الأربعاء، 7 أكتوبر 2009

أخذ العرب على محمل الجد (4-4)

مارك لا ينش
ترجمة الباحث: أمير جبار الساعدي

ما لم تمد الولايات المتحدة يدها فمن غير المحتمل أن تتغير التوجهات العربية على الفور لأن الواقع يقول إن السياسيين الطموحين والمثقفين لديهم حوافز قوية لانتقاد الولايات المتحدة بمصطلحات قوية بينما ليس هنالك من حوافز تدفع للدفاع عنها. ويحصل الخطيب المناهض لأمريكا سمعة بالاصالة والشجاعة والتفكير الواضح أما الخط الموالي لأمريكا ورغم أقتراح الأمريكين له كقمة الشجاعة... فينظر إليه عادةً في العالم العربي على أنه انتهازية رخيصة(1)
.
إذا أرادت إدارة "بوش" أن تجمع العرب بجدية نحو مزيد من الديمقراطية والتحرر في الشرق الأوسط وتفوز بدعمهم لاحتلال العراق والحرب على الإرهاب فعليها تغيير هذه الحوافز. وتحتاج أن تدرك إن النخبة الإعلامية العربية بامكانها التعبير عن نفسها وهي مستاءة للغاية لكونها مهملة ومهمشة، وهي أكثر من مجرد قادرة على مراقبة أقوال أمريكا وأفعالها مراقبة مباشرة وكشف التناقضات. ويمكن أن يعطي الظهور المتكرر والصريح صراحة منسبة إلى من يمثل أمريكا في وسائل الإعلام العربية الجديدة تأثيراً طيباً من خلال تغيير مجموعة المشتركين وأسلوب النقاش وخلق أساليب جديدة للأفراد للظهور وتعزيز سمعتهم. ويمكنهم أن يفتحوا مجالا لتأثير المثقفين العرب من خلال ربط تثليثي بين المتطرفين، دعم مالي جديد بإرساء أرضية معتدلة ومعقولة.
وهذا لا يعني مجرد مساعدة المعتدلين وتجنب الراديكاليين. إن الدعم الأمريكي المفتوح يذهب بعيدا باتجاه إضعاف الثقة بأي عربي، وبذلك فان مداهنة المرشحين المقربين قد يحكم عليهم بانعدام وجود أي علاقة. وسيكون من الأفضل الاشتراك في النقاش السياسي الحالي بكافة أطيافه ومحاولة تغيير الموازنة وأسلوب النقاش من خلال زج الولايات المتحدة تدريجياً في الحوار. ومن المؤكد إن التحاور مع الذين يتبنون أراء سياسة معادية أكثر أهمية من نصب منبر للذين يتفقون مع المواقف الأمريكية. أما في الوقت الحاضر فتشعر الأغلبية الشاسعة من العرب الفاعلين سياسياً...لا سيما المغتربين والأعضاء المتعلمين في النخبة الإعلامية الجديدة...بالعجز والإحباط لذا فقد يشجع الإصغاء إليهم باحترام إلى الدخول معهم في نقاش متواصل حول البدائل الواقعية وقراءات محتملة أخرى للحوافز والسياسات الفعلية والدخول في بحث عن حلول فيها مصلحة الطرفين.

تشجيع العالم…
يذكر تقرير صدر مؤخراً لقوة مهام مجلس العلاقات الخارجية حول السياسة العامة ما نصه "لا شك تقريباً إن طبائع الأمريكان كالغطرسة والأنغماس الذاتي والنفاق والإهمال وعدم الرغبة أو عدم القدرة على الاشتراك في حوار حضاري هي طبائع سائدة وراسخة". وهذه التوجهات تهيمن على مسألة الاستجابة لأي مبادرة وفي الوقت ذاته فمعظم العرب يلوح عليهم حذر محزن من المشاكل العاجلة التي تواجه العالم العربي. وهكذا يجب أن تهدف السياسة الأمريكية إلى إيجاد طرق لإشراك هذا النوع من الرأي العام…التواق إلى الإصلاح ولكن المتشكك والمستاء من القوة الأمريكية.
وينبغي أن تستهل أي مفاتحة بأعتراف صادق بالتشكك العربي إزاء النوايا الأمريكية: فتجنب واشنطن البلاغة المتكلفة وبدل من ذلك تعترف بكل ما وراء سياساتها من مصالح وأهداف. (سيفترض الملاحظون المتشككون المصلحة الذاتية بكل الأحوال ويتخذ من التأكيدات على الإيثار دليلاً على عدم الصدق) وينبغي أن تبقى التوقعات منخفضة وقد يكون هذا هدفاً واقعياً للمستقبل القريب وذلك للكفاح من أجل علاقة تحصل فيها السياسة الأمريكية على فائدة الشك.
ويمكن أن تبدأ الولايات المتحدة بصب أهتمامها على الإجماع شبه المطلق على عدم الأمانة الأمريكية في الدعوة إلى الديمقراطية. فطالما تردد صناع القرار الأمريكان في دعم الديمقراطية من أجل العرب تخوفاً من احتمال فوز إسلاميين في أنتخابات حرة والآن وضع هذا التحديد السياسي في سلم الاولويات بوصفه هدفاً أمريكيا بارزاً لان الطريقة الوحيدة لاسترجاع الولايات المتحدة مصداقيتها في عيون العرب هي في إظهار رغبتها بتقبل نتائج أنتخابية غير مرضية...كما فعلنا أخيراً ولو بقبول زائف في تركيا مؤخراً.
ويشتكي دعاة الحرية العرب أنهم ناضلوا طويلاً من أجل حقوق الإنسان والحريات العامة دون أي دعم أمريكي ملموس ويسألون لماذا ينبغي أن تتغير الأمور الآن في وقت جعلت الحرب على الإرهاب والغضب الشعبي حول العراق الأنظمة العربية أكثر قمعاً من ذي قبل ويرغبون بتصديق الوعود الأمريكية ويثقوا بحسن النوايا الأمريكية ولكن على واشنطن أن تعطي سبباً لفعل ذلك والهدف ينبغي أن تثبت الولايات المتحدة ذلك بالأقوال والأفعال إنها نصير للشارع العربي في مطالبه للإصلاح في مجال الحرية وليس مجرد إحداث هذا الإصلاح بفرض خارجي وقد لمست جريدة الحياة في عدد صدر مؤخراً بلطف الشعور العربي المتناقض إزاء دور الولايات المتحدة. إذ ذكرت ما نصه (نحن بحاجة إلى إصلاح نظامنا التعليمي حتى لو أخبرنا الأمريكان بذلك). على واشنطن أن تدرك هذه الحسابات وتفهم إن محاولات الإجبار على التغيير بالتهديدات أو بالاحتكار المتغطرس للكلام سيثير المقاومة حتى بين أولئك الذين يشاطرونها أهدافها الرئيسة.
مع ذلك يجب أن يشكل العراق الفقرة الأكثر أهمية في جدول الأعمال. إذ سيكون للتحركات الأمريكية هناك في الأشهر القليلة المقبلة بعد الحرب تأثير على العلاقات الأمريكية مع العرب اكبر من أي شيء أخر. ورغم إن العرب ما زالوا متمسكين بقوة بقضية الصراع الفلسطيني لكن معظمهم يدركون تشابك هذا الوضع وصعوبته ويتفهمون أنه حتى الجهد المخلص قد ينتهي بالفشل.وسواءً كان عدلاً ذلك أم لا، ينظر إلى الولايات المتحدة في العراق على أنها متحررة اليد وأي نتيجة تقرأ بوصفها انعاكساً مباشراً لنوايا واشنطن.
ويرى معظم العرب سياسات الولايات المتحدة العشوائية في العراق حالياً دليلاً على الاولويات الأمريكية الحاقدة، في حين يراها معظم الأمريكيون ردات فعل ذرائعية لوضع متدهور. لذلك فمن الصعب إحداث تقدم بسرعة أو إثبات حدوث هذا التقدم. والشيء الأساس هو حفظ النظام العام وإنشاء دولة عراقية فاعلة. ويجب على القوات الأمريكية تجنب إغراء حالات أنتقام الجيش الثقيلة الوطئ أو إغراء الانسحاب خلف أسوار القصور السابقة لصدام. ويتطلب الموقف أن تتعامل واشنطن بشفافية مع صناعة العراق النفطية وفي تمويلها مشاريع إعادة الأعمار داخل العراق. وعليها حث الخطى باتجاه تمثيل عراقي في الحكم وإعلان التزام صريح بانتقال ديمقراطي واضح في اقرب وقت ممكن. وعليها أن تفسح للصحف العراقية مجالاً واسعاً في انتقاد مفتوح للاحتلال الأمريكي، فرغم كون ذلك غير مقبول وليس إيجابيا دوماً، إلا إن هذا الانفتاح سيعطي مثالاً قوياً لكيفية عمل الصحافة الحرة ويدعم بقوة مصداقية أية تقارير إيجابية قد تظهر. وعليها أن تجعل في رأس قائمة أولوياتها عرض ما تفعله في كافة هذه المجالات بأنفتاح ووضوح وباستمرار في وسائل الإعلام العربية.
ومن المؤكد إنه مهما كان حجم الحوار فلن يغير العرب أرائهم عن الولايات المتحدة ونواياها بغياب تغييرات ملموسة في السياسة. وبنفس التأكيد فلا يمكن للتغيرات في السياسة أن تعبر عن نفسها. وقد يساعد الضغط على الحكومة الإسرائيلية لتفكيك المستوطنات والسماح بإجراء أنتخابات تمثيلية نزيهة في العراق وتسهيل عملية حصول العرب على تأشيرة الدخول لزيارة الولايات المتحدة..يساعد في رأب الصدع الذي حدث خلال السنتين الماضيتين، ولكن في حال شرحها من خلال نقاش مفتوح في إعلام عربي صادق ومستقل وحسب.
ولا يعرض أي حوار مع العرب كراتً سحرية. إذ يتطلب ذلك التحلي بالصبر وضبط النفس والتزام دائم بتواصل الجهود التي قد لا تعطي نتائج مرضية على الفور. وعلى إدارة بوش أن تنحي جانبا مسائل نفورها من الدبلوماسية وولعها بالتهديد والإجبار وميلها إلى تقسيم العالم إلى أصناف رمزية للخير والشر. وإذا أخذنا بالاعتبار التغييرات التي حدثت في العالم العربي خلال السنوات الأخيرة، فان مثل هذا الحوار قد يكون الحل الأمثل وربما الوحيد لأحداث تقدم في تحقيق الأهداف النبيلة التي رسمها الرئيس بوش للشرق الأوسط.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- ترجمت من مجلة الشؤون الخارجية(Foreign affairs) في العدد الصادر في شهر أيلول- تشرين الأول تحت عنوان
(Taking Arabs Seriously).
نشرت في مركز الدراسات الدولية -جامعة بغداد في- 20-10-2004

ليست هناك تعليقات: