جون بيلجر
ترجمة الباحث: أمير جبار الساعدي
هذا الإنجاز الخالي من السود والنساء والعناصر الفعالة الأخرى. لقد كانت الحكاية مختلفة إختلافا تاما حتى مع وجود السكان الأصليين. لقد كانت القصة حول السرقة والسلب والحرب، وحول المجازر والمقاومة. وتماثلت ضراوة القصة في جميع أجزائها مع قصص الولايات المتحدة وأمريكا الإسبانية وإفريقيا وآسيا أثناء الإستعمار. فهي بعد كل هذا قصة سياسية.
لقد جلب هؤلاء المؤرخون على نفسهم بكسر الصمت غيظ مجموعة نافذة من الأسياد البيض وبضمنهم رئيس الوزراء جون هوارد.هؤلاء هم "رافضية الكوادرانت) والكوادرانت هذه مجلة لأقصى اليمين انتشرت بطريقة لا تختلف عن الطريقة التي ا ستخدم فيها ديفد ارفنغ نصوصه التاريخية في ترسيخ رفضه لرواية القتل الجماعي لليهود.لقد رفضوا "نظرة الشريط الأسود للتاريخ" وهو تعبير إبتدعه المؤرخ الأسترالي جيفري بليني،الذي يظهر الآن براءته منه.ويقول هؤلاء الرافضية أن مؤرخي "الشريط الأسود" قد شوهوا القصة البطولية لأستراليا البيضاء من خلال الإختلاق والمبالغة حول دليل معاناة السكان الأصليين ومقاومتهم. ويقولون أن الإبادة الجماعية ببساطة لم تحدث. وأستراليا بلد تنتشر فيه نصب الحرب التذكارية لجنودها من الأنزاك (Anzac) الذين لقوا حتفهم في الحروب الخارجية. ولم يكن هناك حتى وقت قريب أي نصب للذين قاتلوا وسقطوا شهداء في سبيل الدفاع عن وطنهم استراليا خلال الغزو والإحتلال في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. ووقف المغفور له كيفن غلبرت الشاعر والكاتب المسرحي الكبير وهو من السكان الأصليين مرة في الشارع الرئيس لبلدة نيو ساوث ويلز أمام نصب لشخص دفن في موضع آخر وقرأ جهارا قصيدته:
ترجمة الباحث: أمير جبار الساعدي
هذا الإنجاز الخالي من السود والنساء والعناصر الفعالة الأخرى. لقد كانت الحكاية مختلفة إختلافا تاما حتى مع وجود السكان الأصليين. لقد كانت القصة حول السرقة والسلب والحرب، وحول المجازر والمقاومة. وتماثلت ضراوة القصة في جميع أجزائها مع قصص الولايات المتحدة وأمريكا الإسبانية وإفريقيا وآسيا أثناء الإستعمار. فهي بعد كل هذا قصة سياسية.
لقد جلب هؤلاء المؤرخون على نفسهم بكسر الصمت غيظ مجموعة نافذة من الأسياد البيض وبضمنهم رئيس الوزراء جون هوارد.هؤلاء هم "رافضية الكوادرانت) والكوادرانت هذه مجلة لأقصى اليمين انتشرت بطريقة لا تختلف عن الطريقة التي ا ستخدم فيها ديفد ارفنغ نصوصه التاريخية في ترسيخ رفضه لرواية القتل الجماعي لليهود.لقد رفضوا "نظرة الشريط الأسود للتاريخ" وهو تعبير إبتدعه المؤرخ الأسترالي جيفري بليني،الذي يظهر الآن براءته منه.ويقول هؤلاء الرافضية أن مؤرخي "الشريط الأسود" قد شوهوا القصة البطولية لأستراليا البيضاء من خلال الإختلاق والمبالغة حول دليل معاناة السكان الأصليين ومقاومتهم. ويقولون أن الإبادة الجماعية ببساطة لم تحدث. وأستراليا بلد تنتشر فيه نصب الحرب التذكارية لجنودها من الأنزاك (Anzac) الذين لقوا حتفهم في الحروب الخارجية. ولم يكن هناك حتى وقت قريب أي نصب للذين قاتلوا وسقطوا شهداء في سبيل الدفاع عن وطنهم استراليا خلال الغزو والإحتلال في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. ووقف المغفور له كيفن غلبرت الشاعر والكاتب المسرحي الكبير وهو من السكان الأصليين مرة في الشارع الرئيس لبلدة نيو ساوث ويلز أمام نصب لشخص دفن في موضع آخر وقرأ جهارا قصيدته:
"النصب التذكارية":
نقش تاريخنا
في قلب الوطن
والمعالم التذكارية
تسمى مجزرة كريك
ومذبحة كونيستون
ومت غولي ودورا نوريجا
ويدعى المكان في قمم التلال
وثبة المذبحة
حيث امتلى فم الوادي
بأجساد قتلانا
والمكان الذي سالت فيه دمائنا
فاض فيه مجرى النهر إحمرارا
وصولا حتى المصب في البحر
ورفض جون هوارد عام 1998 فكرة تمييز النصب التذكاري للحرب الأسترالية الوطنية للسكان الأصليين الذين قتلوا في صراع الحدود لأنه على حد قوله لم تكن هنالك حالة حرب. ويرد هنري ريونولدز متسائلا " إذن كيف ننظر للضحايا؟ فإذا كان أكثر من 20 ألفا من السكان الأصليين لم يقتلوا في حرب طويلة مستمرة، فقد قتلوا إذن. ولا يبدو ان هناك أي بديل آخر... لا بد أنهم قتلوا على يد الجنود والشرطة والمستوطنين أنفسهم...المجتمع الإستعماري برمته كان مشتركا في جريمة القتل، ناهيك عن فشل الحكومات والمحاكم على مستوى واسع في تطبيق القانون وتقديم الجناة للمحاكمة.لماذا يجب اعتبار هذه طريقة "أكثر قبولا في رؤية صراع الحدود، بدل رؤيته نوعا من أنواع الحرب، فمن الصعب تخيل ذلك". وأشار إلى أنه لو مات 20 ألف مستوطن في سبيل الدفاع عن بلدهم ضد الغزاة، لكانت المواقع المهمة للصراع عبر البلاد وقد حددت وسجلت وتميزت بشكل ملائم".
لا وجود لمثل هذه المواقع التذكارية والمهمة خلافا لما هو معروف في الولايات المتحدة وجنوب افريقيا ونيوزيلاندا .لا وجود في استراليا سوى "لبضع مناوشات على الحدود" على حد تعبير الوزيرالفيدرالي فيليب رودوك.اما زميله في الحكومة وزير شؤون السكان الاصليين فقد ذهب ابعد من ذلك بتاكيده ان واحد من عشرة اطفال فحسب من السكان الاصليين "ابعدوا" ولم يكن هناك "جيلا مسروقا" . وعندما قالت زعيمة السكان الاصليين (لاوتجا او دونوغي) انها فضلت وصف نفسها "مبعدة بدل مسروقة،انضم معلقوا اليمين الى رئيس الوزراء في انكار الجيل المسروق".واصبح رئيس الوزراء السابق (راي بروم) على تعبير كولن تاتز"من
رافضين الابادة الجماعية الاول في استراليا خلال عقد التسعينات" بعد اعلانه عدم وجود حالات قتل في تاسمانيا،الولاية المعروفة بسياساتها المتطرفة. وبخلاف أي ديمقراطية اخرى،فقد اعطت مشاركة رئيس الوزراء في هذه الحركة التعديلية لحملة الرفض اهمية وطابعا شعبيا.انها المكافئ لسؤال الرئيس الامريكي عن حقيقة العبودية. لقد اعطى هوارد بدعمه لحفنة من الصحفيين والاكاديميين والسياسيين وهي شبيهة بالافعال الماكارثية الاسترالية في الخمسينات، اعطى نوعا من الاحترام لهجوم المجموعة على تقرير"ارجعوهم الى الوطن" الذين وصفوا شهادته بانها جزء من خدعة واثرا "لاعراض الذاكرة الكاذبة" لقد احتفلوا برفضهم للابادة الجماعية بعد تلقيهم الفسحة من جانب محررين الصحف المتبجحين وهؤلاء الذين يعيشون في العالم السفلي بتعصبهم الاعمى يجيبون بفظاظة في اللقاءات الاذاعية، احتفلوا بعمل الاكاديميين من الدرجة الثانية وبضمنهم شخص ادلى بادعاء مثير مفاده ان عمليات القتل على الحدود لم تحدث"لان معظم المستوطنين كانوا مسيحيون وتلك الاعمال مقيتة بالنسبة لهم".
انقل ذلك الكلام للسكان الاصليين في الامريكيتين وافريقيا واسيا واستراليا . وكتب "تانز" انهم مثل العديد من رافضي الابادة الجماعية يؤكدون ولكن لا يوضحون، يستنكرون ولكن حقيقة لا يستنكرون أبدا. وبدل ذلك فهم يعولون على نهج "جديد" تمثل بمهاجمة وحدة الكتاب والشهود. فعلى سبيل المثال حصل (هنري ريونولدز) على "سمعة سيئة" وأنا "تاجر الخوف" الذي يسعى لتطويق استراليا بتاريخ مبالغ فيه. اضافة لذلك "فأنا يهودي أحمل جدول للقتل الجماعي لليهود". لقد حقق هؤلاء الرافضين بعض النجاح. فقد أنكر السير(رونالد ويلسون) مفوض حقوق الإنسان استخدامه لكلمة"الإبادة الجماعية". كما ساعدوا حكومة هوارد من منابرهم في الصحافة في إعادة الروح الى رحاب الأجانب الذي يستهدف الناس العاجزين في القوارب البالية الطالبين للجوء في استراليا.ويقول تاتز"انهم يشعرون بالراحة فعلا" في انجازهم الذي لا جدال فيه الا وهو قدرتهم على انزال الأذى بضحاياهم".وكانت المحاكم والسجون منذ زمن طويل ومازالت تمثل قنوات حكومية لتطبيق هذه القسوة. وأخبرني المحامي "مايكب مانسل" وهو من السكان الأصليين" انه توجه يحظى بالشرعية والضوء الأخضر بالإستمرار على نهج الطرق القديمة. وكنت متواجدا في محاكم أقصى استراليا الغربية حيث لم أرى سوى شخص أو شخصين من البيض بين الأشخاص المئة. وجميع البقية الذين تقدموا للمحاكمة كانوا من السود. وشاهدت إمرأة من السكان الأصليين في إحدى المحاكم لا تتكلم الإنكليزية وتكلم ممثلها القانوني معها لدقيقتين فحسب، وتم إخبارها أن إبنها سيبعد عنها. لقد كانت ثملة ومريضة. ورأيت طفلا من السكان الأصليين يؤخذ من عائلته لسرقته سيارة وتم إرساله لإحدى المؤسسات ليقضي هناك عدة سنين. هذه نسخة قانونية للسياسات القديمة التي قدمت الجيل المسروق. وليس هناك من ضغط على الشرطة والقضاة للتفكير في المساواة الإنسانية بين السكان الأصليين والبيض وببساطة ليس هناك من رادع للعنف والظلم في ظل هذا الجو السياسي.
لقد مرت أكثر من إثنا عشر عاما منذ أن سمعت لجنة ملكية لوفيات السكان الأصليين في السجون أن السكان الاصليين كانوا يمثلون الاغلبية في سجون عدة ولايات وانهم يتعرضون للإهمال والتعذيب تحت أي تعريف؛ وهم يقلون أنفسهم في سن المراهقة.وبعد الجلوس لمدة سنتين وبتكاليف وصلت الى 30 مليون دولار استرالي أوصت اللجنة بقوة ووضوح ما يلي: اللجوء الى سجن السكان الأصليين كحل أخير. ومنذ ذلك الوقت يرسل السكان الأصليين الى السجون بمعدل أكبر مما كان عليه من قبل كما تضاعف عدد من يموتون خلف القضبان. ويقول مايكل مانسل ان معدل دخول السجون للسكان الأصليين وحدوث الوفيات داخل السجن هو الأعلى في العالم، أعلى من معدل جنوب إفريقيا والولايات المتحدة. ولو طبقت نفس النسبة على البيض في السجون لمات 8 آلاف شخص في غضون ثمان سنوات. وقابلت أولا ليل وارثر موراي عام 1987 بعد أربع سنوات من شنق إبنهم ايدي لنفسه في مركز للشرطة في (وي وا) وهي بلدة في نيو ساوش ويلز. وكان ايدي نجم فريق ركبي ريدفيرن كل السود وتم اختياره عام 1981 للقيام برحلة الى نيوزايلندا. وقال ارثر انه كان صبيا مرحا ومحظوظا يحظى بكل شيء للعيش من أجله".وضمنت"روح" ايدي انه رأي الكثير من الشرطة. وكان مركز الشرطة المثير في (وي وا) المعروف لدى السكان المحليين باسم"دار الاوبرا" قد تم بناؤه في بداية السبعينات حين هاجرت اعداد كبيرة من السكان الأصليين الى المقاطعة المطوقة للبحث عن عمل في حقول القطن.واستذكر احدهم" انه كان هناك حظر للتجول للسود منذ الساعة التاسعة، واعتاد البيض ان يبيعوا للسود الكحول المثلجة في الحانة". وقبض على ايدي موراي في 21 حزيران عام1983 واخذ الى مركز شرطة (وايوا). أما جريمته فكانت الشرب.وفي غضون الساعة مات إثر خنقه ببطانية في زنزانته. وادعت الشرطة في محضر الاشتباه ان ايدي قتل نفسه شنقا رغم ان معدل الكحول في دمه كان كبيرا للغاية.واعترفت الشرطة في محضر استجواب الشهود ان ايدي"كان ثملا جدا لدرجة لا يتمكن من حك جلده". مع ذلك وعلى حد زعم الشرطة، فقد نجح ايدي في قص قطعة من بطانية السجن وفتلها برشاقة وخاطها خلال قضبان التهوية وربط الشوطتين وجعل منها عقدة وشنق نفسه دون أن ترتفع رجلاه عن الأرض.
وقدم أحد رجال الشرطة دليلا يثبت أنه كان في إجازة ذلك اليوم ثم اعترف لاحقا انه كذب بعد أن تعرف عليه اربعة شهود من السكان الأصليين على أنه كان من بين الذين نقلوا ايدي في سيارة الشرطة. وتم اخبار محقق الاشتباه حول الشهود الذين لم تتم مقابلتهم وغياب السجلات تماما- عد سجل حافل بتفاصيل احداث يوم 21 حزيران،يوم اعتقال ايدي ووفاته. وتوصل محقق الاشتباه الى نتيجة ان ايدي مات" بايدي مجهول أو مجهولين". وقال انه ما من دليل يثبت ان ايدي قتل نفسه كما انتقد الشرطة بعنف. وهكذا انتهت الحادثة. وبدأ والدا ايدي حملة متماسكة من أجل تحقيق العدالة.إذ قدموا التماسا لثلاث نواب عامين في نيوساوث ويلز: وشرحوا كيف ان الشرطة حملوا الضغينة لايدي لتقديمه دليلا ضدهم في قضية سابقة:وكتبوا رسالة تلو الرسالة الى المستشفى المحلي يطالبون فيها بإعادة ملابس ايدي التي لم يعثر عليها ابدا. ويعتقد ارثر ان هناك يدا سياسية في الأمر؛ فقد كان قد أوجد لنفسه اعداء محليين ذوي نفوذ بعد تنظيمه لعدد من عمال القطن السود. وقال لي في لقائنا في بيت العائلة في ماريكفيل الضاحية الفقيرة في سيدني "نريد أجوبة ليس إلا". وقاطعته ليلى قائلة"انهم يقتلون السكان الأصليين...يقتلونهم ببساطة".وفي عام 1997 حققت عائلة موراي نصرا هاما. إذ تم نبش جثة إيدي وأجري تشريح آخر للجثة كما شك محقق الإشتباه بصحة تحقيقه الأصلي. وظهر هذه المرة ان إيدي تعرض لكسر في عظم القص وقد يرجع لضربات مبرحة لمنطقة الصدر قبل ثلاثة أيام قبل موته. وطالبت عائلة موراي الآن بتحقيق مستقل عام حول قضية وفاة ايدي وان يستعرض مدير الإدعاء جميع شهادات إفراد الشرطة. ثم إلتقيت بليلى وارثر عام 1998 في نفس الغرفة الأمامية لبيتهم في ماريكفيل.وكانت صور ايدي معلقة في كل مكان اضافة الى جوائزه في كرة القدم. لقد بدت عائلة موراي مثل العديد من عوائل السكان الأصليين الذين عرفتهم من حاربوا النظام من خلال النظام. كانت عواطفهم على وشك الإنهيار وبدا عليهم الإنهاك تحوطهم ملفات الوثائق. وقالت ليلى" لا أعتقد اني سأتحمل المزيد، نحتاج أجوبة"..
وسألتهم "متى ستتغير الأوضاع في هذا البلد حسب رأيكم؟ وجاء الرد على لسان ارثر "لن تتغير أبدا".
وقالت ليلى التي كانت قد بدأت بالبكاء "عندما نحصل على العدالة، انهم يدينون لنا بهذا كما تعلم.انهم يدينون لنا بما أخذوه منا:ابننا. انهم يتكلمون عن تسوية الخلافات وكل ذلك، ويرقص الساسة لفوز سيدني باستضافة الألعاب الأولمبية. ولكن ما نفع كل هذا بغياب العدالة لشعب السكان الأصليين؟. وكان روبرت كافناغ المحامي واستاذ القانون الذي ساعد عائلة موراي في التحضير لقضيتهم، كان يستمع لكل هذا. وقال "لو كان ايدي شابا ابيضا وغنيا لكان هناك منهجا مختلفا اختلافا جذريا في التعامل مع هذه القضية. لكان هناك مجموعة محققين يتدفقون للتعامل مع القضية في حينها. ولكان جثمانه نقل الى مكان ملائم من أجل إجراء تشريح دقيق للجثة. ولكن هذا لم يحصل. ولكان خضع الناس للإستجواب الشامل ولكانت هناك محاولة حقيقية لمعرفة كيفية موته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق