جون بيلجر
ترجمة الباحث: أمير جبار الساعدي
وأن الهوة ( بين صحة الأصليين والبيض ) واسعة بالفعل".
واعترف رودوك ان "إحصائيات السكان مرعبة جدا" واخبرته " اعرف انك عملت كعضو في منظمة العفو الدولية لعشرين عاما"
" هذا صحيح"
"ما هو شعورك عند استقبال تقارير المنظمة حول خروقات حقوق الإنسان وتتصدر "استراليا" القائمة بعبارات مثل "مازال السكان الأصليون يموتون في السجون ومراكز حجز الشرطة بمستويات ربما تصل إلى المعاملة القاسية وغير الإنسانية والمهينة ؟" وأجاب مبتسما، " لماذا يستخدمون كلمة ربما"؟.
هذا الجواب المتشامخ ليس معروفا في استراليا السياسية. ولم يبد رودوك خلال المقابلة أي محاولة للتصدي لحقائق المعاناة بين السكان الأصليين،مع ذلك لم يعرض أي مقترح بتعهد السياسة المحافظة لرئيس الوزراء جون هاورد، أعطى إنطباعا خلالها انه، أي رودوك، كونه عضوا في منظمة العفو، كان مختلفا. كان هذا زائفا بعد ان كشفت ذلك الأحداث المتعاقبة وليس فقط قرار منظمة العفو الدولية بالإستغناء عن عضويته.من الواضح ان حكومة هوارد قد عاشت في رعب خلال التنافس وإقامة الألعاب الأولمبية عام 2000 خوفا من اكتشاف العالم الخارجي لأستراليا السوداء المتسترة. فقبل حوالي السنة من إنطلاقة الأولمبياد صنفت لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التميز العنصري استراليا كمعاد رئيس في مجال التمييز العنصري مقارنة بشعب غربي. كان هذا السلوك المشين، إضافة إلى العدد الهائل من تقارير منظمة العفو الدولية، بداية تبدو أشبه بذلك الصوت الموجه ضد سياسة الفصل في جنوب إفريقيا.وبعد التمتع بسمعة مصطنعة مؤخرا بوصفها ديمقراطية حقيقية متعددة الثقافات بعيدا عن صورة البلد المحافظ في أيام " سياسة استراليا البيضاء" كان هناك سببا للخوف.
استراليا دولة ذات ايديولوجية واحدة وحزبين متنافسين، شأنها في ذلك شأن بريطانيا والولايات المتحدة، وتتميز أساسا من خلال شخصيات ساستها.والفرق بين إئتلاف هوارد المحافظ وحزب العمال المعارض هو ان سياسات هوارد مكشوفة. لقد أشرفت الحكومة العمالية في الثمانينات ومطلع التسعينات على إعادة التوزيع الكبير للثروة في تاريخ البلد: من الأسفل إلى القمة. لقد كانوا تاتشريين وريغانيين في كل شيء ماعدا الاسم. وبالفعل فقد وصف توني بلير باول كيتنغ رئيس الوزراء حينذاك بأنه"مصدر الهامه". كان أول أعمال جون هوارد حين تسلم زمام عمله عام 1996 هو إقتطاع 400 مليون دولار أسترالي من ميزانية شؤون السكان الأصليين – والتي أشار إليها بإزدراء بأنها "صناعة السكان الأصليين ". أما "التصحيح السياسي" على حد تعبير رئيس الوزراء الجديد فقد "تجاوز الحد كثيرا". كان ينبغي مجيء " روح جديدة لحرية التعبير". لقد شكك القليلون بالمعنى الحقيقي لكلماته. لقد كان يتكلم في كوينزلاند وهي ولاية أظهرت عنصريتها التاريخية بوضوح منذ نهاية عقد التسعينات ومرونتها في إنتخاب باولين هانسون للبرلمان الفيدرالي كمرشحة مستقلة إعتمادا على برنامج مناهض للسكان الأصليين والهجرة.وكان جمهور ناخبيها في أوكسلي يعاني من أكبر معدل للبطالة في استراليا إذ لا يتمكن أكثر من نصف السكان من إيجاد عمل. وهكذا قامت بإتصالاتها التي عززها الزمن بعد تحريرها أكباش فداء. والأكثر أهمية من ذلك أنها عرضت نفسها كـ "مجرد أم ساذجة مجدة" والتي تتحدث نيابة عن الناس العاديين البسطاء الذين ضاقوا ذرعا بالسياسة". هذه العبارة المتكررة وجدت صداها في بلد قد تكون فيه السخرية من الساسة المنافقين و"ورفاقهم" الأغنياء أكثر تفشيا من أي ديموقراطية غربية. وقالت هانسون ان السكان الأصليين كانوا ذوي "إمتيازات" وكانت "الملايين" تصرف عليهم بلا فائدة. وذكرت في كتاب وجه إليها أنهم "قتلوا وأكلوا نساءهم وأطفالهم وأحيانا رجالهم". كانت هذه فرصة هوارد فقد رفض إنتقاد هانسون عدا نعتها بـ" الشعبية الفارغة".وفي حقيقة الأمر فإن رسالتها كانت رسالته: اللغة هي ما عدل فقط. لقد مهد حزب هانسون"الأمة الواحدة" التي تحمل صدى سياسة هوارد "سياسة واحدة لاستراليا التي وعد عام 1988 ان تتبعها الحكومة المستقبلية التي ستشكل برئاسته.وقد بدا هوارد حال تسلمه المنصب بعكس أهم مكتسبات شعب السكان الأصليين. كان هذا " قانون لقب الساكن الأصلي" الذي أقره البرلمان الفيدرالي عام 1993. لقد حذف القانون الجديد اعتمادا على حكم للمحكمة الاسترالية العليا صدر في السنة السابقة فقد حذف هذا القانون فقرة من القانون العام تنص على ان استراليا كانت غير مأهولة بالسكان عندما نصب الكابتن جيمس كوك علم الاتحاد عام 1770. وكان يعمل بالقانون المسمى"تيرانوليوس Terranullius " قرابة القرنين لتبرير حالة الحرمان التي يعيشها السكان الأصليون.
لم تحصي الدولة عدد السكان الأصليين،حتى نهاية عقد الستينات كما كانت تحصي خرافها.وذكر المحامي نويل بيرسون من السكان الأصليين "لقد كنا موجودين على الأرض إلا أنهم اعتبرونا حيوانات متواجدة في تلك المنطقة".عندما أعطى رئيس الوزراء روبرت مينزيس الإذن لعلماء الذرة البريطانيين لإختبار أسلحة نووية على أرض السكان الأصليين في مارالنغا، للتهديد بالملاحقة القضائية من قبل الدوائر الأمنية بعد ان كشف انه "خلال تواجده هناك لمدة سنتين ونصف،رأى 400الى500 شخص من السكان الأصليين في المنطقة الملوثة.وكنا نجلبهم بين حين وآخر من اجل إزالة التلوث.وأحيانا أخرى لانفعل سوى ترويعهم مثل الأرانب". لم يكن قرار المحكمة العليا عام1992والمعروف باسم (قرار مابو)
ترجمة الباحث: أمير جبار الساعدي
وأن الهوة ( بين صحة الأصليين والبيض ) واسعة بالفعل".
واعترف رودوك ان "إحصائيات السكان مرعبة جدا" واخبرته " اعرف انك عملت كعضو في منظمة العفو الدولية لعشرين عاما"
" هذا صحيح"
"ما هو شعورك عند استقبال تقارير المنظمة حول خروقات حقوق الإنسان وتتصدر "استراليا" القائمة بعبارات مثل "مازال السكان الأصليون يموتون في السجون ومراكز حجز الشرطة بمستويات ربما تصل إلى المعاملة القاسية وغير الإنسانية والمهينة ؟" وأجاب مبتسما، " لماذا يستخدمون كلمة ربما"؟.
هذا الجواب المتشامخ ليس معروفا في استراليا السياسية. ولم يبد رودوك خلال المقابلة أي محاولة للتصدي لحقائق المعاناة بين السكان الأصليين،مع ذلك لم يعرض أي مقترح بتعهد السياسة المحافظة لرئيس الوزراء جون هاورد، أعطى إنطباعا خلالها انه، أي رودوك، كونه عضوا في منظمة العفو، كان مختلفا. كان هذا زائفا بعد ان كشفت ذلك الأحداث المتعاقبة وليس فقط قرار منظمة العفو الدولية بالإستغناء عن عضويته.من الواضح ان حكومة هوارد قد عاشت في رعب خلال التنافس وإقامة الألعاب الأولمبية عام 2000 خوفا من اكتشاف العالم الخارجي لأستراليا السوداء المتسترة. فقبل حوالي السنة من إنطلاقة الأولمبياد صنفت لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التميز العنصري استراليا كمعاد رئيس في مجال التمييز العنصري مقارنة بشعب غربي. كان هذا السلوك المشين، إضافة إلى العدد الهائل من تقارير منظمة العفو الدولية، بداية تبدو أشبه بذلك الصوت الموجه ضد سياسة الفصل في جنوب إفريقيا.وبعد التمتع بسمعة مصطنعة مؤخرا بوصفها ديمقراطية حقيقية متعددة الثقافات بعيدا عن صورة البلد المحافظ في أيام " سياسة استراليا البيضاء" كان هناك سببا للخوف.
استراليا دولة ذات ايديولوجية واحدة وحزبين متنافسين، شأنها في ذلك شأن بريطانيا والولايات المتحدة، وتتميز أساسا من خلال شخصيات ساستها.والفرق بين إئتلاف هوارد المحافظ وحزب العمال المعارض هو ان سياسات هوارد مكشوفة. لقد أشرفت الحكومة العمالية في الثمانينات ومطلع التسعينات على إعادة التوزيع الكبير للثروة في تاريخ البلد: من الأسفل إلى القمة. لقد كانوا تاتشريين وريغانيين في كل شيء ماعدا الاسم. وبالفعل فقد وصف توني بلير باول كيتنغ رئيس الوزراء حينذاك بأنه"مصدر الهامه". كان أول أعمال جون هوارد حين تسلم زمام عمله عام 1996 هو إقتطاع 400 مليون دولار أسترالي من ميزانية شؤون السكان الأصليين – والتي أشار إليها بإزدراء بأنها "صناعة السكان الأصليين ". أما "التصحيح السياسي" على حد تعبير رئيس الوزراء الجديد فقد "تجاوز الحد كثيرا". كان ينبغي مجيء " روح جديدة لحرية التعبير". لقد شكك القليلون بالمعنى الحقيقي لكلماته. لقد كان يتكلم في كوينزلاند وهي ولاية أظهرت عنصريتها التاريخية بوضوح منذ نهاية عقد التسعينات ومرونتها في إنتخاب باولين هانسون للبرلمان الفيدرالي كمرشحة مستقلة إعتمادا على برنامج مناهض للسكان الأصليين والهجرة.وكان جمهور ناخبيها في أوكسلي يعاني من أكبر معدل للبطالة في استراليا إذ لا يتمكن أكثر من نصف السكان من إيجاد عمل. وهكذا قامت بإتصالاتها التي عززها الزمن بعد تحريرها أكباش فداء. والأكثر أهمية من ذلك أنها عرضت نفسها كـ "مجرد أم ساذجة مجدة" والتي تتحدث نيابة عن الناس العاديين البسطاء الذين ضاقوا ذرعا بالسياسة". هذه العبارة المتكررة وجدت صداها في بلد قد تكون فيه السخرية من الساسة المنافقين و"ورفاقهم" الأغنياء أكثر تفشيا من أي ديموقراطية غربية. وقالت هانسون ان السكان الأصليين كانوا ذوي "إمتيازات" وكانت "الملايين" تصرف عليهم بلا فائدة. وذكرت في كتاب وجه إليها أنهم "قتلوا وأكلوا نساءهم وأطفالهم وأحيانا رجالهم". كانت هذه فرصة هوارد فقد رفض إنتقاد هانسون عدا نعتها بـ" الشعبية الفارغة".وفي حقيقة الأمر فإن رسالتها كانت رسالته: اللغة هي ما عدل فقط. لقد مهد حزب هانسون"الأمة الواحدة" التي تحمل صدى سياسة هوارد "سياسة واحدة لاستراليا التي وعد عام 1988 ان تتبعها الحكومة المستقبلية التي ستشكل برئاسته.وقد بدا هوارد حال تسلمه المنصب بعكس أهم مكتسبات شعب السكان الأصليين. كان هذا " قانون لقب الساكن الأصلي" الذي أقره البرلمان الفيدرالي عام 1993. لقد حذف القانون الجديد اعتمادا على حكم للمحكمة الاسترالية العليا صدر في السنة السابقة فقد حذف هذا القانون فقرة من القانون العام تنص على ان استراليا كانت غير مأهولة بالسكان عندما نصب الكابتن جيمس كوك علم الاتحاد عام 1770. وكان يعمل بالقانون المسمى"تيرانوليوس Terranullius " قرابة القرنين لتبرير حالة الحرمان التي يعيشها السكان الأصليون.
لم تحصي الدولة عدد السكان الأصليين،حتى نهاية عقد الستينات كما كانت تحصي خرافها.وذكر المحامي نويل بيرسون من السكان الأصليين "لقد كنا موجودين على الأرض إلا أنهم اعتبرونا حيوانات متواجدة في تلك المنطقة".عندما أعطى رئيس الوزراء روبرت مينزيس الإذن لعلماء الذرة البريطانيين لإختبار أسلحة نووية على أرض السكان الأصليين في مارالنغا، للتهديد بالملاحقة القضائية من قبل الدوائر الأمنية بعد ان كشف انه "خلال تواجده هناك لمدة سنتين ونصف،رأى 400الى500 شخص من السكان الأصليين في المنطقة الملوثة.وكنا نجلبهم بين حين وآخر من اجل إزالة التلوث.وأحيانا أخرى لانفعل سوى ترويعهم مثل الأرانب". لم يكن قرار المحكمة العليا عام1992والمعروف باسم (قرار مابو)
(Mabodecision ) الذي اخذ اسم ايدي مابو) المطالب الناجح بحقوق أرضه،لم يكن القرار الذي قوبل بالترحيب في ذلك الوقت.بل لقد كانت "التسوية التاريخية" بين القوي والضعيف.ولم يأمر القضاة بإرجاع الأرض المسروقة إلى سكان استراليا الأصليين.لقد أضاف القضاة بقرارهم انه يجوز للسكان الأصليين حق التملك في أراضي التاج البريطاني([1]) حيث عاشوا بصورة دائمية،فقرة تتيح لهم فرصة للتملص. فقد"تبطل"دعوى حقوق الأرض في حالة وجود أراض مطلقة او مستأجرة ضمن الممتلكات الريفية الشاسعة التي كان أبناء الاستقراطيين الإنكليز في القرن التاسع عشر قد حصلوا على العديد منها عن طريق "وضع اليد" عليها دون الحق.كان تشريع لقب الساكن الأصلي الذي اعقب تشريع(مابو) بمثابة "المهمة الشخصية" لرئيس الوزراء العمالي حينذاك باول كيتنغ الذي بلغت خطاباته حول"الصلح" إلى قمة البلاغة حيث لم يدانيه في ذلك أي من أسلافه. أما إنجاز كيتنغ فكان تمرير الغموض الحرج لتشريع مابو على الزعماء "المعتدلين" من السكان الأصليين. لقد أخبرتهم أنه أفضل اتفاق حصلوا عليه من الرجل الأبيض. وقال نويل بيرسون، احد مفاوضي السكان الأصليين بحزن "يبدو ان رفض الإسهام في اللعبة لم يعد ذكيا".
ولم يبطئ كيتنغ تبيان كيف تجري اللعبة. لقد استغنى السكان بقبولهم ضماناته عن حقهم بالنقض على "التنمية" في معظم أرضهم، وهو مبدأ أساسي من حقوق الأرض. أما خطة حكومة كيتنغ غير المعلنة فكانت تأكيد "حقوق الأرض" للوبي التعدين،إذ وعدت بإرجاع حق الولايات بـ" إبطال" جميع دعاوى السكان الأصليين حول الأراضي. كانت هذه السياسة جزءً أساسيا من استراتيجية الحكومة السابقة برئاسة بوب هاوك التي كان يشغل فيها كيتنغ منصب وزير المالية. وجاء كشف هذه الاستراتيجية على لسان غاريث إيفانس وزير الموارد والطاقة حينذاك إذ لخصها بمايطلق عليه ( ثري اس)
(Three'S) هذه الثلاث كانت عدم "إيقاف" التعدين في أرض السكان الأصليين وعدم "إقحام" و"ابتزاز" شركات التعدين من خلال دعاوى التعويض وأجور الملكية لمجتمعات السكان الأصليين. لقد ذهب رئيس الوزراء هوارد إلى ابعد من ذلك. إذ طالب مجتمعات السكان الأصليين حتى بالتخلي عن حق التفاوض حول تنمية الأراضي. لقد استخدم مستشاره، سيناتور ولاية كوينزلاند نيك منشن شفرة مكشوفة لسكان استراليا السود والذي يردده باولين هانسون. إذ قال انه إذا حصل السكان الأصليين على المزيد فإن "المجتمع" سوف يستاء إزاء "حقوقهم الخاصة. وهذا "سيعرقل عملية الصلح". في هذه الأثناء تذمر أصحاب الممتلكات الريفية وأفراد اللوبي خاصتهم من أجل إختبار التشريع الجديد. ولم يكن عليهم الإنتظار طويلا.
[1] أراضي عمومية في بعض المستعمرات البريطانية تعود ايرادتها للملك.
[1] أراضي عمومية في بعض المستعمرات البريطانية تعود ايرادتها للملك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق