السبت، 20 سبتمبر 2008

التحالف المضاد للإرهاب يزل صوب صراع الحضارات(2-2)

بقلم: موريل ميراك- ويسبتش
ترجمة الباحث :أمير جبار ألساعدي

إن جمهوريات أسيا الوسطى مثل أوزبكستان، طاجيكستان وكازاخستان التي أعلنت رسميا على تقديم الدعم للعمليات التي تتزعمها الولايات المتحدة الأمريكية تُعد الآن أهدافا لطالبان إذ هددت طالبان باجتياح أوزبكستان عقب التقارير التي تحدثت عن نشر القوات الأمريكية في أوزبكستان في 16 تشرين الأول وردّت الحكومة الاوزبكية بتعزيز الإجراءات الأمنية وأرسلت القوات إلى الحدود. وعلى الرغم من كون ادعاءات طالبان بوجود عشرة آلاف مقاتل على أهبة الاستعداد لتنفيذ الاجتياح مبالغا فيها كثيرا إلا أن الخبراء الروس توقعوا بان قوة صغيرة من المتمردين الذين يتسللون عبر الحدود يمكن أن تحدث المشاكل. وفي العام الماضي قتل متمردون من حركة أوزبكستان الإسلامية (UMI) العديد من جنود الاوزبك وصاروا على مبعدة مئة كيلومتر من العاصمة طشقند وحاولوا أيضا اغتيال الرئيس إسلام كاريموف.
وعاثت سنوات الحرب الأهلية خرابا في طاجيكستان وهي حرب اقترفتها أيدي إسلاميين على علاقة بطالبان قبل أن يحدث تدخل روسي- إيراني جلب السلام للبلد ولا تزال روسيا تنشر قوات عسكرية قوامها خمس وعشرون ألف جندي لحماية الحدود الطاجيكية من المتمردين واللاجئين الأفغان.

حرب إيران على المخدرات لا يعرف عنها إلا القليل
ليست إيران عضوا في "التحالف ضد الإرهاب" إلا إنها عُدّت عدوا لدودا لنظام طالبان منذ البداية، وهذا لا يعود إلى اعتبارات طائفية- إذ تطبق المذهب الشيعي كنقيض للمذهب السني الذي يتذرع طالبان بتطبيقه – بل كمعارضة منها لموجات التدفق الكبيرة من المخدرات التي تنفذ إلى إيران من أفغانستان وتشير الإحصائيات الرسمية إن ما نسبته مليوني مواطن إيراني من مجموع ستين مليون شخص قد أصبحوا مدمنين على المخدرات.

ولقد بذلت إيران جهودا طموحة أكثر من أي بلد أخر في المنطقة ضد المخدرات، وقد اعترف بذلك قسم مكافحة المخدرات التابع للأمم المتحدة . ويمر الأفيون الذي يتم إنتاجه في أفغانستان وباكستان إلى السوق الأوربية عبر إيران ودول البلقان وتركيا على اغلب الظن. ولإيقاف حركة عبور المخدرات، فلقد نصبت إيران سياجا حدوديا بطول ألفي كم على حدودها الشرقية وشيدت جدارا بطول 700 كم في المنطقة الصحراوية وحفرت مسافة 290 كم من الخنادق بأبعاد 4× 5 متر لإيقاف أية مركبة أو التنقل بواسطة الدواب. وشيدت المتاريس في المناطق الجبلية لمنع المرور عبر الأودية.

أضف إلى ذلك إن الحكومة قد نشرت 30 ألف رجل من أفراد الشرطة والحرس الثوري على طول الحدود الإيرانية. وهذه هي القوات التي تخوض غمار الحرب مع مهربي المخدرات الذين يمتازون بأنهم أفضل تجهيزا من الإيرانيين إذ يمتلك المهربون مركبات متنوعة ومدفعية ثقيلة كما يمتلكون صواريخ ستنجر[1] الأمريكية الصنع. وقد فقدت إيران ثلاثة ألاف شخص من قوات مكافحة المخدرات خلال السنوات الماضية في المعارك التي تحدث باستمرار.
تُعد كفاءة العملية الإيرانية لمكافحة المخدرات رائعة في فاعليتها إذ يقدر ما نسبته 80% من المستحضرات المخدرة التي تمت مصادرتها في جميع أرجاء العالم قد ضبطت على يد قوات الإيرانية، وتوضح أبعاد وإنجازات عملية مكافحة المخدرات من إن البلد يعتبر وباء المخدرات تهديدا لأمنه الوطني.

وإذا أخذنا هذه الخلفية بنظر الاعتبار أصبح من الممكن فهم ترحيب إيران بمحو التهديد الذي تمثله طالبان وعلى أية حال يساور الحكومة الإيرانية قلق بالغ من إن العمليات العسكرية الجارية ضد أفغانستان لن تحقق غرضها فحسب، بل أنها ستشعل فتيل حرب دينية في كل أصقاع المعمورة. وشددت السلطات الإيرانية على وجوب اقتصار الهجمات العسكرية في أفغانستان على معسكرات وقواعد الإرهابيين وان لا تطال المدنيين ولا تستهدف الحملة بلدانا أخرى، ولقد أيد الإيرانيون الدعوات إلى عقد مؤتمر دولي حول الإرهاب وحثوا الأمم المتحدة على الاضطلاع بدور اكبر، وحظي الموقف الإيراني بالتأييد في اجتماع خاص لمنظمة مؤتمر الدول الإسلامية الذي عقد في قطر في العاشر من تشرين الأول.

وتعتبر الجهود المستمرة التي تبذلها إيران لتعميق علاقاتها الاستراتيجية مع روسيا أوضح دليل على إن القيادة الإيرانية لا تقع في فخ "التحالف المضاد للإرهاب" . وليس مصادفة أن يسافر وزير الدفاع الإيراني العميد البحري علي شامخاني إلى موسكو لإنجاز اتفاقيات تتعلق بشؤون الدفاع وذلك قبيل شن الحرب الجوية على أفغانستان. كما وقع الوزير الإيراني مع وزير الدفاع الروسي سيرجي ايفانوف معاهدة ثنائية للدفاع والتعاون العسكري في 2 تشرين الأول، إذ تضمن هذه المعاهدة صفقات بقيمة ثلاثمائة مليون دولار أمريكي في السنة. وعزز هذه المعاهدة اتفاقيات أخرى عقدت في شهر آذار من هذا العام. وتلزم هذه الاتفاقيات روسيا بتزويد إيران ما قيمته سبعة مليارات دولار أمريكي من الأسلحة على مدى الأعوام القادمة.

طبقا لما ذكرته وكالة أنباء ايتار-تاس من مصادر في الصناعة العسكرية الروسية إن إيران تريد حماية حدودها مع أفغانستان التي يبلغ طولها 936 كم بمعدات دفاعية روسية، زكما هو مصمم له فان هذه المعدات ستساعد على الحد من تدفق المخدرات من أفغانستان وتقي حراس الحدود الذين يعملون على مكافحة المخدرات .
وشدد ايفانوف على إن كلا البلدين يكافحان الإرهاب والمخدرات منذ فترة طويلة ويعيان التهديدات التي تسببها للأمن الإقليمي والعالمي. وقال شامخاني بان البلدان التي تشتكي اليوم من الإرهاب قد كانت الداعمة له حتى الأمس القريب، ويشير بذلك إلى الدعم الغربي الذي حظيت به طالبان في الماضي والحاضر. وشدد كلا الوزيران على أهمية التعاون الأمني الثنائي في منطقة بحر قزوين والقوقاز بالإضافة إلى أسيا الوسطى، وكرر الوزيران عن إعلان دعمهما لتحالف الشمال في أفغانستان.

العالم الإسلامي الأوسع
لم تحدث المظاهرات الكبيرة ضد الولايات المتحدة الأمريكية في باكستان فقط بل ساد التوتر كل من ماليزيا واندونيسيا بمجرد ظهور الشائعات (على الرغم من إنها غير مؤكدة) بان الولايات المتحدة تفكر في وضع هذين البلدين على قائمة الدول الراعية للإرهاب وان من المحتمل تعرضهما لهجوم، قد أجج حالة الاهتياج ضد الولايات المتحدة.
وطافت مناطق السلطة الفلسطينية احتجاجات كانت غاية في الخطورة، رفع خلالها الفلسطينيون المستميتون صورا لأسامة بن لادن وعبروا عن تضامنهم معه. ونشرت الشرطة الفلسطينية أفرادها لتهدئة الاحتجاجات وأطلقت النار على المحتشدين فقتلت ثلاثة أشخاص، ولقد وضعت محاولة زعيم السلطة الفلسطينية ياسر عرفات لدعم الحملة ضد الإرهاب في ورطة لا يحسد عليها وربما يحدث أي شيء بدا من محاولات لاغتياله حتى نشوب حرب أهلية بين الفلسطينيين.

وبلغت حالات التوتر ذروتها في مناطق أخرى من العالم العربي منذ بدا الحرب الجوية. فعلى الرغم من وجود حالات منع رسمية للاحتجاجات في مصر فلقد تظاهر أربعة ألاف طالب في القارة واعتقلت السلطات المصرية مجموعة كبيرة من المتطرفين المشتبه بهم من أعضاء حركة الجهاد المرتبطة بتنظيم القاعدة الذين يعتقد بأنهم كانوا يخططون لشن الهجمات عبر الدوائر الحكومية في لبنان عن خوفها بعد أن أصدرت الولايات المتحدة قائمة بأسماء الإرهابيين المطلوبين للعدالة ضمت اسم قائد "حزب الله" وكانت هنالك إشارة ضمنية عن احتمال تعرض لبنان أو إيران إلى هجوم نتيجة لذلك. ولقد تم اتخاذ إجراءات شاملة على صعيد الشرطة والجيش في الأردن حيث تم تشديد القيود القانونية للسيطرة على الاحتجاجات الشعبية. إما في السعودية فقد تم إلغاء زيارة لرئيس وزراء بريطانيا توني بلير بسبب قلق السعوديين من أنها ستولد ردود أفعال لا يمكن السيطرة عليها. وتناقلت الأخبار حصول خلاف بين العائلة الحاكمة وشيوخ المذهب الوهابي بسبب تأييد هؤلاء الشيوخ لابن لادن.
وموجز العبارة، إن عمليات القصف الجوي التي تشنها الولايات المتحدة قد أشعلت فتيل ضرب من ضروب صراع الحضارات في كل أصقاع العالم الإسلامي مسبقا، وربما تكون الحكومات العربية "المعتدلة" التي تحاول مقاومة التطرف الضحايا التالية.

أفغانستان ما بعد مرحلة طالبان
على الرغم من انه لا توجد مؤشرات على ان عمليات القصف الجوي المستمرة ستفلح في الإجهاز على أسامة بن لادن تنظيم القاعدة ، فلقد دار نقاش مسبق حول ترتيب سياسي لأفغانستان ما بعد مرحلة طالبان، واحد هذه الخيارات هو حكومة تتألف من كافة الأحزاب الأفغانية مع تمثيل لكل الجماعات القبلية في البلد يتم تشكيلها بواسطة لويجيرغا (Loyjirga) أو مجلس وجهاء القبائل، وعلى أية حال، فهنالك أراء متنافرة حول من يدعو إلى اجتماع المجلس ومن أعضاءه . وأحد المرشحين هو الملك الأفغاني السابق ظاهر شاه البالغ من العمر (86) عاما والذي اتصل به ممثل وزارة الخارجية الأمريكية في روما، وان الملك الذي تم تقديمه بأنه قوة توحيدية لا يحظى بتأييد واسع في باكستان ولا في بلده الذي تركه منذ ثلاثين عاما.

ثم هنالك الفكرة التي طرحها مارتن وولف مستشار توني بلير، إذ تحدث الأول بصراحة عن "إمبريالية جديدة" وطبقا لما نشرته صحيفة الـ(ديلي تلغراف) في عددها الصادر في 11 تشرين الأول بان الاستعمارية الحديثة التي ينادي بها توني بلير تتضمن تشكيل انتداب أو نظام حماية دولية على البلد حتى يتم التمكن من تشكيل حكومة جديدة.

إذا افترضنا بان المنطقة كانت شديدة النشاط فانه من المحتمل أن يكون الوضع بعد مرحلة طالبان وضعا مضطربا داخل وخارج الحدود الأفغانية. وكما تتخوف الحكومة الباكستانية في حالة انهيار نظام طالبان سيحدث فراغا داخل أفغانستان مما يدفع بقادة الحرب القدامى لخوض حرب أهلية جديدة. وهناك شائعات من هذا القبيل تقول بأنه تم تشكيل ائتلاف جديد من خمسة وأربعين حزبا ومنظمة في حركة تضامن الأفغان الوطنية.

وتقول هذه المجموعة المتكونة من اللاجئين الأفغان والمجاهدين السابقين التي توحدت في باكستان في الأول من تشرين الأول بأنها تملك ستة ألاف مقاتل متمرس على القتال بالإضافة إلى عشرين ألف متطوع يمكنها نشرهم في قتال ضد قوات طالبان. وتعارض حركة تضامن بتأييد الحكومة الباكستانية وربما تسلم السلطة بعد تصفية حركة طالبان، وربما تم زرع بذور الحرب الأهلية الجديدة مسبقا.

ليست هناك تعليقات: