الثلاثاء، 20 ديسمبر 2011

"الحسنة بعشر... سيئات"!!ِ

أمير جبار الساعدي

المشهد السياسي العراقي المرتبك بعدم التوافق الداخلي وكثرة التجاذبات بين قادة كتله وأحزابه وأختلاف رؤاهم حسب ما يدعون لقيادة البلد الميمون الى سبيل أفضل، وليس الأختلافات الشخصية ما يفرقهم ولا الأجندات الخارجية سوف توحدهم ... ويسير بذاك الركب المنفلت دعوات الأقلمة المتوشحة بسيناريو الدستور والمؤطرة بالتهميش والقصور من الحكومة الاتحادية صوب تلك المحافظات المتأقلمة بين رفضٍ قاطع وتوافقٍ كاملٍ وسط عشائرها ومثقفيها ووجهائها، وأنسلاخ حدودها الإدارية قطعا قطعا... وفوق هذا وذاك شد وجذب بين حكومة إقليم العراق الأوحد كردستان عراقنا الأمجد وحكومتنا الاتحادية التي تنادي بالمركزية النفطية كونها موارد طبيعية وحصة كل العراق المجزية، داعية أياه لإعلان دولته إن كان هذا مبتغاه.
وعلى الصعيد الخارجي فلم نصل لحل كبير فيما يتعلق بميناء الفاو الكبير والقرش الذي يحوم حوله في ممرنا المائي الصغير، والذي نخطو صوبه خطوة وتخطو الكويت عشرة خطوات بأتجاه بناء مينائها الذي تقول بأنه مبارك ليس لكويتها وحسب بل للعراق وموانئ سندباده المبعد عن الدخول الى ثغر العراق وفيحائه بحرية ومجد.
وبعد ذاك يأتي صراع الاضداد على ساحة العراق فالاحتلال مغادر والأمن يبحث عن جيش وقوات أمن مغامر يثبت الاستقرار ويقهر المليشيات والمسلحين ويدحر الإرهاب والمجرمين ... وسط فراغ جوي لحماية سماءه بدفاع أرضي وطائرات محلقات بفضاء العراق الأبي.
ومع بدء العد العكسي لرحيل فلول الاحتلال من أرض الرافدين بأنتظار السيادة الكاملة والتي مازالت ناقصة المعاني كوننا نرزح تحت طائلة الفصل السابع، فأن الولايات المتحدة الأمريكية تخاف على أمن العراق وساحته السياسية من التدخلات الإيرانية، والذي بالأصل هي من فتحت الباب على مصراعيه أمام هذه التدخلات، ولكنها لم تخشى من التجاوزات والخروقات التركية من تقليل الحصة المائية، صعودا الى الخروقات السيادية بالدخول الى الأراصي العراقية وقصف القرى الحدودية وتحليق وهجوم الطائرات الحربية، وأخرها قطع مياه نهر هيزل الذي يصب في نهر الخابور الذي يمر بمدينة زاخو، ولم تبخل الجارة إيران والحمد لله بكل ما تقدم من الخروقات فكلاهما متفق بشأن المسألة العراقية ..
فنحن نعيش يوم جديد ومرحلة جديدة بعد "حسنة" التغيير في عام (2003)، والتي خلصت الى عملية زرع الديمقراطية التي مازالت تعاني الكثير من المخاضات وتواجه التحديات نتيجة الصراعات والتناكفات الفئوية والحزبية والمحاصصات بأختلاف مسمياتها المعلنة، يقف الشارع العراقي حائرا متفرجا على ماذا حصد من هذه الحسنة... والتي يبدو بأنها تركت عشر سيئات على الصعيد الإنساني والثقافي والتدهور في البنى التحتية والاجتماعية فعلى سبيل المثال تراوحت نسبة السكان الذين يعيشون في الاحياء الفقيرة أقل من (20%)، أما في يومنا الحالي، أرتفعت هذه النسبة الى (53%).
تعثر التعليم في العراق حيث لخص تقرير اليونسكو "التعليم في اطار الهجوم" الصادر في (20 شباط 2010)، بأن "على الرغم من تحسن الوضع الأمني في العراق، إلا أن الحالة التي تواجهها المدارس والطلاب والاكاديمين لا تزال خطرة".
الأضرار بالطبقة الوسطى الذي نتج من تفاقم الوضع الأمني الذي دفع بالجزء الأكبر من الطبقة الوسطى المتعلمة للهجرة - والتي تعد العامل المهم في البناء والتطوير في الدول الحديثة. ومثال ذلك إن عشرون ألف طبيب عراقي مسجل من أصل (34.000) غادروا العراق بعد غزو الولايات المتحدة. ومنذ نيسان (2009)، عاد أقل من (2,000) وهو نفس عدد الذين قتلوا خلال الحرب. ولكم أن تروا حجم الفجوة التي يتركها هذا العدد على الوضع الصحي ونوع الخدمة المقدمة للمواطن العراقي.
السوء الذي لحق المجتمع العراقي والذاكرة الوطنية من خلال الهجمات التي استهدفت المحفوظات والمعالم الوطنية التي تمثل الهوية التاريخية للشعب العراقي. من خلال أمريكا إذ ما علمنا ان بأن الأف من القطع الاثرية أختفت خلال "عملية تحرير العراق". وتحتوي هذه القطع على ما لا يقل عن (15.000) قطعة نفيسة تعود الى حضارة وادي الرافدين التي كانت موجودة في المتحف الوطني في بغداد, بالإضافة الى العديد من القطع المأخوذة من (12.000) موقع تاريخي الذي تركته قوى الاحتلال بدون حراسة، كما قامت قوات الولايات المتحدة بتحويل سبعة مواقع اثرية على الأقل الى قواعد أو معسكرات للجيش، من ضمنها اور، واحدة من أقدم المدن في العالم وهي أيضا مسقط رأس النبي ابراهيم عليه السلام، إضافة الى أثار بابل الاسطورية حيث أسفر معسكر قوات الولايات المتحدة عن أضرار لا يمكن إصلاحها في هذه المدينة التاريخية. ومع وجود حراسات من الجهد الحكومي ضعيفة جدا فإن السرقات مازالت مستمرة لهذا الأرث الحضاري الإنساني.
الخطر الذي لحق العراق نتيجة تفكيك جميع المؤسسات الكبرى، عسكرية وصناعية ومدنية والتي بدأت معها حملة مطولة لإعادة التشكيل السياسي والتي مازالت لحد هذه الساعة في طور البناء، والذي أبتدء بقوانين بريمر المئة التي حولت العراق الى كابوس يصارع للخلاص مما وضع به من حالة تفشي النهب والفساد والدمار على أوسع نطاق في عموم الدولة العراقية.
أيجاد أجواء عنفية وغير مستقرة تحولت الى صراعات طائفية مقيتة أكلت الأخضر واليابس في الكثير من المدن العراقية، والتي أوجدت حالة من التجاوزات على حقوق الإنسان بدءً من أبو غريب وقتل العراقيين بأسلحة الشركات الأمنية، والأعتقال بالشبهات وضياع كرامة الإنسان العراقي على أرضه وبيد أهله. حيث كانت حكومة الولايات المتحدة وبريطانيا ترفض بصورة واضحة أن تفي بواجباتها أمام القانون الدولي كقوة محتلة بحكم الأمر الواقع.
حيث صرحت وزيرة حقوق الإنسان السابقة وجدان ميخائيل بأن وزارتها تلقت أكثر من (9000) شكوى من عراقيين حول أختفاء أقاربهم خلال سنتي (2005 2006) فقط. لقد أساء الجيش الأمريكي استخدام القوة الهائلة ووضعوا أنفسهم فوق القانون، من خلال أعطاء الأوامر لارتكاب جرائم شنيعة. وقد وضعت اتفاقية جنيف من أجل جرائم من هذا النوع تحديدا، ولهذا فإن اتفاقية جنيف بالغة الاهمية في يومنا هذا، والتي غيبت من قبل الجميع.
ناهيك عن تدمير مدن عراقية بشكل متعمد وكبير جدا، وما لحق بها من أضرار اقتصادية واجتماعية وبيئية وصحية مازال سكانها يعاني الى الأن من تداعيات الأسلحة التي أستخدمت عليهم.
ولذلك فإن الولايات المتحدة الأمريكية مسؤولة عن هذه المأساة الرهيبة التي ألحقتها بالأف المواطنين العراقيين ويجب أجبارها على دفع تعويضات ملائمة للضحايا، فعلى السلطات الثلاث أن تضع الاجراءات المناسبة لملاحقة تعويض الشعب العراقي والعراق كدولة عن جميع هذه الخسائر والدمار والاضرار التي تسببت بها الحرب والاحتلال لهذا البلد.
لا يمكن أن يكون الوضع العراقي قاتما وحسب في مسيرة التغيير الحاصلة منذ تسع سنوات ولكنها تخطو خطى بطيئة جدا نحو بناء دولة القانون والمؤسسات التي هي حلم كل العراقيين، الذي أنتظروه مدة طويلة ولم يتحصلوا على الكثير منه سوى أسم الديمقراطية وحرية الانتخاب، والوعود السياسية التي ينتظر أن نراها تتحق نتيجة مستحقة لعملية التغيير.
وعودا على ذي بدء، فبالوقت الذي تعهد به الرئيس الأمريكي باراك اوباما بأن يكون الإنسحاب من العراق إنسحاباً مسؤولاً ... نتمنى أن يكون تعاطيه مع المشاكل التي خلفها الاحتلال بأتباع سياسة مسؤولة أيضا...

ليست هناك تعليقات: