الأربعاء، 7 أكتوبر 2009

أخذ العرب على محمل الجد (3-4)

مارك لا ينش
ترجمة الباحث: أمير جبار الساعدي
ورغم كل ذلك لم يكن رأي العرب بشأن الحرب الأخيرة قد قدر سلفاً. وطالما كان العرب منقسمين عميقاً في أرائهم حول نظام "صدام حسين". وأحتدمت النقاشات على الصحف وأستوديوهات الجزيرة عن مدى مسؤولية صدام عن معاناة الشعب العراقي وعادةً ما يلقي "رموز المعارضة العراقية" آذانا مصغية إذا ضمنت مواقعهم غير المعروفة تلفزيوناً جيداً. ورغم إن معظم العرب يكنون مشاعر غير طيبة وبواعث تشكيك تجاه الولايات المتحدة، فان البعض يكنون نفس المشاعر تجاه صدام. فكلما حاول استنهاض الجماهير العربية بالأسلوب الناصري فإنه في الواقع يتقهقر ويضعف موقفه.
لذلك من الممكن تصور سياسة أكثر صدقاً وأقل تغطرساً من إدارة بوش كانت ستؤدي دوراً أكبر في حملتها ضد صدام حتى في نطاق العالم العربي.
لكن واشنطن أختارت أن لا تسلك هذا السبيل واعتمدت بدل ذلك على حسابات مفادها أنه سيتم تجاوز الرأي العام العربي من خلال انتصار أمريكي سريع ونظيف في العراق تعقبه عرض صور للعراقيين وهم يرحبون بالقوات الأمريكية كمحررين.
وتسابقت التصاريح إن الراديكاليين ستصيبهم الصدمة والرهبة بفعل البسالة الفائقة للجيش الأمريكي، في حين يتأثر السواد الأعظم من الشارع العربي بعرفان الشعب العراقي بالجميل لحصولهم على الحرية الضائعة. وسيتم تكذيب الأصوات المعادية لأمريكا وفتح المجال لنوعٍ جديد من التفكير والنقد الذاتي.
كان هذا دائماً سيناريو معقولاً نوعاً ما، لكن لا يمكن طرح النظرية بصدق ليتم دحضها لأنها لم تخضع للاختبار في الواقع، وشهد بعض العرب الصراع بالطريقة التي توقعها المحافظون الجدد. وبدأت الحرب في الإعلام العربي بهجوم منعزل للولايات المتحدة والمملكة المتحدة ضد إرادة العالم بأسره. وكان يتوقع أن القوات متجهة نحو مقاومة عنيفة. وكانت التغطية العربية تركز على الضحايا المدنيين والضحايا الأمريكيين والبنايات المدمرة والعراقيين الغاضبين. ومثال على ذلك عرض القصف العرضي لسوق 28 نيسان في بغداد في أذار بشكل متكرر وتسبب بموجات من الغضب.
وتضاءل حجم الغضب بعد السقوط المفاجئ لبغداد، مع ذلك فالقليل من العرب اعتقدوا فعلا بانتصار العراق. ومثّل سقوط تمثال صدام لحظة رمزية أنهت فعلا النقاش حول الحرب في الولايات المتحدة في حين لم يلقى ذلك الأهتمام في الإعلام العربي الذي صوره كمرحلة مثيرة. حبكت على يد الجيش الأمريكي مع بعض المشتركين من العراقيين الاصلاء. ثم تحولت الرواية بسرعة من قصة "حرب عنيفة" إلى قصة مستنقع لسوء الإدارة الأمريكية والبريطانية والعداء العراقي والمقاومة المتصاعدة لحرب العصابات.
في اللغة المستخدمة لوصف الحرب كانت القوات الأمريكية دوماً قوات "غازية" وليست "محررة". إن وصف الوجود الأمريكي في العراق بالاحتلال يعكس صدى الاحتلال "الإسرائيلي" المقيت للضفة الغربية وقطاع غزة. ومثلما يعتبر معظم العرب العنف الفلسطيني ضد الإسرائيليين رد فعل شرعي للاحتلال كذلك هو الحال في الهجمات على القوات الأمريكية والبريطانية في العراق لان نهاية الحرب تم تصورها وتقبلها على إنها مفهومة ومبررة. باختصار فان الإعلام العربي لم يعطي العديد من العرب لتصوير الحرب أو نتيجتها بوصفها سريعة أو نظيفة أو ناجحة أو بالأخص حميدة.

هل هو حوار يوم آخر؟
لقد أدرك بعض عناصر الحكومة الأمريكية المشكلة وحاولوا تصحيحها. وتركزت جهودهم على دعم سياسات الإدارة من خلال ظهور متحدثين رسميين وشبه رسميين بين الحين والأخر في وسائل الأعلام ودعم عرض صورة ايجابية للولايات المتحدة من خلال الثقافة الشعبية. مع ذلك فلم يحقق المنهج الأول سوى القليل لشعور الجماهير بـ"تشوش ذهني" ومن غير المحتمل أن يحقق الأخير أفضل مما حققه المنهج الأول.
وستعاني قناة تلفزيونية فضائية عربية مدروسة برعاية أمريكية من وقت عصيب لإيجاد سوق لها لان أي محتوى سياسي سيدخل تلقائيا في خانة الدعاية*. كما إن المحطات الفضائية الحالية تملأ ساحة الأفلام الموسيقية والعروض الواقعية والترفيه الجماهيري مثل مسلسل(بافي: قاتلة مصاصي الدماء). وبأختصار فان الإعلام العربي الحديث بشقيه المنقول والمطبوع أكثر من مجرد ند لأي بديل شعبي قد تجنده الولايات المتحدة.
وسوف تضيع المجموعة الاستشارية للسياسة العامة للعالم العربي والإسلامي وهي هيئة تشكلت في تموز الماضي بطلب من الكونغرس. ستضيع فرصة كبيرة إذا ما أوصت بكل بساطة بالمزيد من الموارد أو تنفيذ أفضل للمناهج التقليدية لهذه القضايا. فما يجب أن تحشد له هو منهج مختلف كثيراً لتفاعلات الولايات المتحدة مع المنطقة.
منهج يتكلم مع العرب وليس التكلم عندهم ويحاول المشاركة وليس التلاعب. وقد ميز الفيلسوف الألماني جي هابيرماس بين الفعل"الاستراتيجي" والفعل"التواصلي". إذ يهدف الأول إلى التلاعب بالآخرين لتوسيع مصالحه الشخصية إما الثاني فيهدف إلى البحث عن الحقيقة. وهذا يعكس فرقا معروفا جداً يضعه المفكرون العرب بين الحوار وأشكال الصراع الفكري الأخرى. على كل حال يمكن تصنيف السياسة العامة الأمريكية بصرامة في مرتبة الفعل الاستراتيجي وقد ضيعت علاقتها لهذا السبب بالتحديد.
فالمعلومات تتجه بأتجاه واحد: إذ تبقى أراء الهدف وأفكاره نصب الاهتمام طالما هناك إمكانية لتشكيلها.
ويلاحظ العرب والمسلمون هذه الجهود ويرمونها في خانة الدعاية وهي شيء معروف لهم للغاية مع أنظمتهم. وهم غاضبون للتعامل معهم كأطفال ويشعرون بوخز الاحتقار بكونهم أدوات للتلاعب وليس متلقون حقيقيون. كما أشتكى أحد المصريين بمرارة حيث "يعتقد الأمريكان إن العرب مجرد حيوانات، ويعتقدون إننا لا نفكر ولا نعرف شيئاً". والتعامل مع العرب والمسلمين وحسب كأسوياء لنا والإصغاء باهتمام وتحديد نقاط التقارب دون تقليص نقاط الاختلاف، كل هذا هو رسالة ايجابية يمكن الدخول من خلالها. وقد يكون هذا غير مريح…لا سيما لهذه الإدارة الحالية…لكن واشنطن تحتاج هي الأخرى إلى وضع مصالحها وأرائها موضع النقاش وليس مجرد التركيز على علل العرب وعلاجها.
وستطابق الأفعال الأقوال إذا ما أرادوا فرصة لإقناع جمهور مرتاب ومتشكك للغاية.
على كل حال فإذا ما ظهرت دعوة لحوار حقيقي، فستلاقي صدىً قوياً في الجو الجديد من الرأي العام العربي حين يناقش الناس هذا العنوان باستحواذ منذ حوار الرئيس الإيراني محمد خاتمي المخفق مع الغرب في أواخر التسعينات. وبدلاً من مخاطبة الحكام العرب أو طبقات متحررة كالشباب، فعلى واشنطن أن تركز على إشراك المثقفين والسياسيين والصحفيين والرموز العامة الأخرى الذين أصبحوا أشبه بالأدوات في تشكيل الرأي العام العربي. وقد يعطي حوار متواصل وجدي مع هذه النخب الإعلامية الجديدة يعطي هؤلاء دعما في إنجاح المشروع الأمريكي من خلال جعل هذا المشروع مشروعهم الخاص وربما حتى خلق مستوى ما من الهوية والهدف المشتركين…وهو ما يفتقد إليه العرب والولايات المتحدة بشكل شاسع اليوم.

ويتطلب الحوار الناجح إلى تقليص اعتبارات القوة وإظهار الاحترام المتبادل.
ويبدو أنه ليس هناك حوار أمريكي- عربي يستطيع أو ينبغي عليه تجنب حقيقة القوة الأمريكية، لكن مراجعة هذا التفوق بشكل مباشر قد يعيق الجهود عند مستوى الإقناع العقلي. ويركز المعلقون العرب والإسلاميون على عدم توازن القوى ولا يحتاجون إلى من يذكرهم بضعفهم. وسيدفع الأعتماد على سياسة الصدمة والرهبة لنيل الأحترام إلى النفور أكثر مما يدفع إلى الاقتناع. وسوف يرسخ التهديد بالقوة بغض النظر عن مدى فائدته على المدى القريب الشعور بالعدائية الأمريكية ويؤكد الصراع في المستقبل.

ليست هناك تعليقات: