السبت، 20 يونيو 2015

بين السياسة والعسكر الموصل استلبت قبل السقوط

 أمير الساعدي

الموصل في صورتها العامة حالها حال أي محافظة ينهش بها إرهاب القاعدة بين الحين والآخر، فهي كانت تشكو من كثر عمليات التفجير والاغتيال والخطف والتسليب وعلى رأسها الاتاوات لعناصر التنظيم، والكل يعلم بان هناك نشاطا مريبا للقاعدة الذي أنجب وليده الغير شرعي تنظيم داعش، ولكن في عمقها كانت تختلف في كثير من الجزئيات كون بيئتها قد هيأت عناصر جذب وأعتياش طفيلي لهذا التنظيم القاعدي الداعشي، نتيجة تدهور الحالة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ولكن لا أحد يقدم الحلول الناجعة لمحاربة هذا التنظيم الإرهابي .. فالساحة السياسية كانت تشهد شتات لاكثر من جهة حزبية تتصارع على مصالحها، مع تصاعد وتيرة رفض التمايز الذي فرضته الطائفية السياسية، مضافا له تنافس محموم مع الاكراد على ضم بعض مناطق الموصل الى حدود إقليم كردستان حسب المادة (140) وتعامل بعض اجهزة حفظ الأمن الكردية معهم بشكل صلب، والاستحواذ على ثروات تلك المناطق المختلف على تقسيماتها الادارية ومن الناحية الجغرافية فإن اشتراكها مع حدود دولية مع تركيا وسوريا قد أعطاها بعدا جيوسياسيا أكثر فاعلية.

البيئة الخصبة
أنتج الفشل في بناء منظومة مؤسسات حاكمة بالقانون وليس بالسلطة الى عدم الايفاء بكثير من حقوق المواطنين التي أقرها الدستور العراقي لهم وأقلها هي الخدمات وفرص العمل والعيش بكرامة وهذا حال كل مدن العراق (ما عدا إقليم كردستان)، وجود حالة تناكف سياسي كبير بين حتى نفس الكتلة الواحدة مثل التحالف الوطني والقائمة العراقية ولا سيما كانت هناك حالة استحقاق انتخابي لاعضاء مجالس الحكومات المحلية وبعدها لاعضاء مجلس النواب العراقي، والذي أدى الى خلق تحديات كبيرة أمام رص الصفوف وبناء بيت داخلي قوي يساعد في مواجهة الاخطار الخارجية، وهي بدورها ولدت بيئة حاضنة للتطرف والعنف وكذا للتعويض عن الضغط الذي يعيشه الفرد الموصلي حتى يعالج حالة الضعف، وإنه يستطع كسر القيود التي فرضتها دولة التحاصص الطائفي السياسي عليه... ليرفض سياسة هذه الحكومة التي لم تنجح في التأسيس لمجتمع بناء يمكنه أن يساعدها في عملية إعادة بناء الدولة بل حصل العكس حيث خلق الفشل السياسي بإدارة الدولة العراقية رفض المجتمع المحلي في الموصل التعاطي بايجابية مع قرارات الحكومة الاتحادية الذي كان يتحسس على نحو سياسي وطائفي مع كل قرار يصدر منها ولا سيما كانت هناك كثير من الممارسات الخاطئة لادارة الاجهزة الامنية والعسكرية وحتى الحكومة المحلية، والتي حاول ان يتعاطى معها بانها جزء من منظومة تهميش وإقصاء
ممنهج ضده وهذا ما أفرزته عدوى واقع يعيشه وحراك شعبي في دول ما سمي بالربيع العربي الذي حاول بعض ساسة المصالح من الاحزاب السنية إعادة أنتاجه على الساحة العراقية للضغط على الحكومة الاتحادية في بغداد لتحقيق كثير من المكاسب السياسية والنفعية الضيقة لهم وبهذا فتحوا جبهات لا يعرف مدى نجاحها في ظل حالة عدم استقرار سياسي وأمني في العراق ، في الوقت نفسه هناك كثير من أوجه تأثير أجندات مسبقة على هؤلاء الساسة ومن أكثر من طرف خارجي، لعلهم ينجحوا في إبعاد خطر الربيع العربي عنهم والدفع بالمتطرفين خارج حدودهم وكانت أكثر أرضية خصبة هي العراق، ومنهم سوريا التي كانت تعاني من أزمة حادة حاولت تنفيس بعض ضغطها على العراق عله يضغط على الاطراف الدولية التي تساعد في العراق على التخفيف عنها وكذا فعلت دولا إقليمية أخرى، والتي أعطاهم شتات العراق وضعف دولته الى أن يكون ساحة تقاطع مصالح لكثير من الاطراف الدولية والاقليمية...

المصالح في المنطقة
ما يحكم العلاقات الدولية هي أرجحية المصالح بين تلك الدول وليس علاقتها وتاريخها المشترك ، وهذا ما فقده العراق وسط تنازع بعض الاطراف الاقليمية على مسك عصا التوازن في المنطقة، الذي أعطى أفضلية لمصالح تلك الدول على مصلحة الشعب العراقي لعدم أمتلاك العراق عناصر القوة المناسبة للدفاع عن نفسه وواحد منها هي القوة العسكرية والذي يظهر عبر الواقع العملي للجيش العراقي وما يدعم هذه القوة من بنى اقتصادية وعلمية وتكنولوجية مفقودة، أبقت هذا الجيش ضعيف لم تكمل الولايات المتحدة الأمريكية بناء كامل قدراته وأمكاناته والذي عده منظري الاسترايجية الأمريكيين واحدة من أخطائها الاستراتيجية في العراق.
أن موقف أمريكا الثابت في عدم إقامة أو وجود قوة إقليمية أو عالمية تهدد الولايات المتحدة، كان مدعاة للتنافس مع روسيا الاتحادية والصين بل حتى الاتحاد الاوربي الذي يبدو حليفا ستراتيجيا لأمريكا في تنازعه على الحفاظ على مصالحه في المنطقة.
ومن هنا أنطلقت دولا إقليمية للحفاظ على مصالحها في المنطقة والتسيد فيها تاركة العراق يعاني كل حالات التخبط في محاولة تعاطيه مع سياسة المحاور أو الشراكات الاستراتيجية التي قد تدفع عنه كثير من الخطر، حيث أظهرت حكومة بغداد نوعا من الحياد الإقليمي والدولي ظاهرا والداعم لسياسة المحاور باطنا، فالاستراتيجية الأمريكية الراهنة لإعادة تشكيل بنية الشرق الأوسط تدفع دائما محاولة إمرار مخططاتها عبر مشروعها الشرق الأوسط الجديد، فلم نسمع يوما بأن تلك الدول الفاعلة في الساحة الدولية قد تخلت عن مخططات تحقيق هذه المصالح ولهذا فإن بذرة التقسيم ومن ثم التفتيت أطلقتها دوائرها المخابراتية والسياسية منذ وقت ليس بالقصير فهذه النيويورك تايمز تنشر خريطة تقسيم الشرق الأوسط الى دويلات في عام 2013.
وأن الخبراء الإستراتيجيين في البنتاغون ومجلس الأمن القومي الأمريكي، قد تأثروا بنظرية ماكندر، فالعراق عندهم قلب المنطقة العربية الآسيوية، فهذا يعني السيطرة على منطقة البترول ، والتحكم في خطوط المواصلات الإستراتيجية لانها تطل على الخليج العربي وتتحكم في الهلال الخصيب والذي يجعل المنطقة حسب رأيهم تحت الهيمنة الأمريكية من مصر حتى باكستان، أي أن تكون المنطقة تحت مظلة السلام الأمريكي (Pax Americana).
ولهذا كان التقسيم أمرا حاصلا بوجود وفعل الإرهاب القاعدي الداعشي، رافعا خجل ساسة العراق بالمضي صوب المشروع الأمريكي بتقسيم العراق أقاليما حسب الدستور العراقي.

شبح المؤامرة
فما اتفق عليه في ستراتيجية "إسرائيل" في الثمانينات ثم التقرير الإستراتيجي الذي تم تقديمه عام (1996) الى نتنياهو تحت عنوان استراتيجية "إسرائيل" عام (2000) ؟ يدلل على سعيهم الحميم لاستهداف وحدة العراق وشعبه، فالتقرير الأول حول ستراتيجية "إسرائيل" عام (1982) يؤكد في طرحه على تقسيم المنطقة العربية الى كانتونات سياسية وعلى رأسها العراق الى ثلاث دويلات، فلا يمكن للمنطق الشرقي أن يتغاضى عن الكثير من الدلالات والرسائل التي أظهرتها بربرية داعش وسعيها الحثيث لتدمير عرى الحضارات في المنطقة وأولها حضارة وادي الرافدين عبر تهديم الاثار وتحطيم المتاحف وسرقة الاثار والاتجار بها، وزرع روح الفرقة بين مختلف القوميات والاديان التي تألفت لقرون على أرض العراق، وكذا تفجير مراقد الأنبياء والاولياء والصالحين والمشايخ والمساجد والكنائس حديثها وقديمها إلا دلالة على أتباع أسلوب ممنهج لمحو الترابط الانساني لهذه الارض مع باقي الحضارات وطمس الهوية الحضارية لهذا البلد وتشويه ملامح إنتمائه الثقافي.. وإغراق صورة الاسلام الإنساني الوسطي في البعد المتطرف العنفي المتخلف. فما تركته همجية برابرة العصر من أذى وخراب اقتصادي واجتماعي عبر التهجير والقتل والسلب عندما استخدموا أسلوب الصدمة والرعب للسيطرة على المناطق التي يستولون عليها والذي أدى الى نزوح مئات الالوف من أهالي نينوى من كافة الاقليات والاديان، فقد سجلت الدوائر الحكومية خمسة ملايين إنتهاك لداعش على الاراضي العراقية قدمتها للمحافل الدولية، والذي كشف كثير من عورات المتبجحين برفضهم لارهاب داعش وهم كانوا يساندونهم إعلاما وأموالا وأسلحة، وقبل ذلك كانوا يسمونهم "ثوارا"، فلمن قامت داعش بعرض الاسلام بصور مشوهة ؟؟ ولمن عاثت بالارض فسادا ؟؟ ولمن أفسدت الحرث والنسل ؟؟ ولمن فرقت ؟؟ ولمن قتلت ؟؟ ولمن سبت ؟؟ ولمن سرقت ؟؟ ولمن تاجرت بأعضاءنا ونساءنا ؟؟؟ هل خدمة للإسلام والمسلمين الذي هو براء من همجيتها ؟؟؟ أو لبناء دولة الخلفاء الراشدين؟؟ إم لاطراف وأهداف سياسية مصلحية تقسيمية للابقاء على "إسرائيل" قوية ممدوا في عمرها تتسلط بقدراتها المدعومة أمريكيا وأوربيا على دويلات المنطقة...
فدول التحالف الدولي فيما يبدو متفقة مع أمريكا بعدم الجدية والبطئ في محاربة داعش لهذه الساعة في عدم إنفاذها قرار مجلس الأمن (2199) والذي يقضي بتجفيف منابع تمويل الإرهاب، ويشمل القرار محاصرة مصادر تمويل داعش والنصرة. وتجميد أصول هذه المجموعات التي تقاتل في سوريا وعدم القيام بتجارة معها سواء بشكل مباشر أو غير مباشر وضبط تهريب الشاحنات التي تمر عبر الحدود التركية خصوصا. ويوسع القرار حظر المتاجرة بالآثار المسروقة، ليشمل سوريا وهو قرار كان ساريا من قبل على العراق ولا يقتصر هدف مشروع القرار على محاربة داعش والقاعدة.
هذا ما يقرأه التحليل الاستراتيجي لمجريات الأحداث وما يمكن أن نحصده منها مستقبلا، وليس ما نتخوف منه دوما وهي المؤامرة...

الأنهيار الأمني
مضاف لما سقناه سابقا وبعد مرور عام على سقوط الموصل أجتمعت الكثير من المعطيات الداخلية والخارجية في التسبب بسقوط الموصل ومنها وجود بعض الضباط الفاسدين والمفسدين في قيادات الشرطة المحلية والاتحادية والجيش العراقي في قيادة عمليات نينوى، عدم مهنية ضباط تلك القيادات، وجود الفضائيين بأعداد كبيرة في القوات العسكرية، الاعتقالات العشوائية التي خلقت تذمر شعبي، عدم وجود عقيدة عسكرية واضحة للجيش، ضعف الجانب الاستخباري، ضعف القيادة والسيطرة في الجيش، الشحن الطائفي، التحسس القومي، التجاذبات السياسية بين الاقليم والمركز، تنازع الصلاحيات بين الحكومة المحلية والحكومة الاتحادية، صعود قوى إقليمية للسيطرة على المنطقة بسعي إيران لاسترجاع قيادتها للمنطقة ولا سيما بتقاربها مع الولايات المتحدة في بعض الملفات العالقة، ومحاولة تركيا أردوغان عثمنة المنطقة من جديد واحدة من هذه الصفحات التي مهدت لتركيا بدعم تلك التنظيمات المتطرفة في أكثر من وجه حيث مهدت لكثير من عناصر داعش بالتدريب على أراضيها وتسليحهم وهذا بأعتراف بعض أحزاب المعارضة التركية وكذا بعض الأجهزة الأمنية عن دور المخابرات التركية بتهريب السلاح الى تلك التنظيمات في سوريا ومن ثم للعراق، وسبقهم نائب الرئيس الأمريكي (جو بايدن) بأعتراف أعتذر عنه فيما بعد عن تورط تركيا وبعض دول مجلس التعاون الخليجي في عمليات دعم داعش ولا يمكن أن ننسى قرار مجلس الأمن الدولي (2170) الذي أدان بعض الشخصيات الخليجية الداعمة للارهاب، وبعد ذاك كله كيف تغاضى الطرف الكردي وهو الذي يمتلك منظومة أمنية قوية عن أخطار تهيئ داعش للانقضاض على مدينة الموصل والذي سبق وأن سمح لمرور كثير من عناصر الإرهاب الداعشي بالدخول الى الأراضي العراقية بعلمه أو بدون علمه، وهذا بشهادة شهود عيان راقبوا دخول العديد من الحافلات المحملة بعناصر داعش الى الحدود العراقية عبر تركيا، وهذا ما جعل إقليم كردستان يطلق بعد السقوط أتهامات لبغداد بانه سبق وأن حذر الحكومة الاتحادية من خطر داعش لكن بغداد لم تتخذ أمرا رادعا في حينها واتهمت بعدم معالجة الامر لاسباب سياسية وانتخابية، والصورة الاخرى المكملة لانهيار الجيش هي تداعيات إنسحاب قوات البيشمركة من مناطق الاقليات وسهل نينوى والذي أوقع أبشع المأسي الإنسانية بالاقليات وأولها السبي الأيزدي في منطقة سنجار وغيرها من المناطق، ومن ثم تصريح حكومة الأقليم بأنها ستدافع عن حدود كردستان وبهذا أعطت ضوءً أخضر لتنظيم داعش بأنه لن يهاجم من قبل البيشمركة وإنه سيلزم حدوده الدفاعية وهذا ما أعطى الارهاب الداعشي بالتغول على أهالي نينوى بشكل كثير. ففصول التداعيات كشفت بعضا من تغاضي الساسة وتحملهم المسؤولية الاخلاقية والقانونية لما حصل في سقوط الموصل، فمما رشح عن لجنة التحقيق في سقوط الموصل واكد بعضهم في إفادته أن تنظيم داعش كان يمتلك "حكومة ظل"، تتكون من بعض موظفي دوائر المحافظة، وكانت مصدرا لتمويله، وأن التنظيم قام بمكافأتهم بعد سقوط الموصل.
وافاد رئيس اللجنة الأمنية في مجلس المحافظة الذي أكد امتلاك كتلة النهضة وهي كتلة أثيل النجيفي السابقة، لمعلومات حول الانهيار الأمني. ويقول أحد أعضاء مجلس محافظة نينوى الذين خضعوا لاستجواب اللجنة التحقيقية، إن "محافظة نينوى سقطت بيد المجاميع الإرهابية قبل سنتين، ونحتاج لتوضيح التداعيات الأمنية التي حصلت خلال هذه الفترة من قبل أعضاء مجلس محافظة نينوى". فمازالت نتائج هذه اللجنة مبهمة وغير واقعية فهي لم تحمل المسؤولين الحقيقيين عن سقوط الموصل أي مسؤولية قانونية، في الوقت الذي يرى الكثير بأن القائد العام للقوات المسلحة السابق السيد المالكي ووزير الدفاع وكالة سعدون الدليمي وقائد القوات البرية علي غيدان ومعاون رئيس أركان الجيش عبود قنبر ومكتب القائد العام للقوات المسلحة كونهم من أدار معارك الموصل وما حدث من بعدها فعليهم وزر ما جرى من أحداث مأساوية على الشعب العراقي. ولكن التوافقية والتحاصص السياسي والطائفي والقومي ترك الحساب جانبا وأوقعه على الاوراق المحروقة سياسيا في المحافظة وبعض كبار الضباط...
 فقد أبلغني أحد شيوخ عرب كركوك بأنه أتصل بأسامة النجيفي يحذره من أستيلاء داعش على الموصل فرد عليه ببرود السياسي "دعهم يأخذوها فأن أمريكا ستسترجعها لنقيم بها الاقليم" وهكذا تعاطى فيما يبدو أثيل النجيفي مع سقوط الموصل والذي حمله مجلس النواب العراقي متأخرا جدا مسؤولية بعض ما حصل في محافظة نينوى ولكنه مازال وبدعم تركي يقود معسكرات تدريب تحرير الموصل!!
وبالمقارنة مع ما جرى من تحميل النجيفي مسؤولية أسقاط الموصل نرى بأن سياسة التحاصص الطائفي والسياسي والتوافقية التي نخرت الاداء الحكومي قد غيرت مجرى مكافأة محافظ الانبار الذي كان يواجه الإرهاب الداعشي وتعرض لاصابة بليغة في الميدان عندما أقاله مجلس المحافظة وهو يتمتع بإجازة رسمية من مجلس الوزراء من منصبه وعين محافظا أخر، فهذه صورة حية على عمق الخلل في التوافق السياسي الذي أفقد المؤسسات الحكومية مهنيتها وهذا ما زاد حجم الفراغ السياسي والثقة بين المواطن وصانع القرار بالعراق.

أمل التحرير
كانت فتوى الجهاد الكفائي المحرك الأساس لتشكيل فصائل مقاتلة تحت أسم الحشد الشعبي لشحذ الهمم وأستجماع المعنويات المنكسرة واستصراخ للعقيدة ودفاع عن الأماكن المقدسة والعراق وشعبه لتكون السد المنيع أمام تمدد داعش الذي هدد أسوار العاصمة بغداد والمناطق المقدسة في كربلاء والنجف وأعطت زخما مضافا للجيش والشرطة الذي كان يقاتل تنظيمات داعش في أكثر من ميدان، والتي فسرها "المعارضون" على إنها تحرك طائفي يعظم الفرقة والتشت بين النسيج المجتمعي العراقي، والذي سجلت عليه بعض الخروقات في تحرير مناطق ديالى وشمال بابل وصلاح الدين، بل أتهم بالتغيير الديموغرافي ومحاولة تدجين السنة الذين رفضوا دخول الحشد في تلك المحافظات المغتصبة من داعش، ولكن ما حدث هو العكس تماما حيث أظهرت اللحمة الحقيقية لابناء العراق في تحرير مناطق الضلوعية والعلم والبوعجيل صورة مغايرة، كما أنضمت كتائب الاقليات لهذا الحشد الشعبي لتكسر مسحة الطائفية وأصبحت تقاتل تحت  لواء واحد وقيادة مشتركة للقائد العام للقوات المسلحة.
ونتيجة لأستنزاف الحرب مع إرهاب داعش المستمر أحتاج العراق الى كثير من الدعم السياسي والعسكري واللوجستي من قبل دول المنطقة والعالم والذي دفع الولايات المتحدة وعبر رئيسها أوباما الى إنشاء تحالف دولي باطلاقه ستراتيجية جوية لمواجهة داعش في العراق وسوريا  والتي لم تفعل الكثير على أرض الواقع حسب أعتراف خبراء الأمن وبعض العسكريين الأمريكان وكذا أعضاء في الكونغرس الامريكي بأن هذه الخطة أوقعت خسائر في صفوف التنظيم الارهابي ولكنها فشلت في الحد من خطر داعش في المنطقة، حيث سبق لأمريكا عبر البنتاغون والمنسق العام للتحالف الدولي جون آلن أن أعلن عن موعد لبدء عمليات برية شاملة لتحرير الموصل الذي كان متوقعا أن يبدأ في ربيع عام 2015 ومن ثم مدد الى شهري أيار وحزيران من هذا العام ولكن تمدد داعش في محافظة الانبار وسقوط مركزها الرمادي عقد المشهد كثيرا.. فبعد تحرير مركز محافظة صلاح الدين تكريت والخلاف بين أمريكا والحكومة العراقية على مشاركة الحشد الشعبي في مقاتلة داعش والذي سواه الدكتور العبادي بدبلوماسيته وشارك الاثنان في باقي عمليات التحرير مما أعطى زخما للسيد العبادي لاعلانه بدء عمليات مطاردة داعش في الانبار وهذا ما أراه كان مستعجلا بعض الشيء لأنه لم يأخذ البعد الاستراتيجي لساحة المعركة في الانبار قبل إكمال تحرير محافظة صلاح الدين والتي مازالت المعارك فيها جارية الى الان لمقاتلة داعش وكان الأولى هو التوجه صوب ساحة عمليات نينوى التي تتوفر بها بعض المعطيات الجيوساسية والعسكرية التي تساعد في تدعيم دور الجيش العراقي ومن يقاتل تحت مظلته لتحقيق أنتصارات كبيرة على العكس من ساحة الانبار التي تعاني اليوم من نزوح كبير من مدنها نتيجة تمدد داعش، التي كان ينبغي أبقاء روح التعرض والتماس مع داعش فيها مستدام لاستنزاف قدراته وتشيت عناصره.
فقيام الولايات المتحدة الأمريكية بأنشاء مراكز عمليات مشتركة وتدريب يشرف عليه المئات من خبرائها ومستشاريها الأمنيين متعاونة مع بعض دول التحالف الدولي التي أرسلت مدربيها للمساعدة في إعداد وتدريب الجنود والمتطوعين العراقيين لخوض غمار معركة تحرير الموصل، حيث سمى القائد العام للقوات المسلحة قائد عمليات تحرير نينوى اللواء الركن نجم عبدالله الجبوري للاشراف على عمليات الاستعداد والاستحضار لمعركة الفصل في تحرير محافظة نينوى.
فدعم أمريكا المشروط غالبا سياسيا واستقبالها لبعض الاصوات المرفوضة مجتمعيا في محافظاتها والمطلوبة قضائيا أربك بعض الشيء الدعم الكامل لمواجهة خطر تمدد داعش في العراق .. مثلما فعلت بموضوع تسليح العراق عبر ميزانية الدفاع لعام 2016، ففي الوقت الذي تقوم أمريكا بـ(10- 20) طلعة أو ضربة جوية في اليوم الواحد نرى بأن التحالف العربي يقوم بأقلها (100) ضربة جوية يوميا في اليمن فأيهم أشد خطر على العالم والمنطقة؟؟ وأيهم أكثر إمكانات وقدرات هل الولايات المتحدة الأمريكية أم التحالف العربي وكذا تعاملت مع معركة أقتراب داعش من أربيل ولكنها لم تفعل شيء مع اقتراب داعش للرمادي وأسقاطها، وفعلت نفس الشيء في تحرير عين العرب ولم تفعله في منطقة البغدادي التي لا تبعد عنها قاعدة عين الاسد إلا بضع كليومترات....
 نحن بحاجة ماسة الى ستراتيجية سياسية معاضدة للاستراتيجية العسكرية فمن غير كسب عقول وقلوب أهالي المناطق التي أستولى عليها داعش وإمرار كثير من بنود ورقة الاتفاق السياسي سيبقى البيت الداخلي العراقي ضعيفا لا يقوى على مجابهة خطر داعش... فالاعتماد على القدرات الذاتية وتدعيمها عبر أكثر من دولة لمحاربة داعش منها روسيا الاتحادية وإيران والصين ودول أمريكا اللاتينية وأوربا أيضا لبناء قدرات وإمكانات الجيش العراقي وباقي الوحدات التي تقاتل الإرهاب القاعدي الداعشي، والذي سيفتح بدوره أبواب التعاون المشترك ليس في الجانب العسكري بل بمثل ما جاء في نص أتفاقية الأطر الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية والتي لم تنفذ أبوابها بما يخدم مصالح الشعب العراقي.
فتفعيل صلاحيات رئاسة أركان الجيش العراقي وهيئات ركنها المساعدة وكذا دور القيادة العامة للقوات المسلحة، وإعادة تنظيم كل وحدات الجيش والشرطة في العراق بشكل أحترافي، وزيادة نوعية التدريب والتسليح والتجهيز، وتدعيم الجندي والمقاتل بكل إحتياجاته اللوجستية، والتعامل بعدالة مع الجندي والمنتسب في حياته اليومية، ومحاربة الفساد والمفسدين وتطهير أجهزة الأمن والجيش والشرطة من العناصر الانتهازية والنفعية والغير مهنية، تسريع وتيرة تسليح أبناء العشائر الذي مازالت تعاني من نوعية وكمية التسليح والتجهيز والتي انصهرت بقتالها ضد داعش مع مقاتلي الحشد الشعبي مثلما شهدنا في ساحة البغدادي والكرمة وعامرية الفلوجة ومناطق صلاح الدين، فهذا كله سيساعد في تعظيم قدرات ومعنويات المقاتل العراقي الذي أثبت صبرا وثباتا وتضحيات كبيرة وإقداما في محاربة داعش في عدة ساحات والتي أظهرت كثير من القوة والجرأة والخبرة والعقيدة الثابتة والمعنويات العالية لفصائل الحشد الشعبي.
مازالت ساعة الصفر لتحرير الموصل في حيز التحضير والتدارس مع أطراف دولية وإقليمية لحين أستكمال تدريب وتجهيز وتسليح المتطوعين والعائدين من شرطة نينوى، والذي أكد الدكتور العبادي في أكثر من تصريح بأنها ستكون ساعة صفر عراقية من غير إملاءات خارجية ولكن قد يكون هناك مشورات فنية من بعض الاصدقاء لتحسين إعداد الخطط أو استثمار الامكانات المتوفرة لدينا بشكل أفضل...
فتحرير محافظة نينوى من داعش لن يكون أمرا واقع ما لم يتخلى الفاعل الدولي والاقليمي عن تقاطع مصالحه على أرض العراق، وصرف نظره عن مشروع الشرق الأوسط الجديد والذي سيؤخر كثيرا عملية إكمال تحرير العراق الذي يدفع دفعا لقبول مشروع أمريكا في المنطقة...
ويبقى الأمل معقود بقدرة العراقيين بالتسامي فوق جراحاتهم وجمع الكلمة وتوحيد الصف خارج الارادات الخارجية لمحاربة الإرهاب القاعدي الداعشي، والذي لن يستطع من تجاوز هذه المخاطر مع بقاء الأزمة في سوريا على أشدها، فستبقى داعش ترمي شررها صوب العراق.

باحث في الشؤون السياسية والاستراتيجية
بغداد- 9 حزيران 2015

ليست هناك تعليقات: