الجمعة، 19 سبتمبر 2008

لاروش يناقش أزمات العالم (11-11)

ترجمة الباحث: أمير جبار ألساعدي

وأشير الى لوحة موجودة في الفاتيكان في روما. رسمها روفائيل سانزيو (Raphael Sanzio) وتدعى مدرسة أثينا (The school Athens) في الصورة عدد كبير من الناس ومن بينهم روفائيل نفسه مجتمعين من خلال هذه اللوحة في مدرسة أثينا .وهؤلاء الرجال هم من عصور مختلفة لا ينتمون الى عصر واحد وإنما كانوا منهمكين بأفكار التاريخ اليوناني الكلاسيكي وما نتج عنه من أفكار.
وتمثل الصورة التي رسمها روفائيل في مدرسة أثينا كل طالب دخل تجربة ونجح بها ،تلك التجربة العائدة لتلك العقول المفكرة ،نجح في إعادة اكتشاف ما اكتشفه ممن سبقه من تلك العقول المفكرة،إعادة اكتشاف حججهم .إن ذاك الطالب سيحفظ في ذاكرته أولئك الأشخاص، اكتشافهم وحججهم .وهذا النموذج من التعليم يعتبر أسلوبا كلاسيكياً في علم التربية.
توجد حاليا وظيفتان احدهم علمية وأدبية. وهي التي تقود أطفالنا الى المستوى الذي يمكنهم من تجميع أفضل الثمار من تاريخ الإنسان .وتلك الثمار العظيمة هي الأفكار .والأفكار هي اكتشاف المبادىء. أي المبادىء العلمية والأدبية وتلك الأفكار تنتج من حضارة الإنسان قديما الى يومنا هذا .فعلى أطفالنا إحياء تلك التركة الحضارية ثانية ليس فقط أن يعرفوها بل يحيوها ثانية.وينتج عن هذا شيء أخر. فعند بلوغ الطفل سن الرشد وكان قد عمل على إحياء ذلك الإرث سيصبح عارفا ومتعلما ليس أسماء العظماء من العلماء فحسب. وليس فقط الصيغ التي استخدمها أولئك العلماء بل إعادة تمثيل الجزء العبقري من الاكتشاف والذي أنتج هذه الثمار. وبذلك يحص الطفل على عقل متعلم .
ويجد هذا الطفل أو أي شخص له ثقافة علمية أو ثقافة أدبية بان الشخص الأفضل الذي تعرفه هو الشخص الذي توفى قبل مئات أو ألاف السنين قبلك.فان كل نصراني يعرف جيداً من خلال جدته وفي أيام العيد (Easter) ما هي ألام المسيح كما يعرفون بألم القديس جون
( st.Gohn passion). وان المترددين على الكنائس يعرفون المسيح أفضل من أولئك الذين تقابلهم في الشارع لأنهم في الشارع لأنهم قد خاضوا تجربة آلام المسيح كما خاضوا تجربة قانون العبقرية في تلك الآلام.

عندما تكن لك علاقة مع أناس من أجيال سابقة من كل صنوف البشر ينتابك إحساس بالأعمال التي قدمها أولئك الناس منها ما وجب عمله.ومنها ما لا يجب عمله أو أفكارهم التي لم تطبق. فينتابك إحساس انك تعيش اليوم فعليك أن تعمل شيئا لتغير حصيلة تاريخ الماضي عن طريق معرفة المنفعة التي قدمها ذلك الشخص ولم تطبق حتى الآن.
نحن نتطلع الى المستقبل .وأنت تنظر الى نفسك من خلال المستقبل مخاطبا نفسك :لقد قدمت عطاء الى أناس يأتون من بعدي ،قدمت لهم ما قدم لي من حصيلة هذا العلم يجب أن أراجع نفسي وأفكر بحياتي وبضميري وعملي.كيف سينظرون الي،كما نظرت الى تلك الاكتشافات التي قادتني الى التعلم بهذه الطريقة ،انها شكل من اشكال التعليم الضروري والكفوء والاخلاقي مما يجب الحفاظ عليه.
لقد دمرت العولمة التعليم بشكل واضح ،فقد انكرت هذا النوع من التاريخ ،نكرن حق الحكومات في توفير ظروف الحياة الجيدة لاطفالها .وتوفير ظروف التعليم لهم حيث يمتلك كل طفل فرصة لتطوير وتنمية تلك القابلية والمقدرة على النبوغ والابداع كما جسدها روفائيل بشكل رمزي في لوحته (مدرسة اثينا).

فماذا علينا ان نفعل تجاه ما يحدث ؟ انا اعتقد من الواجب علينا اولا ان نتشارك ،كما امل وجهه النظر التي ذكرتها توا.علينا ان نتشارك مع بعضنا البعض .علينا ان نحاول ارشاد الناس الى رؤية الانسانية وفق المفاهيم .وان يروا الناس الاخرين وان يروا الدول كذلك بهذه المفاهيم .وعلينا تحفيز كل شيء ممكن للحركة وتقريب ذلك النوع من العملية التعليمية بين الاطفال والاخرين علينا ان نعزز التعليم ونرسخه في اذهاننا.
علينا ان نؤمل انفسنا ببناء مؤسسات قادرة على فعل ذلك.ويمتلك فيها كل شخص احساسا اخلاقيا.فالانسان ليس كحيوان في الغابة يحاول ان يعيش فيحصل على قوته على حساب الاخرين او على حساب بعض الدول الاخرى .او على حساب شخص اخر .لكننا نرى انفسنا كأفراد.نحيا اليوم ونموت غدا.نعيش باحساس يقول انه يمكننا مشاركة الافكار مع الاخرين مع الناس الذين عاشوا قبل الف او الفي سنة مضت وكأنها امس ،بل الى ابعد من ذلك يمكننا التطلع الى مئات الالوف من السنين القادمة وبنفس الطريقة وهكذا نرى انفسنا نعيش تزامن الخلود كما يسميه اللاهوتيون.

نحن نرى انفسنا كفرد فانٍ يعيش كانسان فان في فترة قصيرة جدا من الحياة .لكننا نعيشها كبشر يعمل ويجعل من الماضي حاضرا .ويأتي بالمستقبل الى الحاضر .نحن نرى انفسنا كشخص مكلف برسالة ،حياة ما بعد الموت لاحقاق العدالة في الماضي ولبناء الامل نحو المستقبل.
فاذا نظرنا الى انفسنا هكذا ،فاعتقد اننا سنتمكن من العمل واعتقد ان التفكير بهذه الطريقة وهي عادتي في التفكير تمنحني مقدار كبيرا من القوة.واعتقد ان الناس الاخرين اذ فكروا بهذه الطريقة فستمنحهم القوة ايضا.وباعطاءنا الى الاخر هذا النوع من القوة وهذا النوع من الافق والرؤية ،حينها يمكننا القول :حسنا ,اهم شيء هو تربية اطفالنا حتى يبلغوا ومن ثم ترك المستقبل بسلام عهدة في اعناقه.
نعمل ما يمكننا عمله.ليست لدينا القوة على تقدير كل شيء مسبقا ولكننا نمتلك القوة على فعل الخير.واذا فعلنا الخير فسنحصل على بعض المنافع منه وهذا افضل ما يمكننا فعله.

الإرهاب ووكالات المخابرات
سؤال: سنطرح الان سؤال اخير تاركين عدد من الاسئلة دون اجابة لعدم توفر الوقت.ولذا نرى فانه من الصعب الاجابة على خمسة وثلاثين سؤالا كل على حدة .ولذا ساعرض السؤال الاخير مصاحبا معه اربعة اسئلة تتعلق بمسألة الامن .
يقول الاول:ما علاقة وكالة المخابرات المركزية CIA بالحركات الارهابية في بيرو (Sendero luminoso) و( Mrta) ؟
والسؤال الثاني عن وضع الارهاب في كولومبيا .فما هو توقعك عن الوضع هناك ؟ والسؤال الثالث عن علاقة الارهاب وتجارة المخدرات في القارة كلها ؟ فما هو رأيك حول هذا ؟
والسؤال الرابع والأخير يسير بلطف وبمعنى اوسع عن سياسته الامنية بنصف الكرة الارضية التي نحن بها ؟
لاروش: حسنا ،لناخذ السؤال الاخير اولا كونه اسهلهم .
اذا ما حصلنا على نوع من السياسة في الولايات المتحدة والتي نأمل ان تقنع حكومة الولايات المتحدة بتبني هذه السياسة واعتقد انه ليس بالامر المستحبل ،حينذاك ما من مشكلة امنية في نصف الكرة الارضية التي نعيش فيها.لانه اذا توحدت الدول في الامريكيتن لاهداف معينة فلن يجرأ احد او يرغب في الهجوم عليهم.وهكذا فان المسألة هي انه على الولايات المتحدة انت تأخذ على عاتقها ذلك الدور المتعلق بالدول الامريكية كما حلم بذلك جون كونسي ادمز.
ان وكالة المخابرات الامريكية CIA من وجهة نظري حاليا لا تعتبر جزءا مهما جدا في مشاكل المخدرات والارهاب في امريكا الوسطى والجنوبية .وعلى اية حال فهناك جمعيات يشار اليها على انها تابعة لوكالة المخابرات المركزية وفي الواقع انه لا علاقة لها بوكالة المخابرات المركزية.
ان الميزة في قانون الولايات المتحدة هي عندما كان الين دويلسش (Allen Dulles) ،يعمل في الامن القومي له وظيفة بعنوان مدير المخابرات وكذلك مدير المخابرات التابعة لوكالة المخابرات المركزية ولكنه كان مدير عام الاستخبارت التي من ضمنها الوظائف العسكرية. وحقق مهام خاصة تحت وظيفة رئيس اركان مساعد في وزراة الدفاع المعروفة بـ( قسم الحروب الخاصة).وخارج هذا القسم تم استخدام اشكال عدة من الناس بعضهم عسكري وبعضهم عسكري متقاعد ونماذج اخرى غير عسكرية.كما ضمت اشخاص اجانب ،ليس فقط مواطنين امريكيين،غير ان هؤلاء الاشخاص من اقطار عدة تم استخدامهم للقيام بحرب خاصة واعتقد ان البعض يعلم ما اعني بالحرب الخاصة.
حسب معلوماتي ان تطوير حركة الارهاب تقوم بها وبشكل اساسي الحكومات او مؤسسات مالية كبيرة ذات سلطة مكافئة لسلطة الحكومات.اي بعبارة اخرى ان فكرة وجود حركات ارهابية مستقلة وتعمل لحسابها الخاص مجرد هراء.اذ لا يمكن لهذه الحركة ان تدوم طويلاً. إن حركات الارهاب التي تدوم فهي تدوم فقط لانها اداة لسياسة حكومة ما او مجموعة حكومات.
والمثال النموذجي على ذلك هي عملية ايران – كونترا كما اطلق عليها ونعرفها جيدا في الدول الامريكية وغيرها من الدول،هذا هو قسم الحروب الخاصة وتقليده حيث يضم مزيجا من التمويل الرسمي والخاص على غرار النموذج (الاسرائيلي )الذي عرضناه عام 1981 والذي يمثل اكبر مصدر لابشع ارهاب في كوكبنا اليوم.
اذن فهناك ترتيب تنتجه قدرات الحروب الخاصة من هذا النوع وبضمنها قدرات من بلدان مختلفة على الاغلب هي بريطانيا (واسرائيل) والولايات المتحدة بصفتها مركز التحكم وذلك لابتداع اشياء مثل عملية ايران – كونترا التي لا تربطها اية صلة بالجهاد الاسلامي واشياء كثيرة ابتدعها.
فكما رأيت في القوات اليسارية (FARC) [1] وكما رايت في تجار المخدرات في كولومبيا والشيء نفسه في اجزاء اخرى من نصف الكرة الارضية. فلم يكن لدى تجار المخدرات الارهابين اية قوة ذاتية .وانما تدعمهم الحكومات.واحيانا حكومات من خارج هذا النصف من العالم ولكنهم معرفون لحكومات هذا النصف من العالم.ولهذا نرى ان المنظمات الارهابية المستقلة لا تستمر لوقت طويل اذ حالما تظهر وتبرز تتم تصفيتها او يتم تحطيمها نوعا ما. وهكذا فالمنظمات الارهابية كما هي عليه الان هي ادوات الحكومات،اني اعرف ذلك منذ الستينات واعرفه منذ السبعينات والثمانينات وحتى اليوم اعرف ان الارهابين هم ادوات الحكومات او المؤسسات المالية.
والان وقد ظهر التعقيد .ليس من الضروري ان يكون اكبر مصدر للتمويل لاجل طاقات الحرب المستقلة هو الحكومات وانما جهات اخرى ؟ جهات لها القدرة على شراء عدد كبير من الاسلحة .فما هي اذن ؟ المخدرات،فبدونها لا يمكنك الحصول على الاموال وبدون المخدرات لا وجود لمنظمة افغانية او نظام طالبان هذا هو الواقع . وهذا سبب المشكلة . انها صعبة.
وتعتبر كولومبيا بلاد حرب المخدرات.وكيف ذلك وانت ترى كراسو (Grasso) رئيس سوق الاوراق المالية في نيويورك يعانق مسؤول الخزينة للقوات اليسارية (FARC) وهي اكبر تنظيم للارهاب ولتجارة المخدرات في كولومبيا والواضح من هذا انها قضية مؤسسات مالية .
وهكذا فهذه الاجابات باختصار وكما اظن لاختصار ما يمكن اختصاره في جوابي لهذا السؤال.
[1] نشأت هذه الحركة بمنطقة الكاريبي وامتدت اثارها الى دول المخروط الجنوبي باستثناء المكسيك والبرازيل. وتعتقد هذه المنظمة ان العنف الثوري هو الكفيل بتغير النظام السياسي والاجتماعي الذي يسود قارة امريكا اللاتينية بما فيها من الاوضاع الاجتماعية السيئة كبيرو حيث تشكل من العديد من الاعراف. ويكاد يكون السكان الاصليون اكثر عرضة للتضرر من الوضع السياسي والاقتصادي السائد فلهذا هي تنحو نحو العنف المسلح لتغير الاوضاع في بيرو. وقد دعمت هذه الحركة جميع الانتفاضات التي جرت في بيرو وان كان تأثيرها قد خفت بسبب زوال القوى التي تقف خلف الحركة اليسارية لا سيما دول المنظومة الاشتراكية وانعكس ذلك على كل من كوبا والحركة الساندنية وبعض التيارت اليسارية التي تدعم هذه الحركة .

ليست هناك تعليقات: