السبت، 31 أكتوبر 2009

تقييم"التمرد"العراقي التوصية بالإجراءات التحليلية المناسبة* (2-2)

جيفري وايت*
ترجمة الباحث: أمير جبار الساعدي

بينما يتم مواجهة "التمرد" – حروب من دون جبهات- ضد اعداء غالباً ما يتمتعون بقدرة عالية من المرونة، وقدر عالي من المراوغة، تبرز رغبة في الاعتماد على الإجراءات التحليلية من أجل قياس النجاح. رغم أن تعقب وتقييم النزاعات في أعداد "المتمردين"، على سبيل المثال، والهجمات، يعد أساسيا لأي تقييم حركي او تكتيكي "لتمرد" السنة العرب في العراق. إن التقييم الاستراتيجي يتطلب إجراءات تحليلية مختلفة.

الإجراءات العملياتية والتكتيكية الناجاحة
هنالك عدة عوامل من الممكن ان تحدد فائدة القياسات التقليدية المستخدمة لتحليل الإبعاد العملياتية والتكيكية للتمرد. (مثالا على ذلك، عدد المتمردين والإحداث العنيفة: معدلات الخسائر الصديقة وخسائر المتمردين ونسبة تبادل الخسائر: نسبة الاشتباكات التي قام بها كل طرف) من الممكن ان تكون المعلومات خاطئة أو عرضة لعدة تفسيرات، وتكون احياناً متضاربة، بينما يتطلب التفسير المناسب درجة نظرية دقيقة في الفكر التمردي وفي الممارسة التي تنقص من قيمة تلك النظرة. هنالك تحديد أساسي يتأتي من حقيقة الانتصارات التي تحققت على المستوى العملياتي والتكتيكي وهي غير كافية وحدها من اجل تحقيق نجاح على المتردين، حيث تلعب عناصر سياسية ونفسية دورا هاما في محاربة رجال العصابات والمتمردين، بالإمكان ربح كل معركة تقريبا ولكن رغم ذلك تخسر الحرب، كما فعلت الولايات المتحدة في فيتنام، وكذا "إسرائيل" ضد حزب الله، فأن القياسات العملياتية والتكتيكية ربما لها بعض النفع كمؤشرات للنجاح الاستراتيجي. من الممكن لبعضها ان يقدم نظرة ثاقبة للعوامل التي بأماكنها التأثير على الاتجاه الإستراتيجي للحرب (على سبيل المثال: عدد العراقيين الذين يبلغون عن المتمردين لدى "قوات التحالف" أو القوات العراقية يلقي بالضوء على درجة الدعم الشعبي للمتمردين في المناطق العراقية السنية).وهنالك قياسات أخرى (مثالا على ذلك، التغيرات في معدل هجمات المتردين أو عددها) من الممكن ان يقدم ذلك افضل اشارة في التغير الواضح في قوة التمرد، وقواته وإستراتيجيته، وكذا في الدعم الشعبي لقضيتهم. إذ، حتى هذا الوقت يقاس النجاح على المتردين بشكل اساسي بالمصطلحات السياسية والنفسية التي تطفو في ابعاد ذلك الصراع.
إن أكبر قياسيات ستراتيجية ذات مدلول هي ربما تلك التي تقيس تطور المتمردين تجاه تحقيق اهدافهم ذات المديين القصير والطويل. ليس جميع تلك الإجراءات دقيقة في الاعداد: في كثير من الحالات الإجراءات النوعية تكون مناسبة أكثر- يبدو ان مختلف المجاميع السنية العربية في العراق، وبشكل واسع، تتبع اهداف عسكرية واقتصادية وسياسية مشتركة قصيرة الأهداف. يشمل ذلك تحقيق وتقوية السيطرة على المناطق العربية السنية المسيطر عليها و نشر القلاقل وعدم الاستقرار في ارجاء العراق من خلال الهجوم على قوات الأمن العراقية وتدميرها: وتقويض المؤسسات العراقية حديثة الولادة، والمتعلقة بالحكم ومنع التداول السياسي للسلطة، وخلق ظروف غير مستقرة ومناوئة للنشاط الاقتصادي وللاستثمار الأجنبي: وكذا تقويض التحالف, بالإضافة الى ذلك، فان المجاهدين الأجانب ومن بينهم (على سبيل المثال ابو مصعب الزرقاوي ومجموعته) من الواضح أنهم يأملون بتحويل العراق الى جبهة مركزية جديدة في حربهم على الغرب ومن اجل أشعال فتيل حرب أهلية بين السنة والشيعة.

انجازات "التمرد": جدولة موازنة:
ماهو التطور الذي حققه المتردون تجاه انجاز أهدافهم قصيرة الامد؟ لقد قاموا بالتالي:
* نجحوا من خلال الترغيب أو من خلال الترهيب اثبات انفسهم كقوة رئيسة إن لم تكن مسيطرة في المثلث السني, وقد رسموا القيم السياسية والاخلاق العامة في مناطق شاسعة من تلك المناطق. أبعدوا العديد من المقيمين في المثلث السني عن العمل في الحكومة الجديدة. لقد توقف عن العمل العديد من المجالس المحلية في تلك المنطقة وقد فشلت بعض من وحدات قوات الأمن العراقية تحت ضغط التهديد والهجمات.
* عقّدوا ولكنه لم يقوضوا التبادل السياسي، ان كل نقطة في قانون الإدارة الانتقالية قد تمت معالجتها وقد تمت الانتخابات في كانون الثاني بشكل ناجح. ولكن، مقاطعة الانتخابات تحت تأثير التمرد، في المثلث السني سوف تعقد تبادل السلطة بشكل ملحوظ.
* ساهموا في ابطاء عجلة إعادة الاعمار في مناطق متعددة وكذا ساهموا في ابعاد الاستثمارات الأجنبية ومن ناحية اخرى، تسود البطالة المتفشية العراق وتدفع أعدادا منهم الى الانخراط في صفوف المتمردين، ولكنها من الناحية الثانية تدفع عداد أخرى للتطوع الى قوات الامن العراقية.
* ساهم التمرد في الرحيل الذي حصل والذي سيحصل للعديد من "قوات التحالف" الصديقة. لكن اصرار الولايات المتحدة يبقى ثابت رغم أن استطلاعات الرأي العام تظهر عدم الرضى ازاء الحرب ومعالجتها.
* فشلوا في جعل الوجود الأمريكي لا يطاق لأغلب العراقيين إذ مازال العديد من السنة والشيعة يتقبلون بتحفظ الوجود الأمريكي كضرورة من أجل منع الفوضى والحرب الاهلية: ان بعضهم يتقبلون ذلك لانهم يعتقدون أن هذا الوجود ضروري من أجل تبادل سياسي للسلطة بشكل ناجح.
*لقد فشلوا في جذب أعداد كبيرة من المجاهدين من العالم الإسلامي المحيط واثارة الصراع الطائفي(رغم ذلك، ربما انهم نجحوا في تحقيق هذا الهدف الاخير).
* وبشكل ملحوظ أكبر، فشل المتمردون في منع التبادل السياسي للسلطة أو تحجيم الجهود في تجنيد أو تدريب وتزويد قوات الأمن العراقية بالمعدات.وهكذا هنالك سبب في الاعتقاد بان التمرد سوف لن يكون قادرا على منع الحكومة العراقية من تجشم مسؤولياتها الأساسية في السلطة الانتقالية: (الحكم، الأمن، وكتابة الدستور). يبقى التمرد قوة رئيسية في المثلث السني، فرغم انه يستطيع لعب دور المخرب بشكل فعال، إلا انه قادر ايضاً أن يلعب دور زارع الفوضى وأن يعيق عملية التحول السياسي.ولكنه بدلا عن ذلك، يمكنه خلق ظروف حيث بإمكان العرب السنة المعارضين المشاركة في النظام السياسي الجديد.

إجراءات النجاح الإستراتيجي:
على ضوء الاعتبارات انفة الذكر، فان أية إجراءات تحليلية من الممكن استخدامها من أجل قياس نجاح المتمردين في تحقيق أهدافهم الإستراتيجية؟
* استمرار المستوى الضعيف للمشاركة العربية السنية في أنشطة الحكومة العراقية، وايضا، وعلى ذات الصعيد، استمرار المستوى العالي للدعم الشعبي للمقاومة. سيكون من المهم التأكد سواء أكانت تلك العوامل بسبب تخويف التمرد بشكل أساسي، أو الانعزال الشعبي عن الحكومة او الدعم الشعبي الحقيقي للمقاومة.
* فشل الحكومة العراقية المتكرر لتلبية العديد من فقرات القانون الإداري الانتقالي (مثلا، كتابة الدستور، انتخاب حكومة دائمية نتيجةً لعدم مشاركة السنة العرب. من الممكن لمثل هذا التطور أن يقوض الثقة في تأثير الترتيبات الحالية للحكومة.
* عدم قدرة رجال الأمن العراقيين للوصول الى مستويات التجنيد المطلوبة وبشكل اساسي خارج مناطق العرب السنة بسبب اتساع الرفض وحالات الهروب بين أفراد قوات الأمن العراقية، أو بسبب تنامي ميليشيات الاحزاب والعشائر نظراً الى قلة الثقة بقوات الأمن العراقية.
* الوقوف على حقيقة العملية السياسية شعبياً (يتم قياس ذلك من خلال معلومات الاستفتاء) والتي من الممكن أن تجعل وجود "قوات التحالف" سياسياً غير ممكناً.
* ضعف الثقة في فعاليات قوات الأمن العراقية ونقص التعريف بالحكومة العراقية (ثم قياس ذلك من خلال معلومات الاستفتاء)، مما يؤدي الى مستويات ضعيفة في المشاركة السياسية ورفض التعاون مع السلطات العراقية.
* أحداث العنف الطائفي من قبل عراقيين يتصرفون من دون تشجيع من مجاميع المتمردين، مبتعدين بذلك عن الصراعات التقليدية ومتجهين الى شؤون غير سياسية، ومبتعدين بذلك عن القضية الأصلية. وفي الوقت الحالي، البقاء هو الهدف الأساسي للمتمردين، رغم النقص في النجاح في ايقاف العملية السياسية الانتقالية، حيث ان ذلك يعد انكساراً بالنسبة لهم. ماعدا إن كان المتمردين يبحثون عن الموت والدمار فحسب، فان النجاح سوف يرتبط في قدرتهم في وضع الشروط لدخول العرب السنة المعارضين في السياسة وكذا في الاستمرار في الصراع من خلال السبل المشروعة أو في تحجيم الحكومة العراقية.إن عملية التعاون المشترك تلك تبدوا انها قد بدأت فعلا لكن على مستوى محدود. اما بالنسبة للحكومة العراقية، فان أية جهود للقيام بإجراءات النجاح في المرحلة الحالية لمقاومة التمرد يجب أن تبدأ في تعريف الشروط الكافية والضرورية من أجل الوصول الى حل والذي يعزل المتمردين المتعصبين (وذلك من اجل مطاردتهم والقضاء عليهم) وتحييد البقية (مثالا على ذلك من خلال جهود منح العفو)، وكذلك بالنسبة للمعارضين العرب السنة الناشطين. ثم من الممكن صياغة إجراءات قياس التطور تجاه تلبية تلك الشروط.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* جيفري وايت في 24 اذار 2005 جيفري وايت: زميل لشؤون الدفاع في معهد واشنطن، مختص في الشؤون العسكرية والأمنية لكل من العراق والشرق الأوسط.(Assessing the Iraqi Insurgency (Part II):Problems and Approaches)
اصدرت في October 20, 2005 5:58:00 AM

ليست هناك تعليقات: