وراء الغضب ومحاربة الإرهاب استراتيجية كبرى وجديدة للولايات المتحدة والعلاقات العربية
أنتوني كوردسمان
ترجمة الباحث: أمير جبار الساعدي
أنتوني كوردسمان
ترجمة الباحث: أمير جبار الساعدي
دور المنظمات غير الحكومية
لا يمكن لهذه الاستراتيجية النجاح من خلال الاعتماد على الحكومات وحدها. ان الحوار والعمل مع كل عناصر المجتمع المدني والجماعات الدينية المنظمة والمنظمات غير الحكومية واعتبارهم شركاء اساسيون في التحرك المطلوب حالياً لخلق جسور فعالة بين الولايات المتحدة والعالم العربي وبين الغرب والشرق الاوسط وبين اليهود والمسيحيين والمسلمين. كما ان العديد من هذه الجماعات تعمل مسبقاً الكثير من الاعمال.
مع ذلك فالمنظمات غير الحكومية في الغرب والشرق الاوسط تعمل مافيه الكفاية بدون دعم فعال من الحكومات. فلا يمكنها الحلم بالنجاح دون الدعم الكامل من زعماء الدول، وكذلك مستوىً من الجهود التي لايمكن ان تقدمها سوى الدول. وهناك الآن الكثير الكثير من الجهل والغضب والتعصب واحياناً الحقد. وهناك الكثير من الاتهامات والاتهامات المضادة في الغرب والعالم العربي والكثير من الحكومات والمحللين والصحفيين مشتركين في تفاقم الامور في "حوارات الصم" الحادة والآحادية الجانب.
خلق الاجواء لمثل هذا التحرك
سيتطلب الامر وقتاً والكثير من النقاش لتغيير هذا الوضع. وقد يكون من الافضل ان تزداد الامور سوءاً على الحكومات من اجل ان تتقبل الطبيعة الحقيقية للمخاطر الموجودة وعمق التحرك الذي يتوجب عليهم اتخاذه. وسيتطلب الامر بالتأكيد كلاً من القيادة والشجاعة.
كما سيتطلب الامر جهوداً مركزة لمواجهة ثلاث قضايا أخرى تقسم الآن الولايات المتحدة والعالم العربي والغرب والشرق الأوسط وهي:
1. الصراع العربي – "الاسرائيلي"
2. العراق
3. الاصلاح السياسي والاقتصادي والديمقراطي والاجتماعي
لا أريد أن كرر النقطة الواضحة بأن أي استراتيجية لردم الهوة بين الغرب والاسلام لايمكن ان يكتب لها النجاح دون معالجة هذه القضايا المحددة. فليس هناك متسع من الوقت لمعالجة جميع هذه القضايا نهائياً، ولكن هناك بعض الخطوات السريعة التي يتطلب أتخاذها.
الصراع العربي – "الاسرائيلي"
لايمكن ان نحصل على أي شيء مطلقاً من انتظار حكومتين غير كفؤتين لدفع احدهما الاخر نحو السلام. ولايمكن فرض حل مشترك بالقوة ولن توافق الولايات المتحدة ولا العالم العربي على كل التفاصيل بشأن تسوية نهائية. مع ذلك فقد حان الوقت لجهد مفتوح ومستمر من كل من اللجنة الرباعية والعالم العربي لتحديد تسوية نهائية والبناء على دروس اتفاقيات كامب ديفيد وطابا.
لقد حان الوقت لكلا الجانبين لاتخاذ كل اجراء ممكن لاقناع الفلسطينيين برفض الارهاب والاسرائيليين بأزاحة المستوطنات في كل من غزة والضفة الغربية. وفي نفس الوقت، فأن 35عاماً من الوقائع على الارض هي وقائع على الارض. لقد ولى عالم 1949 وعالم 1967 دون رجعة، وعلى السلام ان يرتكز على هذه الحقيقة.
ويتمثل التحدي باقناع اسرائيل بالوصول الى اكبر عدد ممكن من التسويات وايجاد صيغة لتعويض الفلسطينيين. لقد حان الوقت لتجاوز المصطلحات الضيقة للتسوية ورؤية مايمكن ان يقدمه برنامج مساعدات ضخم لضمان النجاح الاقتصادي والسياسي لدولة فلسطينية في المستقبل، وتقدم المستويات المعيشية للفلسطينيين بشكل يدعم السلام. وبطموح اكثر دراسة كيف يمكن للاردن واسرائيل ودولة فلسطينية ان تتعاون فيما بينها للعيش بسلام.
لقد اصبحت الحدود من الماضي. وينبغي التركيز على الاقتصاد والنمو السكاني ومستويات المعيشة والامن بمعناها الواسع دون الاماكن المقدسة. وقد يتطلب برنامج مساعدات اقتصادية غربية وعربية تصل لميارات الدولارات على مدى سنوات. وبالتأكيد سيتطلب برنامج مساعدات امريكية متواصلة لاسرائيل كذلك.
فضلاً عن ذلك سيتطلب الامر من الفلسطينيين والحكومات العربية بالنظر بصدق الى النمو السكاني في غزة والضفة الغربية، وفهم انه سيكون من التحديات الصعبة التعامل مع النمو السكاني المتاصل في هاتين المنطقتين.
اذ لم يكن عدد السكان في غزة يتجاوز 245الف نسمة في عام 1949، وحوالي 330الف في عام 1967. وتتوقع وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية (CIA) ان العدد يبلغ الآن اكثر من 1,3مليون نسمة، أي بنسبة نمو تزيد على 83%، و 49% من سكانها في سن 14 او اصغر. ويتوقع مكتب الاحصاء الامريكي ان يبلغ عدد السكان 1,7مليون نسمة بحلول عام 2010 و 4,2مليون عام 2050.
اما الضفة الغربية فلم يتجاوز عدد سكانها 775 ألف نسمة في عام 1949وحوالي 680الف بنهاية حرب 1967. وتتوقع وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية (CIA) ان العدد يبلغ الآن اكثر من 2,3مليون نسمة، أي بنسبة نمو تزيد على 23% ، و 44 %من سكانها في سن 14او اصغر. ويتوقع مكتب الاحصاء الامريكي ان يبلغ عدد السكان 2,8مليون نسمة بحلول عام 2010 و 5,6 مليون عام 2050.
وقد ضاعت الكثير من الاجيال الفلسطينية الشابة في الصراع. واذا ماكتب الامل للجيل الحالي والاجيال القادمة، فيتوجب حينئذ ان يرجح اللاجئين الفلسطينيين من خارج قطاع غزة والضفة الغربية 90% من هؤلاء لم يشهدوا ما ستكو عليه "دولة فلسطين" – كمواطنين كاملين في الدول الراعية لهم.
العـــــراق
من الواضح للغاية غياب نهاية بسيطة لحالات العنف في العراق. كما يتضح في ذات الوقت ان هدف الائتلاف لم يعد الانتصار في العراق، بل ابعاد الشعب العراقي عن الهزيمة. وهناك ثلاثة اشياء ضرورية لانهاء حالات التوتر بين الائتلاف بقيادة الولايات المتحدة والعالم العربي:-
* بناء قوات الامن العراقية بأسرع وقت ممكن، وخلق مسار صحيح لانسحاب الائتلاف.
* وضع جهود المساعدات الاقتصادية الحالية تحت الاشراف العراقي وليس الامريكي او الائتلاف، والتخطيط لجهد مساعدات يستمر لنصف عقد على الاقل بعد 2004.
* تدويل جهد المساعدات الخارجية السياسية والاقتصادية بأكبر قدر ممكن.
مع ذلك فهذا لايعني ان بأمكان الائتلاف اللوذ بالفرار او نقل المسؤولية لمؤسسات دولية لايمكنها القيام بالعمل. بل يعني الحاجة الى دور بناء وفعال اكبر من جانب العالم العربي. ان الشيء الاسوء مما هو عليه الواقع الحالي في العراق هو مايمكن ان يحدث في المستقبل من فراغ في السلطة وغياب الامن والبطالة الضخمة والصراع العرقي والطائفي.
الاصلاح السياسي والاقتصادي والديمغرافي والاجتماعي
وعموماً يحتاج الغرب والشرق الاوسط وخصوصاً الولايات المتحدة والعالم العربي الى تبني منهج اكثر صدقاً للاصلاح. إذ يتبنى كلا الجانبين حالياً منهجاً مختل وظيفياً.
ويميل العالم العربي للعيش في حالة من الرفض لكل من مستوى حاجته للاصلاح، وعدم فعالية معظم جهوده الحالية. لقد خذلت الحكومات العربية والمثقفون العرب عموماً شعوبها. إذ يعدون ويخططون ويتحدثون ولكن يترددون في اتخاذ اجراء جاد. والنتيجة هي ان الاخفاق في التطور يولد ثورة واخفاق المعتدلين يولد متطرفين.
والكثير من هذه الاخفاقات قد تجاوزت ايضاً حدود الثقافة والدين. فالقطاع الحكومي الفاشل هو قطاع حكومي فاشل. والسياسات التي تعيق النمو الاقتصادي تعيق فعلاً النمو الاقتصادي. والتعليم الفاشل هو تعليم فاشل والتعلم الروتيني هو تعلم روتيني. وخطة التنمية التي لا تأخذ طريقها الى التنفيذ لايمكن ان تؤدي الى التنمية. والتقدم البطيء في حكم القانون وحقوق الانسان الاساسية من البطء لدرجة لايمكن قبولها. والمؤامرة الحقيقية للصمت بشأن موضوع النمو السكاني والديموغرافي ماهو إلا محض جبن فكري.
لاشك ان الكثير في الولايات المتحدة والغرب يستحق النقد ايضاً. مع ذلك فالجواب لايتمثل بخنق النقد بل بتشجيع النقد المتبادل والضغط العام من أجل الاصلاح والتغيير. فضلاً عن أن المشاكل ذات العلاقة هي بطبيعتها نسبية وببساطة فأن العالم العربي والشرق الاوسط يتحركان ببطء شديد ويقدمان الكثير من الاعذار ويستوردان كماً هائلاً من المشاكل التي لايمكنهم حلها الا من خلال العمل في الداخل.
إن القاء اللوم على الغرب والعولمة والولايات المتحدة والارث الاستعماري كلها صور أخرى من الجبن المعنوي والفكري. إذ ان 90% من مشاكل الدول العربية وحكومات الشرق الأوسط هي جروح الابتلاء الذاتي. وهذه المشاكل لن تجد طريقها الى الحل الا حين تمتلك الدول العربية الشجاعة والرغبة بحلها في دولهم.
مع ذلك فالوجه الاخر للعملة يتمثل في دعوة الولايات المتحدة لتقدم فوري باتجاه "الديمقراطية" و "الانتخابات" في عموم المنطقة. وهو نوع من العموميات الغامضة التي دعت الى وضع مسودات اولية لـ "مبادرة الشرق الأوسط الكبير" الأمريكية. وهذه الدعوات لن تزيد الامور الا سؤاً. فهي تتعامل مع جميع الدول بالتساوي، وتتجاهل الحاجة للاحزاب السياسية والخبرة حول الانتخابات والحركات المعارضة المعتدلة.
وتتجاهل ايضاً حقوق الانسان وحكم القانون والاصلاحات الاقتصادية والديموغرافية والتعليمية والاجتماعية والتي تحظى بأولوية قصوى وتعد مقدمات للتعددية الحقيقية. وغالباً ما تبنت الولايات المتحدة منهج "رجل واحد، صوت واحد ، وقت واحد "للتغيير في الشرق الاوسط، وتجاهلت الحاجة للتطوير على يد اصدقائها في البحث عن ثورة ستاتي بالمتطرفين وباعدائها الى سدة الحكم.
وكانت العموميات الغامضة لبيان مجموعة الثمان التي اخذت مكان "مبادرة الشرق الاوسط الكبير"، كانت أقل ضرراً بكثير ولكنها هي الاخرى لم تقدم أي اساس لتقدم حقيقي. إذ لم تعرض مبادرات على شكل مساعدات اقتصادية او الانضمام الى منظمة التجارة العالمية او تحسين التجارة او الاستثمار الاجنبي.
وتكلموا بمصطلحات بلا معنى حول الحلول الاقليمية والتعاون الدولي.
* مطلوب نقاش واسع وجدلي بكل تأكيد حول الاصلاح في العالم العربي والشرق الاوسط. وينبغي ان تأتي القوة الاولية لهذا النقاش من الداخل.
ولكن ينبغي اثارتها واختبارها ومساعدتها من الخارج. وبنفس الوقت تحتاج الولايات المتحدة والاتحاد الاوربي وكل اعضاء مجموعة الثماني الى تجاوز كل من مفهوم المرآة السياسية والنوايا الحسنة الفارغة. نحن بحاجة لتطوير دعوات الاصوات وتخطيطها والتفضيل فيما بينها على اساس البلد. وينبغي بناءها اعتماداً على ماتفعله البلدان ومصلحيها اينما امكن ذلك. ينبغي استكشاف افضل الطرق التطويرية نحو حقوق الانسان وحكم القانون والاصلاحات الاقتصادية والديموغرافية والتعليمية في بلد محدد؛ وتقديم دوافع حقيقية وليس مجرد انتقاد. ينبغي فهم ان الديمقراطية بدون استقرار ودون سياسة ضبط وموازنة مناسبة ماهي إلا نوع مختلف من التطرف.
ويتضح هنا امر اخر. ينبغي معالجة جميع هذه القضايا في وقت واحد: وبواقعية أكثر وبتعاون أكبر بين الولايات المتحدة والعالم العربي واسرائيل اكثر مما هو حاصل الآن.
ولكن ينبغي اثارتها واختبارها ومساعدتها من الخارج. وبنفس الوقت تحتاج الولايات المتحدة والاتحاد الاوربي وكل اعضاء مجموعة الثماني الى تجاوز كل من مفهوم المرآة السياسية والنوايا الحسنة الفارغة. نحن بحاجة لتطوير دعوات الاصوات وتخطيطها والتفضيل فيما بينها على اساس البلد. وينبغي بناءها اعتماداً على ماتفعله البلدان ومصلحيها اينما امكن ذلك. ينبغي استكشاف افضل الطرق التطويرية نحو حقوق الانسان وحكم القانون والاصلاحات الاقتصادية والديموغرافية والتعليمية في بلد محدد؛ وتقديم دوافع حقيقية وليس مجرد انتقاد. ينبغي فهم ان الديمقراطية بدون استقرار ودون سياسة ضبط وموازنة مناسبة ماهي إلا نوع مختلف من التطرف.
ويتضح هنا امر اخر. ينبغي معالجة جميع هذه القضايا في وقت واحد: وبواقعية أكثر وبتعاون أكبر بين الولايات المتحدة والعالم العربي واسرائيل اكثر مما هو حاصل الآن.
كلفة عدم التحرك
وفي النهاية سيكون من غير المنصف عدم ابداء الشكر والتقدير للحكومات والمنظمات غير الحكومية التي تبذل جهوداً في هذه المجالات. فقد أعترف الرئيس بوش مراراً ان الاسلام واحد من أكبر الديانات في العالم وأن التطرف والارهاب الاسلامي هي ضلالات لأقلية صغيرة وهي ليست معايير للدين الاسلامي.
وقد رأت دول مثل السعودية الحاجة للحوار وحاولت خلق هذا الحوار. ودعت مجموعة الثماني والجامعة العربية للتقدم في مجال الحوار والاصلاح. مع ذلك سيكون من غير الحقيقي القول في نفس الوقت ان حكومات الولايات المتحدة او الغرب او العالم العربي والاسلامي قد بدأت بفعل مافيه الكفاية.
وبدأت هذا الحديث بالاقتباس من شاعر عربي، وانا أعتذر عن خروجي من النص والاضافة عليه. ولأنهي حديثي بعدة ابيات أخرى من شاعر أخر – شاعر غربي – كتبت بعد مفاجع الحرب العالمية الاولى:
" الاشياء تنقسم ولايمكن ضبط المركز،
لقد سادت الفوضى العالم،
وأطلق العنان لموجة الدم المعتمة وفي كل مكان.
أُغرقت مراسم البراءة
ويفتقر الافضل لكل الادانات بينما
يمتلى الاسوء بعاطفة جياشة
… عشرون قرناً من النوم الحجري
قذفت الى كابوس عبر مهد صخري
وياله من وحشٍ هائج، انها المساعدة قد اتت اخيراً
فهل مطأطيء الرؤوس نحو بيثلهام سيصمدون ؟
أن مناهضة الارهاب والقوة العسكرية ليست باستراتيجية مؤثرة لكل من الغرب او الشرق الأوسط. اما الغضب ونظريات المؤامرة والشلل فهي اقل تأثيراً حتى. وتتطلب الاستراتيجية الناجحة جهداً مركزاً لمد الجسور بين الدول والثقافات وبين الاسلام والمسيحية واليهودية. فضلاً عن ذلك علينا الاعتراف إن هذا القتال ليس صراعاً بين الحضارات.
بل هو صراع من أجل الحضارة. صراع من أجل مستقبل مشترك ليس مكبوتاً داخل أحقاد الماضي ومخاوفه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*ترجمت من نشرة مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية.(CSIS) تحت عنوان (Beyoned Angerand Counterterrorism) (Pag1-12 ) بتأريخ 13/9/2004.
اصدرت في October 12, 2005 5:56:00 AM
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق