جيمس بي روبن
ترجمة الباحث :أمير جبار الساعدي
وقد اجتهد بلير ودبلوماسيوه لإنجاح صيغة التفاهم هذه، لكن عناد واشنطن حكم على هذا الجهد بالإخفاق. وبدلاً من ذلك، ونظراً للجدول الزمني العسكري أو إن بوش شعر بعدم جدوى العملية الدبلوماسية، فقد عرض تمديد المدة أسبوعاً واحداً حتى منتصف آذار/ مارس. أي من دون تسوية على الإطلاق، لان هذا كان في وقت بدأت العمليات العسكرية فعلياً.
لقد كان مجدد التمديد بضعة أسابيع سيتيح الحصول على عشرة أصوات لصالح مشروع القرار البريطاني، لكن بوش رفض ذلك. إذ لم يكون الحصول على الأغلبية أولوية حقيقة للبيت الأبيض الذي اعتقد إن الانتصار العسكري سيسوغ اللجوء إلى القوة وطالما إن بلير اعتقد انه تم التوصل إلى عمل حسن نية، عد الأمريكان إن ذلك جيد بما فيه الكفاية.
إما بالنسبة للفرنسيين فقد خشوا حتى اللحظة الأخيرة في نهايتهم في صف الأقلية. فقد رغبوا بشكل يأس من تجنب اللجوء إلى الفيتو وبذلك يخسرون أي دور لهم في عراق ما بعد صدام حسين. وهذا هو السبب وراء توجه دوفيلبان برحلته غير المشهورة إلى أفريقيا لتحشيد صف المعارضة للولايات المتحدة وكذلك السبب وراء اقتراح شيراك، عند الساعة الحادية عشر حتى بعد التهديد الصريح باستخدام الفيتو، بوضع جدول زمني لمدة 30 يوماً استناداً على نسخة ضعيفة للمقترحات البريطانية.
وكان شيراك من وجهة نظر البيت الأبيض قد تجاوز الحد قبل ذلك. فقد اخبر شيراك بوش في مكالمة هاتفية معه "أنا مقتنع بأنه ليس هناك تهديد فوري أو عاجل"، لكن بوش أصر إن العراق "يشكل تهديدا" للشعب الأمريكي". وسواء كانت الإدارة الأمريكية على خطا أم صواب فقد اعتقدت إن المصالح الأمريكية الحيوية كانت على المحك وكذلك اعتبرت تهديد شيراك باستخدام الفيتو بالإجراء غير الودي للغاية.
وقد تبين بالفعل بعد ذلك إن معارضة فرنسا قد جعلت من المستحيل تمرير قرار ثان من مجلس الأمن، كما تبين كذلك إن فشل الولايات المتحدة في إرساء أساس دبلوماسي وتقديم تنازلات بسيطة جعل من المستحيل الحصول ولو على أغلبية معنوية داخل مجلس الأمن.
قوة الانتقام
لقد تعدى الجدال العلني في مجلس الأمن بشان إصدار قرار ثان في مسالة العراق. إذ ذكر معارضو مشروع القرار البريطاني الأمريكي أنهم يحاربون البيت الأبيض الذي يعتقدون بأنه هدد بتقويض النظام الدولي.
ورغم كل ذلك فان ما أخر العمل الدبلوماسي الأمريكي فعلاً هو ما كان يسمى سياسة "الضربة الوقائية". التي نشرت في استراتيجية الأمن القومي لشهر أيلول/سبتمبر الماضي. ويكشف النظر من هذه الزاوية إن الحرب في العراق بدت تجلياً لتوجه أمريكي جديد أكثر منه طريقة لدعم قرارات الأمم المتحدة. وبغض النظر عما قرره المسئولون الأمريكيون أن تتضمنه اللغة المدانة حالياً حول الضربات الوقائية وتفوق القدرة الأمريكية في الوثيقة السنوية، ثم حددوها كإشارة للسياسة الأمريكية الجديدة، فإنهم بذلك إما لم يدرسوها وإما لم يكترثوا بتأثيرها على النقاشات.
وآياً كان توضيح ذلك، فالنتيجة كانت، انه في كل مرة أصر فيها المسئولون الأمريكيون على إن هدفهم هو فرض قرارات الأمم المتحدة على العراق، فإنهم كانوا بذلك يتسلقون جداراً من التشكك فقد تلقوا أسئلة مثل: هل للعراق هو الحلقة الأولى في سلسلة الضربات الوقائية؟
ترجمة الباحث :أمير جبار الساعدي
وقد اجتهد بلير ودبلوماسيوه لإنجاح صيغة التفاهم هذه، لكن عناد واشنطن حكم على هذا الجهد بالإخفاق. وبدلاً من ذلك، ونظراً للجدول الزمني العسكري أو إن بوش شعر بعدم جدوى العملية الدبلوماسية، فقد عرض تمديد المدة أسبوعاً واحداً حتى منتصف آذار/ مارس. أي من دون تسوية على الإطلاق، لان هذا كان في وقت بدأت العمليات العسكرية فعلياً.
لقد كان مجدد التمديد بضعة أسابيع سيتيح الحصول على عشرة أصوات لصالح مشروع القرار البريطاني، لكن بوش رفض ذلك. إذ لم يكون الحصول على الأغلبية أولوية حقيقة للبيت الأبيض الذي اعتقد إن الانتصار العسكري سيسوغ اللجوء إلى القوة وطالما إن بلير اعتقد انه تم التوصل إلى عمل حسن نية، عد الأمريكان إن ذلك جيد بما فيه الكفاية.
إما بالنسبة للفرنسيين فقد خشوا حتى اللحظة الأخيرة في نهايتهم في صف الأقلية. فقد رغبوا بشكل يأس من تجنب اللجوء إلى الفيتو وبذلك يخسرون أي دور لهم في عراق ما بعد صدام حسين. وهذا هو السبب وراء توجه دوفيلبان برحلته غير المشهورة إلى أفريقيا لتحشيد صف المعارضة للولايات المتحدة وكذلك السبب وراء اقتراح شيراك، عند الساعة الحادية عشر حتى بعد التهديد الصريح باستخدام الفيتو، بوضع جدول زمني لمدة 30 يوماً استناداً على نسخة ضعيفة للمقترحات البريطانية.
وكان شيراك من وجهة نظر البيت الأبيض قد تجاوز الحد قبل ذلك. فقد اخبر شيراك بوش في مكالمة هاتفية معه "أنا مقتنع بأنه ليس هناك تهديد فوري أو عاجل"، لكن بوش أصر إن العراق "يشكل تهديدا" للشعب الأمريكي". وسواء كانت الإدارة الأمريكية على خطا أم صواب فقد اعتقدت إن المصالح الأمريكية الحيوية كانت على المحك وكذلك اعتبرت تهديد شيراك باستخدام الفيتو بالإجراء غير الودي للغاية.
وقد تبين بالفعل بعد ذلك إن معارضة فرنسا قد جعلت من المستحيل تمرير قرار ثان من مجلس الأمن، كما تبين كذلك إن فشل الولايات المتحدة في إرساء أساس دبلوماسي وتقديم تنازلات بسيطة جعل من المستحيل الحصول ولو على أغلبية معنوية داخل مجلس الأمن.
قوة الانتقام
لقد تعدى الجدال العلني في مجلس الأمن بشان إصدار قرار ثان في مسالة العراق. إذ ذكر معارضو مشروع القرار البريطاني الأمريكي أنهم يحاربون البيت الأبيض الذي يعتقدون بأنه هدد بتقويض النظام الدولي.
ورغم كل ذلك فان ما أخر العمل الدبلوماسي الأمريكي فعلاً هو ما كان يسمى سياسة "الضربة الوقائية". التي نشرت في استراتيجية الأمن القومي لشهر أيلول/سبتمبر الماضي. ويكشف النظر من هذه الزاوية إن الحرب في العراق بدت تجلياً لتوجه أمريكي جديد أكثر منه طريقة لدعم قرارات الأمم المتحدة. وبغض النظر عما قرره المسئولون الأمريكيون أن تتضمنه اللغة المدانة حالياً حول الضربات الوقائية وتفوق القدرة الأمريكية في الوثيقة السنوية، ثم حددوها كإشارة للسياسة الأمريكية الجديدة، فإنهم بذلك إما لم يدرسوها وإما لم يكترثوا بتأثيرها على النقاشات.
وآياً كان توضيح ذلك، فالنتيجة كانت، انه في كل مرة أصر فيها المسئولون الأمريكيون على إن هدفهم هو فرض قرارات الأمم المتحدة على العراق، فإنهم كانوا بذلك يتسلقون جداراً من التشكك فقد تلقوا أسئلة مثل: هل للعراق هو الحلقة الأولى في سلسلة الضربات الوقائية؟
ومن الذي يقرر إن تهديداً حالياً يبرر عملاً وقائياً؟ تصر دول أخرى مثل الهند أو باكستان أو روسيا أو الصين على حقها في اللجوء إلى الهجمات الوقائية متى ما شعروا بالتهديد؟. لقد أصبح معظم العالم مصمماً على حماية مجلس الأمن من القرارات الأمريكية التي تطلب موافقة روتينية للقيام بضربات وقائية. لو كان الحصول على دعم للقيام بعمل ضد العراق يحتل فعلاً قمة اولويات واشنطن في خريف عام 2002، لكان من الصعب تخيل خطوة معارضة تتعدى إجراء نقاش فيما إذا كانت الولايات المتحدة لها الحق في مهاجمة أياً كان وفي أي وقت تراه ضرورياً.
وتتضح بعد كل هذا القول إن الجدل بحد ذاته حول الضربات الوقائية يمكن تبريره، لكن العلاقات الدولية أشبه كثيراً بالعلاقات الشخصية. إن يحلل كل بلد مقداراً محدداً من حسن النية في رصيده في التعامل مع الآخرين. ولسوء الحظ عند حلول الخريف الماضي كان رصيد الولايات المتحدة من حسن النية قد نفذ تماماً. وقد ظهر إن الرئيس بوش قد غاب عن باله العقيدة التي كان قد صرح بها عندما كان مرشحاً وهي: من المهم أن نكون أصدقاء مع الناس في وقت لا تحتاج فيه إليهم، وعندما ما تحتاجهم بعد حين، تجد إن هناك رباطاً قوياً للصداقة.
ويرجع احد أسباب نفاد رصيد واشنطن من حسن النية إلى إن الدول الأوربية أولت كثير من اهتمامها نحو المعاهدات إذ يلتقي وزراء خارجيتهم أسبوعاً تلو الأخر في نقاش مستمر حول كيفية تعديل المعاهدات وتحسينها من اجل تشكيل الاتحاد الأوربي، واعتبر هولاء الوزراء القانون الدولي والاتفاقيات الرسمية العملة الأساس للسياسة الخارجية. وبالعكس فقد أعلنت إدارة بوش في وقت مبكر من توليها زمام السلطة الحرب على جميع المعاهدات الدولية البارزة فقد رفضت أولاً التوقيع عل برتوكول كيوتو حول البيئة. بعدها جاء انسحاب واشنطن من معاهدة حظر الصواريخ البالستية الموقعة عام 1972 ورفضها معاهدة الحظر الشامل للتجارب، وكذلك رفضها التوقيع على بروتوكول حول اتفاقية الأسلحة البايولوجية.
وقد عدت السياسة الأمريكية بشان محكمة الجزاء الدولية من العيوب، فقط لأنها لا تحظى بالتأييد الشعبي إذ لم تخلو اتفاقية الجزاء الدولية من العيوب، ولكن فريق بوش خرق قاعدة قانونية جديدة عندما أعلن إن توقيع كلينتون على الاتفاقية يعد باطلا ولاغياً (أنها خطوة غير مسوغة لان الكونغرس لم يصادق على الاتفاقية) وفي سعيه لإضعاف محكمة الجزاء الدولية أكثر فأكثر شن بوش حرباً مريرة بشان المحكمة مع الاتحاد الأوربي بأسره طالب فيها كل دولة بتوقيع وثيقة تنازل تستثني مواطني الولايات المتحدة وجنودها من تشريع المحكمة. لقد تجاوزت هذه الخطوة أكد كثيراً:ففكرة إن محكمة الجزاء الدولية لا تفرض على بلد أوربي إن يسجن مواطن أمريكي استجابة لاعتراضات الحكومة الأمريكية ليست بالفكرة الافتراضية في ابعد حدودها فحسب، بل كذلك لايمكن التفكير بها سياسياً.
وبعد هذا فربما كانت مسالة الأسرى المعتقلين في قاعدة غوانتانامو قد أشرت البداية الفعلية لنهاية التعاطف الأوربي وتضامنه مع الولايات المتحدة بعد أحداث 11 من أيلول/سبتمبر. فقد رد الأوربيون بمختلف أطيافهم السياسية بشعروهم بالصدمة وكذلك الإدانة عندما استبعد رامسفيلد بفضاضة تطبيق اتفاقية جنيف على هؤلاء الأسرى في 16 كانون الثاني/يناير 2002 إذ قال انه لم يراوده أي هاجس بسيط عن كيفية التعامل معهم بعد هجوم منظمتهم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون. حتى إن مجلة ذي ايكونومست(The Economist) المؤيدة لواشنطن في العادة وصفت وجهة النظر هذه بأنها لا تليق بدولة تحمي الطفل بحكم القانون منذ لحظة الولادة.
وتتضح بعد كل هذا القول إن الجدل بحد ذاته حول الضربات الوقائية يمكن تبريره، لكن العلاقات الدولية أشبه كثيراً بالعلاقات الشخصية. إن يحلل كل بلد مقداراً محدداً من حسن النية في رصيده في التعامل مع الآخرين. ولسوء الحظ عند حلول الخريف الماضي كان رصيد الولايات المتحدة من حسن النية قد نفذ تماماً. وقد ظهر إن الرئيس بوش قد غاب عن باله العقيدة التي كان قد صرح بها عندما كان مرشحاً وهي: من المهم أن نكون أصدقاء مع الناس في وقت لا تحتاج فيه إليهم، وعندما ما تحتاجهم بعد حين، تجد إن هناك رباطاً قوياً للصداقة.
ويرجع احد أسباب نفاد رصيد واشنطن من حسن النية إلى إن الدول الأوربية أولت كثير من اهتمامها نحو المعاهدات إذ يلتقي وزراء خارجيتهم أسبوعاً تلو الأخر في نقاش مستمر حول كيفية تعديل المعاهدات وتحسينها من اجل تشكيل الاتحاد الأوربي، واعتبر هولاء الوزراء القانون الدولي والاتفاقيات الرسمية العملة الأساس للسياسة الخارجية. وبالعكس فقد أعلنت إدارة بوش في وقت مبكر من توليها زمام السلطة الحرب على جميع المعاهدات الدولية البارزة فقد رفضت أولاً التوقيع عل برتوكول كيوتو حول البيئة. بعدها جاء انسحاب واشنطن من معاهدة حظر الصواريخ البالستية الموقعة عام 1972 ورفضها معاهدة الحظر الشامل للتجارب، وكذلك رفضها التوقيع على بروتوكول حول اتفاقية الأسلحة البايولوجية.
وقد عدت السياسة الأمريكية بشان محكمة الجزاء الدولية من العيوب، فقط لأنها لا تحظى بالتأييد الشعبي إذ لم تخلو اتفاقية الجزاء الدولية من العيوب، ولكن فريق بوش خرق قاعدة قانونية جديدة عندما أعلن إن توقيع كلينتون على الاتفاقية يعد باطلا ولاغياً (أنها خطوة غير مسوغة لان الكونغرس لم يصادق على الاتفاقية) وفي سعيه لإضعاف محكمة الجزاء الدولية أكثر فأكثر شن بوش حرباً مريرة بشان المحكمة مع الاتحاد الأوربي بأسره طالب فيها كل دولة بتوقيع وثيقة تنازل تستثني مواطني الولايات المتحدة وجنودها من تشريع المحكمة. لقد تجاوزت هذه الخطوة أكد كثيراً:ففكرة إن محكمة الجزاء الدولية لا تفرض على بلد أوربي إن يسجن مواطن أمريكي استجابة لاعتراضات الحكومة الأمريكية ليست بالفكرة الافتراضية في ابعد حدودها فحسب، بل كذلك لايمكن التفكير بها سياسياً.
وبعد هذا فربما كانت مسالة الأسرى المعتقلين في قاعدة غوانتانامو قد أشرت البداية الفعلية لنهاية التعاطف الأوربي وتضامنه مع الولايات المتحدة بعد أحداث 11 من أيلول/سبتمبر. فقد رد الأوربيون بمختلف أطيافهم السياسية بشعروهم بالصدمة وكذلك الإدانة عندما استبعد رامسفيلد بفضاضة تطبيق اتفاقية جنيف على هؤلاء الأسرى في 16 كانون الثاني/يناير 2002 إذ قال انه لم يراوده أي هاجس بسيط عن كيفية التعامل معهم بعد هجوم منظمتهم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون. حتى إن مجلة ذي ايكونومست(The Economist) المؤيدة لواشنطن في العادة وصفت وجهة النظر هذه بأنها لا تليق بدولة تحمي الطفل بحكم القانون منذ لحظة الولادة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق