الأحد، 8 فبراير 2009

التوجهات السكانية وتحدياتها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (3-4)

ترجمة الباحث:أمير جبار الساعدي

أن تنظيم سكان المدن المتزايد في النمو بسرعة في ظروف نقص السكن والبنية التحتية غير الكافية أصبحت أكثر من مجرد تحد لدول المنطقة. إذ ينمو سكان المدن بسرعة أكبر مما هو عليه في سكان الأرياف مجتمعة.
لان نمو السكان في المناطق الريفية يزيد من عدد المهاجرين من الريف الى المدينة في المستقبل. وتحتل الآن مدن القاهرة(10.6مليون) واسطنبول(9.6مليون) وطهران (7.2مليون) المراتب28، 22، 19في العالم على التوالي. وبحلول عام2015 من المتوقع أن تحتل كل من القاهرة(13.8مليون) واسطنبول(12.5مليون) المراتب17،16.
ويهدد النمو السكاني السريع خطط التنمية الأساسية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ تواجه المنطقة اشد حالة نقص في المياه من أي منطقة أخرى في العالم.فبينما تضم المنطقة6.3% من سكان العالم فهي لا تمتلك سوى1.4% من ماء العالم الصافي الممكن الحصول عليه. ونسبب النمو السكاني بين عامي1975- 2001 في تقلص حصص الماء الصافي المتاحة والممكن تجديدها الى أكثر من النصف: من300، 3الى500، 1متر مكعب للشخص الواحد سنويا.
ومن المتوقع ان تنخفض حصص الماء الصافي المتاحة للشخص الواحد الى حوالي1000متر مكعب بحلول عام2025، وهي بداية الإدراك العالمي لمشكلة ندرة المياه. إما اليوم فمعظم المنطقة هي أصلا تحت المقياس الدولي، لان ما يقارب80% من الماء الصافي المتاح موجود في كل من ايران والعراق وسوريا وتركيا.

أما في دول أخرى مثل الكيان الصهيوني والأردن والكويت والسعودية فان المعدل الوطني يبلغ اقل من200 متر مكعب للشخص الواحد سنويا.وينبغي القول إن السلام والاستقرار السياسي في المنطقة ضروري لتواجه الحكومات التحديات الخاصة بسكانها، خاصة تلك المتعلقة باللاجئين،لان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تضمان اكبر عدد من اللاجئين في العالم، إذ تأوي ما يقارب6ملايين لاجئ.وتضم ايران اكبر عدد من اللاجئين يعيشون على أرضها.ويعد اللاجئون الفلسطينيون من أكثر وأقدم اللاجئين في العالم.
وبالإضافة الى التزام السلام والاستقرار السياسي فان السياسات البيئية والاجتماعية والاقتصادية السليمة ضرورية أيضا لمواجهة هذه التحديات ومجموعة أخرى من التحديات المتعلقة بالسكان، مثل هجرة العمال والتدهور البيئي. وينبغي اخذ عامل السكان بالاعتبار في جميع السياسات المختلفة بدءا من قوانين العمل والتجارة وكذلك الأنظمة المتعلقة برفع مكانة المرأة وحماية البيئة.
وسوف تعالج الأعداد المقبلة لـ"الموجز السياسي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" مختلف القضايا السكانية، واهم التوجهات الإقليمية والوطنية وقصص النجاح والدروس المستنبطة، كل ذلك من اجل فهم أفضل لعامل السكان. ويركز الجزء القادم تركيزا موجزا على كيفية تعامل المجتمع الدولي مع قضية السكان على المستوى العالمي وتجربة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هذا المجال.

الإجماع الدولي المتطور بشأن السكان
عقدت الأمم المتحدة اجتماعاتها الأولى حول سكان العالم في عامي1954 و1965 إذ حذرت من ان النمو السريع في السكان قد يزيد من تفاقم مشكلة الفقر ويعيق خطط التنمية في الدول ذات الموارد المحدودة.وفي عام 1969 أنشأت الأمم المتحدة صندوق الأمم المتحدة للسكان
(UNFPA)، وتتضمن مهمته تعزيز برامج تنظيم الأسرة الوطنية.
ومنذ ذلك الحين أصبح كل من مصطلح"برامج السكان" ومصطلح"برامج تنظيم الأسرة" متردافين تقريبا. وكانت مصر وإيران وتركيا من أولى الدول الأقل تطورا والتي دعمت رسميا مشروع تنظيم الأسرة.إذ وضعت حكومات هذه الدول برنامجا لتنظيم الأسرة في الستينات لتحسين مستوى الصحة وتخفيض النمو السكاني كجزء من خططها في التنمية الوطنية.
من ناحية أخرى كانت هناك دول مثل الجزائر لا ترى حاجة لوضع برامج منتظمة لتنظيم الأسرة كجزء من خططها في التنمية الوطنية. وفي مؤتمر الأمم المتحدة العالمي للسكان عام1974، كانت الجزائر من بين الدول التي عارضت برامج تنظيم الأسرة إذ اعتبرتها مؤامرة امبريالية تهدف الى تحديد سكان الدول النامية.
لقد اعتقدت هذه المجموعة من الدول انه ليس بمقدور برنامج وطني لتنظيم الاسرة ان يؤدي دورا في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وان هذه التنمية الاجتماعية والاقتصادية هي وحدها القادرة على خلق البيئة المطلوبة لتخفيض نسبة الولادات. على كل حال فقد أدركت الحكومة الجزائرية بعد حين إن التنمية وحدها لن تكون كافية لتخفيض نسبة الولادات وعكست بذلك سياستها بهذا الشأن. كما تبنت الجزائر في عام1983 سياسة سكانية عززت فيها تنظيم الأسرة جزءا من خطتها في التنمية الوطنية.
إما ايران فقد عكست موقفها الرسمي من تنظيم الأسرة مرتين منذ الستينات. فبعد الثورة الإسلامية عام1979، تخلت ايران عن برنامج السكان الذي كان يتبناه النظام السابق لأنها رأت فيه تأييد للغرب. وبعد انتهاء الحرب الإيرانية-العراقية عام1988 حولت حكومة ايران اهتماماتها نحو إعادة بناء بلدها الذي دمرته الحرب. لقد رأت إن النمو السريع للسكان يشكل عائقا في طريق التنمية الاقتصادية للبلد وهكذا بدأت بتنفيذ واحداً من انجح برامج السكان في العالم الاقل تقدماً.

وقد اعترفت جميع الحكومات التي حضرت مؤتمر عمان الثاني للسكان عام1993، هو المؤتمر التحضيري الإقليمي لمؤتمر الأمم المتحدة الدولي للسكان والتنمية(ICPD) الذي عقد في القاهرة عام1994، اعترفت بتنظيم الأسرة مقياساً للصحة وحقوق الأنسان ما يجيزه الدين الإسلامي.
أما الآن فليس هناك دولة في المنطقة تمنع المتزوجين من الحصول على معلومات وخدمات تنظيم الأسرة. ومعظم الدول تؤيد فقرة المعلومات والخدمات حول تنظيم الأسرة تأييدا مباشرا أو غير مباشر، كجزء من خدماتها الأساسية في الدعاية الصحية. وقد تبنى عدد من الدول مثل الجزائر ومصر وإيران والأردن وتركيا سياسات واضحة لتخفيض نسبة الولادات كما نفذت حملات توعية وطنية لتشجيع الأسرة الصغيرة.
وكان مؤتمر القاهرة عام1994 علامة بارزة في سلسلة مؤتمرات الأمم المتحدة للسكان، إذ أكد هذا المؤتمر على الحاجات الفردية والرفاهية بعد تنظيم الأسرة بضمنه الحاجة الى رعاية شاملة للصحة الإنجابية وتطوير مكانة المرأة وتشمل الصحة الإنجابية، كما عرفت لأول مرة في وثيقة سياسية دولية، ضمان الحمل السليم والأمن، والحد من الأمراض المنتقلة عن طريق الجنس(بضمنها مرض نقص المناعة المكتسبة"الايدز") والتعامل مع العوامل الأخرى التي تساهم في تدهور الصحة مثل البغاء واستخدام العنف مع المرآة من اهم قضايا الصحة الإنجابية التي تواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي قضية ارتفاع معدل الوفيات بين الأمهات(خاصة في اليمن والمغرب ومصر والعراق) والانتشار المتزايد للأمراض المنتقلة عن طريق الجنس ومرض الايدز.

أما أهم مخاوف الصحة الإنجابية في عدد من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فتشمل النسبة العالية في الولادات والانخفاض البطيء في نسبة الولادات والزواج المبكر ونسبة الولادات العالية بين المراهقين. ورغم ان عملية قطع عضو التناسل الأنثوي غير معروفة في بعض المناطق خارج مصر واليمن إلا أنها تمثل قضية مهمة تتعلق بالصحة الإنجابية مما دفع بالمنظمات الوطنية والدولية لحقوق الأنسان والصحة والمرأة بالدعوة الى القضاء على استئصال هذه الظاهرة.

ليست هناك تعليقات: