الخميس، 1 أكتوبر 2009

أربعة حروب والعد مستمر (4-10)

إعادة النظر في المعنى الأستراتيجي للحرب على العراق
أنتوني . كورد سمان
ترجمة الباحث: أمير جبار الساعدي

الهجوم المعاكس المزدوج ضد أنصار النظام السابق والأسلاميين
لقد شهدت الأشهر القليلة الماضية تصعيداً مطرداً في الحرب غير المتكافئة بين الولايات المتحدة وحلفائها في الائتلاف من جهة والخليط المعادي من أنصار النظام السابق والمتطرفيين الأسلاميين وأغلبهم من السنة من جهة أخرى، أن النزاع الناتج غير متكافئ بكل ما في هذه الكلمة من معنى إذ يختلف الجانبين في الاهداف الأستراتيجية الكبرى والاهداف الأستراتيجية والطرق التكتيكية وأهدافها.
وكانت النتيجة النهائية أن كل جانب توجب عليه أن يعدل أهدافه الأستراتيجية الكبرى. وفي ذات الوقت طور كل جانب إستراتيجية مستقرة نسبياً ومزيج من الخيارات التكتيكية لتنفيذها. وهذه التكتيكات تتغير مع الوقت، لكن ما تسميه بعض التقارير بتكتيكات(جديدة) هي معظمها مجرد تغيرات في مزيج التكتيكات التي يستخدمها كل جانب أو تغيرات وتحسينات لطرق قديمة في الهجوم. ويسعى هذا التحليل لتلخيص واقع كل طرف من حيث الأستراتيجية الكبرى والأستراتيجية والتكتيكات.

الأستراتيجية الكبرى
لا يمكن لأي من الطرفين تحقيق الأهداف الأستراتيجية الكبرى الأصلية في الوقت الحاضر. وقد دفع هذا كلا الطرفين لتحديد أهدافه بحيث لا يقدر كلا الطرفين على (الأنتصار) في جوانب الأستراتيجية الكبرى.
الأستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة
تتضح عدة عوامل في حالة الولايات المتحدة.
* لقد حققت الولايات المتحدة هدفاً مهماً فقد قضت على نظام دكتاتوري قاس وعدواني.
* أوقفت الولايات المتحدة التسلح العراقي ولكن لا يمكنها تحقيق هدف التخلص من تهديد عاجل ووشيك لأنه لم يثبت وجود مثل هذا التهديد.
* وتنطبق نفس المشاكل على أي أرتباط بين العراق والحرب على الإرهاب. لقد أدى العراق في أفضل الظروف دوراً سطحياً في الإرهاب، مع علاقات محددة وغير مهمة بالقاعدة وجماعات أرهابية أخرى ذات نهج عملياتي محدود. وإذا ما حدث أي شيء فأن الولايات المتحدة قد أشعلت المزيد من الغضب العربي الأسلامي ضد الولايات المتحدة رغم عدم أتضاح الدليل أن العراق (مصدر الإرهابيين). أن أقل من 500 شخص مما يقارب 12ألف من المشتبه بأنتمائهم الى المقاومة ممن القي القبض عليهم في العراق هم من الأجانب. و25 شخص لاغير يشتبه بعلاقتهم بالقاعدة ويبقى(5) مشتبهين منهم رئيسيون فحسب.
* قد تتمكن الولايات المتحدة من إعطاء العراق فرصاً كبيرة جديدة، لكنها لن تتمكن من تحويل العراق الى دولة ديمقراطية حديثة أو اقتصاد السوق الحرة. وسيتوجب على الولايات المتحدة أن تغادر قبل اتمام القضايا السياسية والاقتصادية وقضايا الطاقة في العراق وسيواجة العراق بعد ذلك سنوات، أن لم تكن عقوداً، من عدم الاستقرار.
* لن يصبح العراق قريباً الدولة النموذجية في المنطقة، أو مثالاً لقدرة الولايات المتحدة على خلق دولة ديمقراطية. وقد تبرز بعض الايجابيات في العراق بمرور الوقت، ولكنها ستوازن، جزئياً على الأقل، بالسلبيات، في الوقت الذي ستندفع دول أخرى في الشرق الأوسط بفعل تحركات داخلية.
* لن تتمكن الولايات المتحدة من المساعدة في تحرير القوى العقائدية والعرقية من العرب والأكراد والسنة والشيعة في العراق التي سحقها صدام بقوة. مع ذلك فالرؤية الأمريكية نصف المكتملة لـ (الفدرالية) لن تمنع هذه القوى من التواصل خلال السنوات القادمة.
* قد يتحمل العراقيون الولايات المتحدة إذا ما خرج العراق من دائرة حكم الولايات المتحدة والتحالف كدولة مستقرة وأمنة بشكل معقول، لكن الولايات المتحدة لن تكسب قلوب العراقيين وعقولهم وصداقتهم. وستخلف الحرب غضباً بقدر ما خلفت من عرفان بالجميل.
* من الواضح أنه ستمر سنوات قبل أن يستعيد العراق دوره في مجال تزويد الطاقة في المنطقة، ومن غير المؤكد فيما ستكون عليه العملية أكثر أماناً، أو تنتج صادرات أعلى، مما خططت وزارة الطاقة الأمريكية عند عودتها من العراق قبل أندلاع الحرب.
* لقد أطاحت الولايات المتحدة بتهديد عسكري محتمل لاسرائيل، ولكن من غير المحتمل أن يكون النظام الجديد بعد الغزو الأمريكي أكثر تعاطفاً مع اسرائيل من أي بلد عربي أخر.
* من المحتمل جدأ أن يُعقّد الوضع في العراق مشاكل الولايات المتحدة مع الحركات الأسلامية بدلاً من تقليصها، وسيؤدي في الأغلب الى تشكيل نظام أقل علمانية بكثير بمرور الزمن.
* لقد أنتهى الخطر العسكري الذي يشكله العراق على جيرانه لعقد من الزمن على الأقل، لكن النتيجة ستكون فراغاً في القوى في منطقة الخليج قد تشجع الضغط الأيراني والسوري والتركي المستمر وتثير قلق الدول العربية التي تعتنق المذهب السني.

الأستراتيجية الكبرى لأنصار النظام السابق
يبدو الأن من شبه المستحيل أن يظهر مثل نظام صدام السابق مرة أخرى، بغض النظر عن نتيجة الحرب. وحتى لو كان لصدام وأبرز مؤيديه كعزة الدوري دوراً بارزاً في ادارة القتال الأن. إلا أن قاعدة نفوذهم السابقة قد تم تدميرها بشكل كبير. فضلاً عن ذلك فأن القوات التي تهاجم الولايات المتحدة والتحالف هي مزيج من أنصار حقيقيين للنظام وحزب البعث ومستفيدين أخرين ممن لا يرون لأنفسهم أي مستقبل أخر، ومن القوميين العرب والعراقيين والمجرمين وناشطين مأجورين وعراقيين معادين للولايات المتحدة أو يسعون للثأر، ومتطوعين أجانب لا ينتسبون الى جهة محددة وعراقيين من السنة وإسلاميين آخرين معادين للولايات المتحدة، وعراقيين يخشون هيمنة الولايات المتحدة والامبريالية الجديدة ، ومتطرفين أسلاميين أجانب من لا تربطهم بجماعات مثل أنصار الأسلام والقاعدة ومن دون علاقات معهم، وسنة ممن يخشون فقدان النفوذ والثروة التي حصلوا عليها في ظل نظام صدام والبعث وعراقيين شباب غرر بهم في تصاعد هذه الهجمات، في وقت بلغت البطالة من 50الى 60%.

ولم يحدد المسؤولون الأمريكيون البنية القيادية لهذه القوى، كما لم يعالجوا مسألة وحدتهم. وجل ما قاله هؤلاء المسؤولون هو أن:
* هناك دليل أن نظام صدام خطط ونظم قتال أسلوب الحرب الدائرة الأن قبل غزو الولايات المتحدة.
* ربما تباطأ النظام السابق في تنفيذ هذه الحرب أثر صدمته بسرعة التقدم الأمريكي وسقوط بغداد المفاجئ.
* المقاومة الأعنف تحدث في المدن السنية وقراها في (المثلث السني) شمال بغداد وغربها التي لم تحتلها القوات الأمريكية بالكامل أو قاتلت فيها بسبب السقوط المفاجئ لنظام صدام .
* ثبت تدريجياً أن هناك نوع من التنسيق المحلي والأقليمي وربما القومي.
* لايبدو أن عمل قيادة أنصار النظام السابق "لديها هيكلية صارمة، ولكن لديها نوع من الهرمية وهناك "خلايا" محلية من القادة والمنظمين ممن يقدمون الاموال والسلاح.
* لا يتوفر رقم دقيق لهذه الخلايا أو عدد القوات النظامية لـ"أنصار النظام السابق" والقوات المتناوبة. وتقول التخمينات أن هناك حوالي (25) خلية أو زمرة وما يقارب خمسة الاف متطوع. وتتحدث تخمينات اخرى عن (8-12) خلية تضم كل واحدة منها (80-100) رجل في منطقة بغداد الكبرى، وخلايا أصغر تضم (10-20) رجل لفرض الغارات الحقيقية والاشتباك. مع ذلك يؤكد الخبراء أن أي جهد لتقدير عدد القوات المعادية هو جهد غير مؤكد وما هو إلا تخمينات. فضلاً عن ذلك تعكس بعض المقابلات مع "مقاتلين" تركيباً صارماً جداً للخلية حيث يزج العديد ممن يقومون بالهجمات في جماعات صغيرة للقيام بمهمة محددة، دون فهم واضح لطبيعة التدرج الهرمي الأعلى منهم. ولا يعرف العراقيون المستأجرون للقيام بمهمة أو المقاتلون الاجانب شيئاً أو يعرفون الشيء القليل عن الهيكلية الأعلى منهم.
* أوردت بعض المصادر الإسرائيلية مثل (دبكا Debka) تقارير تفيد أن "أنصار النظام السابق" قد نظموا عناصر من فدائي صدام، واستشهدت هذه المصادر بظهور فدائيين ببدلاتهم المعروفة في منطقة سامراء. ويتضح أن الولايات المتحدة تسعى بقوة للقبض على عزة ابراهيم الدوري وتفيد تقارير (دبكا) أن ابنه محمد الدوري القيادي البارز في فدائي صدام يقود بقايا الوية الفدائيين وعددهم (300-400) مقاتل تلقوا تدريباً على حرب العصابات في المدن والمناطق السكنية والمفتوحة وكذلك على الهجمات الأنتحارية. ولا يعتقد القادة الأمريكيون مع ذلك بوجود وحدات قتالية منظمة، وأنما هناك مجاميع من (80-100) رجل أغلبهم مقاتلين غير نظاميين.
* هناك متطوعون اجانب في صفوف "أنصار النظام السابق"، ولكن لم يثبت وجود نشاط اسلامي منظم ومنفصل عدا بقايا صغيرة نسبياً من تنظيم القاعدة.
* يسعى "أنصار النظام السابق" الى ضم اسلاميين من السنة والشيعة ويلجاً الى ذلك غالباً باستخدام الخطاب الأسلامي والقومي، واستخدام شعارات مزيفة مثل "جيش محمد".
* هناك جهد سياسي وإعلامي منظم لاستغلال وسائل الإعلام العربية والأجنبية وينشر هذا الجهد نظريات المؤامرة، ويساهم في تدبير دعأوي عراقية مدنية بشأن الضرر المصاحب والضحايا المدنيين، ويدعم جهداً مستمراً يفند تفنيداً منتظماً تقارير سلطة الائتلاف المؤقتة والتحالف والولايات المتحدة.
* هناك دليل يثبت وجود جهد منظم لتخويف وقتل العراقيين الذين يدعمون التحالف وجهود بناء الدولة سواء كانوا مدنيين ومسؤولين أو قوات امن أو متعهدين.
* هناك درجة من التنظيم في استخبارات "أنصار النظام السابق" وتنشط نشاطاً مطرداً.
لقد جمعت كل الجماعات المختلفة معاً في سجلات الجيش الأمريكي بوصفها من "أنصار النظام السابق". لا أحد يعرف اعدادهم أو توجهاتهم أو المزيج النسبي من العناصر تحت هذا العنوأن، لكن تأريخ حروب كهذه يفيد أنه مهما خطط صدام والنظام أو ينوي أن يخطط، فالمزيج الناتج من الناشطين بدرجة من التنوع لا يمكن أن يتحول الى تركيب سياسي وعسكري جديد خارج سيطرة النظام. ومن المرجح أن يستمر بصيغة جديدة حتى في حالة قتل صدام وعزة الدوري وقادة البعث الاخرين أو القاء القبض عليهم.
ويحظى الأكراد والشيعة بالقوة لضمان حصة مهمة في موارد العراق السياسية والاقتصادية، أما مقاومة "المقاتلين" الجدد البارزين كانصار للنظام السابق فهي نابعة من الأنتماء العرقي والقومية العربية أكثر مما هي حب لصدام ولحزب البعث. والنتيجة النهائية مقرنة بتصاعد بارز لدور الأسلاميين السنة هي"عراق جديد" حتى في المثلث السني. والنتيجة على الطرفيين الأن أن يتبنا أهدافاً أكثر تواضعاً للاستراتيجية الكبرى. إذ ترغب الولايات المتحدة بالرحيل وعندها أمل أن تكون تركته بالنهاية عراقاً ديمقراطياً مستقراً ذي اقتصاد حر. ويبدو أن معظم"أنصار النظام السابق" يرغبون بعودة الهيمنة السنية في ظل رجل قوي وحزب كحزب البعث، رغم أنه من غير الواضح أنهم يرغبون بالضرورة بصدام ودكتاتورية أشبه بالضبط بدكتاتورية حزب البعث.

ليست هناك تعليقات: