قد يبدوا للبعض إن كلماتي هذه هي نوع من المبالغة والابتعاد عن هموم أكبر ترزح تحتها وحدة الخطاب الاعلامي في العراق ناهيك عن التوجه الحر لساحة الحرية الممنوحة للاعلام والتي تواجه بين الحين والاخر بعض الانتهاك أو المواجهة القاسية من خلال الاستهداف أو المنع أو حتى الضرب والاهانة، إن مجمل ما يدور في الساحة العراقية يستوجب من العراقيين أولا وخاصة من تصدروا لرفع قلم الحرية ونقل وقائع الحياة اليومية التي يتخللها صعوبات ومحن كثيرة يواجهها المواطن العادي يوميا، أن يكونوا أكثر حرصا على أختيار مفردات الأخبار التي تراعي مشاعر المواطن العراقي وخاصة عبر شاشات الفضائيات العراقية التي تنقل وقائع الجرائم الارهابية التي تضرب عدة مناطق في العراق من غير تمييز لعرق أو مذهب أو طائفة أو حتى جنس محدد بل تضرب العراقيين بالعموم، وكنت أود أن أرد على أحد هذه الفضائيات ذات الوشاح الديني (التابعة لحزب ديني) والتي من خلال متابعتي لنشرات أخبارها تصر دائما وخلافا لما تقوله أغلب الفضائيات العراقية بأن عدد ضحايا الحادث الإرهابي هو سبعة عشر قتيلا!!!، وهذا ما سمعته من خلال نشرة أخبارها يوم الثلاثاء المصادف 26-1-2010، فهل هو إرضاء لمن يدعم هذه القناة أم هو مسايرة لركب الإعلام العربي المتحير بتوجهات خطابه الإعلامي.
وتساؤلي هنا لماذا يعتبر من تسرق روحه من غير واعز لقانون ولا شرع ولا حتى أدنى إعتبارات للضمير الإنساني قتيلا وليس شهيدا فهل كان الضحايا على علم بالمواجهة وهم من أرادوا التصدي للمجرمين فأصبحوا في حالة من التشابه، لمجرم ضد مجرم أم أن هناك توعد وترصد لحياة هؤلاء المساكين الابرياء من الاطفال والنساء والشيوخ والساعين للحصول على لقمة عيشهم ولا يدرون ماذا قد خبأ لهم القدر وهل كتابهم قد أغلقت صفحاته في هذا اليوم أم هناك وقت أخر لذلك، فلست من المتفقهين وليس لي دراية كبيرة في الشرع والدين ولكن أرجو من المتبصرين أن يفسروا لي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (من مات دون دينه فهو شهيد ومن مات دون ماله فهو شهيد ومن مات دون دمه فهو شهيد ومن مات دون نفسه في سبيل الله فهو شهيد) وكذلك روى البخاري عن أبي هريرة: ان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال:( الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغريق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله). وفي حديث أخر عن جابر بن عتيك ان النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: (الشهادة سبع سوى القتل في سبيل الله: المطعون شهيد، والغرق شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد - ذات الجنب: القروح تصيب الإنسان داخل جنبه وتنشأ عنها الحمى والسعال - والمبطون شهيد، وصاحب الحرق شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجمع شهيدة - بجمع: أي التي تموت عند الولادة). رواه أحمد وأبو داود والنسائي بسند صحيح. وعن أبي هريرة، ان النبي، صلى الله عليه وسلم، قال:(ما تعدون الشهيد فيكم؟) قالوا: يا رسول الله من قتل في سبيل الله فهو شهيد. قال: (إن شهداء أمتي إذن لقليل)، قالوا: فمن هم يا رسول الله؟ قال: (من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في الطاعون فهو شهيد، ومن مات في البطن فهو شهيد، والغريق شهيد). رواه مسلم. والحديث صريح وواضح ولا يحتاج الى تأويل أفليس من يهدم عليه بيته وتفجر جدران مسكنه أو شقته، مكان عمله، ودراسته ويموت تحت الانقاض أو قتلا بالشظايا أوحرقا بعصف الانفجار هم "قتلى وليسوا شهداء".
وإذا كان هذا حال فضائياتنا فلا نعتب على الفضائيات العربية التي تتصدر أشرطة أنباءها عناوين عن عدد ضحايانا اليومية وهم يكتبون قتل وجرح 100... وقد مررت بأحد هذه التجارب أثناء إنعقاد منتدى الصحافة العربية في دورته الثامنة في مدينة دبي وأثناء منازلة بين مدير أخبار قناة العربية ومدير أخبار قناة الجزيرة أثناء تناولهم التغطية الاعلامية لحرب غزة وفي دورة التصارع بين الاثنين سأل مدير أخبار العربية مدير أخبار الجزيرة لماذا تكتبون عن ضحايا غزة شهداء وضحايا العراق قتلى فرد عليه قائلا (في غزة نعرف من يقتل من، ولكن في العراق قد ضاع الحابل بالنابل فلا نعرف من يقتل من). ولا أريد أن أسرد ما حصل بعد ذلك بيني وبين مدير أخبار الجزيرة. فتصورا حجم مأساة وتشت وحدة الخطاب الإعلامي في أبسط مفرداته.
فالأجدر بالمسؤولين عن سياسة هذه الفضائيات العراقية إن كانت ممولة حكوميا أم مستقلة أو من يدعون الاستقلال في خطهم الاعلامي الحر أن ينتبهوا لما تفعله هذه الكلمات ذات الطابع الإنساني في تداولها بقسوة منتهكة أدنى حقوق الإنسان العراقي حتى في أن يمنح صفة تطمئنه بأن له أجرا في الأخرة، وهي لا تكلفهم أجرا ولا جهدا ولا يمنعها قانونا أو شرع.
ألا يمكنهم أن يوحدوا صياغة تحرير مفردات الاخبار لديهم، فلو كانت هناك سلطة عليا تفرض وتضع القيود على ما تنشره وتبثه هذه الفضائيات ألم تكن لتقيم الدنيا ولا تقعدها عن الحريات المستباحة والحقوق المنتهكة للإعلام وأهله، فأين هي حقوق ضحايانا من الشهداء الذين يسقطون كل يوم ألم يكن الأحق بهم أن يأخذوا بالاعتبار مشاعر أهلهم ومحبيهم وهم يصرون في كل مرة بأن يستخدموا هذه العبارات الغير مفهوم القصد من وراء استخدامها، وعليهم الرد إذا كان لديهم شيء مقنع.