الجمعة، 4 سبتمبر 2009

تطور "التمرد" العراقي (13)

انتوني. كوردسمان
ترجمة الباحث: أمير جبار الساعدي


حدود تحد عملية "التمرد"
من المهم ملاحظة ان "التمرد" الحاصل حاليا في العراق هو ليس تمردا وطنيا انما هو عملية تدار من قبل مجاميع عراقية صغيرة نسبيا ، ومتمركزة في جزء من البلاد ، وعلى الرغم من عدم وجود معلومات دقيقة متفق عليها فان نسبة العرب السنة تشكل (15-20)% من التعداد العام للسكان والنسبة (6-8)% من التعداد العام للعراق فحسب، يتركزون في أكثر المناطق عداءا لـ"قوات التحالف" وللحكومة العراقية. ومع ذلك، فلو نظرنا إلى التعداد العام لجميع المدن والمناطق المتفرقة التي يسيطر عليها "المتمردون" والإرهابيون، وبشكل كبير، فإن هذا التعداد لا يتجاوز(6-9)% من التعداد العام للعراق.
فلقد ذكر الجنرال جون أبي زيد القائد العام للقوات الأمريكية ان المناطق الأربعة ذات الوضع الامني المتأزم هي بالتحديد مناطق غرب بغداد، محافظة الانبار، محافظة نينوى ومحافظة صلاح الدين، بل وحتى هذه المناطق - حيث يدير "المتمردون" عملياتهم ولهم فيها تأثير محلي بارز، فان نسبة كبيرة من السكان منقسمين في تأييدهم. وأن هناك مناطق محدودة واقعة تحت سيطرة "التمرد" الفعلي وبشكل طبيعي. يؤيد الكثير من العراقيين "التمرد" بشكل ضمني - ويقدمون الدعم السياسي للهجمات على "قوات التحالف". فقد صدر تقرير خاص لقوات التحالف في شهر شباط (2005) يبين على الرغم من ان نسبة (45%) من هذه الهجمات المدعمة ضد "قوات التحالف" فان هناك نسبة
(15%) يدعمون وبشدة "قوات التحالف". ومن بين اولئك السنة العراقيين الذين يدعمون هذا "التمرد"، فان الكثير منهم يبدون التعاطف أو الدعم الضمني. كذلك - منهم من تأثروا منذ البداية - هناك علامات واضحة تشير الى أن حتى السنة العراقيين الذين يؤيدون وبقوة "التمرد" المزعوم، أحيانا يعارضون وبشدة الاعمال التي يقوم بها المتشددون الاسلاميون والارهابيون القادمون من وراء الحدود.
فلقد ظهرت هناك بوادر تشير الى تحرك بعض اطراف السنة المعادين للحالة الراهنة نحو المشاركة في تشكيل الحكومة والمشاركة في العملية السياسية العراقية . فلقد خطت المباحثات بين السنة المعادين للحكومة والمسؤولين الحكوميين العراقيين باتجاه الامام بعد الانتخابات التي جرت في الثلاثين من كانون الثاني (2005). وفي الوقت الذي قاطع فيه معظم السُنة الانتخابات فلقد نجحت عملية الانتخاب بشكل كافي وذلك بتهيئة قاعدة شرعية لدور الغالبية من الشيعة، وكذلك في ضم الاكراد في العملية السياسية لتوضح بان استمرار المعارضة السنية قد ينتهي ببساطة عبر عملية عزل لهم وكذلك بفقدهم للمال والسلطة. فلقد وقع (64) عالم ديني سني فتوى تجيز مشاركة السنة في الجيش العراقي، وقوات الامن ،وقوات الشرطة، وذلك في (8) نيسان (2005).
لقد تضمنت هذه التوصية افكاراً مشابهة، وتقرير فعال بعدم مشروعية العنف الموجه نحو القوات العراقية.

التهديد المستمر
وفي نفس الوقت فمن الصعب على الحكومة العراقية والولايات المتحدة الادعاء بانهم يتجهون وبشكل واضح نحو تحقيق النصر. وان المشكلة في تقييم الميول التي حرضت على "التمرد" منذ بدء الاحتلال هي ليست بخطوات جديدة. إن عدد كبير من الشواخص التي انهارت بطريقة ما وبشكل مباشر بعد معركة الفلوجة عام (2004)، بينما تحولت معظم هجمات "المتمردين" الى بغداد، الموصل، كربلاء، والنجف. حيث فقدت الولايات المتحدة (24) شخص وجرح (60) اخرين في هجوم واحد على خيمة تابعة لهم في مدينة الموصل في (21) كانون الاول (2004). كما قتل (68) عراقيا في هجمات متفرقة في مدينتي كربلاء والنجف قبل عدة ايام من ذلك التأريخ، كما جرح في تلك الهجمات ما يقارب (175) عراقيا. ان "المثلث السني" وهي المناطق الواقعة على طول نهر دجلة، "مثلث الموت" جنوب بغداد وكل هذه المناطق تشكل مسرحا ينشط فيه "التمرد" السني المركز، كما وظل الاستقرار في المناطق الشيعية والكردية غير مسلم به.

ان تقدير عدد "المتمردين" يتفاوت وبشكل كبير كلما كان هناك اعتداءات ومنذ ان أصبح يتخذ هذا "التمرد" شكل الصراع الخطير وذلك في شهر اب (2003). لقد اعتمد الكثيرون على تعريف "المتمردين" على مستوى نشاطاتهم واتجاهاتهم، وفي الحقيقة فان كل من يصدر مثل هذه التقديرات يعترف بانها كانت تخمينات مبنية على اسس متقدمة أو اكثر من ذلك بقليل.
لقد قدرت بعض الدراسات البعيدة عن الموضوع عدد "المتمردين" تقـديـرا ضئيلا يقتـرب من (3500) من الناشطين الذين يشكلون "جوهر" هذه القوات، بينما تراوحت أكثر تقديرات الجيش الأمريكي ما بين (8000-18000) ، بل وربما تصل الى (20000) عندما ترتفع نشاطات هذه القوات وترتقي الى عمليات رئيسة مؤثرة. ومن ناحية أخرى يعتقد المسؤولون في المخابرات العراقية بان عدد "المتمردين" والمتعاطفين معهم من العراقيين قد يصل الى نسبة عالية تقدر بـ (200000) شخص، ومن ضمنهم ما بين(15000-40000) مقاتل يشكلون جوهر المقاومة بالاضافة الى
(160000) ممن يدعمون المقاومة. إن الصورة الحقيقية تقع بشكل ما ضمن هذه الحدود، الا ان الرقم الحقيقي الصحيح يبقى ولمدة طويلة بعيدا عن الحقيقة ما دام "التمرد" يتمتع بالتعاطف الجماهيري من العراقيين.

كما ان للتطور السياسي تاثيرا مباشرا عل طبيعة ودائرة "التمرد". حيث يعتقد بعض الخبراء بأن عملية الانتخابات التي جرت في الثلاثين من كانون الاول (2005) ادت الى تغيير في اديولوجية "المتمردين" العراقيين وجعلهم مقبلين أكثر لاعتماد المفاوضات مع الحكومة وان يلعبوا دورا مهما في العملية السياسية، وفي الوقت الذي تزايدت فيه اعمال العنف داخل وخارج العراق ورؤية القاعدة وجماعات اسلامية متطرفة اخرى لجعل العراق مركزا لعملياتهم وبشكل متزايد بسبب احتمالية ان تهزم الولايات المتحدة وكذلك بسبب كونها واحدة من التهديدات القليلة للعمليات التي تحظى بدعم جماهيري مميز في العالم العربي.
ينتظر العراق عمليتي انتخاب خلال العام (2005) وهي الاستفتاء على الدستور، والانتخابات العامة في نهاية العام حيث يستغل "المتمردون" كل حافز وكل مناسبة لخلق اضطرابات سياسية كبيرة عل قدر امكاناتهم، حيث تزايد هجماتهم المستمرة على كل من الحكومة العراقية، الاقتصاد، اجهزة الاستخبارات، قوات الأمن، وعلى " قوات التحالف".
فليس هناك سبيلا لتدريب وتهيئة تنمية وتطوير للجيش العراقي وقوات الأمن وقوات الشرطة بطريقة تتماشى مع تنمية وتطوير قوات فعالة وقوية تابعة للحكومة العراقية ، كما لا تتوفر تقديرات لنسب الخسائر المقارنة ذات معنى للعملية ، ومع ان التقرير الذي اصدره (
MNSCT-1) الذي تضمن تسجيل (1000) قتيل من عناصر القوات العراقية المختلفة ، بينما تحدث أحد قادة الجيش الأمريكي عن إصابة حوالي (15000) من "المتمردين" والارهابيين.

في أي حالة معينة، فان المقارنات الرقمية المتعلقة بالاعداد غالبا ما تكون بدون معنى، ان نسبة قوات الامن الى نسبة "المتمردين" قد تصل أحيانا الى (1.12) من (1.30) لغرض تامين الحماية في المنطقة المحددة، بينما في حالات أخرى فان باستطاعة عدد قليل من قوات الأمن السيطرة على الخلايا الارهابية وانهائها وانهاء تحركاتها. اما في المسائل الاعتبارية مثل معارك السياسيين وملاحظاتهم "او ما هو موجود في النفس والعقل" فهي كثيرا ما تكون ذات اهمية قصوى، من قضية اعداد "المتمردين" والمدافعين. وقد دخلت بذلك قوة التهديد كما هو الحال في الجيش العراقي والأمن وقوات الشرطة. فلقد تنامى "المتمردون" والإرهابيون على صعيدي القدرة والحجم، ومع ذلك فان القتال الخطير في كل من الفلوجة، الموصل، سامراء، من شأن ذلك ان يقلل من قدراتهم خلال فترة نهاية العام. كما تعلم "المتمردون" قدرا كبيرا من الخبرة في كيفية استخدام أسلحتهم، وتطوير العبوات الناسفة المتطورة، التخطيط لشن الهجمات ونصب الكمائن، تطوير أمنهم الخاص، وتعيين ومهاجمة الاهداف التي تكون سهلة والتي تسبب صدمة سياسية وإعلامية. فلقد نشر "المتمردون" ستة قنابل بشرية مصحوبة بمتفجرات تم اعدادها في شهر شباط (2005) فحسب، مما يدل على ان "المتمردون" يتعلمون طرقا جديدة للالتفاف حول القيود الأمنية التي تجعل من عملية تفخيخ السيارات عملية أكثر تعقيدا.
اصدر April 6, 2006 4:06:00 AM

ليست هناك تعليقات: