أمير جبار الساعدي
وجهت أحدى الصحفيات من مصر عبر
شبكة التواصل الاجتماعي بعض الأسئلة التي تستفسر بها عن إقليم كردستان وهي:
هل فعلا إقليم كردستان حقق نهضة
واسعة في كافة المجالات حسب ما نسمع ؟؟ وهل فعلا هم يطمحون لقيام دولة مستقلة عن
العراق؟؟ وكيف
يرون المستقبل في قيام دولة مستقلة ؟؟ وهل يرون إن هذا من مصلحتهم ؟؟ من وجهة نظر
المواطنين.
فيما يخص مواطني إقليم كردستان
العراق ..فهناك تحشيد كبير من قبل المؤسسات الرسمية والأحزاب لترغيبهم بفكرة إعلان
دولتهم المستقلة، نتيجة الظلم الذي وقع على الأكراد في السابق وتمتعهم بشبه
استقلال بعد عام 1991..والذي أعطى فرصا كبيرة للترويج بالاستقلال التام وتمسكهم
بفكرة "حق تقرير المصير"..ولأن المواطنين بقوا تحت مظلة الأحزاب الحاكمة
في الإقليم، والخلفية الثقافية المثقلة بالمظالم والظلم التي طبعت فيهم هذه الرغبة
والطموح في أن يكونوا مقتنعين بأن إعلان الدولة أفضل، كما أن التسويق والتوعية على
المختلفات كاللغة والقومية أكثر من تركيزهم على المشتركات كالدين، والأرض،
والتاريخ، والدم، دعم لديهم فكرة الانفصال..ولكن الصورة بشكلها العام قد لا تعرض
بأنهم يمثلون كل مواطني الإقليم، لأن هناك بعضا مما يرغب بالبقاء مع عراق اليوم
الذي لولاه لما أصبح هناك إقليم، ولولا الإقليم لما كان هناك قواعد لعراق اليوم
التعددي الاتحادي ...
إن الواقع العام للملف الاقتصادي
وحالة النمو بعدة مجالات هي متقدمة بإقليم كردستان العراق على باقي محافظات العراق
..وعلى سبيل المثال يتمتع إقليم كردستان بـ 22ساعة من الكهرباء ولكن باقي مدن
العراق لا تتجاوز ساعات تجهيزهم بالطاقة الكهربائية العشرة أو 12ساعة بأحسن
الأوقات..لعدة أسباب..ولكن يبقى الواقع الحقيقي..هو وجود مساحات غير مكتملة النضوج
السياسي والاقتصادي في الإقليم ترى أثارها كما في أي دولة أخرى..ونتيجة ذلك شهدنا
الكثير من المظاهرات التي أستمرت لأشهر والتطورات في بناء الديمقراطية لدى المواطن
الكردي برفضه لكثير من المعطيات التي تطبقها حكومة الإقليم ..ومطالبته بتحسين
الأوضاع وتوفير فرص العمل وغيرها...أما بشأن الطموح الكردي بإقامة دولتهم فهذا
الأمر حقيقي ولن يكون بعيدا عن مسامعنا في المستقبل القريب بأن نرى قادة إقليم
كردستان العراق يعلنون دولتهم ..لأن هذا الأمر له جذور تاريخية مهمة لهم إذ تمكنوا
من تحقيق هذا الحلم سابقا بإقامة الحكومة الكردية التي أسسها الشيخ محمود الحفيد
في محافظة السليمانية، بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، ولكنها لم تستمر
طويلا...أما بما يتعلق بإقامة هذه الدولة ودرجة تأثيرها على العراق وعلى الإقليم
نفسه ..فأن ذلك يبقى مرتبط بدرجة التنازلات والتوافقات السياسية بين أطراف العملية
السياسية التي تحكم العراق اليوم..وعلى سبيل المثال رأينا في خلال المدة الماضية
خروج الكثير من أبناء محافظة ديالى وبعضا من المجاميع المسلحة بالاعتراض على إقامة
إقليم ديالى، وإن كان الأمر دستوريا ولكنهم رفضوا الأمر مناطقيا وطائفيا
وتحاصصيا.. وعدوه تمزيقا لوحدة العراق وتفريقا لشعبه..فأغلقوا الطرق الدولية
واقتحموا مجلس المحافظة ومنعوا الموظفين من الذهاب لدوامهم الرسمي..فهل يا ترى بأن
كل هؤلاء سيخرجون عندما سوف يقتطع من جسد العراق أكثر من ثلاث محافظات وإقامة دولة
الكُرد؟..فالجواب معروف ولن أجيب عليه وسأتركه للأيام القادمة وبنظري هي ليست
ببعيدة... والأمر الأهم من ذلك هو التوافق الإقليمي والدولي الذي تتحرك جماعات
المصالح والجهات المتنفذة في إقليم كردستان بشكل دائم لتحصيله وكسب ود كل الأطراف
المؤثرة بإيجاد تلك الدولة مستقبلا.
فأن البيئة السياسية في إقليم
كردستان تعمل عبر منظمات المجتمع المدني والأحزاب على أبقاء جذوة مفهوم الدولة
التي يطمحون بها متقدا وباستمرار، ومثال ذلك هناك جمعية تحت مسمى "جماعة
العلم الكردستاني"تسعى دائما لخلق روح الانفصال وعلو وجوده على بقائه مع
الجسد العراقي كلما كانت هناك مناوشات سياسية أو إعلامية بين سلطة الدولة
الاتحادية أفرادا ومؤسسات وبين الإقليم، لكن هل سيكون الأمر بمصلحتهم القومية
كأكراد العراق وحسب؟ أم أن ذلك سيمتد لدولتهم الكبرى من غرب إيران فجنوب تركيا
وشرق سوريا..والجواب، بالتأكيد سيصب في مصلحتهم متى ما تحصلوا على موارد طبيعية
بشكل أكبر وهذا ما تأكد وجوده لديهم ..واستطاعوا بأن يتحكموا بكل هذه الموارد
وتحصيل الأموال التي تدعم قيام هذه الدولة وتعضد وجودها على الأرض.. فالوضع
الإقليمي ولاسيما الدولي هو من سيعطيهم هذه الفائدة من عدمها.. فإذا تعارضت مصالح
قيام دولة الأكراد في شمال العراق.. فإن كل من الدول المحاددة لهذه الدولة ستصب
جام تحدياتها على الأكراد أو تناور بهذه الورقة على سبيل تحقيق مصالحها.. ولكن هل
يمكن للأكراد بأن يقدموا تنازلات أكبر لكسب ود دول الجوار الإقليمي لتحقيق مصالحهم
والتي يراد منها تنمية وتطوير الإنسان الكردي بصورة أكبر وجعله في مصاف الدول
المرفهة...والكل يعرف حجم التحديات الكبيرة أمام تحقيق تام لمصالح الأكراد في حال
قيام دولتهم ..لأنهم مازالوا يفتقدون لبعض من عناصر ومقومات إقامة هذه الدولة
وأولها برأيي هو الحماية الضرورية لأرض وسماء كردستان العراق..والدليل واضح في حجم
الخروقات السيادية التي طالما قامت بها كل من إيران وتركيا وبشكل دوري ولم تستطع
حكومة الإقليم عندما زاد وبال هذه التجاوزات إلا بالاستنجاد بالحكومة الاتحادية وجيشها
والذي لم تسمح له بالدخول الى أراضي كردستان العراق..وما زيارة السيد مسعود
البارزاني الأخيرة لكل من تركيا وإيران إلا بداية تمهيد الطريق لتقديم بعضا من هذه
التنازلات وتحصيل التوافق على إعلان هذه الدولة وتأمين حماية حدودها الخارجية بناء
على حجم ما يقدمه الأكراد من منافع لتلك الدول...
وفي ظل مجمل التغيرات في الساحة
العربية والإقليمية نحو دول تؤسس لحكم الشعوب وليس الحكام .. هل الأصلح أن يكون
العراق متجاورا مع إقليمه ويبتعد عن مشاكله، وكذا يفعل الإقليم بابتعاده عن مشاكل
العراق وضمان مصالحه التي طالما تخوف من أن تتحول الى صفقات ومرتبة ثانية في
اهتمام المركز؟.. أم أن مصاهرة كردستان الأبدية التي تحافظ على روح هوية العراق
الاتحادي الذي سيخدم كل الأطراف في خيره وشره هي الأصلح.....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق