جون بيلجر
ترجمة الباحث: أمير جبار الساعدي
إذ ماتت منهم بنتان صغيرتان..
"لماذا ماتا" ؟؟؟
"ماتا لعدم وجود الادوية "
فعندما شرعت بمساعدة هؤلاء الاطفال، كنت ممثل الامم المتحدة هنا" "هذا صحيح".ومن أجل مساعدتهم، كان علي العمل بصورة غير قانونية. إذ كان علي خرق العقوبات الاقتصادية التي فرضها مجلس الامن بقيادة واشنطن ولندن. وشاهدنا اليوم في هذه المستشفى دليل القتل وهو الان مسؤولية الدول الأعضاء في مجلس الامن، خصوصاً بيل كلنتون وتوني بلير.عليهم أن يكونوا هنا معنا. عليهم رؤية نتيجة قراراتهم واصرارهم على العقوبات الاقتصادية. "لقد تم تجاهل جميع بنود ميثاق الامم المتحدة واعلان حقوق الانسان نحن نشن حرباً بإسم الامم المتحدة ضد أطفال وشعب العراق، وبنتائج لا تصدق: نتائج لا تتوقعها في حرب بوجود أتفاقيات جنيف.نحن نستهدف المدنيين.بل أسوء من ذلك، فنحن نستهدف الاطفال أمثال صفاء، الذين لم يكونوا قد ولدوا عندما دخل العراق الكويت. ماهذا ؟ إنه وضع شديد البشاعة للامم المتحدة وللعالم الغربي ولجميع من هم جزء من أي نظام ديمقراطي، المسؤولون في الواقع عن سياسات حكوماتهم وتنفيذ العقوبات الاقتصادية على العراق". لقد استقال دينيس هاليداي بعد 43عاما مع الامم المتحدة. وكان خلالها مساعدا للامين العام للامم المتحدة، وذو باع طويل ومميز في مجال التنمية "محاولة مساعدة الشعوب وليس ايذائهم". كان هذا التعبير العلني الأول لعصيان لا سابق له داخل بيروقراطية الأمم المتحدة. وكتب "انا أستقيل،لان سياسة العقوبات الاقتصادية لا فائدة منها بتاتا". فنحن نقوم بعملية تدمير مجتمع بأسره.هذا هو الامر بكل بساطة....خمسة الاف طفل يموتون شهريا....لا أريد ادارة برنامج يعطي مثل هذه النتائج". ومنذ لقائي بهاليداي، أدهشني المبدأ وراء كلماته غير المتصلبة والمنتقاة بعناية وقال "تلقين تعليمات بتنفيذ سياسة تحقق مبدأ القتل الجماعي: إنها سياسة متعمدة قتلت فعلا أكثر من مليون شخص هم من الاطفال والبالغين. وكلنا يعرف أن ( نظام صدام حسين) لا يدفع ثمن العقوبات الاقتصادية، بل العكس، فقد رسخ نظامه بها. إن من يدفع الثمن هو هذا الشعب الصغير الذين يفقدون اطفالهم وابائهم بسبب الماء غير المعالج. ما هو واضح الان هو أن مجلس الامن خارج عن السيطرة، فأفعاله هنا تناقض ميثاقه الخاص واعلان حقوق الانسان واتفاقية جنيف.لكن التأريخ لن يرحم المسؤولين عن ذلك كله".لقد حطم (هاليداي) الصمت الجماعي الطويل في الامم المتحدة. وفي13من شباط 2000 أستقال (هانز فون سبونيك) الذي كان قد خلف هاليداي كمنسق انساني في بغداد. وعمل فون سبوينك شأنه شأن هاليداي، في الامم المتحدة لاكثر من(30) عاما.وتسأل قائلا "الى متى يتعرض سكان العراق المدنيين لهذه العقوبة على شيء لم يفعلوه؟.وقبل يومين استقالت(جوتا بورغارت) مديرة برنامج الغذاء العالمي في العراق وهي وكالة اخرى تابعة للامم المتحدة. إذ قالت ايضاً انها لم تعد تتحمل ما يحصل للشعب العراقي.عندما قابلت(فون سبوينك) في بغداد في اكتوبر1999، بدا واضحاً الكرب وراء مظهره الموزون المتواضع.اما عمله فيشبه عمل هاليداي في ادارة ما يسمى برنامج النفط مقابل الغذاء الذي سمح للعراق منذ عام 1996 ببيع جزء من نفطه للحصول على الاموال التي تذهب الى حساب يشرف عليه مجلس الامن. وثلث هذه الاموال لا تصرف على المعونات الانسانية، بل تذهب الى "صندوق التعويضات" التابع للامم المتحدة،اضافة الى التعويضات التي طالبت بها الكويت، أغنى دول العالم، والتعويض الذي تطالب به شركات النفط والشركات متعددة الجنسيات الاخرى. وبعدها يجري العراق مناقصة في السوق العالمية من أجل الحصول على التجهيزات الغذائية والطبية والموارد الانسانية الاخرى. وككل عقد ينبغي أن تصادق عليه لجنة الامم المتحدة للعقوبات في نيويورك.عندما فرضت العقوبات بعد دخول لعراق للكويت في آب 1990، تم حظرٌ فعال على جميع الواردات بضمنها الغذاء لمدة ثمانية اشهر،رغم أن قرار مجلس الامن رقم 661 استثنى بوضوح الغذاء والدواء. ورفضت الامم المتحدة لمدة عام السماح للعراق بإطلاق أرصدته بعد استنفاذ احتياطه النقدي. ولكون العراق يستورد كل شيء تقريباً، كان التأثير فورياً ومدمراً، وتضاعف هذا مع تأثيرات الحملة العسكرية التي استهدفت شل البنية التحتية المدنية. ونشرت صحيفة الواشنطن بوست في تقرير لها ان "واضعوا الخطط العسكرية الامريكان كانوا يأملون ان يضاعف القصف من التأثيرات الاقتصادية والنفسية للعقوبات الدولية على المجتمع العراقي...وبسبب هذه الاهداف،كان الضرر الذي لحق بالبنى والمصالح المدنية شيئاً اخر غير الذي وصفه مقدموا موجز الاخبار بلا تغير اثناء الحرب على أنه "ضرر مصاحب" وغير متعمد. ويقول مسؤولون بارزون ان المعاناة الأسوء للمدنيين لم تكن نتيجة القنابل التي ضلت طريقها ولكن نتيجة الأسلحة الدقيقة التسديد التي تضرب بالضبط لما وجهت لضربه – نحو مصانع الطاقة الكهربائية ومصافي النفط وشبكات النقل. ومن بين المبررات التي قدمت، هو أن المدنيين ليسوا بريئين. إذ يقول ضابط بارز في القوة الجوية " فهم يعيشون هناك..." وفي تقرير لوكيل الأمين العام للأمم المتحدة ( مارتي اهتيزاري) حول آثار القصف، وصف فيه الحالة "شبه المأساوية" للخدمات الأساسية في البلد. إذ كتب ما نصه "لقد تم إرجاع العراق في وقت من الأوقات إلى عصر ما قبل الصناعة، ولكن مع جميع حالات العجز لتبعية ما بعد الصناعة في الإستخدام المكثف للطاقة، والتكنولوجيا". كما أورد فريق من جامعة هارفرد في نتائج دراسة قام بها أن العراق واجه "كارثة صحية عامة". إذ حصلت عشرات الآلاف من الوفيات بنهاية عام 1991 لوحده أغلبيتهم من الأطفال. وتوقع الفريق المؤلف من مثقفين وأكادميين أمريكيين مستقلين إنه خلال الثمانية أشهر الأولى من العقوبات عندما تم حظر جميع شحنات الغذاء والدواء، توفي 47الف طفل دون الخامسة من العمر. وبدا أن ادارة جورج بوش الاب تتفق مع التوقعات،ومع ذلك كتب الدكتور(ايريك هيرنغ)،المختص في مجال العقوبات في جامعة برستل "ان العقوبات الاقتصادية الشاملة بقيت على حالها. ولا يستطيع صانعوا السياسة الذين ساندوا العقوبات القول أنهم لم يعرفوا ماذا سيحدث.ومهما كان الغرض السياسي، فقد كان الاختبار متعمدا وقاسيا، يرفض أن يمنح مجتمع بأسره الوسائل الضرورية للحياة".وفي عام 1991 أعلن مجلس الامن في قراره 687 أنه إذا تخلى العراق عن"اسلحة الدمار الشامل"(الاسلحة النووية والبايولوجية والكيمياوية) والصواريخ الباستيلية ذات مدى اكثر من 150كيلو متر، ووافق على مراقبتها بأشراف لجنة خاصة(اونسكوم)(UNSCOM)* التابعة للامم المتحدة في العراق،فسوف يرفع الحصار.وفي تقرير للاونسكوم (UNSCOM) عام1998 ذكرت فيه انه رغم الاعاقة العراقية في بعض المجالات، "الا ان مرحلة نزع التسلح وفق متطلبات مجلس الامن قد أوشكت على النهاية. فيما يخص مجالات الاسلحة الكيمياوية والصواريخ. وفي15كانون الثاني/ديسمبر1998 أوردت الوكالة الدولية للطاقة الذرية انها تخلصت من برنامج العراق للاسلحة النووية: "بكفاءة وفعالية". ويتفق في ذلك سكوت ريتر الذي عمل مفتش اسلحة بارز في الاونسكوم (UNSCOM) لمدة خمس سنوات.إذ اخبرني انه "بحلول عام1998 تم تفكيك أو تدمير البنية التحتية للاسلحة الكيمياوية كلياً من قبل الاونسكوم او العراق حسب أوامرنا.اما برنامج الاسلحة البايولوجية فقد انتهى. إذ تم التخلص من جميع منشأته الرئيسية. كما تم التخلص نهائيا من برنامج الاسلحة النووية. والتخلص النهائي من برنامج الصواريخ البالستية طويلة المدى. واذا ما سألوني عن حجم التهديد العراقي،فسأقول صفراً ً".
*حيث أثبتت كل عمليات البحث عن عدم وجود مثل هذه الاسلحة.
ورغم ان الغذاء والدواء مستثنى فنياً، ترفض لجنة العقوبات وتؤخر باستمرار طلبات غذاء الطفل والمعدات الزراعية وأدوية القلب والسرطان ومظلات الاوكسجين وأجهزة الاشعة السينية. وقد وضعت ستة عشر جهاز قلب ورئة في قائمة "الانتظار" لاحتوائها على رقائق كومبيوتر. كما تم تأخير اسطول من سيارات الاسعاف لان معداتها تشمل قوارير مفرغة تحافظ على برودة الاجهزة الطبية:وصنفت لجنة العقوبات القوارير المفرغة على أنها "مزدوجة الاستخدام" أي انه يمكن استخدامها في تصنيع الاسلحة. وادوات التنظيف كالكلورين هي أيضاً "مزدوجة الاستخدام" وكذلك الغرافيت المستخدم في اقلام الرصاص:وكذلك عربات اليد على ما يبدو من النظر في تكرار ظهورها في قائمة "الانتظار". ووضعت لجنة العقوبات منذ تشرين الاول/اكتوبر2001 في قائمة "الانتظار"(1.010) الف عقدا للحاجات الانسانية بقيمة 3.85مليار دولار. وتضم موادا متعلقة بالغذاء والصحة والماء والنظافة والزراعة والتعليم. ويرغب معظم اعضاء مجلس الأمن برفع أو التخفيف الشديد للعقوبات.ودعتها فرنسا "بالقاسية وغير الفعالة والخطرة".مع ذلك فالهيمنة الأمريكية على المجلس مشابهة لهيمنة ممثلي أمريكا وبريطانيا في لجنة العقوبات، ‘ذ ينفردان بنقض وتأخير العقود.
ويزعم ممثل بريطانيا أنهم يؤجلون فقط "واحد بالمائة" من العقود الخاصة بالحاجات الإنسانية. وهذه مغالطة: فهي تدعم ضمنا الإعاقة الأمريكية من خلال عدم الاعتراض عليها.فضلا عن ذلك، لا يمكن إبطال النقض أو "التأجيل" إلا من قبل مجلس الأمن فقط الذي شرعه. وبالوقاحة الاعتراض الذي قدمه (كوفي عنان) الذي عينه الأمريكان فعليا أمينا عام للأمم المتحدة ومفاده إن حالات التأخير والنقض "تضعف بشدة من التنفيذ الفعال لبرنامج النفط مقابل الغذاء". ودعا الى الموافقة على عقود الماء والنظافة والكهرباء "دون تأخير" نظراً لأهميتها القصوى لإنعاش الشعب العراقي". وهاجم(بينون سيفان)،المدير التنفيذي لمكتب الأمم المتحدة لبرنامج العراق،بسبب تأخير قطع غيار صناعة النفط المنهارة للعراق محذرا انه كلما قلت قدرة العراق على ضخ النفط، قلت الأموال المتوفرة لشراء الغذاء والدواء.وفي عام 1999، أخبر مسؤول بارز في إدارة كلنتون صحيفة الواشنطن بوست "كلما طالت مدة خداعنا في مجلس(الأمن) وأبقينا الأمور على حالها، كان ذلك أفضل". وفي بريطانيا أوقفت مديرية الكمارك والضريبة الطرود المتوجهة الى أقارب العراقيين وهي تحوي ملابس الأطفال ولعبهم. وكتب مدير المكتبة البريطانية جون اشورث الى عضو البرلمان هاري كوهن يخبره "انه بعد التشاور مع وزارة الخارجية" تقرر التوقف عن إرسال الكتب الى الطلبة العراقيين. وكانت المكتبة البريطانية قد ميزت نفسها مسبقا بإعلام مترجم في بغداد بعدم السماح لها بإرسال نسخة من كتاب جيمس جويز(يوليس) إليه. وياله من إجراء تافه وجبان وسخيف ذلك الذي قامت به إدارة التجارة والصناعة باعتراضها لمحاولة لإرسال وثائق الى العراق يوصون فيها العراقيين حول حقوق الإنسان وحرية الصحافة. وضمت الرزمة كذلك على نصائح بشأن تنظيم الأسرة والمساعدات أرسلت الى جامعة الموصل ولكن تم اعتراضها وإرجاعها وفق المادة(19)، أي المجموعة الغير خاضعة للرقابة.
عندما كان دنيس هاليدي يشغل منصب المسؤول البارز للأمم المتحدة في العراق،كانت تنتصب في ردهة مكتبه خزانة عرض.وقد احتوت على كيس من الطحين وبعض زيت الطبخ المتجمد وقطع من الصابون وبعض الاحتياجات المنزلية الأخرى. وقال "كان منظرا يدعو للشفقة، وتمثل الحصة الشهرية المسموح بصرفها. وقد أضفت الجبن لدفع نسبة البروتين ولكن ببساطة لم يبقى المال الكاف من مجموع ما مسموح لنا بصرفه،والذي يتحصل من العوائد المسموح للعراق بالحصول عليها من نفطه". ووصف شحنات الغذاء بأنها "عرض للازدواجية" فالشحنة التي يزعم الأمريكان أنها توفر 2.300 سعرة حرارية للشخص الواحد قد لا تصل سوى الى 2.000 سعرة او اقل. وقال "ما نحتاجه هو البروتينات الحيوانية والمعادن والفيتامينات. ونظراً لافتقار العراقيين لأي مصدرا أخر للدخل، أصبح الغذاء وسيلة للتبادل:إذ يبيعون الغذاء للحصول على ضروريات أخرى، مما يقلص أكثر كمية من السعرات الحرارية. وعليك أيضا الحصول على ملابس وأحذية لأطفالك من أجل الذهاب للمدرسة. ولديك أيضا أمهات مصابة بسوء التغذية ولا يمكنهن الإرضاع، ويحصلن على ماء قذر. ما نحتاجه هو استثمار في معالجة المياه وتوزيعها، وانتاج الطاقة الكهربائية من أجل تصنيع الغذاء وخزنه وتبريده، وكذلك في مجال التعليم والزراعة".
أما خلفه (هانزفون سبوينك) فقد أستنتج أن برنامج النفط مقابل الغذاء يوفر مبلغا مقداره 100 دولار للشخص الواحد لينفق منها طول السنة. ويشمل هذا المبلغ أيضا مايجب دفعه للبنية التحتية للمجتمع وخدماته الاساسية مثل الكهرباء والماء. واخبرني فون سبوينك "ببساطة، من المستحيل العيش أعتمادا على هذا المبلغ. ضع هذا المبلغ البسيط مقابل الافتقار للماء النظيف وأنقطاع التيار الكهربائي لما يصل الى22ساعة في اليوم، وأن غالبية المرضى لايتحملون العلاج والاذى المطلق في محاولة النهوض يوما بعد يوم، هذا أشبه بالكابوس. وليس خطأً أن أقول أن هذا متعمد. لن أرغب في الماضي إن أستخدم كلمة الابادة الجماعية، ولكن الان لا مناص منها". إن حجم الوفيات يبعث على الفزع.إ ذ كشفت دراسة قام بها صندوق إغاثة الأطفال الدولي في الأمم المتحدة(اليونسيف) ان بين عامي1991و1998كانت هناك 500.000 الف حالة وفاة فوق المعدل المتوقع بين أطفال العراق تحت الخامسة من العمر. أي بمعدل 5.200حالة وفاة يمكن تجنبها للاطفال تحت سن الخامسة. وذكر "هانزفون سبوينك" "حوالي167طفلا عراقيا يموتون يوميا".اما دنيس هاليداي فقال "وإذا شمل ذلك البالغين، فمن المؤكد ان العدد المتوقع يفوق المليون تقريبا".في عام1999أفاد تقرير لهيئة إنسانية شكلها مجلس الامن أن العراق تحول من "غنىً نسبي" قبل عام1991الى"فقر شديد". وانتقدت الهيئة برنامج النفط مقابل الغذاء كونه "غير كفوء" لعلاج وضع إنساني "منذر بكارثة" "ولا يمكن وصفه". وتقدمت الهيئة خطوة كبرى بمهاجمتها لراعيها، متهمة إياه إن "الشعب العراقي ما كان ليخضع لمثل هذا الحرمان بغياب الإجراءات المطولة التي فرضها مجلس الأمن". واكتشفت الهيئة مرة أخرى إن الضحية الأولى هم الأطفال. إذ ارتفع معدل وفيات الأطفال الرضع من أحد أقل النسب في العالم في عام1990الى أعلاها. وفي دراسة منفصلة، ذكر ريتشارد غارفيلد،عالم الأوبئة الشهير في جامعة كولومبيا في نيويورك ان وفيات الأطفال في العراق قد تضاعفت ثلاث مرات منذ عام 1991 فقد سجلت حالة استثنائية. وكتب قائلاً "لم تسجل أي حالة لارتفاع وفيات الأطفال تحت سن الخامسة في العالم الحديث،وقد أستنتج الباحثان الأمريكيان جون مويلر وكارل مايلر بعد دراسة هذه الإحصائيات "إن العقوبات الاقتصادية على الأرجح قد آخذت مسبقاً أرواح أناس اكثر مما تقتله أسلحة الدمار الشامل في التاريخ". ووقع سبعين عضواً في مجلس الكونغرس الأمريكي عام 1999 رسالة فضة على غير العادة الى الرئيس كلنتون يدعونه فيها الى رفع الحصار وإنهاء مادعوه "حفلة تنكرية لقتل الأطفال في السياسة". وكانت إدارة كلنتون قد أجابتهم مسبقاً. ففي عام 1996،وفي مقابلة غير مشهورة في برنامج الشؤون الامريكية الحالية (60دقيقة) سئلت (مادلين اولبرايت) التي أصبحت فيما بعد وزيرة الخارجية السؤال التالي "سمعنا ان نصف مليون طفل قد توفوا ...هل الثمن يستحق ذلك ؟ فأجابت اولبرايت ،"اعتقد انه خيار صعب للغاية،لكن الثمن ..نعتقد ان الثمن يستحق.
ترجمة الباحث: أمير جبار الساعدي
إذ ماتت منهم بنتان صغيرتان..
"لماذا ماتا" ؟؟؟
"ماتا لعدم وجود الادوية "
فعندما شرعت بمساعدة هؤلاء الاطفال، كنت ممثل الامم المتحدة هنا" "هذا صحيح".ومن أجل مساعدتهم، كان علي العمل بصورة غير قانونية. إذ كان علي خرق العقوبات الاقتصادية التي فرضها مجلس الامن بقيادة واشنطن ولندن. وشاهدنا اليوم في هذه المستشفى دليل القتل وهو الان مسؤولية الدول الأعضاء في مجلس الامن، خصوصاً بيل كلنتون وتوني بلير.عليهم أن يكونوا هنا معنا. عليهم رؤية نتيجة قراراتهم واصرارهم على العقوبات الاقتصادية. "لقد تم تجاهل جميع بنود ميثاق الامم المتحدة واعلان حقوق الانسان نحن نشن حرباً بإسم الامم المتحدة ضد أطفال وشعب العراق، وبنتائج لا تصدق: نتائج لا تتوقعها في حرب بوجود أتفاقيات جنيف.نحن نستهدف المدنيين.بل أسوء من ذلك، فنحن نستهدف الاطفال أمثال صفاء، الذين لم يكونوا قد ولدوا عندما دخل العراق الكويت. ماهذا ؟ إنه وضع شديد البشاعة للامم المتحدة وللعالم الغربي ولجميع من هم جزء من أي نظام ديمقراطي، المسؤولون في الواقع عن سياسات حكوماتهم وتنفيذ العقوبات الاقتصادية على العراق". لقد استقال دينيس هاليداي بعد 43عاما مع الامم المتحدة. وكان خلالها مساعدا للامين العام للامم المتحدة، وذو باع طويل ومميز في مجال التنمية "محاولة مساعدة الشعوب وليس ايذائهم". كان هذا التعبير العلني الأول لعصيان لا سابق له داخل بيروقراطية الأمم المتحدة. وكتب "انا أستقيل،لان سياسة العقوبات الاقتصادية لا فائدة منها بتاتا". فنحن نقوم بعملية تدمير مجتمع بأسره.هذا هو الامر بكل بساطة....خمسة الاف طفل يموتون شهريا....لا أريد ادارة برنامج يعطي مثل هذه النتائج". ومنذ لقائي بهاليداي، أدهشني المبدأ وراء كلماته غير المتصلبة والمنتقاة بعناية وقال "تلقين تعليمات بتنفيذ سياسة تحقق مبدأ القتل الجماعي: إنها سياسة متعمدة قتلت فعلا أكثر من مليون شخص هم من الاطفال والبالغين. وكلنا يعرف أن ( نظام صدام حسين) لا يدفع ثمن العقوبات الاقتصادية، بل العكس، فقد رسخ نظامه بها. إن من يدفع الثمن هو هذا الشعب الصغير الذين يفقدون اطفالهم وابائهم بسبب الماء غير المعالج. ما هو واضح الان هو أن مجلس الامن خارج عن السيطرة، فأفعاله هنا تناقض ميثاقه الخاص واعلان حقوق الانسان واتفاقية جنيف.لكن التأريخ لن يرحم المسؤولين عن ذلك كله".لقد حطم (هاليداي) الصمت الجماعي الطويل في الامم المتحدة. وفي13من شباط 2000 أستقال (هانز فون سبونيك) الذي كان قد خلف هاليداي كمنسق انساني في بغداد. وعمل فون سبوينك شأنه شأن هاليداي، في الامم المتحدة لاكثر من(30) عاما.وتسأل قائلا "الى متى يتعرض سكان العراق المدنيين لهذه العقوبة على شيء لم يفعلوه؟.وقبل يومين استقالت(جوتا بورغارت) مديرة برنامج الغذاء العالمي في العراق وهي وكالة اخرى تابعة للامم المتحدة. إذ قالت ايضاً انها لم تعد تتحمل ما يحصل للشعب العراقي.عندما قابلت(فون سبوينك) في بغداد في اكتوبر1999، بدا واضحاً الكرب وراء مظهره الموزون المتواضع.اما عمله فيشبه عمل هاليداي في ادارة ما يسمى برنامج النفط مقابل الغذاء الذي سمح للعراق منذ عام 1996 ببيع جزء من نفطه للحصول على الاموال التي تذهب الى حساب يشرف عليه مجلس الامن. وثلث هذه الاموال لا تصرف على المعونات الانسانية، بل تذهب الى "صندوق التعويضات" التابع للامم المتحدة،اضافة الى التعويضات التي طالبت بها الكويت، أغنى دول العالم، والتعويض الذي تطالب به شركات النفط والشركات متعددة الجنسيات الاخرى. وبعدها يجري العراق مناقصة في السوق العالمية من أجل الحصول على التجهيزات الغذائية والطبية والموارد الانسانية الاخرى. وككل عقد ينبغي أن تصادق عليه لجنة الامم المتحدة للعقوبات في نيويورك.عندما فرضت العقوبات بعد دخول لعراق للكويت في آب 1990، تم حظرٌ فعال على جميع الواردات بضمنها الغذاء لمدة ثمانية اشهر،رغم أن قرار مجلس الامن رقم 661 استثنى بوضوح الغذاء والدواء. ورفضت الامم المتحدة لمدة عام السماح للعراق بإطلاق أرصدته بعد استنفاذ احتياطه النقدي. ولكون العراق يستورد كل شيء تقريباً، كان التأثير فورياً ومدمراً، وتضاعف هذا مع تأثيرات الحملة العسكرية التي استهدفت شل البنية التحتية المدنية. ونشرت صحيفة الواشنطن بوست في تقرير لها ان "واضعوا الخطط العسكرية الامريكان كانوا يأملون ان يضاعف القصف من التأثيرات الاقتصادية والنفسية للعقوبات الدولية على المجتمع العراقي...وبسبب هذه الاهداف،كان الضرر الذي لحق بالبنى والمصالح المدنية شيئاً اخر غير الذي وصفه مقدموا موجز الاخبار بلا تغير اثناء الحرب على أنه "ضرر مصاحب" وغير متعمد. ويقول مسؤولون بارزون ان المعاناة الأسوء للمدنيين لم تكن نتيجة القنابل التي ضلت طريقها ولكن نتيجة الأسلحة الدقيقة التسديد التي تضرب بالضبط لما وجهت لضربه – نحو مصانع الطاقة الكهربائية ومصافي النفط وشبكات النقل. ومن بين المبررات التي قدمت، هو أن المدنيين ليسوا بريئين. إذ يقول ضابط بارز في القوة الجوية " فهم يعيشون هناك..." وفي تقرير لوكيل الأمين العام للأمم المتحدة ( مارتي اهتيزاري) حول آثار القصف، وصف فيه الحالة "شبه المأساوية" للخدمات الأساسية في البلد. إذ كتب ما نصه "لقد تم إرجاع العراق في وقت من الأوقات إلى عصر ما قبل الصناعة، ولكن مع جميع حالات العجز لتبعية ما بعد الصناعة في الإستخدام المكثف للطاقة، والتكنولوجيا". كما أورد فريق من جامعة هارفرد في نتائج دراسة قام بها أن العراق واجه "كارثة صحية عامة". إذ حصلت عشرات الآلاف من الوفيات بنهاية عام 1991 لوحده أغلبيتهم من الأطفال. وتوقع الفريق المؤلف من مثقفين وأكادميين أمريكيين مستقلين إنه خلال الثمانية أشهر الأولى من العقوبات عندما تم حظر جميع شحنات الغذاء والدواء، توفي 47الف طفل دون الخامسة من العمر. وبدا أن ادارة جورج بوش الاب تتفق مع التوقعات،ومع ذلك كتب الدكتور(ايريك هيرنغ)،المختص في مجال العقوبات في جامعة برستل "ان العقوبات الاقتصادية الشاملة بقيت على حالها. ولا يستطيع صانعوا السياسة الذين ساندوا العقوبات القول أنهم لم يعرفوا ماذا سيحدث.ومهما كان الغرض السياسي، فقد كان الاختبار متعمدا وقاسيا، يرفض أن يمنح مجتمع بأسره الوسائل الضرورية للحياة".وفي عام 1991 أعلن مجلس الامن في قراره 687 أنه إذا تخلى العراق عن"اسلحة الدمار الشامل"(الاسلحة النووية والبايولوجية والكيمياوية) والصواريخ الباستيلية ذات مدى اكثر من 150كيلو متر، ووافق على مراقبتها بأشراف لجنة خاصة(اونسكوم)(UNSCOM)* التابعة للامم المتحدة في العراق،فسوف يرفع الحصار.وفي تقرير للاونسكوم (UNSCOM) عام1998 ذكرت فيه انه رغم الاعاقة العراقية في بعض المجالات، "الا ان مرحلة نزع التسلح وفق متطلبات مجلس الامن قد أوشكت على النهاية. فيما يخص مجالات الاسلحة الكيمياوية والصواريخ. وفي15كانون الثاني/ديسمبر1998 أوردت الوكالة الدولية للطاقة الذرية انها تخلصت من برنامج العراق للاسلحة النووية: "بكفاءة وفعالية". ويتفق في ذلك سكوت ريتر الذي عمل مفتش اسلحة بارز في الاونسكوم (UNSCOM) لمدة خمس سنوات.إذ اخبرني انه "بحلول عام1998 تم تفكيك أو تدمير البنية التحتية للاسلحة الكيمياوية كلياً من قبل الاونسكوم او العراق حسب أوامرنا.اما برنامج الاسلحة البايولوجية فقد انتهى. إذ تم التخلص من جميع منشأته الرئيسية. كما تم التخلص نهائيا من برنامج الاسلحة النووية. والتخلص النهائي من برنامج الصواريخ البالستية طويلة المدى. واذا ما سألوني عن حجم التهديد العراقي،فسأقول صفراً ً".
*حيث أثبتت كل عمليات البحث عن عدم وجود مثل هذه الاسلحة.
ورغم ان الغذاء والدواء مستثنى فنياً، ترفض لجنة العقوبات وتؤخر باستمرار طلبات غذاء الطفل والمعدات الزراعية وأدوية القلب والسرطان ومظلات الاوكسجين وأجهزة الاشعة السينية. وقد وضعت ستة عشر جهاز قلب ورئة في قائمة "الانتظار" لاحتوائها على رقائق كومبيوتر. كما تم تأخير اسطول من سيارات الاسعاف لان معداتها تشمل قوارير مفرغة تحافظ على برودة الاجهزة الطبية:وصنفت لجنة العقوبات القوارير المفرغة على أنها "مزدوجة الاستخدام" أي انه يمكن استخدامها في تصنيع الاسلحة. وادوات التنظيف كالكلورين هي أيضاً "مزدوجة الاستخدام" وكذلك الغرافيت المستخدم في اقلام الرصاص:وكذلك عربات اليد على ما يبدو من النظر في تكرار ظهورها في قائمة "الانتظار". ووضعت لجنة العقوبات منذ تشرين الاول/اكتوبر2001 في قائمة "الانتظار"(1.010) الف عقدا للحاجات الانسانية بقيمة 3.85مليار دولار. وتضم موادا متعلقة بالغذاء والصحة والماء والنظافة والزراعة والتعليم. ويرغب معظم اعضاء مجلس الأمن برفع أو التخفيف الشديد للعقوبات.ودعتها فرنسا "بالقاسية وغير الفعالة والخطرة".مع ذلك فالهيمنة الأمريكية على المجلس مشابهة لهيمنة ممثلي أمريكا وبريطانيا في لجنة العقوبات، ‘ذ ينفردان بنقض وتأخير العقود.
ويزعم ممثل بريطانيا أنهم يؤجلون فقط "واحد بالمائة" من العقود الخاصة بالحاجات الإنسانية. وهذه مغالطة: فهي تدعم ضمنا الإعاقة الأمريكية من خلال عدم الاعتراض عليها.فضلا عن ذلك، لا يمكن إبطال النقض أو "التأجيل" إلا من قبل مجلس الأمن فقط الذي شرعه. وبالوقاحة الاعتراض الذي قدمه (كوفي عنان) الذي عينه الأمريكان فعليا أمينا عام للأمم المتحدة ومفاده إن حالات التأخير والنقض "تضعف بشدة من التنفيذ الفعال لبرنامج النفط مقابل الغذاء". ودعا الى الموافقة على عقود الماء والنظافة والكهرباء "دون تأخير" نظراً لأهميتها القصوى لإنعاش الشعب العراقي". وهاجم(بينون سيفان)،المدير التنفيذي لمكتب الأمم المتحدة لبرنامج العراق،بسبب تأخير قطع غيار صناعة النفط المنهارة للعراق محذرا انه كلما قلت قدرة العراق على ضخ النفط، قلت الأموال المتوفرة لشراء الغذاء والدواء.وفي عام 1999، أخبر مسؤول بارز في إدارة كلنتون صحيفة الواشنطن بوست "كلما طالت مدة خداعنا في مجلس(الأمن) وأبقينا الأمور على حالها، كان ذلك أفضل". وفي بريطانيا أوقفت مديرية الكمارك والضريبة الطرود المتوجهة الى أقارب العراقيين وهي تحوي ملابس الأطفال ولعبهم. وكتب مدير المكتبة البريطانية جون اشورث الى عضو البرلمان هاري كوهن يخبره "انه بعد التشاور مع وزارة الخارجية" تقرر التوقف عن إرسال الكتب الى الطلبة العراقيين. وكانت المكتبة البريطانية قد ميزت نفسها مسبقا بإعلام مترجم في بغداد بعدم السماح لها بإرسال نسخة من كتاب جيمس جويز(يوليس) إليه. وياله من إجراء تافه وجبان وسخيف ذلك الذي قامت به إدارة التجارة والصناعة باعتراضها لمحاولة لإرسال وثائق الى العراق يوصون فيها العراقيين حول حقوق الإنسان وحرية الصحافة. وضمت الرزمة كذلك على نصائح بشأن تنظيم الأسرة والمساعدات أرسلت الى جامعة الموصل ولكن تم اعتراضها وإرجاعها وفق المادة(19)، أي المجموعة الغير خاضعة للرقابة.
عندما كان دنيس هاليدي يشغل منصب المسؤول البارز للأمم المتحدة في العراق،كانت تنتصب في ردهة مكتبه خزانة عرض.وقد احتوت على كيس من الطحين وبعض زيت الطبخ المتجمد وقطع من الصابون وبعض الاحتياجات المنزلية الأخرى. وقال "كان منظرا يدعو للشفقة، وتمثل الحصة الشهرية المسموح بصرفها. وقد أضفت الجبن لدفع نسبة البروتين ولكن ببساطة لم يبقى المال الكاف من مجموع ما مسموح لنا بصرفه،والذي يتحصل من العوائد المسموح للعراق بالحصول عليها من نفطه". ووصف شحنات الغذاء بأنها "عرض للازدواجية" فالشحنة التي يزعم الأمريكان أنها توفر 2.300 سعرة حرارية للشخص الواحد قد لا تصل سوى الى 2.000 سعرة او اقل. وقال "ما نحتاجه هو البروتينات الحيوانية والمعادن والفيتامينات. ونظراً لافتقار العراقيين لأي مصدرا أخر للدخل، أصبح الغذاء وسيلة للتبادل:إذ يبيعون الغذاء للحصول على ضروريات أخرى، مما يقلص أكثر كمية من السعرات الحرارية. وعليك أيضا الحصول على ملابس وأحذية لأطفالك من أجل الذهاب للمدرسة. ولديك أيضا أمهات مصابة بسوء التغذية ولا يمكنهن الإرضاع، ويحصلن على ماء قذر. ما نحتاجه هو استثمار في معالجة المياه وتوزيعها، وانتاج الطاقة الكهربائية من أجل تصنيع الغذاء وخزنه وتبريده، وكذلك في مجال التعليم والزراعة".
أما خلفه (هانزفون سبوينك) فقد أستنتج أن برنامج النفط مقابل الغذاء يوفر مبلغا مقداره 100 دولار للشخص الواحد لينفق منها طول السنة. ويشمل هذا المبلغ أيضا مايجب دفعه للبنية التحتية للمجتمع وخدماته الاساسية مثل الكهرباء والماء. واخبرني فون سبوينك "ببساطة، من المستحيل العيش أعتمادا على هذا المبلغ. ضع هذا المبلغ البسيط مقابل الافتقار للماء النظيف وأنقطاع التيار الكهربائي لما يصل الى22ساعة في اليوم، وأن غالبية المرضى لايتحملون العلاج والاذى المطلق في محاولة النهوض يوما بعد يوم، هذا أشبه بالكابوس. وليس خطأً أن أقول أن هذا متعمد. لن أرغب في الماضي إن أستخدم كلمة الابادة الجماعية، ولكن الان لا مناص منها". إن حجم الوفيات يبعث على الفزع.إ ذ كشفت دراسة قام بها صندوق إغاثة الأطفال الدولي في الأمم المتحدة(اليونسيف) ان بين عامي1991و1998كانت هناك 500.000 الف حالة وفاة فوق المعدل المتوقع بين أطفال العراق تحت الخامسة من العمر. أي بمعدل 5.200حالة وفاة يمكن تجنبها للاطفال تحت سن الخامسة. وذكر "هانزفون سبوينك" "حوالي167طفلا عراقيا يموتون يوميا".اما دنيس هاليداي فقال "وإذا شمل ذلك البالغين، فمن المؤكد ان العدد المتوقع يفوق المليون تقريبا".في عام1999أفاد تقرير لهيئة إنسانية شكلها مجلس الامن أن العراق تحول من "غنىً نسبي" قبل عام1991الى"فقر شديد". وانتقدت الهيئة برنامج النفط مقابل الغذاء كونه "غير كفوء" لعلاج وضع إنساني "منذر بكارثة" "ولا يمكن وصفه". وتقدمت الهيئة خطوة كبرى بمهاجمتها لراعيها، متهمة إياه إن "الشعب العراقي ما كان ليخضع لمثل هذا الحرمان بغياب الإجراءات المطولة التي فرضها مجلس الأمن". واكتشفت الهيئة مرة أخرى إن الضحية الأولى هم الأطفال. إذ ارتفع معدل وفيات الأطفال الرضع من أحد أقل النسب في العالم في عام1990الى أعلاها. وفي دراسة منفصلة، ذكر ريتشارد غارفيلد،عالم الأوبئة الشهير في جامعة كولومبيا في نيويورك ان وفيات الأطفال في العراق قد تضاعفت ثلاث مرات منذ عام 1991 فقد سجلت حالة استثنائية. وكتب قائلاً "لم تسجل أي حالة لارتفاع وفيات الأطفال تحت سن الخامسة في العالم الحديث،وقد أستنتج الباحثان الأمريكيان جون مويلر وكارل مايلر بعد دراسة هذه الإحصائيات "إن العقوبات الاقتصادية على الأرجح قد آخذت مسبقاً أرواح أناس اكثر مما تقتله أسلحة الدمار الشامل في التاريخ". ووقع سبعين عضواً في مجلس الكونغرس الأمريكي عام 1999 رسالة فضة على غير العادة الى الرئيس كلنتون يدعونه فيها الى رفع الحصار وإنهاء مادعوه "حفلة تنكرية لقتل الأطفال في السياسة". وكانت إدارة كلنتون قد أجابتهم مسبقاً. ففي عام 1996،وفي مقابلة غير مشهورة في برنامج الشؤون الامريكية الحالية (60دقيقة) سئلت (مادلين اولبرايت) التي أصبحت فيما بعد وزيرة الخارجية السؤال التالي "سمعنا ان نصف مليون طفل قد توفوا ...هل الثمن يستحق ذلك ؟ فأجابت اولبرايت ،"اعتقد انه خيار صعب للغاية،لكن الثمن ..نعتقد ان الثمن يستحق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق