الباحث أمير جبار الساعدي
مفتاح الوحدة في يد الطبقة المتوسطة في العراق[1]
من المؤكد ان الولايات المتحدة الأمريكية ستواجه في سعيها لأرساء الديمقراطية تحديات تخص وحدة العراق الوطنية.اذ تؤثر الانقسامات الطائفية والعرقية على العملية الدستورية، وتشكيل تراكيب الحكم العراقي وعملية نقل السلطة الى حكومة منتخبة ودستور دائم. إن معالجة القضايا الطائفية والعرقية ليست حساسة لجهود اعادة الاعمار فحسب بل ايضا لوحدة العراق وسلامة أراضيه.
يجمع المنظرون السياسيون ان الطبقة المتوسطة متطورة بالكامل وهو أمر أساسي لديمقراطية فعالة وحيوية ولحسن الحظ مازال في العراق طبقة اساسية وذات تعليم ممتاز. مع ذلك لم تتقدم هذه المجموعة باتجاه ارساء الديمقراطية او الاصلاح. ويعود هذا الى ان الطبقة المتوسطة شأنها في ذلك شأن قطاعات اخرى في المجتمع العراقي دفعها قمع نظام صدام الى الخضوع والكسل[2].
وتبرز اهمية المساعدة في توجيه الطبقة المتوسطة نحو الديمقراطية في ان الطبقة المتوسطة هي من تملأ المراتب والوظائف الادارية. ولا يمثل الموظفون والاداريون المعروفون بولائهم للقواعد القانونية, والتدرج الهرمي غالبا عناصر مثالية لتعزيز القيم الديمقراطية. اضافة الى ذلك تتفاقم هذه العوائق عند تفشي الفساد الاداري كما هو الحال في العراق. فمن المُلِح اذن تحسين وضع الموظفين الحكوميين في البلاد حتى لايقفوا عائقا امام التطور الديمقراطي.
العراق سيمر بازمة هوية
لقد شوه نظام (صدام حسين) البائد الهوية العراقية، تلك التي تشكلت في القرن العشرين... لكنه لم يقدر على محوها او تدميرها , فهي اليوم تلعب دورا اكبر بكثير من السابق ويرجع سبـب ذلك الى محاباة النظـام للأقليـة (السنية) وقمعه للمتمردين الاكراد والشيعة.
وتمثل قضية الاكراد في الشمال أولى تحديات الوحدة الوطنية. لقد ادى اكثر من عقد من الحكم الذاتي والقيادة الكردية الوطنية, بعيدا عن النظام البعثي الى تنامي الشعور بالهوية الكردية. ويدرك الاكراد ان مطامحهم في دولة مستقلة لن ترى النور في أي وقت قريب وأن الدفاع عن دولة مستقلة محشورة بين ايران وتركيا الاكثر عِداءاً، والعراق العربي سيكون صعباً للغاية. مع ذلك فان القضاء على المطامح الكردية الوطنية واعادة توحيد المحافظات الكردية الثلاثة وكذلك تفكيك المليشيات الكردية سيشكل تحديا خطراً.
كما أن المجتمع الشيعي هو الاخر قد تنامي شعوره بهويته وكيانه، وان كان ذلك ذا طبيعة دينية اكثر مما هي انفصالية ،وتتمثل المطامح الشيعية بالسيطرة على العراق, وليس تقسيمه لقد ادى القمع تحت نظام (صدام حسين) الى القضاء تقربيا على القيادة الشيعية العلمانية. وظهرت نتيجة لذلك نخبة دينية. رغم افتقار الشيعة للتجانس فهم منقسمون الى جماعات علمانية واخرى معتدلة واخرى دينية. وهؤلاء يتفقون على شئ واحد هو المطالبة بتمثيل نسبي في الحكومة العراقية التي تعطي للشيعة نسبة 60% او اكثر في البرلمان والمناصب الوزارية.
وأخيراً هناك شعور متنامي بالهوية السنية لا سيما بين الذين فقدوا امتيازاتهم التي كانوا يتمتعون بها في ظل النظام البعثي ،ويتضح هذا الاتجاه اكثر خارج بغداد، خاصة في المناطق الريفية فيما يسمى بـ "المثلث السني" وهناك حاليا تصاعد في الاصولية الدينية لاسيما بين الاجيال الشابة ،اما النخبة السنية الحضرية الذي يشكلون جزءا مهما من الطبقة المتوسطة العراقية فيظهرون توجهات اقل طائفية. ويشاركون في التفاعل عبر التيارات الطائفية والعرقية. وسيكون دمج هذه المجموعة من اصحاب الاختصاص ورجال الاعمال والنخب السياسية ذو اهمية بالغة لاعادة اعمار العراق.
تحولات عنيفة..
لقد جاءت الاحداث المتلاحقة في العراق بتغييرات جذرية فالفكر القومي العربي الذي اعاق بروز هوية وطنية عراقية ياخذ بالضعف ومن المحتمل ان تكون الهوية العراقية القادمة دينية اكثر في طبيعتها، ويمكن توقع مناظرات عنيفة بشأن دور الشريعة والمراة وقد يدفع الدور القوي للدين الى العنف الطائفي او بالعكس فقد يتوحد السنة والشيعة في معارضتهم لوجود القوات الاحتلال في العراق.
ومن الضروري ان يشهد العراق الجديد دورا اقوى للأكراد والشيعة مما كان عليه في ظل نظام البعث. وهذا سيوجه تحدي التـفوق التقليدي لوسط العراق على اطرافه كما ان مسألة العدالة مهمة للغاية اذ يعيش 50% تقريبا من اجمالي الشعب العراقي في خمس محافظات الوسط و 30% في عشر من محافظات الجنوب و 15% في الشمال.
ان العراق حضري للغاية: اذ يعيش 75% من سكانه والاغلبية من الطبقة المتوسطة في المدن. لقد كانت معظم الطبقة المتوسطة السنية الحضرية مقربة من نظام البعث وهم الان مترددون في دعم جهود الحكومة الانتقالية. ونحتاج الى تعبئة هذا الاحتياطي الحيوي من الدعم الكامن لجهود ارساء الديمقراطية اذا ما رغبت كتلة الاغلبية في تحقيق اهدافها.
ما الذي يتوجب على الولايات المتحدة الامريكية فعله الان [3]؟
في هذه النقطة، فإن أمريكا تفتقر للخيارات الجيدة...على الرغم من أنها لم تمتلك هذه الخيارات في ادارة بوش. فالخيار بتحويل العراق وبسرعة الى الديمقراطية الحرة الناجعة اولا لم يكن خياراً عمليا بل كان ضربا من ضروب الخيال لأن الفكرة لو نجحت في اهدافها ستحول العراق وبقوة سحرية الى مثال يحتذى به لاجراء التحول في منطقة الشرق الاوسط. ولغرض الوصول الى النجاح تأمل الولايات المتحدة الان الى انجاز بعض الاهداف الواقعية من الناحية العلمية وتحاول بناء تضامن سياسي يجنب البلد من حرب اهلية ويطور مستوى المشاركة الجماعية ويساعد العراقيين على المبادرة في مباشرة اقتصادهم بانفسهم وعلى هذا سيكون هناك تحول كبير من الابقاء على التأثير الأمريكي والقوة الفاعلة لمرحلة ما بعد السيادة الى مرحلة تبذل فيها الولايات المتحدة جهدا لتحويل النشاطات السياسية والأمنية والدعم المالي للعراقيين قدر الامكان وتركز على دعم الامم المتحدة في خلق افضل المستويات الممكنة لاقامة الشرعية السياسية العراقية.
أمريكا يجب أن لا تتخلى عن العراق لكنها يجب أن تتخلى عن الجهود التي تبذل لاقامة عراق مشابه للصورة الأمريكية.
ويمكن لجهود الولايات المتحدة، اما دعم هوية عراقية موحدة أو تقويضها دون قصد. إن قوات الاحتلال بحاجة لتوجيه جهودها في تعزيز القوى الموحدة وتقويض الاغراءات الطائفية.
وتوجد طرق عدة لفعل منها:
1. الابتعاد عن التوازن العرقي للمؤسسات السياسية نحو سياسات تهتم بجهود ارساء الديمقراطية.
2. بناء منظمات غير حكومية تتوسط الاتجاهات العرقية والطائفية.
3. توفير فرص اقتصادية واسعة، تشمل قروض للأعمال الصغيرة والمتوسطة لاسيما للأعمال النسائية والعائلية.
4. إظهار النجف وكربلاء ومدن أخرى بوصفها مراكز مستقلة مع الاهتمام بدور بغداد في المستقبل.
5. دعم الاحترافية (الاحتراف الوظيفي المتخصص) لاسيما بين الموظفين الحكوميين.
6. توفير التعليم المدني للمجتمع.
7. اصلاح التعليم بكافة مستوياته مع التاكيد على العلوم الاجتماعية والانسانية.
8. تشجيع انشاء الجامعات الخاصة وتنميتها.
9. انفتاح العراق على دول العالم.
أن الولايات المتحدة في مشروعها بدعم الطبقة المتوسطة سترى نفسها تدعم أعضاء سابقين في حزب البعث. وهنا يكمن الخطر. فالحكومة الجديدة تحتاج في نفس الوقت الى استثناء الاشخاص ذوي التاريخ الدموي ثم ايجاد طرق لتأهيل من كانوا مقربين لنظام البعث وادراجهم للمشاركة في بناء مستقبل العراق.
ان اعادة بناء النظام السياسي للعراق سيكون محملا بالصعوبات، ولكنه ممكن بالتاكيد. وفي ذات الوقت ينبغي ان يعكس جدول الاعمال العراقي نحو الديمقراطية المزايا الفريدة للمجتمع العراقي. إن ارساء المؤسسات السياسية الديمقراطية التي تؤدي مهامها بدقة وتلبي الحاجات الخاصة للمجتمع وتتحمل مسؤولياتها يمكنها بسرعة غرس العادات الديمقراطية في السكان وستخدم هذه النتيجة الجميع ... لاسيما الشعب العراقي الذي يستحق بعد طول المعاناة اكثر من ذلك[4].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مركز الدراسات الدولية - جامعة بغداد
[1]معهد الولايات المتحدة للسلام في واشنطن بتاريخ 23/ديسمبر /2003
[2] مجلة الشؤون الخارجية تحت عنوان. How To Build Democratic Iraq بتاريخ 8/7/2003
[3]النشرة الاستراتيجية CSIS الصادرة في 5/5/2004 Iraq: What Is Be Done
[4] مجلة الشؤون الخارجية في العدد الصادر في 8/7/ 2003 How To Build Democratic Iraq
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق