الاثنين، 5 أكتوبر 2009

معاداة أمريكا في العراق: هل هي عقبة في طريق الديمقراطية؟(4-4)

بقلم: بين روسويل وباتشيباوكر
ترجمة الباحث: أمير جبار الساعدي
فقد أدى رجال الدين دوراً أساسياً بارزاً على مدى تاريخ العراق. وكان يسمح لرجال الدين حتى في ظل النظام الاستبدادي لصدام حسين بدرجة من الحكم الذاتي السياسي. فبرغم انه وضع كلا من الحركات الإسلامية السنية والشيعية تحت الرقابة المشددة، لكنه سمح لهما بتحشيد أتباعهم كما فعل هو بإضفاء الشعارات الإسلامية على سلطته وأصبحت الحركات الإسلامية أكثر تنظيما من الحركات السياسية العلمانية داخل العراق. وتلقي بيانات تصدر عن رموز مثل آية الله العظمى علي السيستاني زعيم الهرم الحوزوي الشيعي ومركزه مدينة النجف المقدسة تأثيرا استثنائيا على الرأي العام العراقي. وقد تباطأت السلطات الأمريكية في إدراك أهمية هذا المرجع وقد تكرر خطأها برفض المطالبة بإجراء انتخابات مباشرة لاختيار الحكومة الانتقالية. إن الحكومة المشكلة برغم اعترافات رجل يحظى بثقة أغلبية العراقيين ستمارس سلطة محدودة. لذا فمن اللازم على الولايات المتحدة أن تبذل جهدا أكبر برغم صعوبة ذلك لإشراك رجال دين بارزين كالسيستاني لضمان تأييدهم للحكومة الانتقالية. وقد يتطلب ذلك من الولايات المتحدة أن تبدي مرونة بشأن خطة نقل السلطة التي وضعتها مع مجلس الحكم.

4- بناء الثقة: لقد أخفقت جهود "التحالف" في تطوير قدرتها على التواصل مع الشعب العراقي حتى الآن. فقد قامت بتنظيم قدرات البث للنظام السابق إلى شبكة الإعلام العراقية ودشنت قناة إخبارية تحت اسم العراقية لإيصال رسالتها. ويلقي السفير بول بريمر خطابا إذاعيا أسبوعيا للشعب العراقي. ولكن لا يكاد يكون لهذه الجهود تأثير يذكر على الرأي العام العراقي. وقد وجدت وزارة الخارجية الأمريكية في بيانات استطلاعية كشف عنها في شهر تشرين/ نوفمبر إن من بين المتابعين لعدة قنوات إخبارية، فان 6% من العراقيين يعتقدون إن العراقية مصدر موثوق للأخبار
([1]). فهي تعرض لسان حال الاحتلال والغرض منها أساسا هو تعزيز الانطباعات المفضلة للولايات المتحدة والتحالف على حساب المقاومين الذين يوصفون "بالقتلة"و "الأشرار" ([2]). ونتيجة للأسباب أعلاه فان الارتياب العراقي تجاه الولايات المتحدة بدرجة من التأصل لا يمكن تخفيفه من خلال حملات قياسية للعلاقات العامة. وسيبذل "التحالف" جهده لتنظيم جهود الاتصالات من اجل الغاية المنشودة وهي رعاية الثقة العراقية بإمكانية إرساء الديمقراطية. ويجب تطمين العراقيين بأنهم حين يستعيدون سيطرتهم على بلدهم في الأشهر القليلة المقبلة فبامكانهم أن يعهدوا بها لحكومة ذات نظام ديمقراطي من دون التضحية بالأمن أو الوحدة الوطنية أو الطبيعة الإسلامية لبلدهم. وفيما يلي أمثلة عن الإجراءات التي قد تساعد على زيادة ثقة العراقيين، بامكان الحكومة الديمقراطية أن تأخذ على عاتقها التحديات المذكورة أنفا:

1- الأمن: ضمان تدريب قوات الأمن العراقية تدريبا كفء للتعامل مع الأخطار التي تهدد أمن العراقيين مثل الجريمة المنظمة والعنف السياسي. التركيز على امن العراقيين أكثر منه على امن قوات التحالف وهذا يعني زيادة تردد الدوريات ونطاقها يصاحبه منهج أكثر توازنا لحماية القوات. التعامل بسرعة مع قضايا الفساد وإساءة استخدام السلطة داخل جهاز الشرطة لضمان أن ينمي العراقيون ثقتهم بأجهزتهم الأمنية.

2- الوحدة الوطنية: التدخل بسرعة لوقف العنف الطائفي إذا ما أندلع مجدداً والتأكيد في الوقت نفسه على إن الولايات المتحدة لا تفضل مجموعة على مجموعة أخرى. إشراك مجلس الشورى السني حديث العهد لضمان أن يرى المجتمع السني انه يتمتع بحصة بارزة في النظام السياسي العراقي الجديد.تحديد الوسائل المناسبة لمحاكمة صدام والمسؤولين السابقين باستخدامها كفرصة لعملية المصالحة الوطنية وتحترم في الوقت نفسه متطلبات الشفافية والعدالة والعملية القانونية ويسمح بأحد الاقتراحات لممثلين عن الجماعات العراقية البارزة في المجتمع العراقي للإدلاء بشهاداتهم بشان جرائم صدام بحقهم. تشجيع تلفزيون العراقية على بث قصص حول المصالحة والتعاون بين مختلف المجتمعات العراقية وكذلك زيادة تنوع برامجه الإخبارية لدعم مصداقيتها.

3- دور الدين الإسلامي: الاشتراك في نقاشات منتظمة وتفصيلية مع ابرز رجال الدين لتأكيد إن آراءهم متداخلة في خطة الحكم وان البيانات السياسية البارزة لا تتجاهلهم كما كان عليه الحال في السابق. رعاية النقاشات والمؤتمرات والمناظرات بشأن مختلف النماذج لبناء الأنظمة القانونية التي تعتمد على الربط بين الإسلام والمصادر الأخرى.

النتـائـج
هناك حدود لمستوى المعاداة التي يمكن للولايات المتحدة أن تقبلها في الحكومة العراقية والقائمين على نجاحها. وسيتوجب على الولايات المتحدة دعم مصالحها مع السلطات العراقية لضمان تعاونهم مع الولايات المتحدة في الحرب العالمية ضد الإرهاب، وعدم مطالبتهم بسحب القوات الأمريكية من دون موافقة أمريكية، وعدم محاولتهم الحصول على أسلحة الدمار الشامل.مع ذلك وبرغم قصر هذه الأطراف فعلى الولايات المتحدة أن لا تنزعج إذا ما تحول الخطاب السياسي في التمهيد لأول انتخابات في العراق إلى نبرة الانتقاد للبلد المسؤول عن الإطاحة بالدكتاتور السابق وزجه في السجن. وفي الوقت الذي يتوجب فيه على الولايات المتحدة أن تواجه العنف ضد قواتها، يمكنها أيضا تحمل العيش مع نوع من عدم التمتع بالشعبية في العراق. ومن المرجح جدا أن تقدم الكراهية المشتركة لأبرز وجود عسكري أجنبي في البلاد عنصر الإجماع السياسي بين مختلف المواقف السياسية للمجتمع العراقي في وقت تبرز فيه الحاجة الماسة إلى الوحدة الوطنية. وقد واجه البريطانيون وضعا مشابها في عقد العشرينات عندما أسست المؤسسات التي أوجدها النواة للحركة الوطنية وبرغم إن ضغط الملك فيصل على البريطانيين لنقل السلطة والمسؤولية كان احد مصادر الإحباط المستمر، ولكنه اتاح للملكية أن تحظى بشرعية كافية للحفاظ على العراق مستقرا نسبيا لجيل من الزمن. وليست الولايات المتحدة بحاجة إلى الامتنان العراقي الذي قد يبدو مخيبا لإطاحتها بنظام البعث وزج زعيمه الظالم في السجن. ما تحتاجه الولايات المتحدة هو نظام سياسي ديمقراطي مستقر بحيث لا يعد يمثل تهديدا للأمن والاستقرار العالمي. إن مساعدة العراقيين لتحقيق هذا الإنجاز الضخم سيتطلب التركيز والإصرار وقدرا كبيرا من الصبر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مسح إعلاميINR: التلفزيون مصدر معلوماتي مهم "مكتب الأبحاث في وزارة الخارجية في17/تشرين الثاني نوفمبر2003 تم الدخول للموقع بتاريخ15/ كانون الثاني/2004.
(2) "انتم، يا شعب العراق الطيب" خطاب بريمر الأسبوعي في 28/ كانون الثاني/ نوفمبر2003 تم الدخول للموقع في 15/ كانون الثاني/ يناير.

ليست هناك تعليقات: