الاثنين، 28 سبتمبر 2009

أربعة حروب والعد مستمر (9-10)

أربعة حروب والعد مستمر
إعادة النظر في المعنى الأستراتيجي للحرب على العراق

أنتوني . كورد سمان
ترجمة الباحث: أمير جبار الساعدي

ومن المستحيل تحديد عدد العناصر الخامدين والناشطين وكذلك العملاء المزدوجين في قوات الامن العراقية من أنصار النظام السابق. ويبدو بناء على ما مضى أن أنصار النظام السابق قادرين على تجنيد أفراد عراقيين ذوي مستوى منخفض وتنشأ خلايا قيادية جديدة بعد رصدها وتدميرها على يد الأمريكيين. ولم تخسر العديد من رموز"قادتها" في الاشهر الاخيرة ولديها مجموعة من الآف الافراد من أبرز البعثيين والعسكريين وقوات الامن لاستخدامهم. ولا تتوفر أعداد حقيقية لأنصار النظام السابق سواء العدد الأجمالي أو عدد الخلايا والافراد. أو من حيث القيادة العليا، ولايدعي الخبراء الأمريكيين أنهم قادرين على تأكيد أي أنخفاض في عدد أنصار النظام السابق.

نزاع المعلومات الحربية
غالباً ما يكون الدعم الإعلامي العراقي والعربي محدوداً، ولكن هناك دعم جدي لابأس به للولايات المتحدة ويبرز الاهتمام بالمشاكل ذات الصلة بإسرائيل والحرب على الإرهاب ويبدو أن الحملة الإعلامية للولايات المتحدة تبقى مضطربة وغير فعالة ويحمل مراقبوا الوضع أنطباعاً سلبياً تقريباً من الناحية النظامية.
أن معظم الاستطلاعات حتى الأن محدودة ويبدو أن الافتقار لاستطلاع دقيق هو في حد ذاته مؤشر مهم للمشاكل التي يعانيها عمل الولايات المتحدة والتحالف. مع ذك فقد نشر مركز استفتاء اكسفورد الدولي للابحاث استطلاعاً في الأول من كانون الأول واعتمد على 3244 مقابلة بدأت في منتصف تشرين الأول وأنهت الاسبوع الأول في تشرين الثاني.
وقد مثلت النتائج بمثابة التحذير. فقد كانت الثقة الشعبية في ادنى مستوياتها حول قوات الاحتلال الأمريكي والبريطأني وبلغت نسبة المتفائلين بالوضع 21% فقط من بين 11 مجموعة أو مؤسسة شملها الاستطلاع. اما السؤال حول "الاحزاب السياسية" فقد حاز على نفس النسبة تقريباً أي حوالي 22% اما سلطة الائتلاف المؤقتة فقد حصلت على نسبة 27%.
اما الثقة بـ"رجال الدين العراقيين" فكانت هي الاعلى، إذ وصلت الى 70% يتبعهم زعماء المجتمع المحلي بنسبة 54% ثم الشرطة 50% ومجلس الحكم 48-49%، وشبكة الإعلام العراقية والوزارات في بغداد، اما بالنسبة للامم المتحدة فقد حصلت على 35% فقط.
كما عكست الاحصائيات الافتقار لاي دعم واضح لنظام سياسي جديد. فعندما سئل العراقيين عن "حاجة العراق في الوقت الراهن"، كانت ابرز الخيارات "ديمقراطية عراقية" (ذكرها 90%) و"قائد عراقي قوي وأحد" (ذكرها 71%). والثاني كان "حكومة مشكلة اساساً من الخبراء أو المدراء أو الاثنين معاً. وقد حصلت حكومة تضم خبراء على 70% وحصل مجلس الحكم على 62% ورجال الدين على 60% ومجموعة من قادة عراقيين أقوياء على 46% وهو ما حصلت عليه أيضاً حكومة أنتقالية من الامم المتحدة. وكان ترتيب سلطة الائتلاف المؤقتة ما قبل الاخير في القائمة إذ حصلت على 36%. اما المركز الاخير فكان "حكومة مشكلة اساساً من قادة عسكريين عراقيين: وحصل على 26%.
وعند سؤال العراقيين عما يتوقعوه على المدى الطويل "خلال مدة 12 شهراً" وخلال خمس سنوات، كانت الاجابات متشابهة في الواقع. إذ تصدرت قائمة الاجابات "ديمقراطية عراقية" ثم "قائد عراقي قوي وأحد"، ثم تبعتها اجابات حكومة مشكلة اساساً من رجال الدين" وكانت سلطة الائتلاف المؤقتة والجيش العراقي في المؤخرة. اما الحقائق الاخرى فكانت أن 42% ذكروا أن سقوط صدام كان "افضل ما حدث لك" في الاشهر 12 الاخيرة. وكان هذا الخيار الأول بهامش كبير. وذكر حوالي 35% أن "الحرب والقصف والهزيمة" كانت الشيء الاسوأ" وكان هذا أيضاً الخيار الأول كهامش كبير. وذكر حوالي 67% أن "استعادة الامن العام في البلد" هو الأولوية الأولى.
ويظهر أن الاخبار السارة للولايات المتحدة هي أن هذه البيانات تظهر دعماً كبيراً لنوع الحكومة التي تؤيدها الولايات المتحدة - رغم أنها لصالح رجل قوي أيضاً- وتشير أيضاً أنه يمكن لحملة اعلامية جيدة التنظيم أن تصبح أكثر فعالية. اما الاخبار السيئة فهي أن الولايات المتحدة والعقول. وبدلاً من تحقيق "الهيمنة الإعلامية" فقد حققت عجزاً اعلامياً.
نزاع بناء الدولة والمساعدات مقابل الهجوم والجريمة والتخريب.
حقق عمل المساعدات بقيادة الولايات المتحدة تقدماً حقيقياً في مجالات عدة. وقد استشهد الوزير رامسفيلد بالنقاط الرئيسة التالية في مؤتمر صحفي في 26 تشرين الثاني:
· لقد ساعد الائتلاف حتى الأن في اعادة فتح جميع المستشفيات العراقية البالغ عددها 240 مستشفياً و 95% من العيادات الطبية في البلد والبالغ عددها 1.200 عيادة.
· وصل أنتاج الطاقة الكهربائية بحلول 6 تشرين الأول الى 4.518 ميغا واط وتخطى بذلك مستويات ما قبل الحرب.
· ينتج العراق 2.1 مليون برميل يومياً لاغراض الأستخدام المحلي ويصدر للاسواق العالمية.
· استئنافت حوالي 400 محكمة عراقية عملها.
· بدأ التعامل بعملة الدينار العراقي الجديد اعتباراً من 16 تشرين الأول.
· بدأت حوالي 170 صحيفة بالصدور في أرجاء البلاد.
· استئناف 5.1 مليون طالب عراقي دراستهم كما طبع 51 مليون كتاب منهجي جديد.
· قدم 97 الف عراقي طلباتهم للقبول في الجامعات للعام الدراسي الجديد الذي بدأ خريف عام 2003.
مع ذلك، فالواقع يقول أن البطالة ما زالت تتراوح بين 50 و 60% من الشباب كما أن التقدم مضطرب وفي غاية البطء لدرجة اصبح معظم محاولة التأثير على القلوب والعقول عاملاً في تزايد الاحباط العراقي. فتوليد الطاقة الكهربائية على سبيل المثال قد تقلص خلال شهر تشرين الأول من 3.948 ميغا واط الى 3.582 ميغا واط في حين كان الهدف أن تصل الى 4.400 ميغا واط في الأول من تشرين الأول. ويبلغ متوسط أنتاج النفط مليونين برميل يومياً ويصدر 1.5 مليون برميل يومياً لكن هذا النظام هش للغاية. ويرى المستهلك العراقي كذلك صورة في غاية الاختلاف. إذ بلغت نسبة تجهيز وقود الديزل 53% من هدف سلطة الائتلاف المؤقتة ووصلت نسبة النفط الابيض (الكيروسين) الى 56% والغاز السائل الى 34% والبنزين 52% فقط من الهدف المنشود مع اقتراب فصل الشتاء.
وتتحسن معدلات التعليم والدعاية الصحية تحسناً مذهلاً، ولكن تبقى النوعية ورضا المستهلك من القضايا المهمة والبارزة. ويتحسن أنتاج الماء ولكن 50% فقط من العراقيين يحصلون على الماء الصالح للشرب. ويصل مستوى الاتصالات الارضية الى 77% من مستوياتها قبل الحرب وما تزال خدمة الهاتف النقال غير عاملة. ويبقى نطاق خدمة الأنترنيت محدود للغاية ولكنه وصل الى 9% اعلى من مستوياته قبل الحرب. وتتحسن خدمة سكك الحديد ولكن 12 من القطارات العاملة من اصل 20 والتي تعمل يومياً هي عسكرية واثنان يحملان الوقود.
وقد مول الجيش الأمريكي الذي اطلق برنامج اسناد العمليات المدنية العديد من البرامج القصيرة الاجل وتذهب الاموال مباشرة للعراقيين من اجل مشاريع عاجلة في هذا المجال. وكان هذا مؤثراً للغاية. ويمثل برنامج اسناد العمليات المدنية فعلاً نموذجاً لكيفية كسب القلوب والعقول في مدة قصيرة ولكن بالتركيز على الواجبات الأكثر اهمية ذات التأثير السياسي والعسكري البالغ وتقديم الاموال للعراقيين وحدهم ثم الاشراف على مدى التقدم والنجاح طبقاً لقاعدة الزمن الحقيقي في هذا المجال.
اما بالنسبة لبرنامج المساعدات الأمريكية بالادارة المدنية فمن المبكر للغاية الحكم على برنامج مساعدات كان ينبغي ابتداعها من لاشي تقريباً دون تخطيط جدي مسبق، ثم تنفيذها على ايدي مسؤولين أمريكيين ومتعهدين بخبرة محدودة أو دون خبر على الاطلاق في العراق وفي التعامل مع العنف أو مشاكل حكم قيادي يمتهن السرقة. كما أنه ينبغي أن يكون التدفق النهائي لملايين الدولارات قيمة المساعدات ذا تأثير تراكمي. وينبغي اخفاء المصداقية على حقيقة أن الولايات المتحدة لا تحأول الهيمنة على مستقبل صناعة النفط العراقية.
ومع أن سلطة الائتلاف المؤقتة خاضعة للمركزية المعزولة بشكل سيء. الا أن ملاك سلطة الائتلاف في بغداد في غاية العزلة. اما الاجراءات الأمريكية لاتمام العقود فهي عبارة عن كابوس نفاذ الوقت. ويقضي المتعاقد واللجنة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) القليل من الوقت في الموقع ويركزون على المواعيد النهائية للمشروع وقليلاً على الملاحظات وعلى حاجات العراق على المدى القصير.
ولا يمكن التأكد من قدرة الولايات المتحدة على القيام ببناء دولة مسلحة في وجه سرقة أنصار النظام السابق العراقيين وهجماتهم وتخريبهم. أن صناعة النفط والغاز المهمة معرضة للخطر بشدة وتتفاقم المشكلة بفعل ما يبدو أنه الضرر البالغ بالصهاريج ومشاكل الأنتاج المفرط الناتجة من سياسة نظام صدام. وهذا التنافس مازال قريباً جداً…لطرحه.

نزاع الحكم الجديد مقابل معارضة التغيير السياسي
يبدو أن أنصار النظام السابق والتيارات الأسلامية التي تدعمهم لا يحظون بدعم واسع. وهذا هو حال مجلس الحكم أو سلطة الائتلاف المؤقتة. ولم تذيب التغييرات الاخيرة في المنهج الأمريكي أنعدام الثقة أو تكسب الدعم الشعبي ويعود ذلك في جزء منه الى النزاع في مجلس الحكم. والافتقار الى دعم الزعماء الشيعة البارزين واستمرار أنعدام الثقة بالاغراض الأمريكية ورغبتها بالرحيل. ولا يملك أي من الجانبين تكتيكات جذب أو موقع جذب واضح في الوقت الحاضر. مع ذلك فللولايات المتحدة الافضلية على الوقت لأن مهمتها هي نقل السيادة والمغادرة وكلما كان هذا الموقف أكثر اقناعاً كلما حصلت الولايات المتحدة على دعم أكثر. ولا يملك أنصار النظام السابق أي مواقف سياسية أو مواقف تجاه الحكم يمكنهم من خلالها كسب دعم وطني خصوصاً من جأنب الشيعة والاكراد، وليس لديهم مكان يلجؤون اليه.

ليست هناك تعليقات: