الأربعاء، 17 سبتمبر 2008

هل ستنجو اندونيسيا (2-2)


ترجمة: امير جبار الساعدي

الدخلاء
المقاطعة التي يعدها العديد من المراقبين الاكثر رجحانا للانفصال بعد اتشية هي مقاطعة بابوا. التي كانت تعرف سابقا بــ ايريان لكن جاكارتا سمتها بهذا الاسم اذعانا رمزيا منها بالوية المحلية , وتمتد بابوا التي يبلغ عدد سكانها نصف عدد سكان اتشيو عبر اقصى النهاية الشرقية لاندونيسيا وبذلك تغطي النصف الغربي من الجزيرة التي تتشاطرها مع بابوا نيو جنيه , وينتشر قاطنوها البالغ عددهم المليوني مواطن عبر اقليم مساحته سبعة اضعاف مساحة اتشية وتبعد عنها حوالي 3.500 كيلو متر وثلاثة اخماس سكان بابوا من البروستنات لكن تنوع الشعب المتفرق يمنع دون امكانية التضامن السياسي , وطالب قادة احد عشر طائفة بروتساتنية بابوية في شهر شباط ولكنهم تنصلوا من العنف وظلوا في موقف محايد ازاء الاستقلال.
يهاجر العديد من سكان الجزر الاخرى (وخصوصا جزيرة جاوة) الى بابوا لاستغلال مواردها المحلية , فعقد هذا الامر قدرة البابوبين العرقين على الادعاء بان مصالحهم ومصالح الاقليم واحدة. وخلافا للاتشين يتحدث البابيوبين مئات اللغات المختلفة , علاة على ان السلسلة الجبلية للمقاطعة تحول دون قدرة منظمة بابوا الحرة التي تنشد السيادة على تعبئة جبهة موحدة ضد جاكارتا.
واسوة باتشية بابوا غنية بالمصادر الطبيعية ولكن اقتصادها وبنيتها التحتية , خلافا لاتشية , يختلف عن اقتصادها اندونيسيا وبنيتها التحتية كثيرا , وهنا ايضا تأكل جاوة على نحو رئيس ثمار المواد المحلية ويحفز الشق بين الاراضي الداخلية المنتجة والمناطق النائية المتخلفة الحنق والرغبة في الانفصال. ان الهوة في الثروات المراكز اكبر في بابوا منه في اتشية وذلك يجعلها اكثر امكانية على فقدان الاستقرار , لكن مجرد حجم الثغرة في بابوا يعمل على تضخيم الاغراء المحلي الذي تحمله محاولات جاكارتا في سدها وبهذا تساعد عملاء جاكارتا على اختيار زميل جديد , وتقسيم العناصر المؤيدة للاستقلال.
فضلا عن اتشية وبابوا تشمل قائمة المقاطعات الممكن ارتداها والتي يزداد عددها وهي كلا من رياو . كاليمانيان الشرقية , تجمع كل من هذه المناطق الخارجية الاربعة صفتي الثروة الطبيعية وصغر حجم السكان مما يمكنها من انتاج معدل دخل فرد يفوق المعدل الوطني بكثير , وهذا ما يجعل النخبة المحلية تعتقد ان اوطانهم يمكن لها ان تقوم بذاتها , ولكنه في الوقت نفسه يمكن جاكارتا من التماس الدعم المحلي بان تعيد الى المقاطعات بعض العائدات الاساسية التي تاخذها منها الان.
يحق للسلطات المركزية ان تقلق ازاء فقدان الدخل المتاتي من احتياط النفط والغاز في اتشية ورياو وكاليمانتان الشرقية , لكن اعادة هيكلية الاقتصاد الاندونيسي باتجاه التصنيع والخدمات يقلص الاسهامات التسبية التي يسهم بها النفط والغاز في العائدات الوطنية تقلصا كبيرا , بحلول عام 1996 لم تكن هذه الوصولات تمثل سوى 21% من دخل الحكومة المركزية , ومقارنة بالجزر الخارجية فان عدد سكان جاوة الاكبر وبنيتها التحتية الافضل وافتصادها الاكثر جعل منها المصدر الاهم من مصادر العائدات الوطنية.
(لا تزال المناطق الخارجية المضطربة لاندونيسيا تمثل ما ستخسره جاكارتا)
زاد الخراب الذي الم بالاقتصاد الاندونيسي بسبب الازمة المالية الشرق اسيوية عامي 1997-1998 من حاجة جاكارتا للدخل زيادة حادة , تساوي التزامات اندونيسيا العامة الان مع ناتجها المحلي الكلي حيث تخصص حوالي ثلاثة اخماس ميزانتها الوطنية لخدمة هذا الدين الهائل , ولكن ان استمر هذا الانعاش الاقتصادي الحالي ستقهقر الحالة الحرجة , وكذلك كفاءة مجالات الهيدروكاربون المستغلة حاليا وبضمنها خزين الغاز المنكمش الذي اغلق امال الاتشين الاقتصادية.
في رياو وكاليمانتان الشرقية كانت الخطوات والاراء المؤيدة للاستقلال معتدلة نسبيا , حيث فكرة الحكم الذاتي ضمن نطاق اندونيسيا اكثر رواجا بكثير في هذه المناطق منها في اتشية.
بعث العنف المرعب في مقاطعة خامسة الا وهي جزيرة مالكو الخارجية المراقبين على التحذير من ان هذا المقاطعة قد تنفصل ايضا , لكن موجات القتل والدمار هناك غير موجهة ضد جاكارتا فهي تنبع على نحو رئيس من انهيار الموازنة الدقيقة للسلطة الاقتصادية والسياسية بين المسلمين والمسيحين , فكان الامتعاض في مالكو شديدا لكنه لم يكن موجها عموديا (ضد السلطة الوطنية)قدر توجهها افقيا في عمليات التصعيد المميتة بين المجتمعات المحلية . كان لدى الناس في مالوكو الكثير من الاسباب التي تجعلهم يصابون بخيبة الامل ازاء السلطات المركزية البعيدة , ولكن احدى المسوغات الرئيسية للاحزن كانت قابلة للحل كليا من ناحية المبدا : فشل جاكارتا في التدخل تدخلا محايدا وفعالا لتسهم في انهاء العنف.
دخول غس دور ماذا تعني كل هذه الحقائق هل ان مصير الناطق الخارجية المضطربة في اندونيسيا يبقى بايدي جاكارتا؟ في اواخر عام 1999 , خلافا لهذا , اتقد العديد من المحللين ان الجزء من المنطقة الخارجية سينفصل , لقد شوشهم خصوصا ملاحظة غير حذرة ادلى بها القائد الباندونيسي الجديد عبد الرحمن وحيد في شهر تشرين الثاني . وكان قد انتخب عبد الرحمن وحيد رئيسا في تشرين الاول من قبل المجلس الاستشاري الشعبي الذي يمثل نتاجا للانتخابات الوطنية الديمقراطية في البلد قبل خمسة اشهر التي كانت اولى منافسة من نوعها منذ 44 عاما .
وقال وحيد بعد تصويت تيمور الشرقية لصالح الانفصال , ليس عدلا حرمان اتشيه متن اجراء استفتاء هي الاخرى , فصدم التعليق الذي صرح به وحيد الناس لبانه بدا وكانه يصادق على نضرية الانفصال المتسلسل . ان شعرت جاكارتا انها ملزمة بمعاملة جميع المقاطعات على وجة سواء فلابد ان تمنح لكل مقاطعة ما تحصل غليه الاخرى , سيغرق التناغم البلاد ان لم يغرقها التنوع.
لكن ظهر ان هذا الخوف لا مبرر له .فحتى وحيد ذو الفكر المتحرر- ناهيك عن القادة الاندونيسيين الاخرين – لم يكن مستعدا لتطبيق سابقة تيمور الشرقية الى باقي اجزاء اندونيسيا , فسرعان ما وضح وحيد ان الاستفتاء الذي ارتاه سيسمح للاتشيين باتخاذ قرار فيما ان كانت القوانين الاسلامية ستطبق داخل مقاطعتهم حسب وليس فيما ان كانوا سينسحبون من الجمهورية .
خلال الاشهر القليلة منذ بدء رئاسة وحيد (الذي يعرف بلقبه الشائع غس دور) طالما كانت تعليقاته خارج القيود والتي تتطلب التتبع والتوضيح . فقد كتبت احدى الصحف الاندونيسية بدهاء " انه ماهر جدا في حل المشاكل التي اوجدها بنفسه).
قال آمين رايس رئيس المجلس , واحد المرشحين لخلافة وحيد , ان للاندونيسيين" ثلاثة الغاز تهمهم في الحياة : متى سيموتون , الطقس , ما الشئ التالي الذي سيقوله رئيسهم او سيفعله".
كلما اكثر وحيد من تغيير رأيه – او اقواله في الاقل – قل تصديق الاندونيسين لما يقوله , لذا ستدمر رئاسة نفسها بنفسها وقد تشعل الفوضى في جاكارتا عندئذ فتيل الانفصال في الاقاليم , ولكن عدم ثبات سياسة وحيد يمكن ان يكون ميزة ايضا , فلم يمضي على اندونيسيا سوى عهد قريب منذ ان خرجت من عقود من الثبات الاتوقراطي القاتل ( اي حكومة الفرد المطلقة ) خلال فترة حكم سوهارتو الطويلة رفض ان يعطي السلطة للاقاليم , لذا ضمن سياق كهذا , وجد العديد من الاندونيسين التغيير في سياسة وحيد امرا باعثا الى الانعاش – حتى ان كان التغيير لن يؤدي الى اكثر من مجرد استثارة امكانات التغيير بعد فترة ركود.
وهناك ايضا طريقة يمكن استنشاقها من جنون وحيد , فعدم القدرة على التنبؤ بما قد يفعله وحيد يخطف عناوين الصحف ويبقى اعدائه في حالة عدم توزن ويسلط الاضواء عليه وحده ويضخم اهتمام الاعلام من تاثيره وهو يستخدم روح الهزل المهيمنة ليقدم ارائه , وفي النهاية تعكس هذه الاراء روح (غس دور) لا قائدا بل معلما – اذ يشترك شعبه في حوار سياخذ البلد الى الصبر والتعددية والديمقراطية – في هذه الغضون بدا بمخاطبة تدخلات الجيش وعادات القمع لديه , ولكنه لم يوقف قوات الامن من الضرب على ايدي حركة اتشية الحرة في اتشية , السياسة الاولى التي اكسبته نقاطا في الاقاليم التي تكرة الجيش , والثانية ارسل اشارة واضحة للمناوئين في الاقليم الذي ربما كان فيه ربما كان فيه البغض على اشده.

جاكارتا العظمى
ستتطلب المحافظة على وحدة البلاد اكثر من مجرد محاربة العصيان والسيطرة المدنية على الجيش , ستحتاج جاكارتا الى مواجهة تحد ثالث الا وهو اللامركزية , نقل التشريع الجديد السلطة السياسية والاقتصادية من المركز الى الاقليم في عام 1999 , لكن هذه القوانين لم تطبق عمليا بعد وزارئه ينهش قدرتهم على العمل كفريق , الان لا بد من خطوات جديدة . ان كانت اندونيسيا تريد المحافظة على حدودها الحالية قد يتوجب عليها ان تبتكر نفسها من جديد كدولة فيدرالية.
بعد الحرب العالمية الثانية , جرب الاندنوسيون اسلوب الفدرالية طريقة لابقاء نفوذهم في الانديز الشرقية ولعزل جمهورية سوكارنو المتمركزة في جاوة ولايزال الكثير من الاندنيسيون يجتنبون "الكلمة المبتئة بــ الفاء F word لان فيها رائحة الاستعمار , رغم ذلك يامل وحيد استخدام فحوى الفيدرالية لكن دون استخدام اسمها , يبقى وحيد خطة جزائية تعاقب على السفر خارج البلاد , من جهة كي يلتمس المساعدة والاستثمار ومن جهة اخرى ليحشد الدعم للابقاء على اندونيسيا وحدة واحدة , انه يحاول خصوصا باقصى ما يمكنه من تعبئة الدول المجاورة والدول المسلحة ضد استقلال الاتشين . مكن نجاح هذه الحملة الى السيادة ان لم تكن ستنجي لكم شيئا سوى عزلكم؟
عزفت السياسة الواقعية عادة على وتر السياسة الاخلاقية في العلاقات الدولية الجنوب شرق اسيوية فالدول المجاورة التي تعتمد على اكبر واقوى دولة في المنطقة ستفكر مرارا قبل ان تثير حنقها بدعم تمزيقها . قد يظن ظان ان الصين قد تشجع ارتداد المقاطقات للحد من هم معنيون حتى الان بعد مبدا سيادة الدولة الواحدة في اندونيسيا امرا هاما حدا كثيرا مما هم معنيون بكيفية نظرهم الى دولتهم . سواء كان هذا التخمين دقيق ان لا , الصينيون قلقون من تحرك سلسلة الانفصلات في اندونيسيا نحو الشمال : اليوم اتشية او بابوا وغدا زيازانجيان او التبت.
وستكون جاكارتا مخطئة ان ظنت ان الحكومات الاجنبية ستكون على الدوام حساسة تجاه عمليات الانفصال , فقد اكدت واشنطن لجاكارتا دعم الولايات المتحدة للوحدة الاقليمية الاندونيسية وقالت ان تيمور الشرقية كانت حالة خاصة . ولكن كلما كانت محاولات جاكارتا للحفاظ على وحدة اندونيسيا اكثر وحشية قل افتتان واشنطن بسيادة اندونيسيا , قد تكون السياسة الاخلاقية مبعدة ولكنها لن تختفي الى الابد . فناشطوا حقوق الانسان وحلفائهم في الكونغورس سيعملون على تامين ذلك , وزير الحكم الذاتي الاقليمي في حكومة وحيد , رياس راسيد Ryass Rayid حساس تجاه هذه الفكرة : فهو يضع بابوا قبل اتشية كمرشح للانفصال , ويوضح بان سكان بابوا مسيحيون ولذا يمكنهم ان يكسبوا عطف الغرب في الامد البعيد اكثر من الاتشين المسلمين .
يمكن ان نستشهد بتاريخ بابوا لدعم راي راسيد . مقارنة بمساهمة اتشيه في الثورة لاندونيسية , كانت ظروف دخول بابوا الى اندوسيا اكثر اثارة للجدل – في الحقيقة اكثر بدخول تيمور الشرقية , فلم يضم الجزء الغربي من نيوجينة الى جمهورية اندونسية حتى عام 1962-1963 حين اجبر الضغط الدبلوماسي والحملة العسكرية التي شنتها جاكراتا على الهولنديين على تسليم الاقاليم , ولطالما عملوا على اظهار هذا الامر وكانه (فعل تيار حر) في عام 1969 "حافظت" جاكارتا على وعدها هذا بان جعلت رؤساء العشائر المختارين دون التصويت على انضامهم الى اندويسيا , بغض النظر عن الامور الاخرى سيصعب هذا التاريخ على جاكاراتا مقاومة اعطاء سكان خيار جديدا وحرا لتقرير مستقبلها.
يعتمد مستقبل اندونيسيا في الامد القريب اعتمادا جزئيا على نجاة وحيد والذي يبلغ من العمر 59 عاما وهو صغير السن نسبيا لرئاسة دولة. ورغم ان قدرته على التحمل قدرة مؤثرة في النفس الا انه يعاني من ارتفاع ضغط الدم وداء السكر ويعاني من اثار نوبتين قلبينين , احدى عينة فاقدة البصر ونسبة بصر الاخرى 20 % فقط من المزمع ان تستمر رئاسة وحيد حتى عام 2004 ولكن ان نال منه العجز فنائبه ميغاواتي سوكارنو بوتري مرشحة لتخلفه , لكنها تفتقر الى مهارات وحيد السياسية وكونه مسلم وربما لرغبته في استخدام الفيدرالية تحت اسم اخر . وخصم ميغاواتي الرئيس , رئيس مجلس رايس , مسلم ملتزم يفضل بوضوح اتباع سياسة لامركزية , ولكن مثلما قد تقلق رئاسة سوكارنو بوتري بعض الساسة المسلمين ستزعج رئاسة رايس من القادة الغير المسلمين.
اذن ستنجو اندونيسيا , قد لا تبقى كل من اتشية وبابوا داخلها ولكن انفصالها , ان حصل لن يكون بداية عمليات من شانها تقليص الجمهورية واقصارها على الجزيرة جاوة ,. ان امكن القيام بالتعديلات في القضايا المحلية والمطالب المختلفة بصورة مفيدة حتى وان كان على حساب التماسك , ويمكن منع انهيار اقتصادي اخر ويمكن ان يكون تعاون جاكارتا فعالا .يمكن عائدات الموارد ويمكن تبني سياسة اللامركزية , ويمكن اتباع فيدرالية كاذبة , ويمكن تطبيق دبلوملسية الجذب نحو المركز, ولكن لا يمكن تحويل كل حالات الـ "يمكن" هذه الى حالة "سوف" دون سلوك معزز ومركز وذكي من الحكومة المركزية الضعيفة والمقسمة والمحاربة من جبهات عديدة في ان واحد.

ليست هناك تعليقات: