العراقية خطوات لتحسين الأمن البيئي من خلال تطوير
مصادر الطاقة المتجددة واعتماد ممارسات زراعية أكثر استدامة. وتعمل الحكومة أيضاً
على الحد من التلوث البيئي، من خلال إدخال لوائح وقوانين جديدة، وتشجيع استخدام
تقنيات أنظف.
والمطلوب هو تثبيت واستقرار التربة وحماية غطاءها النباتي من خلال
تشجيع الاستخدام الفعال للمياه، وتجديد خزانات المياه، وإعادة تأهيل البنية
التحتية لمنظومة الري، وزراعة المزيد من الأشجار والغابات والشجيرات، وكذلك زراعة
أحزمة خضراء مستدامة حول المدن، والتحكم في أنشطة التعدين، وتحسين جودة التربة
وحمايتها من الملوحة من خلال تقنيات زراعية أكثر استدامة.
إن توفير حلول ري صديقة للبيئة، وإعادة تأهيل وبناء مهارات المزارعين، على سبيل المثال الري بالتنقيط وأنواع الري الذكية، من شأنه ان يوفر في المياه وله أثر في إحداث تحولا إيجابياً من المجتمع المحلي والسلطات المحلية والحكومة الوطنية إلى الجهات الدولية الفاعلة: وبدعم من الجميع، يمكننا ضمان مستقبل صحي لأرض العراق ومياهه والأشخاص الذين يعتمدون عليه، وبهذا سنحقق أمن بيئي يؤدي الى حالة استقرار أكبر وأفتصاد أقوى وحيالا أفضل والتي تنتج أمن قومي معافى.
كتبت في 23-4-2024
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق