د. أمير
الساعدي
غالبا ما تكون الأحداث وفق سلسلة جدول مشاريع أعد لها مسبقاً، لنتذكر ماذا حصل مع حركات تنظيم داعش الإرهابي، كانت هي لكسر الحدود (اﻻستخبارات العسكرية أكدت مقتل ما يسمى بقائد قوات كسر الحدود المدعو، أبو هاجر المغربي، بضربة لصقور الجو على وكره في تلعفر-أيلول 2014)، وبالتالي كان من المؤمل أن تنتقل تلك الأخطار ليس من العراق أو سوريا أو باقي دول المنطقة وحسب، بل كان خطر يهدد العالم، وأخرها ما حصل في روسيا (حيث أسفر الهجوم الذي تبناه داعش الإرهابي في مركز "كاركوس سيتي" بموسكو عن مقتل 130 شخصا وإصابة أكثر من 100 آخرين، وقد نشرت وسائل إعلام مقربة من التنظيم صوراً دعائية تشير إلى نيته تنفيذ المزيد من الهجمات، وخاصة في دول أوروبية. اذار 2024)، بل كان المؤمل أيضاً أن تقوم بتحطيم كل خارطة "سايكس بيكو" بدولها الحالية بتقسيم المقسم، ثم تفتيت المقسم، هكذا كانت الخطة، وفي هذا الإطار نرى ما عرضه "نتنياهو" متحديا أكبر مؤسسة دولية في العالم وهي الأمم المتحدة الذي تسعى الدول تحت خيمتها ترسيخ الأمن والتعايش السلمي في العالم، عندما قام بتهديد هذا العالم والسلم والأمن الدوليين في منطقة الشرق الأوسط، بعرضه خارطة سماها بخارطة الشر، ووضع العراق في وسط هذه الخارطة، وفيها كلا من إيران، وسوريا، ولبنان، وبعد دخول "الكيان الصهيوني" الأراضي السورية وصعود نتنياهو على جبل الشيخ قال بدأت الآن عملية تغيير موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي العراق ضمن هذه الخارطة، لكن دعنا نذكر بأن العراق ما زال لحد الان لديه بعض مرتكزات القوة بعلاقات طيبة مع كل من تركيا وإيران وقد تكون فيها امتدادات تاريخية، ومصالح مشتركة، وامتدادات أخرى مع مجمع الطاقة الأكبر في المنطقة وفي العالم وهي منطقة الخليج العربي، فلدينا علاقات وارتباطات وثيقة مع كل من المملكة العربية السعودية وقطر
ما هو القادم بالنسبة للعراق استهداف
السجون، فوضى، أو محاولات إثارة الشارع أم ماذا بالضبط؟
هناك عدة مستويات قد جربها العراق، أولا
محاولة التذكير بأنه قد تكون هناك محاولات على السجون في العراق، فهذا الأمر
مستبعد جدا، لوجود عمل جدي وتطمينات خرجت من سجن الحوت أو سجن الناصرية في محافظة
ذي قار، بأن هناك تحصينات أمنية كبيرة، وتعزيزات شهدناها من قبل عدة مستويات أمنية
ومنها قوات النخبة، ولهذا نرى الأمر مستبعد جدا نجاح عملية استهداف لتلك السجون أو
محاولة الفرار منها.
وثانيا ما نخشاه حقا هو عملية ارتداد من
السجون الموجودة في سوريا تجاه العراق، كيف؟
أولا تم إطلاق سراح كل المساجين من
السجون المركزية والفرعية في سوريا والذين قد يكونون سجناء سياسيين، معارضين،
ناشطين، جرائم جنائية، ومنهم إرهابيين، فمن كان محكوما عليه ضمن صفحة الإرهاب أين
سيكون مصيره؟ أين سيذهب هذا الإرهابي المطلق سراحه؟
هل سيذهب الى تركيا؟
أم يبقى في سوريا ويلتحق بتنظيمات داعش
الموجودة الآن في بادية الشام، الجواب عن الذهاب إلى تركيا، أكيد لن يذهب الإرهابي
الى هناك، والاقرب هو البقاء مع تنظيمات الإرهاب الداعشي التي نشطت مؤخرا في سوريا
واستحوذت على معدات واسلحة وذخائر مما تركه الجيش النظامي السوري السابق، أو
الارتداد الى الساحة العراقية وهي الأقرب من ناحية البيئة، هل هناك نفاذ مع كل
التحصينات على الحدود العراقية؟ نعم، قد يكون هناك بعض المنافذ التي يمكن أن تكون
نقاط خرق أو نقاط ضعف قد تكون محطة لعملية انتقال الإرهاب الى الداخل العراقي، مع
التذكير بأن التهريب لم يتوقف في أي يوم من الأيام حتى قبل عام 2003، قد تكون
التحصينات مشددة في الحدود، ولكن تبقى هناك خشية، فقد قامت (بعض العوائل العراقية
في مخيم الهول بالهروب ولكن سرعان ما تم مسكهم وارجاعهم الى المخيم)، وبالتالي
النشاط الذي قام به على أقل تقدير القائد العام للقوات المسلحة محمد شياع السوداني
بالتأكيد على التشديد بتحصين الحدود العراقية ولاسيما غرب العراق، ومن ثم المتابعة
الميدانية من قبل قيادة العمليات المشتركة وباقي وزارتنا من الدفاع والداخلية
بحضور مباشر لوزيري الدفاع والداخلية، وباقي أجهزتنا الأمنية، هو دلالة على قدرة
تلك القوات على مسك الحدود بشكل يوازي حجم التهديد المتوقع.
سبق وإن قام تنظيم داعش الإرهابي
بمحاولة في كانون الثاني عام 2022، بالهجوم على سجن الصناعة بمنطقة غويران في
الحسكة، وبعد معارك استمرت تسع أيام، وبعد مقتل المئات من قوات قسد وإرهابيي داعش،
يقدر عدد الفارين من 100-300 إرهابي بينهم قادة مهمين.
فلو دخلوا الى العراق ألا يعني ذلك
بوجود بيئة حاضنة لهم، فهل توجد حواضن لاستقبالهم؟
هذه النقطة الأهم، نحن لا نتكلم هنا عن
حواضن معدة، بل نتكلم عن أناس هم يقومون بخلق البيئة الحاضنة، كيف البيئة الحاضنة؟
دعنا نستدرك ذلك، العراق مقبل على انتخابات قادمة، وبالتالي الورقة الرابحة في يد
تلك التنظيمات الإرهابية اللعب على التفرقة للأسف، وهكذا تشعل الفرقة المذهبية
والطائفية والقومية، والعرقية أيضا لدى العراقيين بعملية استغلال لهذه المجتمعات
بإيجاد تناحر سياسي واجتماعي، وهنا أذكر العراق لم يخلو 100% من تواجد إرهاب تنظيم
داعش، آخر عملية ناجزة بضربة استباقية وكبيرة على المستوى المحلي والإقليمي
والدولي هي اصطياد 14 إرهابي بينهم قيادات في تنظيم داعش من مستوى الخط الأول
المهمين، حيث تم التعرف على ستة منهم بعد إجراء فحص الحمض النووي، ومنهم ما يسمى
"نائب والي العراق" و"أمير التصنيع والتطوير والملف
الكيميائي" و"والي الأنبار" و"والي الجنوب"
و"المسؤول العسكري لداعش في الأنبار" ومسؤول ملف الاقتصاد والأموال في "ولاية
الأنبار، بعدة ضربات في وادي حوران بمحافظة الأنبار، وكان هذا في شهر آب الماضي
عام 2024.
وتبعتها بعد ذلك ضربات عدة، لخلايا
ومضافات لتنظيم داعش في حدود أسبوعين إلى ثلاث أسابيع كانت هناك ضربات متتالية
بحركات استباقية، أولا على مضافات في جبال حمرين ثم في وادي الشاي، ووادي أزغيتون،
بمحافظة كركوك ثم في وادي حوران مرة أخرى، وفي سلسة تلال مكحول، وهكذا دواليك، فقد
سقط بعض الشهداء من جهاز الأمن الوطني أثناء مواجهة بعملية اصطياد بعض الإرهابيين
بنفس المدة، وبالتالي نقول هناك بعض الخلايا التي يمكن أن يشتد عضدها إن أتى لها
هذا المدد الذي نتوقعه بعملية الارتداد، وأذكر ليس هذا وحسب، ممكن أن يكون هناك
تسلل حتى عبر تركيا إلى الداخل العراقي من خلال عملية رجوع مهاجرين أو نازحين،
وهكذا..
فهناك نقاط ضعف في بعض المنافذ في خط
الحدود المشتركة بين العراق وسوريا وتركيا وهو المثلث بين الدول الثلاث يشكل خطرا،
وإن كانت الآن التحصينات كبيرة وشديدة، لكن أتوقع هناك نقطة ضعف استغلت هذه النقطة
أثناء سعي حكومة السيد العبادي آنذاك لمحاربة داعش، وسأذكر ما قاله رئيس الوزراء
العراقي الأسبق الدكتور حيدر العبادي في لقاء مع مجموعة من الخبراء والاكاديميين
على سؤال وجهته له، بأن الولايات المتحدة الأمريكية عملت على منع غلق أحد المنافذ
الحدودية مع سوريا في إقليم كردستان أبان حرب تحرير العراق من إرهاب داعش، بعد أن
أمرت بغلقه لقطع الطريق على الإرهابيين من الدخول الى العراق، ولكنهم ابقوه لمرور
المساعدات لسوريا، وكذا لدخول الفارين من الكرد في سوريا الى العراق بسبب الحرب
على داعش، لغاية في نفس يعقوب. ومن الناحية الطبوغرافية يعتبر نهر الخابور الذي
يخترق الحدود السورية باتجاه العراق من نقاط الضعف والتي سبق وأن استغلت من
المهربين، والارهابين للعبور الى العراق.
نعم، هناك تحصينات، لكن يمكن أن تستغل
الجماعات الإرهابية بعض نقاط الوهن أو التراخي في أداء الواجبات، لأن هؤلاء يعدون
العدة بخرائط ودراسات موثقة وبدراسة دقيقة لكثير من تحركات، وعمليات توقيتات
الواجبات وغيرها لأجهزتنا الأمنية في تلك المناطق، وبالتالي يمكن أن تكون هناك بعض
النقاط التي يستغلها هؤلاء في دخولهم للعراق.
الأمر الأخطر، وهو عملية التسرب من مخيم
الهول قد يكون الآن محصن، وتشرف عليه نخبة من قوات قسد وقوات الولايات المتحدة،
التي نخشاها وأذكر، إن الولايات المتحدة الأمريكية تلوح الآن للعراقيين بأنه ما
زلنا قائمين على الأرض، ونقدم لكم المساعدة في حربكم على إرهاب داعش، حيث قامت
خلال 48 ساعة باستهداف 75 هدف بعد سقوط نظام بشار الأسد، 75 هدف بعد سقوط النظام،
إذن أين كنتم قبل ذلك، أولا أنتم لديكم اتفاق دولي بمكافحة الإرهاب مع العراق، ضمن
83 دولة، ثم لديكم اتفاقية ثنائية بإطار استراتيجي بين العراق والولايات المتحدة
الأمريكية نشترط فيها بأن تحافظوا على أمن واستقرار العراق، أي لدينا مستويين ضمن
مواثيق ومعاهدات دولية لم تلتزم بها الولايات المتحدة بشكل كامل، فهي تقدم
المعلومات والمساعدة ولكنها لم تعطنا خبرا ولم تعاضدنا في ملاحقة الإرهاب بشكل
فعال بهذه المرحلة، بالداخل السوري، والان تختلق أمريكا الذرائع والحجج حتى تبقى
أطول مدة ممكنة في العراق، الذي ما زال يطالب لوجود اتفاق مبدئي معهم بأنه سيتم
رحيل تلك القوات في بداية شهر أيلول عام 2025، على شكل مراحل، ولهذا أنا قلت بأنها
مرحلة مؤجلة لعام 2025، أي أن الخطر قد يكون مؤجل، وهذا ما تبديه الولايات المتحدة
أي الخشية مرة أخرى من مخيم الهول الذي تقوم بحمايته الولايات المتحدة وقوات قسد،
وبالتالي لو أنفرط عقد هؤلاء أو ضعف في أي جانب، يمكن أن يكون ارتداد على الأراضي
العراقية، لأن ما زال هناك بحدود 20000 إلى 25000 عراقي في مخيم الهول، قد يكونون
من الابرياء ونزحوا هربا من حرب داعش، لكن عبر عقد من الزمن وسط التربية والبيئة
الحاضنة التي كانت بيئة متطرفة وراديكالية بشكل كبير، دفعت بمعلومات وغسل عقول
بشكل متطرف للكثير منهم، والتي ستشكل خطرا متنامي على العراق، وبالتالي النقطة
الأخطر، هو وجود عملية صراع داخلي في سوريا، ولإيضاح المشهد كسيناريو بقراءة
واقعية، كانت هناك مواجهات كبيرة بين قوات قسد، وهيئة تحرير الشام والفصائل
المنضوية معها، في منبج، ثم في دير الزور بعد أن كان هناك توافق أمريكي تركي بسحب
قطعات قسد من غرب نهر الفرات الى شرق النهر واستبدالها بقطاعات إدارة العمليات
العسكرية لهيئة تحرير الشام، صوب التهدئة
التي لم تستمر كثيرا في منطقة عين العرب، فلدى قوات قسد 10000 إرهابي، والسؤال مهم
جداً هل ممكن أن تكسر السجون، والقول هنا ليس في السجون العراقية، لكن ممكن أن
تكون في سجن من السجون السورية التي تسيطر عليها قوات قسد بسجون غير نظامية وهي
تحاول أن تحافظ عليها، وهددت قوى قسد بها سابقا عندما أرادت الولايات المتحدة التي
كانت تروم الانسحاب في عهد إدارة ترمب الأولى من سوريا، عندما أعلن الرئيس ترامب
استراتيجية سحب القوات الأمريكية من المنطقة، وسحب ثلاثمئة عسكري أمريكي، عندها هددت
قوات قسد بأنها ستطلق سراح هؤلاء حتى تجبر الولايات المتحدة الأمريكية على البقاء،
وبالتالي الورقة التي يمكن أن تضغط بها الولايات المتحدة الأمريكية مرة أخرى على
العراق هي بطاقة الإرهاب، وهو هذا الخطر الذي يمكن أن نخشاه، لكن أذكر ما زالت
الحكومة العراقية لحد الآن تحاول تثبيت عرى الحل الدبلوماسي والسياسي ولديها
قناعة، ومضت بهذا الأمر بعملية تواصل مع دول عربية مهمة وإقليمية إن كانت المملكة
العربية السعودية، تركيا، إيران، الأردن، قطر، الإمارات، وهكذا دواليك من اتصالات
وزيارات مكوكية قام بها كل من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ووزير الخارجية
فؤاد حسين، ورئيس مجلس النواب العراقي، وبالتالي الذهاب إلى هذه المبادرات، يمكن
أن يهدئ الوضع، ويبعد عنا هذا الخطر لحين وصول الـ 100 يوم الأولى من حكم الرئيس
ترمب.
سمعنا تصريحات إيرانية مخيفة عن تجمعات
لإرهابيي داعش تتدرب بالشمال السوري وتستعد لضرب العراق، وإن كانت هناك بعض ردود
الأفعال من قبل المختصين بالمجال الأمني أو الاستخباراتي أو المخابراتي بأنه لا
خشية من هذا الأمر، وينبغي أن نذهب بعملية التطمين للشارع العراقي، وأنا أقول نعم
لدينا إمكانات وقدرات استخباراتية، ومخابراتية عالية، وقمنا بعدة ضربات مهمة كسرنا
فيها شوكة وقدرة الإرهاب القاعدي الداعشي ليس في العراق وحسب، بل حتى في دول
الجوار بضربات استباقية وبتعاون مشترك مع غرفة عمليات التحالف الدولي، ولكن على
القائد العام للقوات المسلحة، كون الذي
أعلن هذه المعلومة ليس شخصا إعلاميا ولا سياسيا عاديا بل كان عضو مجمع تشخيص مصلحة
النظام في إيران السيد محسن رضائي، وهو قائد سابق للحرس الثوري الإيراني، وبالتالي
هذا المسؤول لديه معلومة، حتى وأن لم تكن صحيحة، أُذكر حتى وإن لم تكن المعلومة
صحيحة، ففي علم المخابرات، والاستخبارات، والعسكر نبحث في تقدير الموقف عن أسوء
الاحتمالات، وبقراءة لأسوء الاحتمالات ينبغي أن نأخذ في الحسبان هذا الأمر بشكل
جدي وعملي، وبالتالي أوجه دعوة، إلى القائد العام للقوات المسلحة العراقية السيد
محمد شياع السوداني وإلى المجلس الوزاري للأمن الوطني العراقي أن يعقد العزم ويطلع
الناس على الحقيقة، هل هناك خطر من هذا الأمر أم لا؟
وبالتقدير الأولي لما يجري على الأرض
العراقية ولما تم إعداده من قبل قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية وكذا الأمر مع
هيئة الحشد الشعبي، والتي أعدت الآن العدة لتحصين دفاعات الداخل العراقي ضد أي خطر
يأتينا من الجانب السوري، لكن ينبغي أن نأخذ ما هو الأخطر بحيث نحسب بأن هذا الأمر
واقع ويستلزم من تلك الأطراف الرسمية أن تعطينا تلميحا واضحا بأن لا خطر علينا،
ولا يوجد مثل هذه المعلومة، وإنما هي قد تكون ورقة سياسية ليس إلا.
20-12-2024
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق