جون بيلجر
ترجمة الباحث:أمير جبار الساعدي
ترجمة الباحث:أمير جبار الساعدي
تحتل تركيا مكاناً ذي أهمية في "النظام العالمي"الأمريكي.فنظراً لإشرافها على حقول النفط في الشرق الأوسط ووسط آسيا السوفيتية السابقة،فهي عضو في حلف الناتو ومستقبل لمليارات الدولارات على شكل أسلحةأمريكية.أنها قاعدة للمقاتلات والقاذفات الأمريكية والبريطانية.وتعتبر واشنطن التمرد الطويل الأمد للأكراد الأتراك بقيادة حزب العمال الكردستاني تهديداً "لاستقرار"نظام تركيا الفاشي الخفي.والشيء الأخير الذي أراده الأمريكان بعد حرب الخليج هو نزوح عشرات الآلاف من الأكراد العراقيين إلى تركيا كلاجئين وتصعيد صراع الأكراد الأتراك ضد النظام في أنقرة.وانعكس قلقهم في قرار مجلس الأمن 688الذي حذر من "النزوح الجماعي للاجئين باتجاه وعبر الحدود الدولية.مما يهدد السلم والأمن الدوليين في المنطقة.."الذي تعرض لتهديد اللاجئين هو قدرة تركيا على الاستمرار برفض الاعتراف بأبسط حقوق الإنسان للأكراد داخل حدودها.وجاء الحل من مناطق حظر الطيران في الشمال. فمنذ عام1992قدمت هذه المناطق غطاء لعمليات الغزو التركي المتكررة للعراق.واحتل قرابة50.000جندي تركي تسندهم الدبابات،القاذفات،والمروحيات في عامي 1995و1997،احتلوا أراضي الأكراد "ملاذ امن"بحجة مهاجمة قواعد حزب العمال الكردستاني.وعادوا مرة أخرى في كانون /ديسمبر2000يرهبون القوى الكردية ويقتلون المدنين.وأكثر من ذلك،فقد تآمر البريطانيون والأمريكان في عمليات الغزو،إذ يعلقون طلعاتهم للسماح للأتراك بالدخول والقتل.وفي الواقع لم تذكر وسائل الأعلام الغربية أي من هذه الوقائع في تقاريرها.في آذار/مارس عام2001،أصبح طيارو، سلاح الجو الملكي(RAF ) الذين يقومون بدورياتهم في منطقة حظر الطيران الشمالية علناً للمرة الأولى حول دورهم في ضرب العراق.فبعيدا عن أداء "المهمة الإنسانية الأساسية"على حد زعم (توني بلير)،فقد اشتكوا من إنهم يتلقون أوامر باستمرار بالعودة إلى قواعدهم في تركيا للسماح للقوات الجوية التركية بضرب الأكراد في العراق،وهو ذات الشعب المعنيين "بحمايته".لقد تكلموا على أساس لايمكن نسبته للدكتور ايريك هيرنغ اختصاصي العقوبات على العراق في جامعة برستل،وقالوا انه كلما أراد الأتراك ضرب الأكراد في العراق يتم استدعاء سلاح الجو الملكي (RAF ) إلى القاعدة،كما يتم إبلاغ الطواقم الأرضية بإطفاء أجهزة الرادار وهكذا لن تكون الأهداف التركية منظورة.وكتب طيار بريطاني في تقرير سرد فيه رؤيته للدمار في القرى الكردية التي سببتها الهجمات بعد استئناف دوريته.وقال الدكتور هيرنغ " لقد كانوا غير سعداء جداً بشأن ما تلقوه من اوامر وما رأوه بعد ذلك،خاصة بغياب أي تفسير رسمي". نشرت صحيفة الواشنطن بوست في تشرين الأول/اكتوبر2000 تقريراً جاء فيه"تلقى(الطيارون الأمريكيون الذين يطيرون ترادفياً مع البريطانيين) في أكثر من مناسبة رسالة باللاسلكي تقول "هناك(م ت خ)TSM متجهة إلى الداخل":أي "مهمة تركية خاصة"متجهة الى العراق.وتنفيذاً للأوامر،يدير الأمريكان طائراتهم عائدين الى تركيا.وقال (الطيار مايك هورن) "ترى الطائرات التركية(اف14واف16)متجهة إلى الداخل وهي متخمة بالأسلحة.ثم تخرج بعد نصف ساعة وقد استنفذت ذخيرتها".ويستذكر انه عندما يعود الأمريكان إلى الأجواء العراقية يرون " قرى محترقة والكثير من الدخان والنار".أثناء حرب الخليج دعا الرئيس جورج بوش الأب "الجيش العراقي والشعب العراقي إلى تقرير مصيرهم بأيديهم وإجبار (صدام حسين)على التنحي عن السلطة".وفي اذار من عام1991تكاتف الشعب من الأغلبية الشيعية في الجنوب ليلبوا دعوة بوش(وأعلنوا العصيان).لقد نجحوا نجاحاً كبيراً في البداية لدرجة سقوط (صدام حسين) في غضون يومين في جنوب العراق،وامتد العصيان الشعبي إلى البصرة،ثاني المدن العراقية.انها بداية جديدة للشعب العراقي وبدت في متناول اليد.ثم تدخل الخليل القديم في واشنطن في الوقت المناسب تماماً.واخبرني(سيد أبوريش) "ان المعارضة وجدت نفسها وهي تواجه الولايات المتحـدة التي تساعـد (صدام حسين) ضدهم.وحقيقة الأمر ان الأمـريكـان صدوا (المتمردين) من الوصول الى مستودعات الأسلحة.ورفضوا تقديم أي حمايةلهم. بل قدموا للحرس الجمهوري ممرا آمنا عبر الخطوط الأمريكية(متمردين).لقد قدموا كل شيء سوى الأنضمام إلى جنبه في القتال.ويصف(اندريو وباتريك كوكبورن)في كتابهما "الخروج من الرماد:بعث( صدام حسين)بعد الموت".تحسراحد قادة (المتمردين) وهو برتبة عميد بعد مشاهدته المروحيات الأمريكية تحوم فوق طواقم المروحيات العراقية الحكومية وهي تصب البنزين على قوافل اللاجئين الهاربين وإشعالهم بإطلاقات(مذنب).وقال " لقد رأيت بأم عيني الطائرات الأمريكية تحلق فوق المروحيات.لقد كنا نتوقع مساعدتهم،ونراهم ألان يشهدون موتنا...فقد كانـوا يلتـقطـون الصـور وعرفـوا بالضبـط ما كـان يحـدث ".وفي الناصرية منعت القوات الأمريكية (المتمردين) من اخذ الأسلحة والذخيرة من ثكنات الجيش.وذكر الكاتبان (كوكبورن) ان العراقيين شرحوا للقـائد الأمريكي من هم وسبب وجودهم هنا.لكن الاستقبال لم يكن حاراً...اذ ذهب المسئول الأمريكي لعشرة دقائق وعاد بادعاء غريب مفاده انه فقد الاتصال مع مركز القيادة.واقترح بفظاظة ان عليهم محاولة أيجاد القوات الفرنسية الواقعة على ثلاثة أميال إلى الغرب".ووجد(المتمردين)الكولونيل الفرنسي الذي رغب بالمساعدة،ولكن عندما حاول عقد اجتماع مع القائد الأمريكي الجنرال شوارسكوف،اخبره ان هذا غيرممكن.حكم على(التمرد)بالإخفاق:فقد ضاع وقت حاسم.كانت البصرة هي المدينة الأولى التي سقطت بيد(صدام حسين) فقد أحكمت الدبابات قبضتها علىالطرق الرئيسية ودمرت مراكز المقاومة.وذكر طبيب في المستشفى "لقد كان وقتاً عصيباًإذترى الكلاب وهي تنهش الجثث في الشوارع".اما في الشمال،فقد(أعلن الأكراد العصيان)أيضا:وقال(الرائد جون ميجر)انه لم يسأل عنها قط".ودخل الحرس الجمهوري الذي أبقى عليه شوارسكوف بشكل خاص مدينة السليمانية واخمد المقاومة الكردية.كانت هناك شعرة تقف بين نجاة وسقوط(صدام حسين)ففي الوقت الذي كانت قواته تحتفل بالانتصار،نفذت منهم الذخيرة.وبعد خمس سنوات،عندما أرسل(صدام حسين)دباباته إلى مدينة أربيل الكردية حيث تمردت مرة أخرى*،حلقت الطائرات الأمريكية لمدة عشرين دقيقة ثم هربت،كما نجح فريق الاستخبارات المركزية بين الأكراد في الفرار إلى حيث الأمان،في الوقت الذي حوصر فيه ستة وعشرون من أعضاء المجلس الوطني العراقي الذي تموله وكالة (CIA ) الاستخبارات المركزية وتم إعدامهم.وطبقاً لما قاله (احمد الجلبي رئيس المؤتمر الوطني العراقي في الخارج)* فأن الدعم الأمريكي الضمني للنظام كان "العامل الأبرز في قمع(العصيان)".لقد جعلوا من الممكن(لصدام)ان يستجمع قواته والقيام بهجوم مضاد ،ودمر بقدرة تسليحية ضخمة افراد الشعب". لماذا ؟
إن ما يخافه الأمريكان هو احتمال قيام الأكراد بإنشاء دولتهم المستقلة،وربما تكون حتى إشتراكية وديمقراطية،واحتمال تشكيل الشيعة "حلف إسلامي"مع إيران.ما لا يريدوه لهم هو " تقرير مصيرهم بايديهم ".وقد صاغها الصحفي التلفزيوني الأمريكي تير جينينفز بهذه الطريقة " لم ترغب الولايات المتحدة بذهاب (صدام حسين)،بل انهم لم يرغبوا بسيطرة الشعب العراقي على الوضع ".ويتفق معه في هذا الراي برينت سكوركدوفت مستشار الامن القومي للرئيس بوش الاب.اذ قال في عام1997:"بوضوح كنا نفضل انقلابا.لاجدال في ذلك".وكان المحرر في صحيفة نيويورك تايمز(توماس فريدمان) التابع المطيع للسياسة الخارجية الامريكية اكثر صراحة.فما تريده واشنطن هو "زمرة عراقية بقبضة حديدية"ستكون "الافضل في كل العوامل"والنتيجة الواضحة هو انها تريد (صدام حسين) آخر،ستكون "او بالاحرى شبيها للذي كان قبل1991، يفعل ما يطلب منه ".وكتب ايريك هيرنغ " ربما يكون الشيء الأكثر إثارة للاشمئزاز في السياسة ككل هو استغلال صناع القرار الأمريكان والبريطانيين للتعاطف الإنساني الشعبي من اجل أكثر الأسباب السياسية سخرية على الإطلاق.فلا رغبة لديهم لمساندة الأغلبية الشيعية للسيطرة على الوضع،أو لمساندة الأكراد في الحصول على الاستقلال.ان سياستهم تقضي لجعلهم أقوياء بما يكفي ليقضوا مضجع (صدام حسين) وفي نفس الوقت ضمان ان(صدام حسين) قوي بما يكفي لقمعهم.هذا إرثٌ مباشر للسياسة الإمبريالية البريطانية منذ الحرب العالمية الأولى وما بعدها(ولها صلة بالسيطرة على النفط العراقي..انها كانت وما تزال سياسة فرق واحكم).
*تحرك الجيش بناءا على طلب احد الاطراف المتنازعة من الحزبين الكرديين (الاتحاد الوطني والاتحاد الديقراطي) في اب عام 1996.
*حاليا نائب رئيس الوزراء في حكومة الدكتور الجعفري المنتخ بة في 30 كانون الثاني 2005.
نشرت صحيفة وول سترين جورنال ان الولايات المتحدة واجهت "معضلة حقيقية " في العراق.إذ قالت الصحيفة "بعد ثمان سنوات من فرض منطقة حظر الطيران شمالي وجنوبي العراق،فما زالت هناك بعض الأهداف العسكرية.
واحتج احد المسؤولين الامريكين قائلاً لقد وصلنا إلى الملحق الأخير.هنالك بعض الأشياء،ولكن ليس الكثير". نعم فما زال هنالك الأطفال.وفي الوقت الذي أعلن فيه هذا التصريح،قتل(6) اطفال عندما ضرب صاروخ أمريكي مجمع الجمهورية،أفقر المناطق السكنية في البصرة وجرح (63) آخرون حروق بعضهم خطيرة.وقال البنتاغون في تصريحه انه "ضرر مصاحب".وقد سرت في الشارع الذي استهدفه الصاروخ في ساعات الصباح الأولى:لقد تتبع صفاً من البيوت مدمراً اياها واحداً بعد الأخر.إنهم يعيدون بناءها الان.وقد هجرت عدة عوائل المنطقة.ورأيت رجلا جالساً على مدخل الباب مع إبنه الصغير.اخبرني انه فقد ابنتيه، واحدة في العاشرة من عمرها والأخرى في الثامنة. قال" لقد قتلوا وهم نائمون". حمل وجهه المعتم صدمة التحمل وحزنه الذي لا يوصف. وسألته هل يحتفظ بصورهما. كلا لا شيء. وسألت آباء آخرين. هزوا رؤوسهم، وكأن السؤال كان غريبا. بالفعل فالناس الفقراء لا يملكون كاميرات. وكانت النساء ينتظرن في صف إنتظار المستشفى وقد طلبن مني أن ألتقط صورا لهن مع أطفالهن الرضع لأنهم لا يملكون أيا منها.
وفي فندق شيراتون البصرة الضخم والمتدهور والخالي تقريبا، رأيت محلا في الرواق مازال مفتوحا. وصاحبه يدعى نبيل الجوراني الذي اعتاد على عمل المعالجة الحية لأفلام السواح. لا يوجد سواح الآن. وقال" أعمل في بعض حفلات الزواج. وعندما ضرب الصاروخ منطقة الجمهورية، ذهبت هناك صباح اليوم التالي ومعي كاميرتي.لقد ألتقط صورا لابنتي الرجل الذي كنت قد قابلته.أنهما بثياب النوم،وأحدهما ذات ضفيرة في شعرها. لقد طبع جسدها على أرضية المنزل حيث قتلا في سريريهما. وقد ضمنت صوره في فلمي"دفع الثمن". فصورتهما تلازمني. وسافرت إلى واشنطن على أمل رؤية وزيرة الخارجية مادلين أولبرايت لسؤالها عن تصريحها "اننا نعتقد ان الثمن يستحق ذلك". وللاسف لم تكن موجودة وافق الناطق باسمها جيمس روبن مساعد وزيرة الخارجية على إجراء مقابلة معه. وروبن هذا يبدو في منتصف الثلاثينات، واثق بنفسه وذو فكر تصوري، هو نموذج لـ" دكتور اللف والدوران" بعد الحرب الباردة، فهو الداعية المحترف الذي يمكنه ان يكون نزيهاً مرة بعد أخرى.وعندما سألت (اولبرايت) الامين العام للأمم المتحدة بطرس بطرس غالي صراحة "عن عدم كونه مطواعاً بدرجة كافية،كان هذا روبن من اخبر وسائل الاعلام:"كان الدكتور بطرس غالي غير قادر على تفهم أهمية التعاون مع القوى الأولى في العالم".وجرت المقابلة في وزارة الخارجية في غرفة مزينة بالأعلام والمطبوعات من حرب الاستقلال.وقد احتج برايس فلويد مساعد روبن وهو رجل قلق على طبيعة الأسئلة والوقت الذي يمكن لروين ان يقضيه معي.وساد التوتر.وعندما وصل روبن بدا واضحاً انه فضل إعطاء مايسميه "مقدمات للصحافة".وكان معظم ما قاله يفتقر الى الصحة واقعاً.وعلى سبيل المثال قوله نحن (الولايات المتحدة) نخصص ما قيمته مليارات الدولارات من الغذاء والدواء للشعب العراقي".في الواقع ان الولايات المتحدة لا تعطي دولاراً واحداً:فكل المساعدات الإنسانية تدفع حكومة العراق ثمنها من عائدات النفط بتخويل من مجلس الأمن.وقال ان سياسة الولايات المتحدة لم تكن " العقوبات بحد ذاتها " بل الحيلولة دون حصول (صدام حسين) على الأموال التي كان يستغلها في إعادة أعمار آلته العسكرية الجنونية...وتضمن العقوبات التي فرضناها عدم حصول(صدام حسين)على مئات المليارات من العملة الصعبة التي قد يستخدمها في بناء آلته العسكرية الجنونية.. في بناء قدرات جديدة في مجال الأسلحة الكيماوية،وبناء قدرات جديدة في مجال الأسلحة البايولوجية.." وسألته "ألا تعتقد من السخرية انه طوال سنوات عدة ساعدت فيها الولايات المتحدة صـدام حسين في الحـصول على أسلحـة الدمـار الشامـل لاستخدامها ضد جيرانه؟".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق