أمير جبار الساعدي
انجازات كبيرة بدأت تسجل للعراق ودبلوماسيته بعد خروج
قوات الولايات المتحدة الأمريكية من العراق، فعقد القمة العربية في بغداد السلام،
وتطور العلاقات العراقية- الكويتية بشكل كبير بالشكل الذي دعى الكويت للدعوة لانضمام العراق
لمجلس التعاون الخليجي ورأب الصدع فيما بينه وبعض دول مجلس التعاون، ودعم العراق
للخروج من الفصل السابع، تبعه دعم إقليمي أخر جاء من الجارة إيران عبر الدعوة لعقد
مؤتمر (5+1) في بغداد. وتقديمه مبادرة لحل الأزمة السورية، ومثلها لفك أشتباك دولة
جنوب وشمال السودان.
وفي الوقت الذي يحمّل العراق،
تركيا وسوريا وإيران مسؤولية نقص مناسيب مياه الأنهر الداخلة إليه بسبب إقامتهم
مشاريع أروائية وزراعية عليها.
وبعد كل هذا حتى في البلدان التي أعلنت حالة النفير
ودخلت الحرب فيما بينها مثل الهند وباكستان، لم يقطعا مياه الأنهر المشتركة فيما
بينهما. ولكن ما يحدث على أرض الواقع من قطع وتقليل مناسيب المياه الرافدة لنهري
دجلة والفرات يُظهر كأننا في حالة حرب مع تلك البلدان من غير خوض في غمار الوغى ..
ولكننا نخوض في وحل تركه جفاف وقلة مياه أنهر أرض الرافدين.
وتؤكد منظمة الاغذية والزراعة الدولية الفاو أن الجفاف
الشديد أدى الى تقلص مساحات المياه المغمورة الى (20%)، وأن نهر الكارون الذي ينبع
من إيران يؤمن خمسة عشر مليار متر مكعب من المياه العذبة، والمستغرب له لم تكتفي
إيران بأيقاف تدفق المياه لهذا النهر بل تعدت ذلك بأرسالها كميات كبيرة من المياه
الملوثة وعالية الملوحة من مبازل مزارع قصب السكر الواقعة على الحدود ايضا الى
المنطقة نفسها.
فلم تكن مياه الشرب النظيفة متاحة الى ما نسبته (73%) من
سكان المناطق الحضرية في العراق، حتى عام 2009، ووفقا لأرقام البنك المركزي ووزارة
الزراعة فإن (43%) من السكان في المناطق الريفية، بدون مياه نظيفة. وكل هذه النسب
مرجحة للارتفاع نتيجة الجفاف والتصحر الذي يصيب العراق. في عام 2004 كانت نسبة
سكان بغداد الذين يفتقرون الى مياه شرب نظيفة (25%) إلا أن النسبة انخفضت كثيرا
بحلول عام 2009. حيث استطاع العراق توفير 700 ألف متر مكعب من المياه يوميا لأكثر
من مليوني مواطن في أحدى عشر مدينة بالتعاون مع البنك الدولي والمؤسسة الدولية
للتنمية. والمدن الإحدى عشر التي تم فيها تنفيذ المشروع استفادت من محطات معالجة
المياه المقامة حديثا. وكان أثرها ملموسا على المستوى البيئي اذ انخفضت نسبة تلوث
المياه مقارنة بعام 2004.
والمشكلة الحقيقة تكمن في نسبة ما يورد الينا من دول
المنبع في إيران وتركيا التي تعتبر أكثر بلد يتحكم بمنسوب المياه التي تصب في نهري
دجلة والفرات ولعدم وجود أتفاقيات تحكم العلاقة بين البلدين فأن تركيا مازالت تتصرف
على هواها في هذا الامر مراعية مصالحها القومية ومتناسية مصلحة البلدان المتشاطئة
لها على نهري دجلة والفرات كونها أحكمت سيطرتها وقوتها سياسيا وأقتصاديا في
المنطقة مما أنعكس سلبا على العراق، ففي تركيا يوجد اثنان وعشرون سدا وتسع عشرة
محطة كهرمائية ضمن مشروع جنوب- شرق الأناضول لاستصلاح مساحة كبيرة تعادل مساحة
بلجيكا. أكبر السدود التركية هو سد أتاتورك الواقع على مسافة قريبة من الحدود
السورية، ويحجز خلفه بحيرة اصطناعية كبيرة جداً تصل إلى 817 كم². وفي سوريا، يوجد
خمسة سدود على الفرات. ثلاثة منها أقيمت في منتصف الستينيات ضمن مشروع سد الفرات
الذي حجز خلفه بحيرة اصطناعية تصل كمية مياهها 11.6 مليار متر مكعب وأنشئ السدان
الآخران أواخر الثمانينات.
وتنوي الحكومة السورية إنشاء سد كبير آخر شمال دير الزور.
بينما في العراق يوجد سبعة سدود على الفرات منذ سبعينيات القرن العشرين. وفي أوائل
الثمانينيات تم وصل الفرات مع دجلة بقناة قرب سامراء.
العراق يخسر سنويا 100 دونم نتيجة التصحر. ووفقا للارقام
الصادرة عن البنك الدولي ووزارة الزراعة، فأن الاهوار كانت تنتج حوالي (40-50%) من مجموع ما يورد من الاسماك
في الاسواق العراقية، كما تأتي من منطقة الاهوار أيضا ما نسبته (50%) من منتجات
الالبان في العراق، ولكن كل هذه النسب قد تراجعت نتيجة شحة المياه والحرب المعلنة على خيرات العراق وأبناءه.
ودعما للسياسة المائية نتيجة كل هذه التحديات التي تواجه
زراعتها والتوزان الطبيعي للحياة فيه طلبت الحكومة العراقية مساعدة برنامج الأمم
المتحدة الإنمائي لدعم المؤسسات الوطنية في مجال إعداد وصياغة السياسات
والاستراتيجيات وتحسين إدارة واستغلال الموارد المائية وقررت الحكومة بالتشاور
وبدعم من شركائها الرئيسيين تنظيم مؤتمر مياه العراق- الطريق إلى 2050، خطوة أولى
نحو التقدم في التنسيق الداخلي في العراق وتحديد الاحتياجات داخليا وخارجيا
والاتفاق على مبدأ الإدارة المتكاملة للمياه في العراق.
فهل أستثمر العراق التغييرات الحاصلة بالمنطقة مع أرتفاع
سقف حجمه الإقليمي ليطلب من تلك الدول المعنية باللعب بورقة المياه بشكل سياسي
ضاغط على العراقيين، أن يفرجوا عن كميات أكبر من المياه، ولا سيما ونحن قادمون على
فصل صيف لاهب الحرارة، وفصل شتاء كان شحيح بالأمطار، هذا إذا ما عرفنا بأن كل من
إيران وتركيا وسوريا تحتاج اليوم الاقتصاد والمواقف العراقية بشكل كبير مثلما
نحتاج نحن الى المياه بشكل أكبر، فأصبح لزاما على الحكومة العراقية تحريك دبلوماسيتها الناعمة بأتجاه تلك الدول لكسب ورقة رابحة تصب في
صالح الشعب العراقي...وأن لم تستطع ذلك فبأمكان العراق اللجوء إلى التحكيم الدولي
للفصل في حقنا الطبيعي وفق المواثيق والمعاهدات الدولية مع الدول المتشاطئة للعراق
أقلها في نهر الفرات.
أسكن بغداد مذ ولدت،
وما أن شممت نسيم دجلة حتى عرفت، بأني باق في هذه الارض نخلٌ لعلني أعطي تمرا ينفع
السائلين عن جود وعن كرمِ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق