السبت، 26 سبتمبر 2009

الماء لا النفط ديدن أزمة القرن الحادي والعشرين(2-2)

بقلم: ناروتام كان
ترجمة الباحث: أمير جبار الساعدي


إحدى الموارد المتجددة الأكثر احتمالاً لإشعال صراع بين دولتين هي مياه الأنهار. فالماء مورد أساسي لبقاء الفرد والدولة وهو عامل أساس في تصنيع واستخدام القوة العسكرية وتعتمد كل من الدول الغنية والفقيرة على الماء على نحو سواء وفي الواقع ترى الخلافات حول استخدام الماء وتحويل مجراه وتلوثه ونوعيته في جميع أرجاء العالم. ويرجعه السبب في ذلك إلى انخفاض تدفق المياه بفعل السدود والمشاريع التي تنشأها الدول المحاذية للأنهر في أعلى مجرى النهر. إما العوامل الأخرى فتشمل: تحويل مجرى المياه، والتلوث الصناعي الكيماوي الزراعي وزيادة ملوحة التربة بفعل الاستخراج المفرط للمياه الجوفية لأغراض الري، وامتلاء قيعان الأنهار بالطمئ والسيل الناجمة عن إزالة الغابات وتعرية التربة. وطبقاً لتوقعات وثيقة موجزة للمسح الأرضي المجلد (40، 1984)، فان 40% من سكان العالم يعتمدون على مياه الشرب والري والطاقة الكهرومائية في 214 منظومة نهرية رئيسية تتقاسمها دولتان أو أكثر، و 12 من هذه المنظومات تتقاسمها خمسة دول أو أكثر، وهكذا فالصراعات هي الأكثر احتمالاً للاندلاع بين دولتين أو أكثر نظراً للأسباب أعلاه واعتمادا على مدى قلة وحدة وانية وندرة الموارد المائية. لقد أعلن إسماعيل الدين نائب رئيس البنك الدولي للتنمية البيئية المدعومة في اجتماع في ستوكهولم في آب من عام 1995 إن حروب القرن ستكون بسبب الماء وليس النفط. ونفس هذه الكلمات رددها والي ان داو. الأمين العام لمؤتمر الأمم المتحدة حول المستوطنات البشرية الذي عقد عام 1996 في اسطنبول عندما قال اعتقد انه في غضون الخمسين سنة القادمة سنشهد تحولاً من النفط إلى الماء ليكون سبباً للصراعات الكبيرة بين الدول والشعوب.
في الواقع إن الحروب حول مياه الأنهار بين دولتي المنبع والمصب هي أكثر احتمالاً ضمن ظروف محددة فحسب، فعلى سبيل المثال، إذا هددت دولة مصب واقعة على ضفة النهر باللجوء إلى الحرب ضد دولة منبع لان الأخيرة لوثت مياه النهر تلويثاً كبيراً لدرجة لا يمكن استخدامه من قبل سكان دولة المصب الذين يعتمدون اعتماداً أساسيا على هذا الماء فستكون الصفة البيئية للصراع واضحة هنا. نادراً ما يؤدي هذا الوضع الى اندلاع حرب، أي انه يتوقف على مدى اقتناع دولة المصب إنها أقوى عسكرياً من دولة المنبع وترى إن معالجة الوضع لا يتم إلا باللجوء الى القوة العسكرية.

نهر النيل:
يعد نهر النيل شريان الحياة لمصر التي تحصل على مياه الأمطار غير أنها تفتقر إلى مصادر المياه الأخرى وعلى الرغم من ذلك توجد فيها بعض الطبقات الصخرية المائية سريعة النضوب تحت الصحراء ويعتمد سكان مصر البالغ عددهم
(65 مليون نسمة) والمتوقع أن يرتفع العدد الى (75 مليون) في غضون عقد من الزمن اعتماداً أساسيا على مياه النهر. يجري النهر داخل ثمانية دول قبل وصوله الى مصر. وطبقاً لاتفاقية (1959) مع السودان، يحصل المصريون على (55 مليار متر مكعب) من مياه نهر النيل سنوياً، بينما يحصل السودان على (18.5 مليار متر مكعب) وتذكر ساندرا بوستير في مقالتها "المياه مقابل الإنتاج الغذائي سيكون هذا كافياً عام (2025) "التي شاركت بها في المؤتمر التاسع للجمعية الدولية للموارد المائية الذي عقد في مدينة مونتريال عام (1997)، أن الحصة المائية لمصر عام (1990) كانت (63.5) مليار متر مكعب) لكن الطلب في عام (1998) كان قد وصل الى (56.8 مليار متر مكعب) ومن المتوقع أن يزداد بسرعة وتوقعت وكالة المساعدة الأمريكية في منتصف التسعينيات أن تعاني مصر عجزاً في المياه يتراوح بين (16-30%) في نهاية القرن العشرين.
وكانت مصر قد هددت في الماضي أنها استعدت لإعلان الحرب لمنع أي بلد في مجرى النهر العلوي من التلاعب بمجرى النهر. وفي منتصف الثمانينيات كانت على وشك إعطاء الأوامر للقيام بهجمات جوية على الخرطوم لدرء المخاطر المائية المشار إليها، إن ما يحفظ مصر حتى الآن هو إن كل من السودان وإثيوبيا بلدان فقيران وتنهكهم الحرب الأهلية وتقف حائلاً دون تنفيذ أي تحويل مائي واسع النطاق، تعتبر حالات التوتر المائية بين مصر وإثيوبيا والسودان بصيغة ما استمراراً لنزاع أمده (2000) عام حول من يحكم سيطرته على المياه طبقاً لما قاله مارك دي فيليارز في كتابه "حروب المياه" وفي عام (1993) تم التوصل إلى اتفاق عام بين الحكومة الإثيوبية الجديدة آنذاك ومصر ينص على عدم لجوء أي من البلدين الى إجراء أي عمل في نهر النيل من شأنه الإضرار بالبلدين، وكما ذكر جان هولتن في تقرير لكتاب ليف اولاسون "السياسات المائية" ليس المهم ما فعله الاثيوبيين بل ما قد يفعلوه الآن. وقد أشار الأمين العام السابق للأمم المتحدة بطرس غالي عندما كان وزيراً لخارجية مصر عام (1990) الى إن الأمن الوطني لمصر والذي يعتمد على مياه النيل هو في قبضة أقطار افريقية أخرى وبعدها صرح تصريحاً متشائماً قال فيه: الحرب القادمة في منطقتنا ستكون بسبب مياه نهر النيل، ترديداً لتصريح أنور السادات الذي كان قد ألقاه قبل (خمسة عشر سنة) وهكذا فخيار الحرب ما زال قائماً فعلاً. وما من سبب يدعونا للاعتقاد إن الأمور قد تغيرت.

مياه نهر الكانكا: (الهند وبنغلادش).
ومثال أخر واضح هو الصراع المائي بين الهند وبنغلادش حول مياه نهر الكانكا فقد أقامت الهند خزاناً ضخماً في فاركا يؤثر سلباً على الزراعة وصيد الأسماك واقتصاد بنغلادش وعلى أية حال، فالمتوقع بشأن اندلاع حرب مياه بين الهند وبنغلادش هو توقع ضعيف رغم ان نتائج بناء الخزان قد أدت الى هجرة واسعة من بنغلادش الى الهند. ويبدو ان معاهدة تقاسم مياه نهر الكانكا بين الهند وبنغلادش التي وقعها الطرفان (1996) قد حلت الأزمة في الوقت الحاضر. لكن المعاهدة لم تتطرق إلى القلق البيئي الأساسي وهو نفاذ الموارد المائية. وتم الأخذ بالاعتبار القضايا البيئية قبل تلوث الأنهار والحفاظ على النظام البيئي وحتى اتخاذ الإجراءات اللازمة لزيادة الموارد المائية التي تنفذ تدريجياً.


الصراع حول نهر الفرات
رفضت تركيا في بداية التسعينيات طلب سوريا بزيادة حصتها المائية من نهر الفرات، وهو النهر الذي قدم الماء الى محاولات البشرية الأولى في الاستزراع. وصرح سليمان ديمريل رئيس وزراء تركيا آنذاك قائلاً: نحن لا نقول إن علينا أن نتقاسم مواردهم النفطية لذا لا يمكنهم القول ان عليهم تقاسم مواردنا المائية، ويذكر نورين كليوت إن تركيا تخطط في مطلع هذا القرن إلى بناء مجمع يحوي (20) سداً، وأنظمة ري على طول المسطحات العلوية للنهر، وسوف يقلص مشروع الأناضول الضخم الذي تبلغ كلفته (21 مليار دولار)، ومعدل التدفق السنوي لنهر الفرات داخل سوريا من (22 مليار متر مكعب الى 20 مليار متر مكعب) وتعاني سوريا في الأصل من نقص خطير في المياه، إذ لا تتعدى الحصة المائية السنوية (1000 متر مكعب) للشخص الواحد (كليون، نوريت، الموارد المائية والصراع في الشرق الأوسط، لندن روليدج 1994 الفصل الثاني: وأيضا الآن كويل حقوق المياه: المزيد من الطين وقذف الحجارة، صحيفة نيويورك تايمز، 7 شباط عام 1990) ويلبي نهر الفرات 80-85 من الحاجات المائية لمدن سوريا وصناعاتها وأراضيها وكانت سوريا عرضة لجفاف مزمن في السنوات الأخيرة ومن الجدير بالذكر إن الماء الذي يمر عبر تركيا يدخل الى سوريا يكون محملاً بالكيمياويات الزراعية والأسمدة والمبيدات والأملاح وبذلك يمثل خطراً كبيراً على الأراضي والإنتاج الزراعي كما إن عدد سكان سوريا المتزايد بمعدل 3.3% سنوياً عام 1995 يعد من اكبر المعدلات في العالم ويمكن أن يتسبب بمضاعفة الطلب على الماء في البلاد.
وقد تبادلت كل من تركيا وسوريا الكلمات اللاذعة حول هذا الموضوع وان سوريا ضعيفة جداً بالنسبة الى تركيا إذا ما أرادت معالجة الوضع عسكرياً وعوضاً عن ذلك فقد لجأت الى تقديم ملاذ إلى مقاتلي حزب العمال الكردي الذي يقود ومنذ زمن طويل تمرداً ضد الحكومة التركية في شرق الأناضول وتتوقع تركيا أن تستخدم سوريا دعمها المعنوي والمادي للمقاتلين كأداة ضغط في المفاوضات حول مياه نهر الفرات وفي تشرين الأول من عام 1989 اقترح رئيس الوزراء آنذاك توركوت اوزال إن تركيا تحجز مياه النهر إذا لم توقف سوريا نشاط حزب العمال الكردي ولم تحل هذه التوترات بين البلدين حتى يومنا هذا (فرانوا تشيبو، جريدة مانجستر كارديان الأسبوعية، في 17 شباط عام 1996).
واحد المؤشرات على إن هذا المشروع المائي الإنمائي العملاق هو الأكثر احتمالاً لإشعال حالات توتر كبيرة بين الدولتين ألا وهو قيام تركيا بنصب صواريخ أرض جو لحماية المشروع ضد أي هجوم عسكري وهذا لا يعني إن السد سيؤدي تلقائياً إلى نشوب حرب مفتوحة بين تركيا بوصفها دولة وسط والعراق بوصفه دولة سفلى فالمصدر الحقيقي للعداء هو سد أتاتورك في تركيا الذي من المفترض أن يحول موارد جنوب شرق الأناضول إلى اقتصاد مزدهر وحيوي.
إن كل من المتطلبات الحالية وأهداف الاستهلاك في المستقبل في هذه الدولة بعيدة عن تجاوز قدرة حوض النهر.
في الوقت الذي تتمكن فيه تركيا من إعداد الحجج الاقتصادية والبيئية القوية لصالح قضيتها بوصفها دولة واقعة في أعالي مجرى النهر وكونها مسئولة عن استخدام الماء في الحوض بأكمله، تحاول كل من سوريا والعراق من جهتها أن تضمنا قاعدة عرض إقليمية مستقلة قدر الإمكان عن تركيا.
لسوريا والعراق نوايا متباينة، إذ سيمثل الفرات لسوريا وبالأخص مورداً رئيسياً للماء للصناعة والزراعة فإذا ما نفذت تركيا خططها حول المسطحات العليا لنهر الفرات فقد تواجه سوريا ندرة مياه خطيرة ومن ناحية أخرى فموقف العراق أقوى مقابل تركيا نظراً لعدم اعتماده كلياً على نهر الفرات ففي الواقع إن مياه نهر دجلة كلها تقريباً للعراق ويبرز سبب أخر هو إن له القدرة على ربط تدفق المياه من تركيا بتدفق النفط إلى تركيا.
ونظراً لمستوى استهلاك سوريا العالي للمياه وتأريخ العداوات بين سوريا وتركيا، فقد لا ترغب بضم صوتها الى صوت تركيا ضد العراق الدولة الواقعة في أسفل مجرى النهر. ومن غير المتوقع ان ينشأ منهج مشترك بين سوريا والعراق بسبب حرب الخليج الثانية، وتربط حكومات المنطقة الحل مباشرة بالمشكلة الكردية وبصورة غير مباشرة بقضية المياه ويذكر تقريراً إن هناك أحتمال ضعيف جداً في الوقت الحاضر على الأقل أن تؤدي مشاكل المياه في حوض نهري دجلة والفرات الى التصعيد لصراع مسلح حول توزيع الموارد المائية. ومع ذلك فإذا استمرت الدول التي يمر النهر بأراضيها بالإصرار على أهداف الاستهلاك المحددة من جانب واحد، فسوف تتضاعف أخطار شح المياه. إن التحول الجذري لبيئة الحوض التي تتوسط المشكلة الاجتماعية والاقتصادية للمنتجين الريفيين في البلدان الثلاثة كلها هو بالفعل ما قد يزعزع الأمن الدولي (المجلس الاستشاري الألماني حول التغير العالمي، لتقرير السنوي/ 1997).

الخلاف الأردني- الصهيوني "الاسرائيلي":
يعد حوض الأردن (نهر الأردن واليرموك) المصدر الأساسي للبلد للمياه السطحية الجارية وحاول الأردن في الخمسينيات بسط سيطرته على موارده المائية من خلال بناء منظومة خزن على نهر اليرموك إلا أن الكيان الصهيوني دمره في حرب عام (1967) وفي أحداث متتالية أخرى. وبذلك منعوا إتمام الصيانة في السدود والقنوات الأردنية، واعتبر الكيان الصهيوني انحسار المياه تهديداً للمزارعين الصهاينة في منطقة وادي الأردن خطة لبناء سد على نهر اليرموك في منطقة مرقوين قرب الحدود مع سوريا بيد إن الكيان الصهيوني بوصفه إقليم المصب رفض التشاور وطبقاً لمبادئ التمويل لدى البنك الدولي. وبالمقابل طالب الكيان الصهيوني بحصة أكبر من تلك المخصصة لها مسبقاً وطالب بالرجوع إلى فكرة جونستون التي تنص على التوزيع المتساوي للمياه. وقدم الأردن في عام (1990) طلباً إلى البنك الدولي من اجل الحصول على المال الكافي لبناء سد أخر هو سد الوحدة في أعلى نهر اليرموك، ورفع الكيان الصهيوني مجموعة من الاعتراضات حول هذا المشروع. إذ يزعم الكيان الصهيوني إن هذا سيؤثر على قدرته في التعامل مع الطلبات المحلية المتزايدة على المياه وقد دفع هذا الوضع الملك حسين للقول إن المياه السبب الوحيد التي قد تدفع الأردن إلى الحرب مع الكيان الصهيوني.
وقد وقع الأردن والكيان الصهيوني اتفاقاً للسلام عام (1994) كرس جزء كبير منه لحل قضايا المياه. ولعدم وضع جدول زمني لحد الآن. فلا يظهر في الأفق أي حل لمشكلة المياه. وقد استدعت المحكمة العديد من الأشخاص لاتهماهم بالتعامل الودي مع الكيان الصهيوني، وهذا دفع بوزير المياه الأردني حدادين إلى الاستقالة وظهرت عدة إشارات تبين إن هذا الاتفاق هو الخطوة الأولى نحو محادثات أوسع نطاقاً.

نهر اوكافانكو:
تتقاسم كل من انغولا وناميبيا وبتسوانا مياه نهر اوكا فانكو الذي يعد اكبر نهر في أفريقيا الجنوبية، وتنبع معظم روافد النهر من انغولا ويجري نحو الجنوب الشرقي إلى ناميبيا ثم ينعطف جنوباً الى بتسوانا ويصب النهر نحو دلتا اوكافانكو وهي محمية طبيعية عالمية معروفة ومنطقة سياحية كبرى. وقبل عدة سنوات وضعت بتسوانا خطة لمشروع كبير سمي المشروع الإنمائي المائي المتكامل في جنوب نهر اوكافانكو يهدف إلى توزيع المياه للري والاستعمال البشري وسقي الماشية وتزويد منجم كبير بالماء ونبه الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة (IUCN) إلى المضامين البيئية الخطيرة للمشروع. ورغم عزم بتسوانا على تنفيذ المشروع لكنها أجلته نظراً للمخاوف البيئية المذكورة انفاً كما تعكر العلاقات بين ناميبيا وبتسوانا مؤخراً بسبب خطط ناميبيا لبناء خط أنابيب يبلغ (25) كم لتحويل مسار مياه نهر اوكافانكو نحو شرق ناميبيا وعاصمتها وندويك كما تنوي بناء خط أنابيب للطوارئ لربط ناقل المياه الشرقي الوطني بنهر اوكافانكو التي تضم انغولا وبتسوانا وناميبيا في أيلول عام 1994، فلا توجد اتفاقية طويلة الأمد حول إدارة وتخصيص مياه النهر كما لا توجد اتفاقية تلزم باستمرار مشروع هذه اللجنة وما زالت المفاوضات والمناقشات دائرة بين ناميبيا وبتسوانا. وكشفت بعض التقارير إن بتسوانا تسعى إلى زيادة حجم قواتها الدفاعية تحسباً لهذا الخلاف كما يظهر قلق جنوب أفريقيا من الخطر المحتمل لاندلاع الصراع بين البلدين حول هذا الأمر ويقول بيتر موكابا وكيل وزير الشؤون البيئية في جنوب أفريقيا إن أي تغير في ميزان القوى في المنطقة قد يؤدي إلى سباق تسلح (النشرة الدولية للمياه، المجلد 77، الصادر عام 1997).

أنهار متنزه كر وجر الوطني:
روافد نهري ليمبوبو وانكوماتي:

تنبع ستة انهار كبيرة من جهة الشرق في جمهورية جنوب أفريقيا نحو متنزه كر وجر الوطني ثم إلى موزنبيق حيث تصب في نهاية نهري ليمبوبوو انكوماتي وان جميع هذه الأنهار والروافد مهددة تهديداً خطيراً بفعل النمو السكاني المطرد والاستخدام المفرط وتعد كروجر من أهم المراكز السياحية في منطقة جنوب أفريقيا كما تعد مركزاً بالغ الأهمية في التنوع الحياتي. ويقول بيتر فان نيكيرك "تدرك جنوب أفريقيا تماماً إن الموزنبيقيين لا يشعرون بالرضا تجاه نوعية المياه التي تصلهم، وفي الواقع فان الموزنبيقيين كانوا غير راضين تماماً لرفضهم توقيع اقتراح حول مذكرة تفاهم. حتى إن موزنبيق هددت باللجوء الى المحكمة الدولية لمحاسبة جنوب أفريقيا. وكانت تلك خطوة للضغط على جنوب أفريقيا للنظر في مخاوف موزنبيق التي قد تشوه صورة جنوب أفريقيا في شبه القارة وفي منظمة الوحدة الأفريقية أيضا. وتفتح نهاية الحرب في موزنبيق والتحسن الكبير في العلاقات بين جنوب أفريقيا وموزنبيق أفاقا جديدة نحو النظر الواضح والمباشر لقضايا المياه.

الخلاصة
تتعرض موارد المياه العذبة والنظام البيئي في العالم الى إجهاد شديد. فالنمو السكاني والتطور الصناعي المعتمد على استخراج أنواع الوقود الاحفوري قد تسبب في رداءة المياه والموارد المتجددة الأخرى، وتتزايد الطلبات على الماء العذب إلى الحد الأدنى الذي أصبح فيه هذا المورد شحيحاً. وهنا تبرز الحاجة إلى النظر في مختلف الأسباب التي تقف وراء رداءة الموارد المائية وهذا يعتمد على تضافر جهود الدول التي تتقاسم مياه الأنهار. كما يتطلب الأمر إعادة النظر في النموذج الغربي للتطور من اجل منع التلوث ورداءة الموارد المتجددة كالماء. ويدفعنا التأثير السلبي لظاهرة الاحتباس الحراري على وفرة الموارد المائية الى إعادة التفكير فيما نسميه تطوراً. ورغم عدم اندلاع حروب المياه، ولكن الصراعات الداخلية والخلافات بين دولتين أو أكثر مستمرة ومن المحتمل أن تزداد مع زيادة رداءة وشح المياه. وبعد جدال ونقاش وتحليل مطول حول قضايا البيئة/أصبح من المعروف على نطاق واسع إن رداءة وشح الموارد المتجددة وغير المتجددة تضطلع بدور كبير وفعلي في الخلافات الداخلية والإقليمية وحتى الدولية ولن تنتهي جميع الخلافات حول الموارد المائية إلى صراعات عنيفة ولكن في بعض المناطق من العالم سيزداد الماء شحا وأهمية للإنتاج الاقتصادي والزراعي وهكذا يزداد احتمال اندلاع صراعات ذات صلة بالمياه.
بالنسبة إلى الخلافات بين الدول حول المقدرات المائية الدولية، فالمجتمع الدولي في أمس الحاجة الى طرق التعامل مع المقدرات المائية الدولية بصيغة مثلى فيما يخص كل من كمية المياه ونوعيتها. إن تحقيق هذه الأهداف ليس بالأمر السهل: إذ يتطلب درجة من التعاون بين الدول، وهذا التعاون ليس وشيكاً على ما يبدو وفي النتيجة فالعديد من الدول عاجزة عن الاستفادة التامة من حصتها من الموارد المائية ويرجع السبب في ذلك إلى الخلافات غير المحسوبة بين الدول. وإذا أخذنا بنظر الاعتبار تضاعف الاستخدام العالمي للمياه كل عشرين سنة، نرى إن حالات الندرة هذه وما ينتج عنها من أثار وضغوط اجتماعية يزيد من احتمال اندلاع صراعات حول المياه داخل الدول أو بين دولتين أو أكثر. ونظراً لتزايد ندرة المياه في العالم، فقد تكون هذه الصراعات إقليمية بادئ الأمر وبسبب تهديدها للسلم فقد تتصاعد لتصبح صراعات دولية، وهذا يدعو إلى تدخل المجتمع الدولي لإيجاد حل وتسوية هذه الصراعات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* نشرت في آذار 2005 - مركز الدراسات الدولية/جامعة بغداد

ليست هناك تعليقات: