الجمعة، 19 سبتمبر 2008

لاروش يناقش أزمات العالم (2-11)

ترجمة الباحث: أمير جبار الساعدي

ان معظم الدَين في حقيقته احتيالي. فقد هدرت مبالغ طائلة على أشياء لم يكن من الضروري تقديم العون لها وذلك من أجل الحفاظ على ذلك النظام البائد في هذه الأيام. وتؤكد التوقعات الدولية أن هذه العوامل سيثقل كاهلها مزيدا من الديون. فلدينا ديون بمئات الترليونات من الدولارات بشكل علني أو سري في أرجاء العالم والتي لا يمكن دفعها في ظل المستوى الحالي والذي يقدر بحوالي 42 ترليون دولار مساويا للناتج الإجالي العالمي.

ولا يمكنك دفع دين بهذا المقدار من الناتج الكلي. كما أن الناتج الكلي المطروح في انهيار مستمر، ففي الولايات المتحدة لدينا انهيار، بعد انهيار، فكل يوم تنخفض شركات جديدة نسب العاملين فيها بحوالي( 10%، 20%، 30%) ويستمر هذا الوضع كل يوم والحال نفسه في أوربا ومعظم أرجاء العالم، لذا فوسائل دفع هذا الدين غير متوفرة حاليا.
لذا علينا وضع نظام مالي كامل في إعادة تنظيم الإفلاس وإلغاء كل لائحات الديون وتجميد بعضها الآخر وهذا يعني تعليق كل أنواع الفوائد المتراكمة على هذه الديون مع إبقاء المصارف مفتوحة لكونها ضرورية في الحفاظ على عمل الحكومات ودفع الرواتب التقاعدية وإبقاء حركة الإقتصاد مستمرة وهذا ما يمكننا فعله. لقد فعلنا شيئا مشابها في الولايات المتحدة في سنة 1933 في فترة رئاسة فرانكلين روزفلت ومن أتى بعده.وهذا ما حصل سابقا ونحن نعرف كيفية استخدام ذلك الوضع السابق في يومنا هذا. فقد شكلنا في نهاية الحرب العالمية الثانية نظاما ماليا وهو نظام بريتون وودز (Bretton Woods System). وقد نجح في بلادنا كما نجحفي امكان اخرى. لقد ازدهر العالم باتباعه نظام صندوق النقد الدولي وازداد دخل الأفراد ونما الإقتصاد وتحسنت الظروف – بالرغم من جميع الأمور الخاطئة - لكنه نجح لذا يمكننا العودة الى طريقة التفكير نفسها بدءا من إيجاد نظام نقدي جديد ومالي جديد. وهكذا يمكننا المضي في هذه الحياة.

برنامج تنمية
بيد أننا أحيانا نحتاج الى شيء آخر. نحن بحاجة الى برنامج تنمية. فقد ارتكب النظام أخطاء عديدة لذا فهو مفلس حاليا.وان معظم عمليات الإفلاس في الحقيقة سببها خطأ قام به شخص ما في الإدارة، لذا عليك إعادة تنظيم الإدارة وجعلها إدارة كفوءة بطريقة يمكنها قيادة إقتصاد الشركة أو البلد نحو التقدم.ما هي تلك المشاكل؟ حسنا أولا علينا أن نجد مبالغ كبيرة من الإعتمادات الحكومية في معظم أنحاء العالم والتي سيكون لها تأثير في زيادة الأيدي العاملة.
أي أن الدولة ستلجأ إلى إستخدام صلاحية مطلقة من خلال سلطة الدولة القومية لإيجاد رصيد يؤمن سيادة الدولة. ومن ثم يستخدم لتوفير فرص عمل في مناطق مهمة والتي يمكن أن تنظم فيها فرص عمل وسيكون هذا الأمر مساعدا في تقوية البنى التحتية بدرجة كبيرة وهذا يعني إتاحة فرصة كبيرة لإنعاش الصناعات التي كانت قد أغلقت كليا أو جزئيا والتي يجب إعادة فتحها من جديد بسبب أننا لا نستطيع إضعاف مستوى الإنتاج المؤدي إلى الثراء في هذه الدول. ويجب أن نعمل العكس تماما.
فعلينا أن نزيد الإنتاج المؤدي إلى الثراء بأية وسيلة ممكنة. علينا أن نديرها بتنظيم، ولكن علينا زيادة الأيدي العاملة وعملية الإنتاج. وتعتبر أساليب التقشف المالي عملية إنتحار وقتل لذا علينا إلغائها. فلسنا بحاجة إلى المزيد من الإقتصاديات المستنزفة في محاولتنا لتجاوز الديون فإنها لن تنجح، وستدمر الحضارة.أذن فنحن بحاجة إلى مشاريع خاصة للعمل.
ولدينا الآن المشاريع التي سرعان ما تداولتها جميع الحكومات ويطلق عليها البنى التحتية الإقتصادية المهمة. إذ هناك أنظمة حول المياه والنقل والصحة وتسهيلات الرعاية الصحية..الخ.
وكل هذه الخدمات ضرورية للمجتمع.إذ لكل حكومة مشاريعها المعروفة والتي تحتاج أن تنفذها ويجب عليها أن تنفذها بما فيها زيادة إنتاج الطاقة. فعلى سبيل المثال، نحن في بيرو لدينا إمكانية تحسين مصادر المياه لأنها ضرورية للبلد ومستقبله.إذ يمكن إنجاز هذه الأشياء فورا. كما إعتدنا في الولايات المتحدة مع فرق عمل عسكرية ومدنية من المهندسين.وذلك لبناء مشاريع واسعة النطاق بإشراف مجاميع من المهندسين.أحيانا يعملون كموظفين عسكريين وأحيانا أخرى كمدنيين يعملون في مجاميع عسكرية، وهكذا.
لقد بنينا بنى تحتية واسعة النطاق وبهذا البناء الكبير نزج بالناس الى العمل. وهو عمل ذو فائدة, وقد استلم العاملون أجورا من العمل واشتروا بضائع لعوائلهم وتجهيزات أخرى فازدهرت المجتمعات كنتيجة للأعمال في البنى التحتية. وحصل المقاولون على عقود للمشاركة في البنية التحتية الواسعة النطاق، وهكذا ازدهرت اقتصاديات البلاد.
ولكننا نحتاج الى المزيد، فنحن بحاجة الى شيئين آخرين.
فنحن نحتاج الى الوضوح، فلدينا حاليا برنامجا في دول الأوراسيا قد اطلقت عليه اسم جسر دول الأوراسيا الأرضي.وان هذا البرنامج الآن هو في طور التبني أو العمل جاري على تبنيه في أوراسيا. وقد تعاونت كل من روسيا والصين ودول أخرى في مشاريع تنموية واسعة النطاق مثال ذلك مشاريع النقل، إذ تملك هذه الدول أحدث أنواع قطارات النقل.
ففي الصين يتم إنتاج نظام نقل للقطارات على سكك حديد ذات التعلق المغناطيسي.والهدف من هذا إيجاد نظام إتصالات تنموي يربط المحيط الأطلسي بالمحيط الهادي حيث يساعدنا على الإستفادة من المناطق الموجودة في آسيا الوسطى كونها مناطق غنية بالمصادر الطبيعية ولكنها غير قادرة على استغلالها وتطويرها وبتقديم عمليات التنمية وتحسين عمليات النقل عبرهذه المنطقة يمكننا جعلها منطقة مزدهرة مثل اليابان أو دول أوربا الغربية حيث كانت تنتج بضائع رئيسية ذات تقنية عالية. وبالتأكيد ستكون لها سوق لتصريف هذه البضائع في دول وسط وجنوب وشرق آسيا.وعلى سبيل المثال،فإن الصين تمثل أكبر سوق لتصريف البضائع إذا قدمت لها المساعدات المناسبة وأجرت إصلاحات داخلية كبيرة نحو التطور كون هذه المنطقة من العالم تحتوي على أكبر نسبة من السكان في العالم. لذلك فإننا أمام فرصة كبيرة.
وقد اقترح، انه ليس على امريكا المشاركة مع أوراسيا فحسب أو أن تشارك في السوق مع إفريقيا وإنما تشارك في عملية التطوير ببناء جسور من سيبيريا إلى آلاسكا منحدرة إلى أمريكا مارة بأمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية وفي طريقها الى تيرادو فيوكو ورأس القرن لتتحد بأوراسيا وترتبط مع أمريكا بنفس الطريقة وبطرق أخرى.
ولدينا في أمريكا الجنوبية على وجه التحديد مساحات واسعة غير مستغلة وتفتقر الى البنى التحتية المهمة لتطوير تلك المساحات رغم احتوائها على ثروات كثيرة.ومثال ذلك باتاكونيا فهي دولة ذات ثروات متعددة. وكذلك أجزاء أخرى من أمريكا الجنوبية تتمتع بثروات كثيرة ولكنها غير مستغلة. فلذا علينا استغلال الفرصة لتطوير هذه المساحات مع استغلال مصادرها وتحويلها الى أكبر سوق للإستثمار.

برامج علمية متطورة
نحن الآن بحاجة إلى عمل شيء آخر،علينا أن نمتلك بعض البرامج العلمية المتطورة للعالم أجمع،نحن بحاجة لتطبيق بعض المشاريع،أي المشاريع العلمية والتقنية الجديدة والمعارف وأشكال جديدة من الطاقة وأنواع من الطاقة عالية الكثافة.علينا امتلاك مثل كل هذه الأنواع من المشاريع والبرامج العلمية وعلينا استخدام جامعاتنا وان نطورها للحصول على كوادر جيدة قادرة على القيام بهذه المشاريع والحصول على أيدي ماهرة لتنفيذها.والقيام ببحوث علمية لتغذية تلك المشاريع العلمية.وبهذه الطريقة يمكننا إيجاد نوع جديد من الاقتصاد الوطني ولكنه ليس اقتصادا جديدا بالفعل بل انه تحسين نوعي.

وإذا ما نظرنا إلى تاريخ الإنسان وخصوصا في الحضارة الأوربية الحديثة.فان تاريخ الإنسان مبني على شيء ما حيث يختلف الإنسان اختلافا واضحا عن كل أشكال الحيوان في الحياة. فالإنسان مخلوق باستطاعته اكتشاف مبدأ الطبيعة الكونية وبامكانه تطبيق ذلك الاكتشاف في أذهان أشخاص آخرين ويمكنه التعاون من اجل استخدام هذه المبادئ لزيادة قوة الإنسان على الطبيعة.
ومن خلال هذه الوسائل يستطيع الإنسان زيادة القدرة الإنتاجية في العمل وتحسين مواصفات الدراسة الإحصائية للسكان (من حيث المواليد والوفيات والصحة والزواج) والزيادة المحتملة بحجم السكان والذي يمكن دعمه ورفع المستوى ألمعاشي له واستغلال الأراضي التي لم تستغل من قبل.
لم لا نجعلها مجرد دروسا لنا . وخصوصا في مجتمع حديث،واستخدام ذلك لإصلاح اقتصادياتنا ؟ أي تسخير جامعاتنا وأنظمتنا التعليمية كمؤسسات علمية متطورة حيث يعاد تمثيل الاكتشافات السابقة للطلبة وعمل البحوث وفق مبادئ جديدة، بالعمل مع البرامج الهندسية الجديدة لاختيار هذه المبادئ الجديدة وتحويلها إلى تقنيات حديثة يمكن الاستفادة منها لربط اقتصادياتنا –أي القطاع الإنتاجي في الاقتصاد -مع تلك المراكز الجامعية لإيجاد الاقتصاد الذي يزيد نسبة القوى العاملة الموظفة في البحوث الأساسية وفي مجال الهندسة لغرض إيجاد تقنيات حديثة ولزيادة نسبة السكان العاملين في مجال الصناعات حيث إنها عمليات تقنية عالية المستوى.ووضع محفزات لأولئك العاملين لإنتاج تقنيات متقدمة جديدة لجعلهم واقعيين ودفعهم إلى الممارسة والتطبيق الفعلي.

توحيد الجنس البشري في مجال التعاون
حسب اعتقادي إن هذه الأشياء يجب علينا فعلها في وقتنا هذا وهي الأشياء التي تبعدنا عن عالم الفوضى.وما نريده بشكل أساسي هو إرادة سريعة لفهم ما يتوجب فعله وتوحيد الأمم والقوى الأخرى. أي سنضع نظاما لإعادة التنظيم المالي وإعادة تنظيم عملية الإفلاس. وسنوفر كميات من الاعتمادات الحكومية عن طريق الحكومات وعن طريق التعاون فيما بينها لزيادة الأيدي العاملة المنتجة، وفق ميزان عالمي لكل بلد. وعلينا اتخاذ إجراءات أخرى لتعزيز توسيع استخدام الأيدي العاملة بأشكال مفيدة للإنتاج. وعلينا الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والرفاهية العامة. حاليا سنعمل للوصول إلى ابعد من ذلك في الوقت الحاضر. من اجل مشاريع رائدة في مجال البنى التحتية الكبيرة والتي ستكون ممتدة عبر القارات لأهميتها لتوحيد هذه القارات ولتوحيد الجنس البشري في مجال التعاون الشامل.
علينا تعبئة مواطنينا لإتباع نهج التعليم وخصوصا التعليم في المجال العلمي لرفع مستوى الدراسة القومية والدول ذات السيادة التي تركز على تطوير شعوبها من خلال التعليم لتصبح بلادهم ذات اقتصاديات علمية متطورة ولتحسين نوعية العمل الذي يوظف السكان وإيجاد عالما من النوع الذي طالما سعينا لبنائه منذ حوالي خمسة عشر قرنا في أوربا ،ببناء عصر نهضة عظيم هناك وباعتقادي إننا نعيش في وقت يواجه الإنسان فيه أعظم المخاطر التي كتبت على الجنس البشري أن يواجهها والمعروفة في التاريخ والمدونة الى يومنا هذا .نحن في عصر إذا لم نعمل على تصحيح مشاكله فمن الممكن أن نعود إلى عصر مظلم جديد مع كل الحضارة الموجودة ،إلى عصر نفتقر فيه للمصادر التي اعتدنا عليها لنعيش في كآبة وإحباط وستزداد نسب الوفيات والتي ستكون نتيجتها استمرار الانهيار الحاصل الذي لا حل له. سنرتقي إلى عصر مظلم جديد للإنسانية .ولكن عند النظر الى خطر الحروب الكبرى والعصر المظلم الجديد والاضطربات العنيفة والفوضى ربما قد تنبهنا هذه إلى حقيقة انه لم يعد بامكاننا التصرف كالأطفال بعد فعلينا أن ننضج .وان لا نفكر بما يناسبنا فحسب أو بمصالحنا الشخصية بنطاق ضيق أو هامشي.وحري بنا التفكير بما سنفعله بمستقبل الإنسان وما سيحل به وعن أطفالنا وأحفادنا المهددين بهذه ألازمات الكبيرة.
نحن نكبر ونشيخ في أشواط الزمن ،وسنموت ،ماذا سنترك لأولئك الذين يأتون من بعدنا ؟ أنترك لهم عصرا مظلما ،أم سنكون عمالقة ممن ابتدع الفرص ليس من اجل حضارة مزدهرة ومحتفظة بل لنكون في عصرنا ممن صنع شيئا يمكننا به أن نكون خير فخر في نظر
أجدادنا ؟ أو شيئا ما نستطيع به أن نكون خير فخر في نظر أحفادنا .علينا أن نستغل الأزمات الكبيرة والخوف الذي تحدثه في نفوس العديد من الناس دافعا الى النهوض ،النهوض بعيدا عن العقول الصغيرة وإيجاد قدرات مبدعة لرؤية الحلول المناسبة وتكريس حياتنا لغرض العمل بهذه الحلول .لذا فعندما نموت يمكننا القول (نحن عشنا وقد عشناها بصورة جيدة ).

ليست هناك تعليقات: