الاثنين، 9 فبراير 2009

حكـام العـالم الجـدد (9)

جون بيلجر
ترجمة الباحث: أمير جبار الساعدي

هناك قليل من الشك حول إذا رأى صدام حسين ان هناك مصلحة سياسة في تجويع وحرمان شعبه،فقد يفعل ذلك.وليس غريباً اهتمامه بنفسه وحلقته الداخلية وفوق كل شيء جيشه وجهازه الأمني. وقصوره وتماثيله في كل مكان ونفس الشيء بالنسبة لصوره الشخصية.مع ذلك فخلافاً للطغاة الآخرين،فهو لم ينجو فحسب،بل تمتع بشيء من الشعبية قبل الحرب الخليج بإسكات شعبه بالأرباح الناتجة من عوائد النفط العراقي. وبعد إرسال معارضيه إلى المنفى أو المشنقة،استخدم صدام حسين عوائد النفط أكثر من أي قائد عربي أخر في تحديث البنية التحتية المدنية وبناء مستشفيات ومدارس وجامعات من الطراز الأول.وانشأ بهذه الطريقة طبقة متوسطة كبيرة نسبياً وصحية ،حاصلة على تغذية جيدة ومثقفة. وكـان العـراقيـون قبـل العقـوبـات يستهلكون3.000سعرة حرارية يومياً، ويحـصل 92% مـن النـاس على الماء الصالح للشرب ويتمتع 93% برعاية صحية مجانية.وكانت نسبة معرفة القراءة والكتابة بين البالغين واحدة من أعلى النسب في العالم،إذ وصلت الى95%.وذكرت وحدة المخابرات في مجلة الايكونومست ان "حالة الرفاهية في العراق كانت حتى وقت قريب من اشمل حالات الرفاهية وأوسعها في العالم العربي".ويقال ان المستفيد الحقيقي الوحيد من العقوبات هو صدام حسين.لقد استخدم الحصار للزيادة تمركز قوة الدولة ،وبهذا يفرض سيطرته المباشرة على حياة شعبه. وبالنظر لاعتماد معظم العراقيين على نظام الحصة التموينية التي توزعها الدولة لقوتهم اليومي، فمسألة المعارضة السياسية المنظمة قد غابت عن التفكير تقريباً.وعلى أية حال فقد حل محلها شعور معظم العراقيين بالأسى والغضب تجاه عدوهم الخارجي من الحكومة الغربية.ففي هذا المجتمع المنفتح نسبياً والمؤيد للغرب قبل عام 1991، كان دائماً هناك احتمال في حصول انتفاضة وكما اثبت ذلك الثوار الأكراد والشيعة في ذلك العام.أما في حالة الحصار اليوم فالاحتمال معدوم.هذا هو الإنجاز غير المعلن للحصار البريطاني_ الأمريكي.لقد تم تأكيد تجاهل كل هذا.فقد كتب روجر نورماند "ان معظم الأمريكان لا يعون العقوبات المفروضة على العراق قد قتلت أناسا أكثر مما قتل في القنبلتين الذريتين اللتان أسقطتا على اليابان.لان وسائل الأعلام قد ركزت على الرمز الشيطاني لصدام حسين وقدمت العراق كبلد للأهداف العسكريـة أكـثر مما هـو شـعب". وبعد الربط بين بربرية السياسة الغربية وبربرية الطاغية،أصبح معارضوا العقـوبات يدعون بـ"السذج".(اخبرني المغفور له جيمس كاميرون وهو صحفي ليس بغريب عن هذا الظلم ذات مرة انه إذا دعوك بالساذج فاعرف انك على حق"). كان هذا هو التكتيك غير الأخلاقي لبيترهاين والمتمثل بالتشهير بالدعاة ذوي المبادئ من أمثال دينيس هاليداي وهانزفون سبونيك:انه صدى مضحك لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا الذي يدعوا الشاب هاين بـ"ساذج الشيوعية".ربما هذا هو الديدن المعتاد للارتداد من هؤلاء المشاركين الأذكياء الذين تخلو عن ماضيهم.لقد كان الكاتب المسرحي أكثر إحسانا.إذ كتب قائلاً "القليل منا يمكنهم الاحاطة باعتقادنا ان على المجتمع ان يفيق نوعاً ما".إذ لا نتحمل فكرة ان الدولة قد فقدت عقلها وهي تعاقب العديد من الناس الأبرياء. كما ينبغي علينا إنكار الدليل داخليا". يجب رفع الحصار الاقتصادي عن العراق فلا مبرر لوجوده سوى انه غير أخلاقي وعواقبه غير إنسانية. ويقول سكوت ريتر انه عند ذلك الوقت " يتوجب عودة مفتشي الأسلحة إلى العراق وإكمال مهمتهم والتي ينبغي إعادة تشكيلها. لقد شكلت أصلا لفرض نزع التسلح الكمي، أي كل صامولة وبرغي ومسمار ووثيقة توجد في العراق. وطالما لم يعد العراق كذلك، إذن لم يوجد إذعان ولم يكن هناك تقدم. علينا تغيير المهمة إلى نزع التسلح النوعي. هل يملك العراق الآن برنامجا للأسلحة الكيميائية ؟ كلا. هل يملك العراق اليوم برنامجا للصواريخ بعيدة المدى؟ كلا. نووية ؟ كلا. بايولوجية ؟ كلا. هل تم نزع أسلحة العراق نوعيا ؟ نعم. إذن علينا إدخال المفتشين للتحقق من ذلك، ثم الإستمرار بمراقبة العراق للتأكد من عدم إعادتهم إنشاء أي من هذه القدرات". وقد وافق العراق مسبقا على عودة مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وينص قرار مجلس الأمن 687 على ان نزع أسلحة العراق يجب أن يكون خطوة " بإتجاه هدف إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط... وبعبارة أخرى إذا يتخلى العراق أو تخلى عن أسلحته التدميرية، فعلى إسرائيل أن تفعل نفس الشيء. بعد احداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001، لن ينجح فرض مطالب قاسية على العراق في الوقت الذي نصرف فيه النظر عن إسرائيل. وذكر دينيس هاليداي انه " كلما طال أمد العقوبات كثر إحتمال ظهور جيل سيعد صدام حسين أكثر اعتدالا وأكثر رغبة في الإنصياع للغرب". ولا يمكن تطبيق أي من المعايير المزدوجة القديمة للعدالة. فلحين وقت كتابة هذه السطور، صادقت 43 دولة على إنشاء محكمة الجزاء الدولية: وبقي 60 دولة. وعارضت الولايات المتحدة إنشاء المحكمة: إذ تخاف من إدانة الأمريكيين. ومن المؤكد أنه إذا ما تمت محاكمة الرئيـس العـراقي، فـيجـب محـاكمـة آرييـل شـارون كذلك. وكذلك رعـاتهم الفوستيون
([1])Faustino في الغرب، في الماضي والحاضر.

وفي رسالة بعث بها بيتر هاين إلى صحيفة "بنوستاتيسمان" وصف فيها إشارتي بإحتمال مثوله شخصيا مع سياسيين غربيين آخرين أمام محكمة الجزاء الدولية بأنها " بلا مبرر" إنها ليست بلا مبرر. فقد كتب البروفسور بوسوتب، وهو مرجع محترم في القانون الدولي"تقريرا" للأمين العام للأمم المتحدة يقول فيه أن نظام العقوبات المفروض على العراق غير قانوني بشكل لا لبس فيه. طبقاً " لقانون حقوق الإنسان القائم حالياً"وقد يطرح أسئلة طبقاً "لاتفاقية القتل الجماعي.هذا النص الصغير يؤكد انه إذا حصلت المحكمة الجديدة على سلطتها،فلا يمكنها تحقيق العدالة للأقوياء دون غيرهم" وكتب ايريك هيرنغ أن مجموعة متزايدة من أصحاب الرأي القانوني يتفقون إن على المحكمة واجب التحقيق ليس فقط في النظام بل أيضا في قصف الأمم المتحدة وعقوباتها التي مزقت حقوق الإنسان للمدنيين العراقيين بشكل واسع....وعليها التحقيق أيضا في قضية من ساعد في برامج العراق للأسلحة المحرمة حالياً وبضمنها الحكومات الغربية وشركاتها، في عام2000علق هاين طلبا برلمانيا بنشر قائمة كاملة بالشركات البريطانية الخارقة للقانون فأي متهم يسأل لماذا ؟ ثم يسأل من قتل الشعب الأكثر براءة في العراق:أهو صدام حسين أم صائدو السياسة البريطانيون والأمريكان وقد يفرض الجواب نفسه، بوضع(الطاغية السفاح) بالمرتبة الثانية. في ليلتي الأخيرة في العراق ذهبت إلى قاعة الرباط وسط بغداد لمشاهدة تمرين للفرقة السمفونية الوطنية العراقية.رغبت بلقاء قائد الفرقة محمد أمين عزت الذي تصور مأساته الشخصية معاقبة شعبه.فنظراً "للانقطاع المستمر للتيار الكهربائي، اضطر العراقيون إلى استخدام قناديل الوقود الرخيصة من اجل الإنارة والتدفئة والطبخ وغالبا ما تسبب انفجاراً".وهذا ما حدث لجنان زوجة محمد أمين عزت التي التهمتها النيران.قال لي كانت كارثة لأنني رأيت زوجتي تحترق كليا أمام عيني.ورميت بنفسي عليها لإطفاء النيران.ولكن بلا جدوى فقد ماتت.وأتمنى أحيانا لو مت معها.ووقف في منصته وكانت ذراعه اليسرى لا تتحرك بسبب حروقها الشديدة واندمجت الأصابع مع بعضها البعض.كانت الفرقة السمفونية تتدرب على معزوفة حاشية نوتكراكر لتشيكوفسكي وكان هناك نشاز غريب.إذ فقدت بعض السنة المزامير وأوتار الكمانات.وقال لا نستطيع الحصول عليها من الخارج، فقد أصدر بعضهم قرارا "بعدم السماح باستيرادها، والقطع الموسيقية بالية كأنها مخطوطات رقية.ولا يستطيع الموسيقيون الحصول على الورق.لقد بقي اثنان من أعضاء الفرقة الأصلين:أما الباقون فقد رحلوا على الطريق الطويل المحفوف بالمخاطر المؤدي إلى عمان وما بعدها.وقال لي "لا يمكنك أن تضع اللوم عليهم،فالمعاناة كبيرة جدا في بلادنا.ولكن لماذا لا يضعون حدا لها؟".هذا السؤال وجهته لدنيس هاليداي مساء احد الأيام في نيويورك.كنا واقفين في الجمعية العمومية في الأمم المتحدة حيث كان قد شغل منصب مساعد الأمين العام هناك.وسألته ونحن نمر بالغرفة الفارغة التي فقدت تصميمها وديكورها بمرور الوقت منذ الخمسينات، فيما إذا كان الجواب موجود في تعليق جيمس روبن حول "العالم الحقيقي والعالم الخيالي".فقال "هنا يتمثل العالم الحقيقي،حيث تتطبق الديمقراطية:حالة واحدة وصوت واحد.بالعكس فمجلس الأمن يتألف من خمسة أعضاء دائمين يتمتعون بحق النقض (فيتو) . لا ديمقراطية هناك ،ولا تمثل بأي شكل من الأشكال العالم الحقيقي.لو تم طرح قضية العقوبات المفروضة على العراق على الجمعية العمومية لتم إسقاطها بأغلبية كبيرة جدا.علينا إذاً إجراء تغيير على الأمم المتحدة للمطالبة بما نملكه.والابادة في العراق هي اختبار لإرادتنا.علينا جميعا كسر الصمت وليدرك المسؤولون في واشنطن ولندن أن التاريخ لن يرحمهم".

المختارون

هناك شيء خاص في كون الانسان استراليا. فالروح الاسترالية،هي تلك القدرة على المساعدة التي تتيح لنا التعاضد في أوقات التحدي وأوقات المحنة،وهي هذا الشيء الخاص
. (رئيس الوزراء جون هاوارد)

لو كان هنالك سباق بين الدول الديمقراطية لمعرفة من هو الأفضل في التواصل بخرق حقوق الإنسان(لسكان شعبه الأصليين)،فستأتي استراليا بكل براءة في المؤخرة. (البروفسور كولن ثاز) مركز دراسات الابادة الجماعية/سيدني
من الناحية الطبيعية فلا شبيه لسيدني:حيث الميناء ذو المياه العميقة،فهي تاج شواطئ المحيط الهادئ ومصبات الأنهار والمضايق الغامضة حيث تنبت أشجار اليوكالبتوس وأشجار الصمغ العملاقة والتي ترتفع من حافة المياه.وفي الوسط ينتصب المسرح كأنه مدينة نيويورك مصغرة،أما هيكل هذا المسرح فيتكون من الجسر العظيم المقنطر ودار الأوبرا الخيالي وبركة سباحة اولمبية تم بناءوها في عقد الثلاثينات مع وجود الدلافين الذكية، وحصيلة رياضية مشرفة من86 رقماً قياسياً عالمياً في السباحة،انه رقم عالمي بحد ذاته.وبجوار البركة تقع (لونابارك) وهي مدينة ألعاب دعايتها وجه ضخم بابتسامة اقرب إلى المعتوهة.هذا هو مظهر استراليا الكاذب أو "خزانة العرض"بتعبير متعهدي الألعاب الاولمبية.كانت الألعاب الاولمبية لعام2000تفتح "عصراً ذهبياً جديداً" للاستراليين وهم ينشدون الأغنية المتناغمة "المختارون يأخذون حلمهم إلى الألفية الجديدة:حلم يشاركهم الجميع فيه"المختارون لم يتركوا شيئاً للصدفة.فحين جاءت الجنة الاولمبية الدولية للتحقق من المدينة قبل الفوز بالتنظيم،تم توقيت إشارات المرور بحيث تكون خضراء حال اقتراب سيارات الليموزين.ولم يتم التطرق إلى الماضي العنصري لرئيس الجنة الاولمبية الدولية خوان سامرانش في صحافة سدني،وقيل انه تم تغيير موجة المذياع في غرفته في الفندق،لتجنب التقاط احد المعلقين وهو يطرح الموضوع المحظور.رحلات الميناء ووجبات الكركند والشمبانيا والكونياك والسيجار الكوبي التي جاءت مما كان يعرف بـ"صندوق الإطراء"ويبلغ رصيده28مليون دولار استرالي.وتم إعطاء منحات كل منها بقيمة52.500الاف دولار استرالي الى الوفود الأفريقية في اللجنة الاولمبية الدولية قبل ليلة من تصويت اللجنة.وقدم رئيس اللجنة الاولمبية الاسترالية جون كواتيس "منحة دراسية مع الطعام"لابنة ممثل سوازبلاند في اللجنة الاولمبية الدولية.قال كواتيس "أنا أب لستة أطفال،أليس هذا هو كل ما في العائلة الاولمبية؟".لمحت زوجة احد وفود اللجنة الاولمبية الدولية في إحدى الولائم في سيدني رجلاً اسود يعزف على آلة الديدغريدو(didgeridoo) في ألـ"سيركولر كواي"(Circular Quay) الممشى الدائري حيث المهرجان الرياضي للسواح.وسألت من هذا؟"
فأجابها احد المضيفين هو واحد من الابوريجنز "احد السكان الأصلين".
* "حقا ً؟ وأين الباقون ؟"
* "أ أ،في المناطق النائية".

وهناك حي كبير للأقلية من السكان الأصلين في ريدفورد قي سدني على بعد خمس دقائق تقطع بالسيارة الفارهة(الليموزين).ويمكن تميزها بسهولة عن باقي المدينة بسبب وجود الشرطة القمعية.وقد حاولت الخدمة القانونية للسكان الأصليين ومقرها ريدفورد ان تجذب اللجنة الاولمبية الدولية لزيارة استراليا التي لم يزورها من قبل، استراليا ما وراء البطاقة البريدية، لكن الوقت لم يسمح بذلك ولم يكن الوضع مواتيا، كما اعلن وزير حكومة نيوساوث ويلز المسؤول عن الألعاب الأولمبية قائلا" على كل من يهدد تنافس سيدني ان يحذر". وفي موناكو حيث تقرر اللجنة الأولمبية اسم الفائز، تم تقدير استراليا واحة للتناغم البشري بفارق ملحوظ عن الصين منافستها الرئيسة على تنظيم الألعاب. تمت ضيافة الوفود بلوحات السكان الأصليين من الراقصين وعازفي الديدغريدو* Didgeridoo المغطين كامل جسدهم بالأصباغ، ومعهم الواثبون من حيوانات الكنغر والجرذان الصغيرة الشبيهة بالدببة، طالما استولت استراليا البيضاء على فن وتحفيات حلم السكان الأصليين ولا عجب في تبني البوميرونغ(
[2]) شعاراً للألعاب الأولمبية. وأعيد طلاء اثنتين من طائرات الخطوط الجوية الأسترالية (كانتاس) بأشكال شعبية. كما كانت هناك " لجنة استشارية شعبية" برئاسة نجم رياضة الركبي السابق الدمث الخلق غاري أيلا أحد السكان الأصليين، إضافة إلى مجموعة أخرى من السكان الأصليين الذين تم تسميتم كـ" موظفي استقبال رسميين".
([1] وهو إصطلاح يطلق على يطلق على فيلسوف قد باع نفسه وروحه للشيطان( أحد الشياطين السبعة الرئيسيين في أساطير القرون الوسطى) مقابل الحكمة والسلطة والشباب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* الديدغريدو Didgeridoo آلة موسيقية يستخدمها (زنوج) استراليا وهم السكان الأصليين الأبورجينز.
([2]) Boomerang قطعة خشب ملوية ومعوقة يتخذ منها سكان استراليا الأصليون قذيفة يرشقون بها هدفا ما.

ليست هناك تعليقات: