الاثنين، 27 يونيو 2016

أوروبا وسط ضربة أمريكية

 أمير الساعدي

    "النفط يمكن شراؤه من الاوبك بالدولار وحسب، والدول غير المنتجة للنفط مثل الدول النامية واليابان أو الصين عليها أن تبيع بضائعها وموادها الخام للحصول على الدولار لشراء النفط".
فيما يبدو بأن النظام العالمي الذي تحدث عنه هنري كيسنجر ما بعد 1948 الى نهاية القرن بمزيجه الذي يقول عنه بأنه "خليط من المثالية الأمريكية والمفاهيم الأوربية التقليدية عن الدولة وتوازن القوى" لم يعجب بعض الدوائر الأمريكية المحافظة والتي تحاول الحفاظ على هيمنتها على هذا القرن أيضا لمعالجة عجزها الاقتصادي.

     قد يكون تحليلا بعيد الأفق وسط المتغيرات الكثيرة التي تفرضها الحرب العالمية الرابعة ضد الإرهاب والتحديات الاقتصادية التي يعيشها العالم ايضا فالجميع يركز نظره صوب مصلحة ونفع الشعب البريطاني بالانفصال عن الاتحاد الأوروبي ورغبته بأن يحقق ذلك اليوم باستفتاء وصل الى ما نسبته ( 51,9 ) والذي أراه بأنه أمر مخطط له منذ أمد بعيد فمازالت الولايات المتحدة الأمريكية تحاول ابقاء هذا القرن أمريكيا (PNAC) بما استطاعت من قوة وأولها وأهمها هي حماية اقتصادها الذي يواجه عدة تحديات وأخطار كان منها وجود منافسا قويا للدولار عبر اصدار أوروبا اليورو وثانيا سيطرتها على اسواق العالم عبر المؤسسات الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وكان لصعود السوق الأوروبية ومنافستها لأمريكا عالميا دفع  الدوائر الأمريكية للبحث عن ثغرات تفكيك هذا الاتحاد مثل ما نجحت سابقا بتفكيك الاتحاد السوفيتي عبر البوابة الاقتصادية ايضا وإن توافرت كثير من المعطيات لهذا التفكك ولكنها عجلت به عبر دوائرها الاستخباراتية والمخابراتية والسياسية. فخشية أمريكا بأن تواجه فقدان ريادة الدولار الأمريكي للأسواق العالمية بدأ يعجل بالبحث عن مسوغات لضرب أوروبا بقنبلة فراغية تحدث زلزالا فيها من غير أن تخرب بنيتها أو هيكلية وجودها الجيوسياسية  والجيوستراتيجية لأنها حتما ستحتاجها في خضم صراعها على ريادة القرن مع صعود التنين الصيني والمارد الهندي والدب الروسي للإبقاء على قوتها الأكبر في العالم وهذا لن يكون إلا بوجود قوة اقتصادية تساعد على ذلك، إذ تحتل أمريكا المراتب الاولى في العالم لمؤشر التنافسية الذي يصدره منتدى دافوس، وواحدة من أهم مقوماتها مثل ما فعلت في اتفاقية بريتون وودز التي هدفت الى ايجاد نوع من الاستقرار والثبات في السياسات النقدية وسعر الصرف والذي سيطرت به أمريكا على مجريات ابرام الاتفاقية وابعدت فيها خطة بريطانيا آنذاك حين حولت التعامل استنادا على قاعدة الصرف بالدولار الذهبي وعلى اساس مقياس التبادل الذهبي وبذاك حولت الدولار الأمريكي من عملة محلية الى عملة دولية للاحتياط وقد استمر العمل بهذا النظام حتى عام 1971 عندما أوقف الرئيس نيكسون استمرار التعاطي بتبديل الدولار الى ذهب. فمع ما كانت تعانيه أمريكا من كساد اقتصادي في عام 1929 إلا ان هذا لم يمنعها من ابعاد بريطانيا من القوة الاقتصادية الاولى بالعالم وتصدرها هذه المكانة.
فقد واجهت أمريكا خطر المحافظة على صدارة الدولار للعملات في العالم عندما بدأ نجم اليورو يظهر للعلن وينافس الدولار في السوق العالمي لبيع النفط وظهر هذا الخطر عندما اقدم العراق في نهاية التسعينيات على تنويع سلة بيع نفطه بمجموعة عملات على رأسها اليورو وليس الدولار، وهكذا فعلت إيران في عام 2006 عندما قررت ابدال اليورو بدلا من الدولار لمبدلاتها وارصدتها، وهكذا فكرت فنزويلا بدراسة بيع نفطها باليورو وبهذا ستخطو دولا اخرى على اتباع نفس النهج والذي يفتح بابا ما ليرسم مسار اعلان انهيار كبير للاقتصاد الأمريكي ولهذا كان على الولايات المتحدة ودوائرها المخابراتية أن تبحث عن سبلا لمعالجة هذه الكارثة التي يمكن أن تضرب عمق الأمن القومي الأمريكي سريعا. 
يقول جافن بوتلاند "إذا كانت نظرية حرب عملة النفط وهماً، يمكن للإدارة الأمريكية أن تقر ببطلانها بسهولة عبر اعلان أمريكا بأنها لا تعترض على شراء النفط باليورو في بلاد اليورو" إن انهيار الاقتصاد الأمريكي سيشكل كارثة اقتصادية في العالم وأولها دول الاتحاد الأوروبي مرة أخرى مثل ما حدث في عام 2008 ولتجنب وقوعنا والدول النامية بهذا الكمين مرات اخرى على العالم أن يوحد قواه برسم سياسة اقتصادية تتخلص تدريجيا من هيمنة الدولار الأمريكي والذي أراه سببا رئيسا لانفصال بريطانيا من الاتحاد الاوروبي بفعل عملياتي سياسي ومخابراتي وهذا ما دعى أمريكا للبحث عن جذور تهديد اقتصادها وأحدها دول اليورو وقامت بالتهيئة لتفكيكها تدريجيا لتبعد شبح انهيارها.
تحاول أمريكا ابقاء نفسها رمزا للرأسمالية والديمقراطية وهي مصابة بالوهن وان كانت تمتلك ادوات الاستعراض ببقاءها قوية عسكريا.

باحث بالشؤون السياسية والاستراتيجية
بغداد- 24حزيران 2016

ليست هناك تعليقات: