جون بيلجر
ترجمة الباحث: أمير جبار الساعدي
ترجمة الباحث: أمير جبار الساعدي
فأرجعت السيارة وإنطلقت بأقصى سرعة محطمة البوابة.
وقال تشارلي "طاب يومك!" للمدير الأبيض الذي كنا قد قاطعنا حمامه.
اين رخصتكم اللعينة؟
"أضعناها يا صديقي".
أما اليوم فتغيب الأسلاك الشائكة في جاي كريك وهناك حاجز للغسل وبيوت محترمة ولا أحد يحتاج الى رخصة. ولكن يبقى فقر العالم الثالث مع مراقبة غادرة يفرضها الحرمان والقانون. هذه هي الأرض الشمالية حيث ترك صبي في السادسة عشر من عمره من السكان الأصليين معلقا في زنزانته طوال الليل وأرسل صبي آخر من السكان الأصليين إلى السجن لمدة سنة لسرقته منشفة (كان قد أعادها). ولا يزال لا يوجد هناك مكان في جاي كريك للعب مباراة رياضية. وكان على اللجنة الأولمبية الدولية عند دراستها عرض سيدني أن ترى أمكنة كهذه أو على الأقل أن تقرأ كتاب كولن تاتز الرائع "الجنس العائق: السكان الأصليون في الرياضة". وكان تاتز يشغل منصب أستاذ العلوم السياسية في جامعة سيدني حتى تقاعده الأخير وأسس هناك واحدا من ثلاث مراكز أكاديمية في العالم مكرسة لدراسات الإبادة الجماعية. وبإعتباره لاجئ سياسي من جنوب إفريقيا فقد وجد في أستراليا أصداء بلده. وقال" يقول الناس لي كانت جنوب إفريقيا بكل تأكيد مثالا للعنصرية المسعورة البغيضة في حين كانت استراليا حالة من التجاهل البريء. والحقيقة أن هنالك تشابها كبيرا في كل من إيديولوجية وأفكار النظريات العرقية العلمية: مثلا كلما إزدادت قتمة اللون زاد بدائية وكلما خف لون البشرة إزدادت إمكانية خلاصه. المحميات والعمل الإستغلالي وإستغلال النساء جنسيا وأنظمة العزل الصحي والعزل في التعليم وحظر الزواج بين الأعراق كلها متشابهة".
ان كاتب (سباق الحواجز) هو التاريخ السري لرياضة السكان الأصليين ومنجزاتهم والتي يقول عنها تاتز"إنها أشبه بالمعجزات". فمن بين 1200 رياضي ورياضية خضعوا للدراسة، حصل ستة فقط على إذن الحصول على التسهيلات الرياضية وفرصها مثل البيض.إن كتابه شهادة مصورة لجهود الأستراليين الأوائل للتعايش مع ثقافة الأغلبية المولعة بالرياضة. ويصف فيه المناطق المغبرة وحقول الطين والملح والصخر المتناثر حيث تمرن ولعب رياضيو استراليا السود وفازوا في الغالب في مواجهة غرائب صحتهم الحساسة.وتوجد صورة لنادي روفرز للركبي في سيدونا وهم أبطال عام 1958. ومعظمهم ماتوا في عقدهم الثالث والرابع.ولدى تاتز القليل من الوقت "الروح الأولمبية التي نتشاطرها جميعا" والتي يعتبرها شيئا مخادعا إذا قال" لقد بعثت اللجنة الأولمبية الدولية ممثلها الخاص من نيجيريا.وكانت مهمته الإطلاع على الظروف والتأكد من صلاحية هذا البلد لإقامة الألعاب الأولمبية.وإنصب إهتمامه على قضية التمييز في الرياضة ولكنه لم ير شيئا لإنهم لم يأخذوه إلى أي مكان. وأعتقد أنه كان سيصدم جدا لو ذهب إلى أماكن مثل (يويندومو) في الأرض الشمالية حيث تقام هناك ألعاب سنوية للسكان الأصليين غاية في الروعة حيث لا وجود لعشبة ثيل واحدة، حيث لا وجود لعوارض المرمى، كما لا توجد ساحة لكرة السلة، والكلمات مثل مدرب وحلبة ومسابح ومعالج طبي، ومنح دراسية لا وجود لها في قاموس السكان الأصليين.
"يلعب السكان الأصليون كرة القدم في حوض للملح في لومباينا ويستخدمون شجرتين مثبتتين في الأرض كمرمى لهم.لو تحرى ممثل اللجنة الدولية هذه الظروف لرأى منشآت رياضية من العالم الثالث والرابع. لرأى سكانا أصليين ينقاذفون قطعة من الجلد محشوة بالورق لأنهم ببساطة لا يملكون كرة قدم واحدة أو حق الدخول إلى منشآت رياضية حيث من الطبيعي أن يحظى كل أسترالي أبيض حتى في ضواحي الطبقة العاملة الفقيرة بمسبح بلدي أو أرض بلدية أو ملعب كركيت أو ساحة تنس أو متنزه من نوع ما ،هذه الأشياء لا وجود لها كليا في 95% في مجتمع السكان الأصليين"."لا يريد الأستراليون ان يعكر الواقع الإجتماعي صفوة مدحهم، ولكن من الإنصاف ان نقول ان العالم سيذرف الدموع لو أخذ في جولة لرياضة استراليا السوداء.
هناك اندفاع كبير للحصول على المزيد والمزيد من الرياضيين الأستراليين، المزيد من المنح الدراسية لنخبة من الأشخاص الرياضيين لأنه سيكون من الرائع ان تقول في سنة الألعاب الأولمبية: "انظر،لدينا ستة من السكان الاصليين في ملفاتنا وهذا سيظهر ان استراليا بعيدة عن القيود العرقية والجميع يعيش بسعادة في أرض تسودها الفرص المتساوية". ولكن كان على السكان الأصليين الذين يمثلون استراليا في الأولمبياد ان يظهروا براعة تعادل ثلاثة أضعاف من أجل الحصول على مكان مكافئ للذي يشغله البيض. تشكل كاثي فريمان أعظم ما حدث لاستراليا البيض، ذلك أن هذه الشابة السعيدة البهيجة المرحة تبدو وكأنها ممثل لجميع نساء السود وهي ليست كذلك. انها فرد "شاذ". وأصدر تاتز عام 1998 مقالة بعنوان "الابادة الجماعية في استراليا" اثبتت فيها ادانة استراليا بنوعين من الإبادة الجماعية على الأقل طبقا للمواثيق الدولية.
أولا: الابادة الجماعية السرية بشكل أساسي أو القتل الجسدي على يد المستوطنين وضباط الشرطة المجرمون في القرن التاسع عشر، بينما تقف الدولة بهيئة السلطات الاستعمارية صامتة دون حراك ( في جزءها الأكبر):
ثانيا: السياسة الرسمية للدولة في القرن العشرين وممارسة نقل الأطفال بالقوة من مجموعة الى أخرى بنية جلية هدفها انهاء وجود هؤلاء كسكان أصليين. ويقتبس كلام المدير الحامي في استراليا الغربية سي اف غيل(CF.Gale) الذي يقول " لن أتردد للحظة في عزل أي مهجن من أمه من السكان الأصليين دون إعتبار لمدى صدق حزنها في تلك اللحظة. فقريبا سينسون ذريتهم". وكتب تاتز بضع استراليون فحسب،...يستخدمون كلمة ( الإبادة الجماعية). إذ يتجنبها جميع مؤرخوا تجربة السكان الأصليين تقريبا سواء كانوا سودا أم بيضا. فهم يكتبون عن إشباع الرغبة والقتل والتصفية والإبعاد والإبادة والتجويع والسجن والرمي وضرب الأعناق والتطهير والنفي والإزالة. ولكنهم يتجنبون الإبادة الجماعية.هل هم جاهلون لنظرية الإبادة الجماعية وتطبيقها؟ أم أنهم ببساطة يعارضون تلطيخ أقوال " أرض الحرية العادلة"، و" البلد المحظوظ" بعنوان شنيع كهذا؟
كما ذكر الأستراليون أن هناك ثلاثة أطراف تشترك في أعمال الإبادة الجماعية وهم: القتلة والضحايا والمتفرجون". عند ترأس السيد رونالد ولسن القاضي السابق في المحكمة العليا التحقيق في كتاب"أرجعوهم الى الوطن" واستخدم خلالسير المحكمة كلمة "إبادة جماعية"، تم إتهامه "بالإفتراء المسرف" كما شتم بقسوة على لسان ساسة الحكومة ومعلقوا أقصى اليمين ممن يفرضون سيطرتهم على الصحافة الأسترالية. لقد كسر الصمت فيما يخص المحظور المؤلم لأستراليا شأنه في ذلك شأن كولن تاتز وغيرهما من الشجعان. وهناك مسألة مهمة تخص طمس الحقيقة عن عدد السكان الأصليين، فلو كشف المؤرخون عن الأعداد الكبيرة لهذا الشعب والذين "سكنوا "الأرض الخالية" في وقت الغزو، لخرجنا باستنتاج يقول أن الإبادة الجماعية كانت بمستوى أكثر بشاعة مما توقعناه قبل ذلك. في عشية ذكرى مرور مائتي عام على استيطان البيض عام 1988 كشف عالم الإنسان بيتر وايت وعالم استراليا المشهور في دراسة ما قبل التاريخ البروفسور دي جاي مولفاني عن "إكتشاف" مثير. فقد نشروا تقريرا يؤكد أن عدد السكان الأصليين وصل في عام 1788 الى 750000 أو ثلاثة أضعاف التوقع القديم. وتوصلوا الى نتيجة مفادها أن أكثر من 600 ألف شخص ماتوا في السنوات التي تلت الغزو. ونشرت الأخبار حول هذا الإكتشاف في صفحة 16 من صحيفة "سيدني مورنينغ هيرالد" تحت عنوان"كاتب البيئة". وتلقى اكتشاف (مولفاني- وايت) دعما من علم التاريخ الحديث على يد هنري ريونولدز وروز فيتزجيرالد ونويل بولتن وآخرون ممن كتبوا بموضوعية قصة السكان الأصليين على الصفحات الخالية لتاريخ استراليا "الإنجاز القومي" حتى ظهور الحكاية البطولية الضعيفة للرجل الأبيض الذي حارب الطبيعة.
هذا الإنجاز الخالي من السود والنساء والعناصر الفعالة الأخرى. لقد كانت الحكاية مختلفة إختلافا تاما حتى مع وجود السكان الأصليين. لقد كانت القصة حول السرقة والسلب والحرب، وحول المجازر والمقاومة. وتماثلت ضراوة القصة في جميع أجزائها مع قصص الولايات المتحدة وأمريكا الإسبانية وإفريقيا وآسيا أثناء الإستعمار. فهي بعد كل هذا قصة سياسية.
لقد جلب هؤلاء المؤرخون على نفسهم بكسر الصمت غيظ مجموعة نافذة من الأسياد البيض وبضمنهم رئيس الوزراء جون هوارد.هؤلاء هم "رافضية الكوادرانت) والكوادرانت هذه مجلة لأقصى اليمين انتشرت بطريقة لا تختلف عن الطريقة التي ا ستخدم فيها ديفد ارفنغ نصوصه التاريخية في ترسيخ رفضه لرواية القتل الجماعي لليهود.لقد رفضوا "نظرة الشريط الأسود للتاريخ" وهو تعبير إبتدعه المؤرخ الأسترالي جيفري بليني،الذي يظهر الآن براءته منه.ويقول هؤلاء الرافضية أن مؤرخي "الشريط الأسود" قد شوهوا القصة البطولية لأستراليا البيضاء من خلال الإختلاق والمبالغة حول دليل معاناة السكان الأصليين ومقاومتهم. ويقولون أن الإبادة الجماعية ببساطة لم تحدث. وأستراليا بلد تنتشر فيه نصب الحرب التذكارية لجنودها من الأنزاك (Anzac) الذين لقوا حتفهم في الحروب الخارجية. ولم يكن هناك حتى وقت قريب أي نصب للذين قاتلوا وسقطوا شهداء في سبيل الدفاع عن وطنهم استراليا خلال الغزو والإحتلال في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. ووقف المغفور له كيفن غلبرت الشاعر والكاتب المسرحي الكبير وهو من السكان الأصليين مرة في الشارع الرئيس لبلدة نيو ساوث ويلز أمام نصب لشخص دفن في موضع آخر وقرأ جهارا قصيدته "النصب التذكارية":
وقال تشارلي "طاب يومك!" للمدير الأبيض الذي كنا قد قاطعنا حمامه.
اين رخصتكم اللعينة؟
"أضعناها يا صديقي".
أما اليوم فتغيب الأسلاك الشائكة في جاي كريك وهناك حاجز للغسل وبيوت محترمة ولا أحد يحتاج الى رخصة. ولكن يبقى فقر العالم الثالث مع مراقبة غادرة يفرضها الحرمان والقانون. هذه هي الأرض الشمالية حيث ترك صبي في السادسة عشر من عمره من السكان الأصليين معلقا في زنزانته طوال الليل وأرسل صبي آخر من السكان الأصليين إلى السجن لمدة سنة لسرقته منشفة (كان قد أعادها). ولا يزال لا يوجد هناك مكان في جاي كريك للعب مباراة رياضية. وكان على اللجنة الأولمبية الدولية عند دراستها عرض سيدني أن ترى أمكنة كهذه أو على الأقل أن تقرأ كتاب كولن تاتز الرائع "الجنس العائق: السكان الأصليون في الرياضة". وكان تاتز يشغل منصب أستاذ العلوم السياسية في جامعة سيدني حتى تقاعده الأخير وأسس هناك واحدا من ثلاث مراكز أكاديمية في العالم مكرسة لدراسات الإبادة الجماعية. وبإعتباره لاجئ سياسي من جنوب إفريقيا فقد وجد في أستراليا أصداء بلده. وقال" يقول الناس لي كانت جنوب إفريقيا بكل تأكيد مثالا للعنصرية المسعورة البغيضة في حين كانت استراليا حالة من التجاهل البريء. والحقيقة أن هنالك تشابها كبيرا في كل من إيديولوجية وأفكار النظريات العرقية العلمية: مثلا كلما إزدادت قتمة اللون زاد بدائية وكلما خف لون البشرة إزدادت إمكانية خلاصه. المحميات والعمل الإستغلالي وإستغلال النساء جنسيا وأنظمة العزل الصحي والعزل في التعليم وحظر الزواج بين الأعراق كلها متشابهة".
ان كاتب (سباق الحواجز) هو التاريخ السري لرياضة السكان الأصليين ومنجزاتهم والتي يقول عنها تاتز"إنها أشبه بالمعجزات". فمن بين 1200 رياضي ورياضية خضعوا للدراسة، حصل ستة فقط على إذن الحصول على التسهيلات الرياضية وفرصها مثل البيض.إن كتابه شهادة مصورة لجهود الأستراليين الأوائل للتعايش مع ثقافة الأغلبية المولعة بالرياضة. ويصف فيه المناطق المغبرة وحقول الطين والملح والصخر المتناثر حيث تمرن ولعب رياضيو استراليا السود وفازوا في الغالب في مواجهة غرائب صحتهم الحساسة.وتوجد صورة لنادي روفرز للركبي في سيدونا وهم أبطال عام 1958. ومعظمهم ماتوا في عقدهم الثالث والرابع.ولدى تاتز القليل من الوقت "الروح الأولمبية التي نتشاطرها جميعا" والتي يعتبرها شيئا مخادعا إذا قال" لقد بعثت اللجنة الأولمبية الدولية ممثلها الخاص من نيجيريا.وكانت مهمته الإطلاع على الظروف والتأكد من صلاحية هذا البلد لإقامة الألعاب الأولمبية.وإنصب إهتمامه على قضية التمييز في الرياضة ولكنه لم ير شيئا لإنهم لم يأخذوه إلى أي مكان. وأعتقد أنه كان سيصدم جدا لو ذهب إلى أماكن مثل (يويندومو) في الأرض الشمالية حيث تقام هناك ألعاب سنوية للسكان الأصليين غاية في الروعة حيث لا وجود لعشبة ثيل واحدة، حيث لا وجود لعوارض المرمى، كما لا توجد ساحة لكرة السلة، والكلمات مثل مدرب وحلبة ومسابح ومعالج طبي، ومنح دراسية لا وجود لها في قاموس السكان الأصليين.
"يلعب السكان الأصليون كرة القدم في حوض للملح في لومباينا ويستخدمون شجرتين مثبتتين في الأرض كمرمى لهم.لو تحرى ممثل اللجنة الدولية هذه الظروف لرأى منشآت رياضية من العالم الثالث والرابع. لرأى سكانا أصليين ينقاذفون قطعة من الجلد محشوة بالورق لأنهم ببساطة لا يملكون كرة قدم واحدة أو حق الدخول إلى منشآت رياضية حيث من الطبيعي أن يحظى كل أسترالي أبيض حتى في ضواحي الطبقة العاملة الفقيرة بمسبح بلدي أو أرض بلدية أو ملعب كركيت أو ساحة تنس أو متنزه من نوع ما ،هذه الأشياء لا وجود لها كليا في 95% في مجتمع السكان الأصليين"."لا يريد الأستراليون ان يعكر الواقع الإجتماعي صفوة مدحهم، ولكن من الإنصاف ان نقول ان العالم سيذرف الدموع لو أخذ في جولة لرياضة استراليا السوداء.
هناك اندفاع كبير للحصول على المزيد والمزيد من الرياضيين الأستراليين، المزيد من المنح الدراسية لنخبة من الأشخاص الرياضيين لأنه سيكون من الرائع ان تقول في سنة الألعاب الأولمبية: "انظر،لدينا ستة من السكان الاصليين في ملفاتنا وهذا سيظهر ان استراليا بعيدة عن القيود العرقية والجميع يعيش بسعادة في أرض تسودها الفرص المتساوية". ولكن كان على السكان الأصليين الذين يمثلون استراليا في الأولمبياد ان يظهروا براعة تعادل ثلاثة أضعاف من أجل الحصول على مكان مكافئ للذي يشغله البيض. تشكل كاثي فريمان أعظم ما حدث لاستراليا البيض، ذلك أن هذه الشابة السعيدة البهيجة المرحة تبدو وكأنها ممثل لجميع نساء السود وهي ليست كذلك. انها فرد "شاذ". وأصدر تاتز عام 1998 مقالة بعنوان "الابادة الجماعية في استراليا" اثبتت فيها ادانة استراليا بنوعين من الإبادة الجماعية على الأقل طبقا للمواثيق الدولية.
أولا: الابادة الجماعية السرية بشكل أساسي أو القتل الجسدي على يد المستوطنين وضباط الشرطة المجرمون في القرن التاسع عشر، بينما تقف الدولة بهيئة السلطات الاستعمارية صامتة دون حراك ( في جزءها الأكبر):
ثانيا: السياسة الرسمية للدولة في القرن العشرين وممارسة نقل الأطفال بالقوة من مجموعة الى أخرى بنية جلية هدفها انهاء وجود هؤلاء كسكان أصليين. ويقتبس كلام المدير الحامي في استراليا الغربية سي اف غيل(CF.Gale) الذي يقول " لن أتردد للحظة في عزل أي مهجن من أمه من السكان الأصليين دون إعتبار لمدى صدق حزنها في تلك اللحظة. فقريبا سينسون ذريتهم". وكتب تاتز بضع استراليون فحسب،...يستخدمون كلمة ( الإبادة الجماعية). إذ يتجنبها جميع مؤرخوا تجربة السكان الأصليين تقريبا سواء كانوا سودا أم بيضا. فهم يكتبون عن إشباع الرغبة والقتل والتصفية والإبعاد والإبادة والتجويع والسجن والرمي وضرب الأعناق والتطهير والنفي والإزالة. ولكنهم يتجنبون الإبادة الجماعية.هل هم جاهلون لنظرية الإبادة الجماعية وتطبيقها؟ أم أنهم ببساطة يعارضون تلطيخ أقوال " أرض الحرية العادلة"، و" البلد المحظوظ" بعنوان شنيع كهذا؟
كما ذكر الأستراليون أن هناك ثلاثة أطراف تشترك في أعمال الإبادة الجماعية وهم: القتلة والضحايا والمتفرجون". عند ترأس السيد رونالد ولسن القاضي السابق في المحكمة العليا التحقيق في كتاب"أرجعوهم الى الوطن" واستخدم خلالسير المحكمة كلمة "إبادة جماعية"، تم إتهامه "بالإفتراء المسرف" كما شتم بقسوة على لسان ساسة الحكومة ومعلقوا أقصى اليمين ممن يفرضون سيطرتهم على الصحافة الأسترالية. لقد كسر الصمت فيما يخص المحظور المؤلم لأستراليا شأنه في ذلك شأن كولن تاتز وغيرهما من الشجعان. وهناك مسألة مهمة تخص طمس الحقيقة عن عدد السكان الأصليين، فلو كشف المؤرخون عن الأعداد الكبيرة لهذا الشعب والذين "سكنوا "الأرض الخالية" في وقت الغزو، لخرجنا باستنتاج يقول أن الإبادة الجماعية كانت بمستوى أكثر بشاعة مما توقعناه قبل ذلك. في عشية ذكرى مرور مائتي عام على استيطان البيض عام 1988 كشف عالم الإنسان بيتر وايت وعالم استراليا المشهور في دراسة ما قبل التاريخ البروفسور دي جاي مولفاني عن "إكتشاف" مثير. فقد نشروا تقريرا يؤكد أن عدد السكان الأصليين وصل في عام 1788 الى 750000 أو ثلاثة أضعاف التوقع القديم. وتوصلوا الى نتيجة مفادها أن أكثر من 600 ألف شخص ماتوا في السنوات التي تلت الغزو. ونشرت الأخبار حول هذا الإكتشاف في صفحة 16 من صحيفة "سيدني مورنينغ هيرالد" تحت عنوان"كاتب البيئة". وتلقى اكتشاف (مولفاني- وايت) دعما من علم التاريخ الحديث على يد هنري ريونولدز وروز فيتزجيرالد ونويل بولتن وآخرون ممن كتبوا بموضوعية قصة السكان الأصليين على الصفحات الخالية لتاريخ استراليا "الإنجاز القومي" حتى ظهور الحكاية البطولية الضعيفة للرجل الأبيض الذي حارب الطبيعة.
هذا الإنجاز الخالي من السود والنساء والعناصر الفعالة الأخرى. لقد كانت الحكاية مختلفة إختلافا تاما حتى مع وجود السكان الأصليين. لقد كانت القصة حول السرقة والسلب والحرب، وحول المجازر والمقاومة. وتماثلت ضراوة القصة في جميع أجزائها مع قصص الولايات المتحدة وأمريكا الإسبانية وإفريقيا وآسيا أثناء الإستعمار. فهي بعد كل هذا قصة سياسية.
لقد جلب هؤلاء المؤرخون على نفسهم بكسر الصمت غيظ مجموعة نافذة من الأسياد البيض وبضمنهم رئيس الوزراء جون هوارد.هؤلاء هم "رافضية الكوادرانت) والكوادرانت هذه مجلة لأقصى اليمين انتشرت بطريقة لا تختلف عن الطريقة التي ا ستخدم فيها ديفد ارفنغ نصوصه التاريخية في ترسيخ رفضه لرواية القتل الجماعي لليهود.لقد رفضوا "نظرة الشريط الأسود للتاريخ" وهو تعبير إبتدعه المؤرخ الأسترالي جيفري بليني،الذي يظهر الآن براءته منه.ويقول هؤلاء الرافضية أن مؤرخي "الشريط الأسود" قد شوهوا القصة البطولية لأستراليا البيضاء من خلال الإختلاق والمبالغة حول دليل معاناة السكان الأصليين ومقاومتهم. ويقولون أن الإبادة الجماعية ببساطة لم تحدث. وأستراليا بلد تنتشر فيه نصب الحرب التذكارية لجنودها من الأنزاك (Anzac) الذين لقوا حتفهم في الحروب الخارجية. ولم يكن هناك حتى وقت قريب أي نصب للذين قاتلوا وسقطوا شهداء في سبيل الدفاع عن وطنهم استراليا خلال الغزو والإحتلال في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. ووقف المغفور له كيفن غلبرت الشاعر والكاتب المسرحي الكبير وهو من السكان الأصليين مرة في الشارع الرئيس لبلدة نيو ساوث ويلز أمام نصب لشخص دفن في موضع آخر وقرأ جهارا قصيدته "النصب التذكارية":
نقش تاريخنا في قلب الوطن
والمعالم التذكارية
تسمى مجزرة كريك
ومذبحة كونيستون
ومت غولي ودورا نوريجا
ويدعى المكان في قمم التلال
وثبة المذبحة
حيث امتلى فم الوادي
بأجساد قتلانا
والمكان الذي سالت فيه دمائنا
فاض فيه مجرى النهر إحمرارا
وصولا حتى المصب في البحر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق