الاثنين، 9 فبراير 2009

حكـام العـالم الجـدد (13)

جون بيلجر
ترجمة الباحث: أمير جبار الساعدي


وقال رئيس مفوضية حقوق الإنسان السيد رونالد ويلسون" قررنا بوصفنا لجنة أن ما حصل يتوافق مع التعريف الدولي للإبادة الجماعية..أي محاولة تدمير شعب أو ثقافة". وطالب تقرير المفوضية"أرجعوهم الى الوطن" بإعتذار رسمي باسم جميع الأستراليين. ورفض رئيس الوزراء جون هوارد بشدة القيام بهذه الإشارة الوحيدة، ناهيك عن دراسة تقديم تعويض.وقضى البرلمان الفيدرالي خلال الأسبوع الذي صدر فيه التقرير ساعة في مناقشة مقترح حول فرض ضريبة على صيد طيور الأمو
([1]). وبالمقابل خصصوا نصف ساعة لمناقشة تقرير "أرجعوهم إلى الوطن" الذي وصف الإبادة الجماعية في أستراليا،وغادر خلالها رئيس الوزراء وأعضاء حكومته ومعظم أعضاء البرلمان الحكوميين القاعة قبل إنتهاء "المناقشة".أنا في سن العديد من ابناء الجيل المسروق.وقد نضجت شأني في ذلك شأن معظم البيض وأنا ألعب دور المتفرج البريء من دون وعي في هذه البلاد.وحين دخلت المدرسة الإعدادية كان هناك كتاب منهجي وأساسي اسمه "الإنسان يصنع التاريخ: تاريخ العالم من العصور الأولى إلى عصر النهضة "لمؤلفه راسل وارد. وقد بيع منه أكثر من 200 الف نسخة وقال فيه: غالبا ما يسأل الأولاد والفتيات،"ما فائدة التاريخ؟" الجواب: مازال يعيش في أرض ارنيم شعب لا يعرف أي شيء تقريبا عن التاريخ. وهم جماعات قبلية من السكان الأصليين يعيشون بنفس الطريقة التي عاش عليها أسلافهم وأسلافنا،وقد مضت عشرات آلاف السنين.واليوم نحن متحضرون وهم لا. والتاريخ يساعدنا في فهم سبب ذلك. ووصف المصور الجغرافي الاسترالي المعتمد منذ عام 1939 حتى عام 1966 "استكشاف البيض لاستراليا بأنه"إزاحة ستار الظلام تدريجيا".وكانت مناطق استراليا" المستكشفة" تمثل بواحات بيضاء على القارة السوداء. وكانت استراليا "ارض خالية" على حد تعبير مؤلف كتاب "نصر في المنطقة المدارية"، ولم يعتبر سكانها بشرا. لقد كانوا جزءا من الحيوانات.ولذلك ليس لهم أي حقوق ولا أي إدعاء بالفضيلة:وكان الرجال المسيحيون المحترمون الذين سجلوا القصة الأسترالية منغمسون للغاية في الفضيلة.واستنتج البروفسور ستيفن روبرتس في نسخة عام 1970 من كتابه "عصر الإحتلال" ما يلي: من غير المجدي تماما المعاملة المنصفة للسكان الأصليين،وذلك لأنهم لا يشعرون بالمسؤولية الأخلاقية مطلقاً وغير المؤهلين عادة للإخلاص والعرفان الطويل". يمثل والي ماكارثر احد ضحايا الجيل المسروق. وقد ترعرع بعد إنتزاعه من أمه وهو فتى صغير في إرسالية بونفالو قرب الس سبرنغز التي وصفها صديقه المقرب تشارلي بيرنكر الناشط الكبير الذي ترعرع هناك أيضا،بأنها "معسكر إعتقال في الأدغال". فقد كتب (والي) كونه مهجن ان يعمل خادما في مجتمع البيض. وكان يتمتع بموهبة بارزة في الجري السريع.ويعتقد الذين درسوا زمان والي
(Wally) انه كان احد اسرع الرياضيين على الإطلاق،لقد كان كارل لويس([2]) زمانه. فقد حطم في سن الرابعة عشر جميع الأرقام القياسية المدرسية للركض دون أحذية وتم إعلانه "أسرع فتى في العالم في سن الرابع عشر". لقد كان يعرف بلاعب بورولولا اللامع، بعد بورولولا توجد بقعة صغيرة على نهر ماكارثر.واخبرني ان"هذا هو أصل اسمه في الواقع". إذ لم يعرفوا اسمي عندما أخذوني من أمي إلى الس سبرنغز. فكما تعرف ان الحكومة اخذتني بعيدا..." كم كان عمرك حينذاك؟.
"لابد انني كنت في السادسة تقريبا.ولكن عندما دخلت الى الس سبرنغز كنت اشبه بالمسلسل الهزلي لانني لم اتمكن من فهم اللغة ولم استطع تكلم الانكليزية.كنت مازلت أتكلم لغتي المحلية.لم تكن سيئة للغاية:وكان مسموحا لنا التجول على ضفاف نهر تود".
"وماذا حدث لوالديك؟"
لقد فقدت الإتصال معهم تماما.وعندما عدت بعد خمس وخمسين عاما قابلت أخي الصغير وكان لا يبلغ سوى ثمانية أو تسعة أشهر عندما غادرت،أو بالأحرى عندما أخذوني.عندما تقابلنا ثانية، كان مشهدا رائعا. إذ تعانقنا وبكينا.كانت تجربة سعيدة لأننا دخلنا الحانة وجعلني أثمل، وفي اليوم الثاني قدمت إعتذاري للكبار.وقلت لهم"أنا آسف أيها الكبار. لقد جعلني أخي أثمل. وقد قصر في ذلك". وأجابو "كلا، كل شيء على ما يرام ياوالي،لا يتوجب عليك القلق حيال ذلك؛نحن سعداء بمجيئك ورؤيتك لأخيك.على أية حال. انها المرة الأولى التي يثمل فيها. فهو لا يشرب كانت هذه المرة الأولى التي شرب فيها قطرة".
"هل تذكر اليوم الذي أخذوك فيه؟"
"نعم، أتذكره جيدا. لقد كانت سيارة حكومية، لأن الحكومة فقط كانت تملك سيارات في ذلك الوقت. وضعني السائق في المقعد الأمامي وأخذنا في جولة وأثناء ذلك لوحت بيدي لعائلتي.ولم أرهم منذ ذلك الوقت كما تعلم.كانوا يجلسون حول نار المخيم،ولم يفهموا ما الذي كان يحصل، أنا واثق من ذلك.وأخذوني الى ماتارانكا حيث محطة القطار ونقلوني من هناك إلى داون".
"هل اشتقت لعائلتك؟."في الحقيقة إعتقدت اننا ذاهبون في عطلة،... ولكن عندما اشتقت اليهم،أردت العودة ولكن لم اتمكن من ذلك".
"من اكتشف موهبة الركض لديك؟"
" حسنا، يؤخذ الأطفال في إرسالية بونغالو مرة كل سنة الى الس سبرنغز حيث يقام نوع من المهرجانات الرياضية.واعتدت الركض في كل شيء والفوز بها جميعها. كل ذلك بأرجل عارية. وحصلت على شلنغ في أول فوز لي.وفزت بالعديد من السباقات بد ذلك.ولكنني لم أتمكن مطلقا من الإلتحاق بفريق الولاية.لذلك قررت الإحتراف. وتسابقت مع البطل الاسترالي المحترف فرانك بانر. لقد أعطاني 4 ياردات من البداية وهزمته بفارق ست ياردات.. وبعدها جاء مكتشف للمهارات الجديدة من نادي أوكدبل هورنيتس في دوري الركبي الإنكليزي ووجه لي دعوة للذهاب الى انكلترا واللعب في مركز الجناح.
وعندما وصلت إلى لندن تصدر احدى الصحف عنوان يقول( النجم الأسود في الطريق) وفكرت حينها، "أنا لست ذلك الأسود، أليس كذلك؟ واستقلت القطار المتوجه الى مانشستر. وفي اليوم التالي تصدر صحيفة مانشستر نيوز العنوان التالي "وصول الأسترالي القهوائي اللون". وفكرت "يا يسوع،لقد تحولت من أسود الى قهوائي. ولكنني لم أهتم لذلك لأن الناس في أنكلترا أحبوا نجم بورولولا. فقد اعتادوا القول
"النجم فعلها ثانية".وأعجبني ذلك.ومازلت أمتلك لقب تسجيل 38 نقطة في مباراة واحدة. لقد كنت أسرع لاعب جناح شاهدوه.ولم يتمكن اللاعبون من اللحاق بي وما تاريخ استراليا المخفي إلا من صنع السكان الأصليين. وقلة من بلدي المولع بالرياضة يعرفون أن أول فريق استرالي في رياضة الكريكيت زار إنكلترا كان اسودا برمته. وذكرت صحيفة تيليغراف " لا شيء يثير الإهتمام من استراليا سوى كتل الذهب الخام ولاعبي الكريكيت السود". ووصفت صحيفة التايمز الأستراليين السود على انهم
"متحضرون جدا وعلى معرفة تامة باللغة الإنكليزية". وإيدي غلبرت اسم آخر قد طواه النسيان شأنه في ذلك شأن والي ماكارثر. إذ منح إيدي مدحرج الكرة السريع في الثلاثينات رخصة خاصة للعب خارج محمية كوينزلاند مع فريق أبيض. وحصل على خمس وكتات
([3]) في خمس وستون جولة في مباراته ضد جزر الهند الغربية. وواجه عام 1931 دونالد برادمان أعظم ضارب للكرة في العالم، ويضرب بمفاجأة مذهلة جعلته يتفادى ( إيدي). وكتب دونالد لاحقا "أتذكر أسرع (الكرات) هي ان احدى الرميات أسقطت المضرب من يدي، وأصنف هذه الطلقة القصيرة المدى دون تردد أنها أسرع من كل ما رأيته من هارولدروود أو أي أحد آخر. كما كتب المؤرخ ثوم بلايك ان "المناسبة كشفت أن بإمكان السود الإنتصار على البيض". وكان دائما ما يتم تذكير النزلاء القاطنين في المستعمرة بمركزهم الوضيع كونهم سودا. لكن هزيمة برادمان أعطت النزلاء إحساسا بالأمل والكرامة لتواجه الأفكار المقولبة القائلة ان السكان الأصليين ما هم الا في المركزالثاني.وفي عام 1936 قال حامي السكان الأصليين "لقد ناقشت اللجنة التنفيذية قضية ايدي غلبرت مناقشة مستفيضة وتقرر الإتفاق معهم على الترتيب لعودة غلبرت إلى المستعمرة وفيما يخص الملابس الرياضية التي تم شراؤها لغلبرت، فقد قدم طلبا لإجراء الترتيبات لغسل هذه الملابس وتسليم الملابس المغسولة لهذا المكتب". وبالفعل جمع محل فش (Fish) للغسيل الجاف والكوي بالبخار بياضاته الرياضية حسب الأصول في 16 تشرين الثاني عام 1936.وهكذا حلوا مشكلة رياضي كبير تجرأ على تحسين وضعه لمصلحته الخاصة. لاحقا وبعد معاناته من إدمان المسكرات وإضطراب إنحلالي في الدماغ تم إيداع إيدي غلبرت في مستشفى للأمراض العقلية حيث قضى ثلاث وعشرين سنة من المعاملة السيئة.وقضى نحبه هناك.

كانت هذه طريقة شائعة في التعامل مع السود المعتدين بأنفسهم،خصوصا المبتلين بمصيبة "المسكرات".حيث يودعهم المدير الحامي إلى مؤسسة إجتماعية "للمدة التي يعتقدها كافية". أما تشارلي سامويلز العداء الظاهرة من السكان الأصليين فقد إجتاز مسافة المئة ياردة في 9.10 ثانية عام 1888 أي أسرع من بن جونسون المعاقب في أولمبياد سيئول بعد مئة عام. وأرسل تشارلي إلى مستشفى كالان بارك للعناية بالمجانين بعد توقفه عن حصد السباقات. وذكرت ورقة دخول المستشفى انه كان يعاني من "صحة متوعكة وشؤون غرامية". وفي الحقيقة كان مصابا بمرض اليأس.إذ أرسل بعد تعذيب زوجته وطفليه على يد المدير الحامي إلى محمية في كوينزلاند حيث مات وحيدا.ومات الملاكم العظيم رون ريتشاردس من السكان الأصليين سجينا في محمية بالم ايسلاند بعيدا عن ساحل كوينزلاند. وكان ريتشاردس بطل استراليا في وزن المتوسط.وكتب المدير الحامي عنه في عام 1935 "أنه ذو شخصية غير مستقرة وميال للسذاجة كمثل العديد من المهجنين من أبناء عرقه".وولد تشارلي بيركنز رفيق والي ماكارثر في الطفولة على ظهر طاولة في محطة بريدية مهجورة قرب الس سبرنغز عام 1936 أو 1937 فهو ليس متأكداً أي سنة. أخبرني تشارلي في لقاءنا الأول عن أخيه، لا شك أنها طريقة ليخبرني شيئا عن نفسه. لقد قتل نفسه حاله حال العديد من المهجنين بعد حياة قصيرة وصفها تشارلي بأنها "محاولة دون توقف لكسب اعتراف واحترام البيض". وقال "يعلمونك منذ الصغر ان تبتعد عن طريق البيض.واحسن معاملة تلقيناها في الإرسالية هي أخذنا الى الأفلام حيث نتسلل الى الداخل بعد بداية الفلم ونخرج قبل نهايته وبذلك لا يلاحظ احد أن أطفالا سودا كانوا هناك. لقد نضجت دون أن أعلم من ينتصر الأخيار أم الأشرار. إنه شيء محبط بالفعل". وكانت ام تشارلي، هيتي، تعمل خادمة في مهجع في إرسالية بنغالو قرب الس سبرنغز. ويعتقد تشارلي انهم لم يسرقوه لان نظر هيتي لم يغب لحظة عنه قط.وقال"كانت تحملني على ظهرها أو تراقبني كالصقر عندما يتواجد الشرطة أو يتحرى رجال الحكومة المكان". ولم يرى تشارلي كرة قدم قط حتى ذهب الى المدرسة الثانوية في الإرسالية في ايديلادي.إذ قال"أعتقد أن رجلي ارتبطت بالكرة بشكل طبيعي أكثر من أي شيء في العالم. إنه شعور رائع أن تكتشف ما انت بارع فيه".وفي عمر السادسة عشر دعاه احد مكتشفي المواهب للإنضمام لنادي ميرسي بايد في ايفرتون وعرض عليه دفع نصف أجور سفره الى إنكلترا. وذهب هناك ووصل والموسم الكروي في منتصفه في شتاء قارس. لقد كانت الرميات شديدة كالصخر لكني كنت مصمما على الفوز". وبعد أن عرض عليه ( مات بوسبي) مدير نادي مانشستريوتايند الإنتقال الى نادي من الدرجة الأولى، حصل على لقب هزم الرجل العظيم. وقال" لقد تمتعت بنوع من السلام العرقي في إنكلترا، بيد أنني شعرت بالغربة وأردت أن ألعب في بلدي". وعاد تشارلي الى الوطن حيث تكافؤ الضدين الذي قضى على العديد من شعب السكان الأصليين. وقال" لقد كنت مسرورا جدا لعودتي ورؤية ذلك الضوء الرائع وسماع الطيور ورؤية رفاقي ولكنني شعرت بالعنصرية أكثر من ذي قبل. ليس لشيء سوى أنه لم يدعني أي شخص أبيض لبيته لتناول وجبة أو أي شيء آخر. ولحسن الحظ أن معظم فريق سيدني لكرة القدم كان من المهاجرين ولعبت لأندية كان معظم لاعبيها مهاجرين لا يتكلمون اللغة الإنكليزية.وأضاف "لقد وجدت تقبلا لي كأسترالي بين اليوغسلاف واليونانيين أكثر من أبناء بلدي. لقد كنت غريبا قادما من الداخل: ياله من شيء مربك". وتمكن تشارلي من أن يصبح ثاني شخص من السكان الأصليين يتخرج من جامعة استرالية. وبدأ في منتصف الستينات من صياغة اسم له "مثير المشاكل" حين قاد طلابا بيضا في "مسيرات الحرية" إلى المنطقة النائية من نيوساوث ويلز. وكان هدفهم هو ذات هدف المتظاهرين من أجل الحرية الذين بدؤا بتطبيق الدمج العرقي في أقصى الجنوب في الولايات المتحدة. وبعد تعرضهم للشتم والبصق والضرب الجسدي ذهبوا الى أماكن حيث "مطاردات الزنوج" لم تكن غير مألوفة. ووقفوا عند البوابات الدوارة لبرك السباحة المحلية والملاعب الرياضية وصالات السينما وطالبوا بوضع حد للفصل العنصري. وأخبرني قائلا" لقد اعتقدت في موري (Moree) أننا سيطرنا عليها، ثم تقدمت هذه المرأة السوداء وألقت خطابا شجاعا أشارت فيه إلى رجل أبيض هرب سرا مع إمرأة سوداء وأنجبا طفلين أسودين. كما قالت "أخبروا زوجاتكم ما كنتم تفعلون، يا عالة البشر!. هيا. إنهم هناك أخبروهم!. وسمح للأطفال السود في ذلك المساء بالدخول إلى المسبح للمرة الأولى.

"كان هناك معنى حقيقيا وراء هذا الإنتصار، لإن هذه استراليا حيث الرياضة روب الناس الآخرين هي التسلية القومية. وإذا رجعنا بالزمن إلى الوراء فهذا يفسر حالة البلدات الريفية ذات المساكن القذرة والمدارس الفاسدة كانت لتتمتع بمنشآت رياضية كبيرة وحلبات للألعاب الرياضية وملاعب الكريكيت وكرة القدم ومسابح أولمبية رائعة. ان ترك السود يدخلون المسابح كان تجاوزا للحدود: ولم يسمحوا بذلك أبدا. وبهذه الطريقة كنا مثل جنوب افريقيا تماما.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1] ) الأمو: طيور استرالية تشبه النعامة ولكنها اصغر حجما.
([2] ) كارل لويس: عداء امركي اسود حطم الرقم القياسي لركضة 100 م بوقت 9.9 ثا.
([3] ) إحدى المجموعتين من العصي يحاول فريق الكريكيت إصابتهما بالكرة.

ليست هناك تعليقات: