جيمس بي روبن
ترجمة الباحث :أمير جبار الساعدي
ولتحقيق هذه الغاية، يتطلب الأمر سياسة حذرة متعددة الإطراف. ففاتحت إدارة بوش جميع الأعضاء البارزين منذ البداية لمناقشة هذه الطريقة وجميع الخيارات المتاحة. ورأى بوتن على سبيل المثال إن مناقشات على مستوى القمة عن كيفية التجاوب مع السيناريوهات المختلفة هي إشارة لاحترام موقف روسيا وتأكيد الشراكة الحقيقة. وطبقاً لما قاله مسئولون روس كبار انه وافق مقدماً حينئذ على وضع موعد نهائي لاذعان العراق. وبالمقابل ادعى مسئولون فرنسيون إن الرئيس شيراك مع فكرة استخدام القوة إذا ما تم وضع جدول يغطي فترة 9 اشهر منذ البداية.
وأبدت الدول غير الدائمة في المجلس( انغولا والكاميرون وتشيلي وغينيا والمكسيك وباكستان) رضاها بجدول يغطي فترة 4 اشهر. ولكن لم تحصل أي من هذه المناقشات بين الرئيس بوش أو وزير الخارجية كولن باول وبين نظرائهما.
وفي العراق إن سيناريو الإذعان الجزئي لم يتم تدارسه بجدية قبل أو بعيد تمرير القرار 1441. وعندما اتخذ العراق هذا الموقف، بدت الولايات المتحدة من دون خطة للتحرك. وقد يرجع سبب حدوث هذه النتيجة إلى الانقسامات داخل الإدارة بشان ما يمكن عمله في هذه الحالة، وإصرار المتشددين على عدم التجاوب مع أي شيء سوى الإذعان الكامل.مع ذلك وبغض النظر عن الأسباب لم تكن لدى واشنطن أية خطة. ونظراً لإخفاق التمهيد للحل السياسي،انتظر الحلفاء حتى شهر شباط/فبراير لبدء تحشيد الدعم لإصدار قرار يؤيد شن الحرب.
تحشيد الأغلبية
بعد قرار الولايات المتحدة بالسعي لاستصدر قرار ثان،لماذا لم تتمكن من جمع أغلبية الأصوات؟
هذا الإخفاق لن ينسى بسهولة. والجواب المناسب كان صب اللوم على شيراك على أساس إن تهديده باستخدام الفيتو جعل من المستحيل أن تدعم الدول غير الدائمة قضيةً خاسرة. لكن القصة الحقيقة أكثر تعقيداً.
فخلال النقاش بشان القرار 1441 في خريف عام 2002، حرمت الإدارة الأمريكية مراراً انه لن يكون من الضروري استصدار قرارا ثان يخول استخدام القوة. وأصرت واشنطن على رأيها لأشهر حتى حلول شهر شباط(فبراير 2003)عندما اقنع بلير الرئيس بوش انه يخشى فقدان زعامته لحزب العمال إذا لم يسع لاستصدار قرار ثان. ومن اجل إعطاء دعم قوي لبلير في تلك الفترة،قرر بوش وبشكل متفهم تعديل موقفه ومحاولة مساعدة صديقه.
وفي الوقت ذاته تقريبا، عكس الفرنسيون موقفهم كذلك. فبعد إصدار باريس منذ البداية إن الحرب ستتطلب التصويت مرة أخرى لإضفاء الشرعية عليها ، بدأت فجأة بالتحريك لتجنب التصادم مع الولايات المتحدة. إذ اخبر سفير فرنسا في واشنطن جون_ديفيد ليفيت نائب الرئيس ديك تشيني في شباط/ فبراير إن على واشنطن وباريس بسهولة أن "يتفقا على إن لا يتفقا". وقد نصح الفرنسيون الأمريكيين من خلال قنوات دبلوماسية أخرى أن تتجاهل المجلس تماماً. فقد أشاروا على واشنطن إن "تفسيركم(القرار 1441) كاف(لتسويغ الحرب)، وعليكم الاعتماد على تفسيركم.
مع ذلك قررت واشنطن ولندن برغم هذا التحول السعي لاستصدار قرار جديد.وأصر الدبلوماسيين البريطانيون إن السياسة الداخلية لم تكن السبب الوحيد وراء هذا القرار: إذ أرادوا أيضا تجنب إصدار قرار من الأمم المتحدة يدين العمل العسكري وهو ما يخشاه محامو الحكومة البريطانية من تحويل مشاركتهم في الحملة العسكرية إلى عمل غير قانوني.مع ذلك لم يلتق بلير أية نصيحة عن احتمال عدم التمكن من تمرير القرار الثاني. وعلى العكس فقد افترض شأنه شأن معظم المراقبين انه ما دام البيت الأبيض وراء هذا الجهد فسيتم الإصرار عليه حتى الفوز بالتصويت.
لكن برلين وموسكو وباريس حشدت بعد ذلك جهودها وأصرت على إن التهديد العراقي لا يسوغ الغزو بقيادة أمريكا وصرحت إن عمليات التفتيش تؤدي غرضها وهو إن العراق لم يعد بمكانه تطوير ترسانة عسكرية ضخمة للأسلحة البايولوجية والكيماوية.
ومع بروز خط المقاومة الجديد هذا، تلاشي أمل لندن بتمرير قرار ثان. وكان معظم المراقبين يفترضون منذ البدء إن واشنطن كانت تستميل موسكو بقوة.
إذ بدت الاستراتيجية واضحة:فحال ضمان أغلبية الأصوات التسعة المطلوبة لتمرير القرار.سيتم إقناع بوتن بالامتناع عن التصويت للحفاظ على العلاقات الطيبة مع الولايات المتحدة. إما فرنسا المنعزلة فقد لا تغامر باستخدام الفيتو وحدها.
لكن واشنطن لم تنجح في الفوز بود بوتن ،مما زاد من مرارة المسؤولين البريطانيين. فقد شعر بوتن انه لا يملك سوى القليل لإظهار تعاونه مع بوش بعد موافقته توسيع حلف الأطلسي(الناتو) ونشر قوات أمريكية عبر أسيا الوسطى وإلغاء معاهدة حظر الصواريخ البالستية. ولم تعد روسيا تعلب مثل هذه اللعب البطيء بعد تحسن مستوى اقتصادها. وقد وصف احد الروس محاولات واشنطن استرضاءها مثلما حدث عندما عرضت واشنطن إلغاء تعديل جاكسون.
فانك الشهير في عصر الحرب الباردة بأنها "أشياء تافهة" لقد طالبت موسكو بإظهار الاحترام، أو في الأقل البدء بنقاش جدي لحماية مصالح روسيا في العراق. لكنها لم تحصل على أي منهما.
وبرغم تكوين محور موسكو- باريس- برلين، كان من الممكن مع ذلك ضمان الحصول على الأغلبية في مجلس الأمن. لكن البيت الأبيض اخفق حتى في الحصول على دعم الدول الأفريقية ودول أمريكا اللاتينية في المجلس.
وقد غلبت الحيرة المسؤولين في أوربا من إن القوة المتبجحة لرئيس الولايات المتحدة، فضلاً على سياسة الترهيب والترغيب كل هذا لم يكن كافياً لتحقيق الهدف.
وفي محاولة لفهم فشل واشنطن، ينتبه معظم المراقبين على حقيقة إن كولن باول لم يقم بزيارة الدول غير دائمة العضوية.فقد اضر رفض باول السفر إلى هذه الدول سياسة واشنطن إضافة إلى مشكلة أخرى واكبر وهي إن الدبلوماسية متعددة الأطراف تتطلب التفاهم والرقة وهو ما تفتقر اليهما إدارة بوش بشكل ملحوظ إضافة إلى كل تنمرها وعنادها. وتحتاج السياسة الأمريكية في الأمم المتحدة إلى مشروع نزيه، لان الدول الأخرى تفضل أن تظهر بمظهر المتجاوب مع الأصوات المحايدة وليس بمظهر المطيع لأمر واشنطن.
وهذا ما كان عليه هانز بلكس ، كبير مفتشي الأمم المتحدة لذلك كان يتوجب التعامل معه ببراعة اكبر. وبغض النظر عما إذا كان متساهلاً مع القضية العراق قبل عشرة أعوام أم لا، فلم يكن الوقت حينذاك وقت تصفية حسابات.اذ يحظى بلكس بعمل مهم ولأحكامه تأثير في الدول غير دائمة العضوية.ولكن بدلا" من عناقه والعمل معه وإظهار إن واشنطن ومفتشي الأمم المتحدة كلاهما يقنعان بالوقائع لا غير، حاول كبار المسؤولين الأمريكيين التنمر عليه ولجاءوا حتى إلى الاستهزاء به.
وحدث أسوا مثال على سياسات الإدارة في استخدام الضغط حين التقى كل من بلكس ومحمد البرادعي ، مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية بنائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني. فقد حذر تشيني انه في حال وجدت الإدارة الأمريكية خطأً في أحكام بلكس" فلن نتردد في تكذيبك". وفي اجتماع منفصل، سخر باول و ولفتز، نائب وزير الدفاع، من تحذير المفتشين قائلاً: انتم تعرفون أنهم يمتلكون أسلحة دمار شامل، أليس كذلك؟". سياسات كهذه كانت غير متقنة وغير ملائمة. وقد أشار بلكس البيروقراطي السويدي العنيد إلى إخبار الآخرين انه عزم على الوقوف بوجه واشنطن وقد اغتاظ من المعاملة التي تلقاها في واشنطن. واضطرت الحكومة البريطانية إلى توسيع جهودها لإصلاح هذا الضرر. وتبدو هذه التصريحات الشخصية الجارحة ما سوف عليها في ضوء حرج الإدارة المستمر وصعوبة اكتشاف أسلحة الدمار الشامل العراقية برغم ان القوات العسكرية الأمريكية تبسط سيطرتها على جميع أرجاء العراق وتحتجز ابرز العلماء العراقيين.
كما يتطلب ضمان إصدار قرار ثان بعض التفاهم على الجوهر ولاسيما مسالة التوقيت. وكانت لندن راغبة في تأييد منهج كهذا، لكن واشنطن لم تكن كذلك.
فلو أظهرت واشنطن بعض المرونة في آذار/مارس، لكانت فرنسا في الجانب الخاسر من اللعبة وليست الولايات المتحدة. وقد ظهرت بالفعل صيغة تفاهم تحظى بتأييد بلكس الضمني ودعم عشر دول. وتضمن مشروع القرار هذا العناصر التالية: وضع مؤشرات على مدى الإذعان(شملت إحصاء غاز الأعصاب (vx) والجمرة الخبيثة وتدمير صواريخ الصمود وغيرها من الصواريخ المحظورة والسماح بإجراء مقابلات مع العلماء في الخارج وحل قضية الطائرات المسيرة بعيدة المدى)، وتحديد تاريخ منتصف نيسان/ابريل موعداً نهائياً لتلبية العراق الاختبارات المقررة، وأخيراً الافتراض إن عدم الانصياع سيشكل فرقاً مادياً ويمهد لاستخدام القوة.
ترجمة الباحث :أمير جبار الساعدي
ولتحقيق هذه الغاية، يتطلب الأمر سياسة حذرة متعددة الإطراف. ففاتحت إدارة بوش جميع الأعضاء البارزين منذ البداية لمناقشة هذه الطريقة وجميع الخيارات المتاحة. ورأى بوتن على سبيل المثال إن مناقشات على مستوى القمة عن كيفية التجاوب مع السيناريوهات المختلفة هي إشارة لاحترام موقف روسيا وتأكيد الشراكة الحقيقة. وطبقاً لما قاله مسئولون روس كبار انه وافق مقدماً حينئذ على وضع موعد نهائي لاذعان العراق. وبالمقابل ادعى مسئولون فرنسيون إن الرئيس شيراك مع فكرة استخدام القوة إذا ما تم وضع جدول يغطي فترة 9 اشهر منذ البداية.
وأبدت الدول غير الدائمة في المجلس( انغولا والكاميرون وتشيلي وغينيا والمكسيك وباكستان) رضاها بجدول يغطي فترة 4 اشهر. ولكن لم تحصل أي من هذه المناقشات بين الرئيس بوش أو وزير الخارجية كولن باول وبين نظرائهما.
وفي العراق إن سيناريو الإذعان الجزئي لم يتم تدارسه بجدية قبل أو بعيد تمرير القرار 1441. وعندما اتخذ العراق هذا الموقف، بدت الولايات المتحدة من دون خطة للتحرك. وقد يرجع سبب حدوث هذه النتيجة إلى الانقسامات داخل الإدارة بشان ما يمكن عمله في هذه الحالة، وإصرار المتشددين على عدم التجاوب مع أي شيء سوى الإذعان الكامل.مع ذلك وبغض النظر عن الأسباب لم تكن لدى واشنطن أية خطة. ونظراً لإخفاق التمهيد للحل السياسي،انتظر الحلفاء حتى شهر شباط/فبراير لبدء تحشيد الدعم لإصدار قرار يؤيد شن الحرب.
تحشيد الأغلبية
بعد قرار الولايات المتحدة بالسعي لاستصدر قرار ثان،لماذا لم تتمكن من جمع أغلبية الأصوات؟
هذا الإخفاق لن ينسى بسهولة. والجواب المناسب كان صب اللوم على شيراك على أساس إن تهديده باستخدام الفيتو جعل من المستحيل أن تدعم الدول غير الدائمة قضيةً خاسرة. لكن القصة الحقيقة أكثر تعقيداً.
فخلال النقاش بشان القرار 1441 في خريف عام 2002، حرمت الإدارة الأمريكية مراراً انه لن يكون من الضروري استصدار قرارا ثان يخول استخدام القوة. وأصرت واشنطن على رأيها لأشهر حتى حلول شهر شباط(فبراير 2003)عندما اقنع بلير الرئيس بوش انه يخشى فقدان زعامته لحزب العمال إذا لم يسع لاستصدار قرار ثان. ومن اجل إعطاء دعم قوي لبلير في تلك الفترة،قرر بوش وبشكل متفهم تعديل موقفه ومحاولة مساعدة صديقه.
وفي الوقت ذاته تقريبا، عكس الفرنسيون موقفهم كذلك. فبعد إصدار باريس منذ البداية إن الحرب ستتطلب التصويت مرة أخرى لإضفاء الشرعية عليها ، بدأت فجأة بالتحريك لتجنب التصادم مع الولايات المتحدة. إذ اخبر سفير فرنسا في واشنطن جون_ديفيد ليفيت نائب الرئيس ديك تشيني في شباط/ فبراير إن على واشنطن وباريس بسهولة أن "يتفقا على إن لا يتفقا". وقد نصح الفرنسيون الأمريكيين من خلال قنوات دبلوماسية أخرى أن تتجاهل المجلس تماماً. فقد أشاروا على واشنطن إن "تفسيركم(القرار 1441) كاف(لتسويغ الحرب)، وعليكم الاعتماد على تفسيركم.
مع ذلك قررت واشنطن ولندن برغم هذا التحول السعي لاستصدار قرار جديد.وأصر الدبلوماسيين البريطانيون إن السياسة الداخلية لم تكن السبب الوحيد وراء هذا القرار: إذ أرادوا أيضا تجنب إصدار قرار من الأمم المتحدة يدين العمل العسكري وهو ما يخشاه محامو الحكومة البريطانية من تحويل مشاركتهم في الحملة العسكرية إلى عمل غير قانوني.مع ذلك لم يلتق بلير أية نصيحة عن احتمال عدم التمكن من تمرير القرار الثاني. وعلى العكس فقد افترض شأنه شأن معظم المراقبين انه ما دام البيت الأبيض وراء هذا الجهد فسيتم الإصرار عليه حتى الفوز بالتصويت.
لكن برلين وموسكو وباريس حشدت بعد ذلك جهودها وأصرت على إن التهديد العراقي لا يسوغ الغزو بقيادة أمريكا وصرحت إن عمليات التفتيش تؤدي غرضها وهو إن العراق لم يعد بمكانه تطوير ترسانة عسكرية ضخمة للأسلحة البايولوجية والكيماوية.
ومع بروز خط المقاومة الجديد هذا، تلاشي أمل لندن بتمرير قرار ثان. وكان معظم المراقبين يفترضون منذ البدء إن واشنطن كانت تستميل موسكو بقوة.
إذ بدت الاستراتيجية واضحة:فحال ضمان أغلبية الأصوات التسعة المطلوبة لتمرير القرار.سيتم إقناع بوتن بالامتناع عن التصويت للحفاظ على العلاقات الطيبة مع الولايات المتحدة. إما فرنسا المنعزلة فقد لا تغامر باستخدام الفيتو وحدها.
لكن واشنطن لم تنجح في الفوز بود بوتن ،مما زاد من مرارة المسؤولين البريطانيين. فقد شعر بوتن انه لا يملك سوى القليل لإظهار تعاونه مع بوش بعد موافقته توسيع حلف الأطلسي(الناتو) ونشر قوات أمريكية عبر أسيا الوسطى وإلغاء معاهدة حظر الصواريخ البالستية. ولم تعد روسيا تعلب مثل هذه اللعب البطيء بعد تحسن مستوى اقتصادها. وقد وصف احد الروس محاولات واشنطن استرضاءها مثلما حدث عندما عرضت واشنطن إلغاء تعديل جاكسون.
فانك الشهير في عصر الحرب الباردة بأنها "أشياء تافهة" لقد طالبت موسكو بإظهار الاحترام، أو في الأقل البدء بنقاش جدي لحماية مصالح روسيا في العراق. لكنها لم تحصل على أي منهما.
وبرغم تكوين محور موسكو- باريس- برلين، كان من الممكن مع ذلك ضمان الحصول على الأغلبية في مجلس الأمن. لكن البيت الأبيض اخفق حتى في الحصول على دعم الدول الأفريقية ودول أمريكا اللاتينية في المجلس.
وقد غلبت الحيرة المسؤولين في أوربا من إن القوة المتبجحة لرئيس الولايات المتحدة، فضلاً على سياسة الترهيب والترغيب كل هذا لم يكن كافياً لتحقيق الهدف.
وفي محاولة لفهم فشل واشنطن، ينتبه معظم المراقبين على حقيقة إن كولن باول لم يقم بزيارة الدول غير دائمة العضوية.فقد اضر رفض باول السفر إلى هذه الدول سياسة واشنطن إضافة إلى مشكلة أخرى واكبر وهي إن الدبلوماسية متعددة الأطراف تتطلب التفاهم والرقة وهو ما تفتقر اليهما إدارة بوش بشكل ملحوظ إضافة إلى كل تنمرها وعنادها. وتحتاج السياسة الأمريكية في الأمم المتحدة إلى مشروع نزيه، لان الدول الأخرى تفضل أن تظهر بمظهر المتجاوب مع الأصوات المحايدة وليس بمظهر المطيع لأمر واشنطن.
وهذا ما كان عليه هانز بلكس ، كبير مفتشي الأمم المتحدة لذلك كان يتوجب التعامل معه ببراعة اكبر. وبغض النظر عما إذا كان متساهلاً مع القضية العراق قبل عشرة أعوام أم لا، فلم يكن الوقت حينذاك وقت تصفية حسابات.اذ يحظى بلكس بعمل مهم ولأحكامه تأثير في الدول غير دائمة العضوية.ولكن بدلا" من عناقه والعمل معه وإظهار إن واشنطن ومفتشي الأمم المتحدة كلاهما يقنعان بالوقائع لا غير، حاول كبار المسؤولين الأمريكيين التنمر عليه ولجاءوا حتى إلى الاستهزاء به.
وحدث أسوا مثال على سياسات الإدارة في استخدام الضغط حين التقى كل من بلكس ومحمد البرادعي ، مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية بنائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني. فقد حذر تشيني انه في حال وجدت الإدارة الأمريكية خطأً في أحكام بلكس" فلن نتردد في تكذيبك". وفي اجتماع منفصل، سخر باول و ولفتز، نائب وزير الدفاع، من تحذير المفتشين قائلاً: انتم تعرفون أنهم يمتلكون أسلحة دمار شامل، أليس كذلك؟". سياسات كهذه كانت غير متقنة وغير ملائمة. وقد أشار بلكس البيروقراطي السويدي العنيد إلى إخبار الآخرين انه عزم على الوقوف بوجه واشنطن وقد اغتاظ من المعاملة التي تلقاها في واشنطن. واضطرت الحكومة البريطانية إلى توسيع جهودها لإصلاح هذا الضرر. وتبدو هذه التصريحات الشخصية الجارحة ما سوف عليها في ضوء حرج الإدارة المستمر وصعوبة اكتشاف أسلحة الدمار الشامل العراقية برغم ان القوات العسكرية الأمريكية تبسط سيطرتها على جميع أرجاء العراق وتحتجز ابرز العلماء العراقيين.
كما يتطلب ضمان إصدار قرار ثان بعض التفاهم على الجوهر ولاسيما مسالة التوقيت. وكانت لندن راغبة في تأييد منهج كهذا، لكن واشنطن لم تكن كذلك.
فلو أظهرت واشنطن بعض المرونة في آذار/مارس، لكانت فرنسا في الجانب الخاسر من اللعبة وليست الولايات المتحدة. وقد ظهرت بالفعل صيغة تفاهم تحظى بتأييد بلكس الضمني ودعم عشر دول. وتضمن مشروع القرار هذا العناصر التالية: وضع مؤشرات على مدى الإذعان(شملت إحصاء غاز الأعصاب (vx) والجمرة الخبيثة وتدمير صواريخ الصمود وغيرها من الصواريخ المحظورة والسماح بإجراء مقابلات مع العلماء في الخارج وحل قضية الطائرات المسيرة بعيدة المدى)، وتحديد تاريخ منتصف نيسان/ابريل موعداً نهائياً لتلبية العراق الاختبارات المقررة، وأخيراً الافتراض إن عدم الانصياع سيشكل فرقاً مادياً ويمهد لاستخدام القوة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق